الخميس، 26 مارس 2015
وإذا قلَّ المهرُ علَت المرأة وشرُفَت عندَ الزوج مكانتُها وزادت بركتُه
الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.
الأسرةُ أساسُ المجتمَع، منها تتفرّق الأمَم والشّعوب، نواةُ بنائِها الزّوجان، ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ [الحجرات:13]. والشريعة مبناها على الحِكَم ومصالح العباد، دَعَتِ الشبابَ لإعفاف أنفسِهم بالزّواج، قال عليه الصلاة والسلام: ((يا معشرَ الشّباب، منِ استطاعَ منكم الباءةَ فليتزوّج؛ فإنّه أغضّ للبصر وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطِع فعليه بالصيام؛ فإنّه له وجاء)) متّفق عليه(1)[1].حثَّ الدّين على اختيار الزّوجةِ الصّالحة ذاتِ الخلُق الرّاقي والتعامل الهادي، لا ترفعُ صوتًا ولا تؤذي زوجًا.
والسؤالُ عن حالِ الخاطب والمخطوبة أمرٌ لازم لبيان ما قد يخفى في أحدهما من مثالبَ قادِحة، وعلى المسؤول الصّدقُ في الجواب والبيانُ بكلّ وضوحٍ وأمانة لإبداء خوافي المحاسِن والمساوئ، وكتمانُ معايِب أحدِهما عندَ السؤال ضربٌ من الغشّ للمسلمين.
وإذا عزَم الخاطبُ على الخطبة أبيحَ له النّظر إلى مخطوبته بحضُور محرمِها ودونَ خَلوة بها، من غير تدليسٍ عليه في زينةٍ أو تجمّل، يقول المصطفى : ((إذا خطَب أحدُكم امرأةً فلينظر إليها؛ فإنّه أحرى أن يؤدَم بينهما)) رواه مسلم(2)[2].
وليحذَر الخاطب قبلَ العقدِ الخلوةَ بمخطوبتِه أو الحديثَ معها بمهاتفةِ الاتّصال أو إلباسَ المخطوبة خاتمًا أو مسَّ جسدها أو الخروج بها من دارها، فإنّ ذلك من المعاصي وركضةٌ من الشّيطان يغوي بها الخاطبَين، وكثيرًا ما تتبدَّد أحلامُهما بتلك السيّئات.
والإسلامُ دين عدلٍ وقصد، أمَر الشبابَ بالزّواج، وحثّ على تيسير مهرِه، وإذا قلَّ المهرُ علَت المرأة، وشرُفَت عندَ الزوج مكانتُها وزادت بركتُها، يقول عليه الصلاة والسلام: ((أعظمُ النّساء بركةً أسرهنَّ مؤونةً))(3)[3]. وأثرياءُ الصّحابة لم يغالوا في مهورِهم، يقول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: تزوّجتُ على وزنِ نواةٍ مِن ذَهب، ولمّا علِم النبيّ عن صداقِه قال له: ((بارَك الله لك))(4)[4].
والمَهر حقٌّ للمرأة لا يجوز للآباء أو الأوليَاء اختصاصُهم به، قال سبحانه: وَءاتُواْ النّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4].
وجمالُ المرأة في سترِها، وبهاؤها في حيائها، ورونقُها في عفافِها، والإسلامُ جاء آمرًا بسِتر المرأة، وبعضُ النّساء يقعنَ في المحرّمات في مواطنِ فرح، فتجوّز لنفسِها ما ضاقَ مِن المَلبس، وأخرى تلبسُ ما رقَّ منه ممّا لا يستر جسدَها، ومنهنّ من تُبدي شيئًا من ساقِها وفخذِها، ومنهنّ من لا تستُر أعلى جسدِها، يزيّن لهنّ الشيطان سوءَ عملهنّ.
والمرأةُ لا يحلّ لها أن تبديَ للمرأة إلاّ ما أبيح كشفُه أمامَ محارمِها مِن الرجال ممّا جرت العادةُ بكشفه في دارها مِن الرّأس واليدين والعنُق والقدَمين، ولا تبدِي المرأة عندَ النّساء أكثرَ من ذلك.
ومِن النّساء من تكشِف عورتَها لامرأةٍ أخرى لإزالةِ خوافي شعرِ جسدها، وهذا منكرٌ غليظ، فيه اطِّلاعٌ على العورات وخديعةٌ للزّوج وضياع لحقِّه في غيبته، عليها تهديدٌ من ربّ العالمين، يقول عليه الصلاة والسلام: ((أيّما امرأةٍ وضعت ثيابَها في غير بيتِ زوجِها فقَد هتكت سترَها فيما بينها وبين الله)) رواه الحاكم(5)[5].
