إظهار الرسائل ذات التسميات اسلاميات. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات اسلاميات. إظهار كافة الرسائل
الأحد، 24 مايو 2015
فاليأس من رحمة الله والقنوط من رحمته كفر لا يجوز لمؤمن الوقوع فيه
فاليأس من رحمة الله والقنوط من رحمته كفر لا يجوز لمؤمن الوقوع فيه
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ممن وفى، ومن اتبع هداهم واستن بسنتهم واقتفى.
يحيط بابن آدم أعداء كثر من شياطين الإنس والجن. يحسنون القبيح ويقبحون الحسن، ينضم إليهم النفس الأمارة بالسوء والشيطان والهوى يدعونه إلى الشهوات ويقودونه إلى مهاوي الردى وينحدر في موبقات الذنوب صغائرها وكبائرها وينساق في مغريات الحياة وداعيات الهوى، يصاحب ذلك ضيق وحرج وشعور بالذنب والخطيئة حتى تكاد أن تنغلق أمامه أبواب الأمل ويدخل في دائرة اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله. وهذا غاية ما يريده الشيطان من العبد... وهو أن يصل إلى هذه المرحلة من اليأس. فيترك التوبة والأعمال الصالحة وينغمس في الذنوب والمعاصي لأنه يرى نفسه مجرماً لا يصلح للخير وليس من أهله، يرى نفسه مخادعاً لا يتوب توبة صادقة فيفرح الشيطان بذلك ويشعر بلذة النصر.
أن الله العليم الحكيم الرؤوف الرحيم الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير فتح لعباده أبواب التوبة ودلهم على الاستغفار وجعل لهم من أعمالهم الصالحة كفارات وفي ابتلائهم مكفرات بل إنه بفضله وكرمه يبدل سيئاتهم حسنات: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً [النساء:27-28].
فلماذا نجعل للشيطان بعد ذلك علينا سبيلاً؟ لقد جعل الله في التوبة ملاذاً مكيناً وملجأً حصيناً يدخله المذنب معترفاً بذنبه مؤملاً في ربه نادماً على فعله غير مصر على ذنبه. يحتمي بحمى الاستغفار، يتبع السيئة الحسنة فيكفر الله عنه سيئاته ويرفع درجاته.
فيامن وقعت في الذنوب صغيرها وكبيرها عظيمها وحقيرها نداء الله لك: قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. هل تأملت قوله تعالى: يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إنه تعميم لجميع الذنوب بلا استثناء، ولو كانت تلك الذنوب كلها كبائر من حيث النوع ولو ملأت عنان السماء وبلغت عدد رمال الدنيا من حيث الكم هذا معنى جَمِيعاً فكيف يتسلل اليأس بعد هذه الآية إلى نفس مؤمن قد أسرف على نفسه في المعاصي يتلو هذه الآية ويسمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوبة.
التوبة الصادقة تمحو الخطايا مهما كانت حتى الكفر والشرك ... يقول تعالى: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]. وتأمل إلى قتلة الأنبياء ممن قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، وقالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. ناداهم الله جل وعلا بقوله: أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة:74]. وإلى أصحاب الأخدود الذين قتلوا عباد الله المؤمنين بغير ذنب إلا أنهم آمنوا بالله ربهم، ينبههم الله عز وجل إلى أنهم لو تابوا لتاب عليهم وقبلهم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10]. قال الحسن البصري في هذه الآية: (قتلوا أولياءه وهو يعرض عليهم التوبة).
فتح ربنا أبوابه لكل التائبين، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. وقال في الحديث القدسي: ((يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم)) [رواه مسلم]. وقال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً [النساء:110]. ومن ظن أن ذنباً لا يتسع له عفو الله فقد ظن بربه ظن السوء. كم من عبد كان من إخوان الشياطين فمنَّ الله عليه بتوبة محت عنه ما سلف فصار صواماً قواماً قانتاًَ لله ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.
من تدنس بشيء من قذر المعاصي ـ وكلنا ذاك الرجل ـ فليبادر بغسله بماء التوبة والاستغفار فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين بل قد ورد في الحديث أن الله يفرح كثيراً بتوبة العبد وتأمل ما رواه مسلم من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كيف تقولون بفرح رجل انفلتت منه راحلته تجر زمامها بأرض قفر ليس بها طعام ولا شراب وعليها له طعام وشراب، فطلبها حتى شق عليه ثم مرت بجذل شجرة فتعلق زمامها فوجدها متعلقة به. قلنا: شديداً يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله لله أشد فرحاً بتوبة عبده من الرجل براحلته)) الله أكبر رب يفرح هذا الفرح بتوبة عبد فما أرحمه من رب وما أعظمه وما أحلمه!. فماذا يريد العاصي بعد ذلك؟!
أيها العاصي: ماذا تراك فعلت؟؟ سرقت.. زنيت.. قتلت.. أم أكلت الربا.. والرشوة.. أم فعلت وفعلت..، كل ذلك يصغر في جنب رحمة الله، أليس الله قد قال: وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء [الأعراف:165]. أوليست ذنوبك شيئاً؟! بلى والله.. إذاً فأبشر فرحمة الله تسعها.