والدّين وسطٌ في الإنفاق بين الإسراف والتقتير، يُعلن النكاحَ ولا يقَع في المحذور، ومِن النّساء من تتباهى في زينةِ الملبَس والتبرّج والتجمّل، تبدِّد الأموالَ وتهدر الأوقات بشهرةٍ زائفة أو رياءٍ ممقوت.
واحذري ـ أيّتها المرأة ـ مِن الخُيَلاء في الملبَس، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((بينما رجلٌ يمشي في حلّةٍ تعجِبه نفسُه مرجِّلٌ رأسَه يختال في مشيَته إذ خسف الله به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة)) متّفق عليه(6)[6].
والمرأة المسلمةُ متميِّزة بزينتِها وملبسِها وشعرها، بعيدةٌ عن تشبّهها بالرّجال أو غير المسلِمات، وتشبُّهُها بغير جنسِها يعرّضها للوعيد، فقد لعن رسول الله المتشبّهات من النّساء بالرجال(7)[7]، ولكلّ جنسٍ من الرّجال والنّساء خصائصُه وأحواله وملبسُه وزينتُه. المرأة تفخَر بأنوثتِها، والرّجل يعتزّ برجولتِه، وفي التّقليد ضعفٌ في النّفس وعدمُ رضًا بالخصائِص ونقصٌ في إدراكِ حكمةِ الخالِق.
وحواجبُ العينين زينةٌ مِن ربّ العالمين، وبعضُ النّساء تعمد إلى إزالةِ بهاء وجهِها وجمالِ عينيها بنتفِ حواجبها، وقد لعن الله مَن أزالت شعرَ حاجبها، يقول النبي : ((لعن الله النامصةَ والمتنمِّصة))(8)[8].
وبعض النّاس لضعفٍ في النّفس مولَع بالتّقليد، يضاهي غيرَه حتى في أفراحه، والرّجل محرّم عليه رؤيةُ المرأة الأجنبيّة في النكاح وغيره، ودخول الزّوج ليلةَ الزفاف على النساء الأجانب وجلوسُه على علوٍّ مع زوجتِه وهو يتطلّع إلى نساءِ المسلمين بكامِل زينتهنّ منكرٌ رذيل، يقول النبيّ : ((إيّاكم والدخول على النّساء)) متّفق عليه(9)[9].
وجلوسُ الزّوج مع زوجته أمامَ النّساء تقليدٌ مقيت، دافعه الهوى، وظاهرهُ الخُيَلاء، وثمرتُه الشّقاء، فما حالُ الزّوجين أمام النساء وهنّ ينظرنَ إليهما؟! والناظر للزّوجين مِن الحضور ما بين شامتٍ في الخِلقة، وما بين حاسدٍ على النعمة، تقول فاطمة رضي الله عنها: (خيرٌ للمرأة أن لا ترى الرجالَ ولا يراها الرّجال)(10)[10].
وإرخاءُ ذيلٍ طويل يُحمَل خلفَ الزّوجة ليلةَ زفافِها تشبّهٌ بغير المسلمين، حرامٌ عليها فعلُه.
والمعازِف والغناءُ لا تدني من الربّ، ومن أسبابِ قسوةِ القلب، حجابٌ كثيف عن الرحمن. وما يفعله بعضُ النّاس من المعازف ليلةَ النكاح جحودٌ لنِعمة الله وعصيانٌ له، ومِن السّرف استئجار عازفةٍ للغناء لعصيان ربِّ العالمين في دُجى السَّحَر زمنِ نزول العظيم جلّ جلاله إلى السّماء الدنيا، والعُبّاد في محاريبهم.
والمسلمُ حرامٌ عليه حضورُ مناسبةٍ فيها منكر، يقول الأوزاعي رحمه الله: "لا تدخلْ وليمةً فيها طبلٌ ومعازف".
وفي أحكام الإسلام غنيةٌ عن الحرام، ودينُنا أباح ضربَ الدفّ للنّساء خاصّة في وقتٍ مِن اللّيل بكلامٍ لا محذورَ فيه.