إن الشيطان ليفرح ويحس بالنصر على من يئس من نفسه أن يتوب وترك التوبة، إنه خطأ عظيم يرتكبه العبد عندما يترك التوبة يأساً من نفسه وقنوطاً من رحمة الله.
إنه الشيطان الذي يجعل المذنب يشعر بأنه رجل غير صالح وأنه صاحب معاصي، وهذا خطأ، لأننا جميعاً أصحاب معاصي قال صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)) [رواه الترمذي وابن ماجه].
فهل يخرج من هذا العموم أحد؟؟ كلا.. فكلنا ذوو خطأ، وعلينا جميعاً أن نتوب.
إن من أسباب قنوط بعض الناس من رحمة الله - هداهم الله - أنهم يتوبون ثم يقعون ثم يتوبون ثم يقعون مرة أخرى، ويتكرر ذلك عليهم حتى يرى الواحد منهم أنه غير صادق في توبته، وأن توبته غير مقبولة عند الله.
والحق أن هذه الخواطر إنما يلقيها الشيطان في روح العبد حتى إذا وقع في ذنب لا يتوب منه وهذا ما يريده عدو الله. لأن توبة العاصي بعد ذنبه تذهب تعب الشيطان هباء منثوراً، فهو لا يريدك أن تتوب، ولذلك يبث اليأس في نفس ذلك العبد. وتأمل هذين الحديثين.
أولهما: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي، عن ربه عز وجل قال: ((أذنب عبد ذنباً، فقال: اللهم! اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أنه له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً، فعلم أنه له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أنه له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك)) [رواه الشيخان].
وثانيهما: عن عقبة بن عامر الجهني أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أحدنا يذنب. قال: ((يكتب عليه)). قال: ثم يستغفر منه ويتوب، قال: ((يغفر له ويتاب عليه. ولا يمل الله حتى تملوا)) [رواه الحاكم].
فإياك إذاً أن تيأس من رحمة الله وتقع في ما هو أكبر من ذنبك. فاليأس من رحمة الله والقنوط من رحمته كفر لا يجوز لمؤمن الوقوع فيه. فالمستفيد الوحيد من هذا اليأس هو الشيطان الرجيم حيث يكسب إلى صفه فرداً جديداً يريحه من عناء إغوائه ودفعه إلى الوقوع في المنكرات، فإن اليائس لا يحتاج إلى كبير جهد ليقع فيما حرم الله حيث أنه يرى أنه لا خلاص له من النار، ولذلك فعليه أن يتمتع كما يظن في هذه الدنيا بكل أنواع الملذات ولو كانت حراماً. وهو لا يدري أنه لا يزداد بذلك إلا شقاء في الدنيا قبل الآخرة.
يقول ابن القيم رحمه الله: (العبد لا يريد بمعصيته مخالفة سيده ولا الجرأة على محارمه، ولكن غلبات الطبع، وتزيين النفس والشيطان، وقهر الهوى، والثقة بالعفو، ورجاء المغفرة، هذا من جانب العبد. وأما من جانب الربوبية فجريان الحكم، وإظهار عز الربوبية وذل العبودية وكمال الاحتياج، وظهور آثار الأسماء الحسنى كالعفو والغفور والتواب والحليم، لمن جاء تائباً نادماً، والمنتقم والعدل وذي البطش الشديد لمن أصر ولزم المعرة. فهو سبحانه يريد أن يري عبده تفرده بالكمال، ونقص العبد وحاجته إليه. ويشهده كمال قدرته وعزته، وكمال مغفرته وعفوه ورحمته، وكمال بره وستره، وحلمه وتجاوزه وصفحه، وأن رحمته به إحسان إليه لا معاوضة، وأنه إن لم يتغمده برحمته وفضله فهو هالك لا محالة. فلله كم في تقدير الذنب من حكمة، وكم فيه مع تحقيق التوبة للعبد من مصلحة ورحمة) ا.هـ.
الجمعة، 22 مايو 2015
الترابط والتآلف بين ولاة الأمر من الحكام والعلماء وبين المؤمنين الصادقين وعامة الناس
الترابط والتآلف بين ولاة الأمر من الحكام والعلماء وبين المؤمنين الصادقين وعامة الناس
-----------------------
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى أحمده سبحانه وأشكره وأثني عليه الخير كله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
فإن الناس في أي زمان ومكان لا تستقيم أمورهم وشؤونهم وهم فوضى لا سراة لهم، وجميع البشر على وجه الأرض جعلهم الله درجات، فمنهم الحاكم والمحكوم والأمير والمأمور والرئيس والمرءوس، وهذه سنة كونية من الله عز وجل في عباده.
والمسلمون إذا طبقوا إسلامهم كاملاً ورضوا به حكماً في جميع شؤونهم فسوف يعيشون في غاية العزة والسعادة والرفعة بإذن الله في الدنيا، ولهم في الآخرة من الله الأجر العظيم.
الإسلام خير كله على أهله العاملين به والمقصرين، وهو خير كله أيضاً على البشرية جميعها، لم يترك فيه شيء إلا طرق، ولا مسألة أو مشكلة إلا وجد فيه الحل الأمثل. وإن من أهم الأمور التي يشطح فيها أبناء الإسلام وتزل بهم الأقدام وتتباين بهم حولها الآراء والاتجاهات والاختلافات والأهواء خاصةً في هذا الزمان الذي تعددت فيه المشارب والثقافات واختلط فيه الغث بالسمين ودُسَّ السّم في العسل وكثرت فيه الشبهات والشهوات واختلفت النيات والمقاصد، واختلط على كثير من الناس فهم ومعرفة طرق أهل الباطل وأساليبهم في كثير من دروب الغواية والضلالة الواضحة الجلية لأهل العلم والبصيرة، فضلاً عن أن يعرفوا أساليب وطرق بني جلدتهم الذين يتكلمون بألسنتهم ولغتهم وإسلامهم أحياناً.
فمن تلك الأمور التي شطحوا فيها طاعة أولي الأمر من المسلمين وبيعتهم، ولو أنصفوا من أنفسهم واتبعوا كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قراءة وتدبراً واستنباطاً بعد الفهم الصحيح الذي لن يكون إلا على أيدي العلماء المخلصين الخائفين من الله عز وجل والذين لا تطيش بهم الأهواء والآراء والاعتبارات أياً كانت، لو فعلوا ذلك لما تفرقوا شيعاً وأحزاباً كل بما لديهم فرحون. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شَىْء إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [الأنعام:159]. وقال تعالى: وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:31-32].
وإننا في هذا البلد الطيب المبارك بإذن الله محسودون بين الأمم المعاصرة لنا، ويوشك أن تداعى علينا تلك الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، محسودون حسد غبطة بين المؤمنين في بقاع الأرض حيث يتمنون الحياة الكريمة الآمنة التي يحكّم فيها شرع الله بيننا، ويريدون أن يكون حالهم كحالنا أو أفضل مع تقصيرنا الذي يعلمه الله، ومحسودون أيضاً حسد تمني زوال هذه النعم المتعددة التي نعيشها، محسودون من قبل أعداء ديننا الإسلامي الحنيف ابتداء من بني جلدتنا أصحاب الشهوات والشبهات والمعاصي والمنكرات والمنافقين والرافضة واليهود والنصارى والشيوعيين وجميع ملل الكفر ونحله، ولن يرضوا عما نحن فيه وعليه، ولن يقر لهم قرار أو يهدأ لهم بال في ليل أو نهار حتى يسعوا لتقويض معالم دين الإسلام بأي طريقة كانت، سواء منهم وبأيديهم أو بأيدي بني جلدتنا، فهم السلاح الفتاك الذي عن طريقهم تدخل الشرور وترتكب المعاصي والآثام دون انتباه عامة الناس لخطط الأعداء الألداء للإسلام والمسلمين، وقد بلغوا كثيراً مما أرادوه وخططوا له على غفلة من أهل الإسلام الغيورين، وكان نَفَسُهُمْ طويلاً خلال عشرات السنين ولكنهم مهما مكروا وفكروا ودبروا وقدروا فالله لهم بالمرصاد فهو سبحانه حافظ دينه وناصر لأهل طاعته وهو يدافع عنهم وينصرهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30].
والذي أريده بعد هذه التوطئة هي الذكرى التي ينتفع بها المؤمنون وشكر الله عز وجل على جميع النعم التي أنعم الله بها وأسبغها علينا نعماً ظاهرة وباطنة والاعتصام بحبل الله وعدم التفرق والاختلاف والتعاون على البر والتقوى، ونعم الله علينا كثيرة لا تعد ولا تحصى، ومن تلك النعم المفقودة في العالم والتي نتفيؤ ظلالها ونعيش تحت مظلتها ونجني ثمارها ونعيش أمنها ورخاءها هي نعمة تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة حدودها والترابط والتآلف بين ولاة الأمر من الحكام والعلماء وبين المؤمنين الصادقين وعامة الناس، هذا الترابط والتلاحم والاعتزاز بالإسلام وأحكامه يزيدهم عزة ورفعة بين الأمم ويشيع الأمن والطمأنينة بين أفراد المجتمع، يفرح بهذا المؤمنون وتنشرح صدورهم ويزداد المنافقون والفاسقون والكافرون غيظاً وحقداً وحسداً وكفراً ونفاقاً.
لقد جاءت الأدلة في القرآن الكريم والسنة النبوية تدل على وجوب طاعة ولاة الأمر من المسلمين ولزوم جماعة المسلمين والنهي عن الفرقة والاختلاف ومعصية ولاة الأمر. قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاْمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ ذالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59]. وقال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذالِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103]. وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:105-107].
فالآية الأولى نص صريح في وجوب طاعة أولي الأمر من الحكام والأمراء والعلماء من المسلمين، وجاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة وفريضة في المعروف، فيجب على المسلمين طاعة ولاة الأمر في المعروف وليس في المعاصي، فإذا أمروا بمعصية فلا يطاعون فيها، ولكن لا يجوز الخروج عليهم بأسباب تلك المعاصي أو الأمر بها، بل على المسلم السمع والطاعة في المعروف واعتزال المعصية وعدم الخروج على ولي الأمر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى من أميره شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة، فإن من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية)).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، في اليسر والعسر، في المنشط والمكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنما الطاعة في المعروف)). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون)). قال بعض الصحابة رضي الله عنهم جميعاً فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: ((أدوا إليهم حقهم وأسالوا الله الذي لكم)).