والتّصوير مِن كبائرِ الذّنوب، موجبٌ للّعنة والغَضب، قال عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله المصوِّرين والمصوِّرات))(11)[11]. والمصوّر أشدّ الخلقِ عذابًا، قال : ((أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون)) متفق عليه(12)[12].
وتصويرُ النّساء يجني مفاسدَ وخيمة، وقد تسري صوَرُ النّساء إلى غير المحارم من الرّجال، فتنهار بذلك بيوت، والأبُ اللّبيب من يمنعُ زوجتَه وبناته من ورود أماكنِ التّصوير.
والعدلُ في المأكل والمَشرب وعدم البذَخ فيه دأبُ الفضلاء، سنّةُ خيرِ البشر، تصِف صفيّة رضي الله عنها وليمتَه بقولها: أولمَ النبيّ على بعضِ نسائِه بمدَّين من شعير(13)[13].
ومِن مجانبةِ الصّواب أن تكونَ مبذِّرًا في الزّواج، شحيحًا في البذل في أوجُه الخيرات.
وتكرار ولائِم مناسبات النّكاح في ظاهرها أفراح، وفي حقيقتِها على الزّوج أتراح، للخطبةِ وليمةٌ، وفي يوم إلباس المخطوبة خامًا من قِبل خاطبِها مأدُبة، ومسّ يدها محرّم، وليلة عقد النكاح دعوة، وفي ليلةِ الزّفاف مآكل ومشارب متنوّعة، إرهاقٌ لمؤونَة الزّوج، هل مَن يسعى لبِناء بيتِ زوجيّة مُحاطٍ بالسّتر والعفاف تُستنزَف أمواله أم تخفَّف عنه الأعباء لإضافةِ لبنةٍ صالحة في المجتمع؟! والاكتفاءُ بوليمة واحدةٍ ليلةَ الزفاف أحبّ للزّوجين وأسلم وأكملُ وأوفق.
والله عزّ وجلّ جعل الليلَ لباسًا والنومَ سُباتا، والنبيّ كان يكرَه النومَ قبل العشاء والحديثَ بعدها. متفق عليه(14)[14].
ولحظات الفرَح يُظهر التعبير عنها من غير سهَر فاحِش، وإعلانُ النكاح لا حاجة إلى امتداده إلى السَّحر، وساعاتٌ في الليل غنيةٌ عن جميعه.
وبعد: أيّها المسلمون، فمَن أسّس بنيانَه على التّقوى أزهى وأربى، ومن أحاطه بالمحرّمات أذِن بحلول الشّقاء، والزّوجان يستويان في لظى العِصيان ليلةَََ زفافِهما، يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: "إنّي لأعصِي الله فأرَى ذلك في خلُق امرأتِي ودابّتي"(15)[15].
والمرأةُ الحاذِقة لا تزلزل بيتَها بمعصيةِ الله أوّلَ ليلتِها، فالذّنوب تعسِّر الأمورَ، وتوحِش القلبَ بين الزّوجين، وكلّما كان الزّواج أقربَ إلى الصّواب كانَ أحرى بالتّوفيق.
وجملة المخالفات في النّكاح داعيها عُقدةُ الشّعور بالعَجز والنّقص، وبعضُ النّاس قد لا يدرك حقيقةَ النّكاح، يظنّ أنّ مِن مستلزماتِه البذخ والتفنّن في المآكل والتّباهي في الملابس، وليس الأمر كذلك، بل النّكاح عقدٌ موثَّق غليظ بين زوجين، لا يُشاب بخطيئةٍ، ولا يعرَّض للانهيار بمعصية.
وعلى الآباء أن لا يُرخوا العنانَ للنّساء لارتكاب المعاصي بما يزيد النّكاح عقبات. والمرأةُ مستضعَفةٌ، إن لم تُؤخذ بِيَد وليِّها جنحت مع نفسِها لهواها، وعلى النّساء الإذعان لأوامِر الله وعدمُ الوقوع في المحرّمات، وعلى المرأة أن تشتغل بمعالي الأمور لإصلاح قلبها في طاعة ربّها، فموطنُها أمٌّ وراعية أسرةٍ وموجِّهة، ينبغي أن تُعليَ مِن فِكرها، وترقَى باهتماماتِها، فاليومَ عملٌ ولا حِساب، وغدًا حسابٌ ولا عمَل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
الإسلامُ هو منبَع الحضارةِ والسُّؤدَد، والتمسُّك بِه يثمِر الرُّقيَّ والتقدّم، يبني الأمَمَ، وينشئ الأجيالَ بأمثل السّبُل، يسَّر مسالكَ النّكاح ودروبَ المودّة بزواج سعيدٍ يبهج الزوجَين وأهلهما، ويسرُّ المجتمع بأكملِه.