فلا يجوز للمسلمين منازعة ولاة أمورهم المسلمين ولا الخروج عليهم إلا إذا رأوا كفراً بواحاً قائم البرهان، لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً وشراً عظيماً يختل به الأمن وتضيع معه الحقوق ويصعب ردع الظالم ونصرة المظلوم، ويروع الآمن، وتنتهك الحرمات والأعراض وتختل السبل وتقطع الطرق ولا يأتيها الأمان.
وخير شاهد على هذا ما تعيشه دول العالم اليوم، ومنها الدول الإسلامية، وإن كانت الشواهد قائمة منذ الصدر الأول في الإسلام عندما سنّ الخوارج تلك المآسي في تاريخ الإسلام في عهد الخليفتين الراشدين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وما بعدهما إلى هذا الزمان. قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ((بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)) [البخاري ومسلم].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة)) [البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني)) [متفق عليه]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) [رواه مسلم].
ومن مقتضى البيعة النصح لولي الأمر، ومن النصح الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل والبطانة، ومن أسباب صلاح الوالي ومن أسباب توفيق الله له أن يكون له وزير صدق يعينه على الخير ويذكره إذا نسي، ويعينه إذا ذكر، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكّره، وإن ذكر لم يعنه)) [رواه أبو داود على شرط مسلم].
ومن مستلزمات الدين النصيحة والمناصحة والوفاء بالبيعة الواردة في عدة أحاديث، ومنها: عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدين النصيحة (ثلاثاً) قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يف)).
فعلينا أن نتقي الله تعالى ونشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ومنها نعمة الأمن والاستقرار والطمأنينة ورغد العيش والاعتصام بالكتاب والسنة والبعد عن الشقاق والخلاف بين الراعي والرعية، ومن كان في شك في هذه النعم التي يعيشها ولا يعلم عنها فلينظر في دول العالم القريبة منه والبعيدة ويتأمل وينظر في واقعها وواقع شعوبها وحياتهم المليئة بالحروب الدامية التي أكلت الأخضر واليابس منذ عشرات السنين، وأمواج الفتن التي تعصف بهم والفقر والجوع والخوف وانتهاك الأعراض والحرمات وسفك الدماء ، ومن لم يكفه التدبر والتأمل وقصر نظره عن ذلك وعميت بصيرته قبل بصره وفكره فليذهب إلى بعض تلك الدول ليعيش الواقع ويرى فضل الله ونعمته عليه وعلى جميع من يعيش على هذه الأرض الطيبة، وعندها يعرف الفرق ويعيش الضد، لأن من لا يعي ويثمّن مقدار النعمة التي يعيشها ولم يعرف ضدّها لا يقدرها حق قدرها إلا إذا عاش ضدّها، وأمثلة الواقع كثيرة، قال تعالى: وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53]. وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]. أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السَّمَاواتِ وَمَا فِى الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان:20].
الخميس، 21 مايو 2015
اللعن*الطرد والإبعاد عن رحمة الله*
اللعن
-----------------------
االحمد لله على إحسانه. والشكر له على توفيقه وامتنانه. وصلى الله وسلم على نبيه الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وصحبه وإخوانه.
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي، هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فقد قسم العلماء الذنوب إلى صغائر وكبائر، والفرق بين الصغائر والكبائر أن الكبائر ورد عليها التهديد بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب, كما أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة ولا تكفرها مجرد الأعمال الصالحة كما هو الحال مع الصغائر، فقد ورد أن الصغائر تكفرها الصلاة إلى الصلاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة و رمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) [رواه مسلم وغيره].
ثم اعلم أن اللعن الذي ذكر على بعض الذنوب في القرآن أو في السنة يجعل هذه الذنوب تعد من كبائر الذنوب.
واللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله. ولا يكون ذلك إلا لله وحده، فهو حقه سبحانه أن يطرد من يشاء من رحمته أو يدخل من يشاء في رحمته، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ولكنه سبحانه لم يلعن إلا من يستحق اللعن والطرد من رحمته.
وقد لعن الله في كتابه بعض مرتكبي المعاصي فمن ذلك مثلاً قوله تعالى فيمن قتل مؤمناً متعمداً بغير حق: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93]. وقال تعالى في الظالمين: لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف:44]. وقال تعالى في الكافرين: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً [الأحزاب:64]. وغيرها من الآيات.
وأما في السنة المطهرة فقد ورد اللعن لكثير من المعاصي التي تعد من كبائر الذنوب، فلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابها ليعلم هؤلاء قبح ما عملوا وشناعة ما صنعوا حتى يرجع أصحاب تلك المعاصي إلى الله ويتوبوا إليه قبل أن يريد أحدهم التوبة فلا يتمكن من ذلك.
وأذكر لكم جملة من الأحاديث الواردة في اللعن على بعض الذنوب أي لعن مرتكبيها وهي كما أشرنا تعد من كبائر الذنوب ويجب التوبة منها.
أولاً: لعن زائرات القبور من النساء، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن زائرات القبور" وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن زوارات القبور".
وزيارة القبور اليوم عند كثير من النساء على أنها من المنكرات فإنه يحصل فيها من المنكرات التي تضاف إلى نفس الزيارة الشيء الكثير. فمن ذلك مثلاً دعاء صاحب القبر وطلب الولد والرزق، والطواف والذبح وغير ذلك كثير والله المستعان. وكل تلك الأمور التي ذكرت من الشرك بالله تعالى.
ثانياً: لعن المتخذين القبور مساجد، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخذين على القبور المساجد، وقد تواتر عنه ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة وابن عباس وأبي هريرة وزيد بن ثابت وأبي عبيدة ابن الجراح وأسامة بن زيد. ومعنى اتخاذ القبور مساجد له ثلاثة أشكال:
1- الصلاة على القبور بمعنى السجود عليها.
2- السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء.
3- بناء المساجد عليها وقصد الصلاة فيها.
وهذه الأمور كلها محرمة بل هي من كبائر الذنوب، وأهلها قد وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم شرار الخلق كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد)).
وانظر اليوم إلى كثير من بلدان العالم الإسلامي، كم من المساجد قد بنيت على قبر. وكم من المساجد دفن فيها أموات. وأدى هذا إلى عودة المظاهر الشركية التي حذر منها رسولنا .
ثالثاً: كذلك ورد لعن من ذبح لغير الله، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال حدثني رسول الله بكلمات أربع وذكر منها: ((ولعن الله من ذبح لغير الله)) [رواه مسلم]. وكم من المسلمين اليوم يذبحون للأموات. وكم منهم يذبحون للجن بأمر السحرة الذين يذهبون إليهم. فيقول الساحر: اذبح تيساً ولا تسم الله عليه، أو اذبح ديكاً لونه كذا ولا تسم الله عليه. وهذا أيها الموحدون ذبح للجن.
رابعاً: ورد لعن من لعن والديه، ففي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((لعن الله من لعن والديه)) وقد تعجب أصحاب الفطر السليمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم تعجبوا وقالوا: وكيف يلعن الرجل والديه؟ واستنكروا هذا أشد الاستنكار فبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل قد يكون سبباً في لعن والديه فقال عليه الصلاة والسلام: ((يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه)) فيكون بذلك متسبباً في لعن والديه فهو ملعون.
وأما نحن فنقول كيف لو رأى أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم كيف لو رأوا بعض الناس اليوم ممن يلعنون والديهم ويسبونهم مباشرة ماذا تراهم كانوا سيقولون؟!
عباد الله: لقد وجد بعض الناس في أيامنا هذه ممن يسبون والديهم بل وربما سمع البعض منا عمن ضرب والديه نسأل الله العافية.
وليبشر هؤلاء بالجزاء من لدن رب العالمين الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض. وذلك أن رسول الله قد أخبر أن عقوبة العقوق لا تؤجل ليوم القيامة، بل إنها عقوبة تعجل لصاحبها في الدنيا قبل أن يلقى الله، ثم إذا كان يوم القيامة لقي جزاءه أيضاً، فعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم)) [رواه أبو داود].
خامساً: لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)) [رواه البخاري].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل)) وجاء في بعض الروايات تسمية المتشبه من الرجال بالنساء بـ(المخنث) فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء. وقال: أخرجوهم من بيوتكم...)) الحديث.
وتأمل أخي الكريم وفقك الله حال الأمة أجمع في أيامنا هذه وما وصل إليه الكثير من شبابنا في تشبههم بالنساء، فلبس بعضهم لبسة النساء، ومشى بعضهم مشية النساء، بل ووجد من الشباب من يضع المساحيق على وجهه تماماً مثل النساء. وكذلك وجد من يهتم بشعره كاهتمام النساء بشعورهن، فأصبح شعره هو شغله الشاغل، ينام وهو يصففه، ويصحو ليصففه. وحدث كذلك عن النساء ولا حرج. فقد تشبه الكثير من نساء المسلمين بالرجال في لبسهن، وتأمل مثلاً مدى انتشار لبس ما يسمى بـ (البنطلون أو البنطال) الذي هو أصلاً من لبس الرجال، مع انتشار الفتوى من العلماء بعدم جواز لبسه للنساء لأنه تشبه بالرجال، ولكن لا حياة لمن تنادي. وتأمل كذلك ما يفعله كثير من النساء بشعورهن، فقد قامت كثير من النساء بقص شعرها مثل الرجال وإزالة تلك الخصيصة التي خصها بها الله وفرق بها بينها وبين الرجال. ولكن لا الرجال رضوا بما قسم الله لهم، ولا النساء رضين بما قسم الله لهن، والله المستعان.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي، هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فقد قسم العلماء الذنوب إلى صغائر وكبائر، والفرق بين الصغائر والكبائر أن الكبائر ورد عليها التهديد بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب, كما أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة ولا تكفرها مجرد الأعمال الصالحة كما هو الحال مع الصغائر، فقد ورد أن الصغائر تكفرها الصلاة إلى الصلاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة و رمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) [رواه مسلم وغيره].
ثم اعلم أخي المسلم وفقك الله أن اللعن الذي ذكر على بعض الذنوب في القرآن أو في السنة يجعل هذه الذنوب تعد من كبائر الذنوب.
واللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله. ولا يكون ذلك إلا لله وحده، فهو حقه سبحانه أن يطرد من يشاء من رحمته أو يدخل من يشاء في رحمته، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. ولكنه سبحانه لم يلعن إلا من يستحق اللعن والطرد من رحمته.
وقد لعن الله في كتابه بعض مرتكبي المعاصي فمن ذلك مثلاً قوله تعالى فيمن قتل مؤمناً متعمداً بغير حق: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93]. وقال تعالى في الظالمين: لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف:44]. وقال تعالى في الكافرين: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً [الأحزاب:64]. وغيرها من الآيات.
وأما في السنة المطهرة فقد ورد اللعن لكثير من المعاصي التي تعد من كبائر الذنوب، فلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابها ليعلم هؤلاء قبح ما عملوا وشناعة ما صنعوا حتى يرجع أصحاب تلك المعاصي إلى الله ويتوبوا إليه قبل أن يريد أحدهم التوبة فلا يتمكن من ذلك.
وأذكر لكم جملة من الأحاديث الواردة في اللعن على بعض الذنوب أي لعن مرتكبيها وهي كما أشرنا تعد من كبائر الذنوب ويجب التوبة منها.
أولاً: لعن زائرات القبور من النساء، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن زائرات القبور" وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن زوارات القبور".
وزيارة القبور اليوم عند كثير من النساء على أنها من المنكرات فإنه يحصل فيها من المنكرات التي تضاف إلى نفس الزيارة الشيء الكثير. فمن ذلك مثلاً دعاء صاحب القبر وطلب الولد والرزق، والطواف والذبح وغير ذلك كثير والله المستعان. وكل تلك الأمور التي ذكرت من الشرك بالله تعالى.
ثانياً: لعن المتخذين القبور مساجد، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخذين على القبور المساجد، وقد تواتر عنه ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة وابن عباس وأبي هريرة وزيد بن ثابت وأبي عبيدة ابن الجراح وأسامة بن زيد. ومعنى اتخاذ القبور مساجد له ثلاثة أشكال:
1- الصلاة على القبور بمعنى السجود عليها.
2- السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء.
3- بناء المساجد عليها وقصد الصلاة فيها.
وهذه الأمور كلها محرمة بل هي من كبائر الذنوب، وأهلها قد وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم شرار الخلق كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد)).
وانظر اليوم إلى كثير من بلدان العالم الإسلامي، كم من المساجد قد بنيت على قبر. وكم من المساجد دفن فيها أموات. وأدى هذا إلى عودة المظاهر الشركية التي حذر منها رسولنا .
ثالثاً: كذلك ورد لعن من ذبح لغير الله، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال حدثني رسول الله بكلمات أربع وذكر منها: ((ولعن الله من ذبح لغير الله)) [رواه مسلم]. وكم من المسلمين اليوم يذبحون للأموات. وكم منهم يذبحون للجن بأمر السحرة الذين يذهبون إليهم. فيقول الساحر: اذبح تيساً ولا تسم الله عليه، أو اذبح ديكاً لونه كذا ولا تسم الله عليه. وهذا أيها الموحدون ذبح للجن.
رابعاً: ورد لعن من لعن والديه، ففي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((لعن الله من لعن والديه)) وقد تعجب أصحاب الفطر السليمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم تعجبوا وقالوا: وكيف يلعن الرجل والديه؟ واستنكروا هذا أشد الاستنكار فبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل قد يكون سبباً في لعن والديه فقال عليه الصلاة والسلام: ((يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه)) فيكون بذلك متسبباً في لعن والديه فهو ملعون.
وأما نحن فنقول كيف لو رأى أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم كيف لو رأوا بعض الناس اليوم ممن يلعنون والديهم ويسبونهم مباشرة ماذا تراهم كانوا سيقولون؟!
عباد الله: لقد وجد بعض الناس في أيامنا هذه ممن يسبون والديهم بل وربما سمع البعض منا عمن ضرب والديه نسأل الله العافية.
وليبشر هؤلاء بالجزاء من لدن رب العالمين الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض. وذلك أن رسول الله قد أخبر أن عقوبة العقوق لا تؤجل ليوم القيامة، بل إنها عقوبة تعجل لصاحبها في الدنيا قبل أن يلقى الله، ثم إذا كان يوم القيامة لقي جزاءه أيضاً، فعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم)) [رواه أبو داود].
خامساً: لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال)) [رواه البخاري].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل)) وجاء في بعض الروايات تسمية المتشبه من الرجال بالنساء بـ(المخنث) فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء. وقال: أخرجوهم من بيوتكم...)) الحديث.
وتأمل أخي الكريم وفقك الله حال الأمة أجمع في أيامنا هذه وما وصل إليه الكثير من شبابنا في تشبههم بالنساء، فلبس بعضهم لبسة النساء، ومشى بعضهم مشية النساء، بل ووجد من الشباب من يضع المساحيق على وجهه تماماً مثل النساء. وكذلك وجد من يهتم بشعره كاهتمام النساء بشعورهن، فأصبح شعره هو شغله الشاغل، ينام وهو يصففه، ويصحو ليصففه. وحدث كذلك عن النساء ولا حرج. فقد تشبه الكثير من نساء المسلمين بالرجال في لبسهن، وتأمل مثلاً مدى انتشار لبس ما يسمى بـ (البنطلون أو البنطال) الذي هو أصلاً من لبس الرجال، مع انتشار الفتوى من العلماء بعدم جواز لبسه للنساء لأنه تشبه بالرجال، ولكن لا حياة لمن تنادي. وتأمل كذلك ما يفعله كثير من النساء بشعورهن، فقد قامت كثير من النساء بقص شعرها مثل الرجال وإزالة تلك الخصيصة التي خصها بها الله وفرق بها بينها وبين الرجال. ولكن لا الرجال رضوا بما قسم الله لهم، ولا النساء رضين بما قسم الله لهن،
سادساً: لعن المغيرات لخلق الله, ويدخل تحت هذا الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات للحسن، والواصلة هي التي تصل شعرها بشعر آخر ليبدو طويلاً أو جميلاً, والمستوصلة التي تطلب من يصل لها شعرها. ويدخل في ذلك لبس الشعر الصناعي الذي يسمى بـ(الباروكة)، والواشمة هي التي تضع الوشم في يديها أو في وجهها أو غير ذلك، والوشم هو أن يضرب الجلد بإبرة أو نحوها حتى يخرج الدم ثم يوضع عليه أشياء تلونه فيبقى ولا يزول أبداً إلا بعمليات جراحية ويكون على أشكال رسومية أو كتابات معينة. والمستوشمة هي التي تطلب ذلك من غيرها، أي تطلب من يضع لها وشماً.
والنامصة هي التي تزيل الشعر من وجهها أو تخففه كشعر الحاجبين، وهذا يحدث كثيراً في أيامنا هذه خصوصاً عند ما يسمى بالكوافيرات. فالفاعلات لهذا ملعونات والتي يفعل لها هذا ملعونة كذلك بنص الأحاديث الواردة عن رسول الله، ولو كان ذلك من أجل التزين للزوج، فهو حرام، ولا يجوز فعله، ولتتزين المرأة لزوجها بما هو حلال. والمتنمصة التي تطلب من يفعل لها ذلك. والمتفلجات للحسن أي التي تتفلج من أجل الجمال، والتفلج هو جعل فروقات بين الأسنان من أجل التزين، واسألوا عيادات الأسنان عن كثرة ذلك. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لعن الله الواشمات والموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت فقال: ومالي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومن هو في كتاب الله فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول؟ قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت وَمَا ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ [الحشر:7]. قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه قالت: فإني أرى أهلك يفعلونه!! قال: فاذهبي، فانظري، فذهبت فنظرت، فلم ترَ من حاجتها شيئاً فقال: لو كانت كذلك ما جامعتُها) [رواه البخاري].
أسأل الله أن ينفعني وإياكم بما نقول ونسمع وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
ما ورد فيه اللعن من المعاصي
ما ورد فيه اللعن من المعاصي
-----------------------
فمما ورد اللعن عليه كذلك.. شرب الخمر، بل إنه قد لعن في الخمر عشرة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له)) [رواه الترمذي].
والخمر محرمة في دين الإسلام بالقرآن والسنة والإجماع قال تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالاْنصَابُ وَالاْزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90].
وقد أجمع علماء الأمة على تحريم الخمر، وهي أم الخبائث وسبب كثير من المصائب يشربها الرجل فيقع على أمه وأخته والعياذ بالله، ويصبح كالبهيمة بل البهيمة خير منه. ويرتكب الجرائم والفظائع وهو فاقد العقل. ومع ذلك وقع بعض المسلمين في شربها هداهم الله. وكم ضيعت من شباب، وهدمت من بيوت، وشتت من أسر، وشردت من أطفال، ورملت من نساء. فأين عقول أولئك الذين يشربونها إن كانت تفقدهم عقولهم بعد شربها، فأين عقولهم قبل شربها، أما رأوا أو سمعوا ما تفعله بمن يشربها؟ لكن قلة الوازع الديني وضعف الإيمان هو السبب، فإليك يا من تجرأت على شرب الخمر عقوبة شاربها يوم القيامة مع هذا الخزي الذي يحدث له في الدنيا، يقول جابر بن عبد الله - رضي الله عنه وعن أبيه-: قدم رجل من جيشان، وهي منطقة من اليمن فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له المزر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أومسكر هو؟)) قال: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل مسكر حرام، إن على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)). قالوا: يارسول الله وما طينة الخبال؟ قال: ((عرق أهل النار أو عصارة أهل النار)) [رواه مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن على الخمر، والمنان بما أعطى)) [رواه النسائي].
ومما ورد من سخط على من يشربونها في الدنيا كذلك ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحرَ والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم ـ يعني الفقير ـ لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)).
واليوم أصبح بعض المسلمين هداهم الله يسمون الخمر المشروبات الروحية وغير ذلك من الأسماء التي يحسنونها بها، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذهب الليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها)) [رواه ابن ماجه].
ألا فليعلم المتحايلون على أنفسهم أن تغيير المسميات لا يغير الحقائق، وستبقى الخمر خمراً، وسيبقى شاربها ملعوناً، وله العذاب المذكور في الأحاديث ولو سماها عسلاً.
ومما ورد عليه اللعن كذلك لعن من أشار إلى أخيه بحديدة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ((من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه، حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه)) [رواه مسلم].
ومما ورد عليه اللعن أكل الربا. فقد لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: ((هم سواء)).
وهذا البلاء قد عم وانتشر التعامل به بين كثير من المسلمين تحايلاً حيناً، وصراحة حيناً آخر. وقد ظهرت أنواع من المعاملات كلها ربوية قد أفتى فيها أهل العلم وبينوا أنها من أشكال الربا إما حيلة أو صراحة.ومن ذلك مثلاً ما انتشر في الآونة الأخيرة من أن الإنسان إذا أراد شراء شيء ما من بيت أو سيارة أو غير ذلك ذهب إلى تاجر لا يملك هذه السلعة أصلاً فيشتريها التاجر كي يبيعها مقسطة بزيادة على سعرها الأصلي. وقد أفتى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- أكثر من مرة بحرمة هذه المعاملة وأنها ما هي إلا حيلة على الربا، وقال رحمه الله: إن الصورة الصحيحة أن تذهب إلى صاحب السلعة المالك لها فيشتريها منه إما نقداً أو مقسطة على أقساط شهرية، أما أن يذهب إلى شخص لا يملك السلعة فيشتريها من مالكها ثم يبيعها لك، فكأنما أعطاك ثمنها واشتريت السلعة ثم قسطت له هذا المال بزيادة، وهذا هو الربا.
وكذلك من صور التعامل بالربا التي فشت وانتشرت استخدام بطاقات سحب الأموال أو المشتروات، ولو لم يكن لصاحبها رصيد على أن يسدد خلال أيام معينة، فإن لم يسدد خلال هذه المدة المحددة بدؤوا بحساب زيادة بنسبة معينة عن كل يوم يتأخر فيه عن السداد أو عن كل شهر مثل ما يسمى ببطاقة الماستر كارد أو الفيزا كارد أو غيرها مما هو مثلها في التعامل، وهذه بالتحديد قد صدرت فيها فتوى من هيئة كبار العلماء تبين أن هذا ربا، وأنه لا يجوز التعامل بها.
ومما يجدر التنبيه عليه هنا أن بعض المسلمين هداهم الله يتعاملون بهذه البطاقات ويقولون: نحن نسدد قبل حلول الموعد ولا ندفع الزيادة. فنقول لهؤلاء وفقهم الله للخير: إن مجرد توقيعك على العقد مع أصحاب هذه البطاقة وموافقتك على شروطها هو رضا منك بالتعامل الربوي، ولو لم تقع فيه، وهذا محرم، لأنه عقد على معاملة ربوية محرمة.
ومن المعاملات الربوية المنتشرة اليوم استبدال الذهب القديم بذهب جديد مع دفع الفرق. وهذا غير جائز، وهو من الربا، لأن الذهب من الأصناف الربوية التي يجب فيها التساوي عند التبادل مع القبض في نفس المجلس. وذلك يعني أن تكون الكميتان اللتان يجري فيهما التبادل متساويتان وزناً، وأن يتم التبادل يداً بيد في نفس الوقت، فلا يجوز أن يستلم منه الذهب الآن مثلاً ويقول: أحضر الذهب بعد ساعة. ودليل ذلك قوله فيما رواه أبو بكرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء والفضة بالفضة إلا سواء بسواء وبيعوا الذهب بالفضة والفضة بالذهب كيف شئتم)) [رواه البخاري]. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) [رواه البخاري ومسلم].
إن الربا من عظائم الذنوب وكبائرها التي توعد الله صاحبه أشد الوعيد بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لم يرد تهديد أو وعيد على ذنب أشد مما توعد الله به صاحب الربا. يقول تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَوااْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَوااْ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرّبَوااْ [البقرة:275]. وقد توعد الله بمحاربة الذي يتعامل بالربا قال تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرّبَوااْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة:278-281]. وقال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:130-131].
فتأمل أيها العبد عفا الله عنك ما ذكره الله من وعيد شديد لآكل الربا يظهر لك قبح هذه المعصية وعظيم فحشها وما يترتب عليها من العقوبات، وقد توعد الله المتعاملين بهذه المعاملة المحرمة أن لا يبارك لهم في أموالهم وأن يمحق بركتها، وقد لمس ذلك والله كل من تعامل بالربا، قال تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الْرّبَوااْ وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ [البقرة:276]. وسل المتعاملين بالربا عن بركة المال أين ذهبت؟ إنه قول الله، ومن أصدق من الله قيلاً.
ثم تأمل بعض ما ورد من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عن هذه المعصية العظيمة الملعون صاحبها. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أهون الربا كالذي ينكح أمه، وإن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه)) [رواه أبو الشيخ في (التوبيخ) صحيح الجامع].
وعن عبد الله بن حنظلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية)) [رواه أحمد والطبراني]. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا)) [رواه البخاري].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات قالوا:يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)) [رواه البخاري].
فلا حول ولا قوة إلا بالله كيف استهان اليوم الكثير من المسلمين بهذه الكبيرة وأصبحوا يأكلون المال ولا يبالون من أين يجمعونه، وصدق رسول الله إذ يقول: ((ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام)) [رواه البخاري].
فاللهم اغننا بحلالك عن حرامك. اللهم ارزقنا رزقا حلالاً طيباً مباركاً فيه.
الاثنين، 18 مايو 2015
القبر والموت والآخـرة