يختار الزوج امرأةً ذات دين وخلقٍ راق وأدبٍ رفيع، وإذا تقدّم خاطبٌ كفءٌ متَّسمٌ بالدين والخلُق لم يردّ، وبعدَ استشارةٍ لذوي النّهى واستخارة وعزمٍ على الاختيار يرى الخاطبُ مخطوبتَه بحضورِ محرمِها. ومع انشراحِ صدرٍ وتوكُّل يُعقد النّكاح، وفي ليلةِ الزّفاف فرحٌ معتدِل، لا مباهاةَ فيه ولا مفاخرة، يُعلَن فيه النّكاح ويدعَى إليه ويصنَع طعامٌ بقدرهم، لا إسرافَ فيه ولا تبذير، وتُزَفّ المرأة إلى زوجها، والمرأةُ الواعيَة ذات العقلِ الرّاجح والروح السامية تسعى إلى منعِ المحرّم في زواجِها لعلمِها أنّ المعصيةَ لها أثرٌ على حياتِها مع زوجها. والإسلامُ يسَّر النكاحَ وسهّل أبوابَه على الشّباب، النبيّ تزوّج صفيّةَ وهو في سفر، يقول أنس رضي الله عنه: حتّى إذا كان بالطّريق جهَّزتها له أمّ سليم، فأهدتها له في اللّيل، فأصبح النبيّ عروسًا(16)[1].
ومِن قبائِح الصّنائع تأخيرُ الأبِ تزويجَ ابنته مع تقدُّم الكفءِ لها، أو حجرها على ابن عمّها، واعلم ـ أيّها الأب ـ أنّ ابنتَك مستضعفة في دارِك، منعَها حياؤها من إبداء مكنونِ نفسها، تصبِح أسيفةً وتمشي حزينة، تتألّم من دخول بوّابة العنوسة، والمرأةُ زهرة لها زمن قصيرٌ ثمّ تذبُل، ومِن الهدي القويم تزويجُها في سنّ مبكِّرَة، ولا غضاضة في عَرض الرّجل ابنتَه أو أختَه على الرّجل الصالح، وهذا من تمام الرّعاية والقيام بالولاية، وعمرُ الفاروق رضي الله عنه عرض ابنتَه حفصة على عثمان فردّها وما غضِب، فعرضها على أبي بكر فردّها وما أيِس، فعرضها على النبيّ فتزوّجها. رواه البخاري(17)[2].
ومنعُ الآباء الخاطبَ ذا الدين والخلُق مخالفٌ لأمرِ الشّريعة، يقول النبيّ : ((إذا جاءكم مَن ترضون دينَه وخلقه فزوِّجوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفساد عريض)) رواه الترمذي(18)[3].
فالرَشَد في اتِّباع الهُدى، واللّبيب من رجَا السعادةَ من أبواب الطاعة.
ثمّ اعلموا أنّ الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيّه فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على نبيّنا محمّد، وارض اللهمّ عن خلفائه الراشدين...
__________
(1) أخرجه البخاري في النكاح (5065، 5066)، ومسلم في النكاح (1400) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2) أخرج أحمد (4/244)، والترمذي في النكاح (1087)، والنسائي في النكاح (3235)، وابن ماجه في النكاح (1688) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب امرأة فقال النبي : ((انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما))، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وصححه ابن الجارود (675)، وابن حبان (4043)، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (96). تنبيه: هذا الحديث لم يخرجه مسلم، والله أعلم.
(3) أخرجه أحمد (6/145)، والنسائي في الكبرى (5/ 402)، والبيهقي في الكبرى (7/235) من حديث عائشة رضي الله عنها، وصححه الحاكم (2/ 178)، ووافقه الذهبي، وفي سنده ابن سخبرة لا يدرى من هو، ولذا ضعف الألباني هذا الحديث في السلسلة الضعيفة (1117).
(4) أخرجه البخاري في النكاح (5155، 5167)، ومسلم في النكاح (1427) من حديث أنس رضي الله عنه.
(5) أخرجه أحمد (6/41، 173، 198، 267، )، وأبو داود في الحمام (4010)، والترمذي في الأدب (2803)، وابن ماجه في الأدب (3750)، وأبو يعلى (4680)، والطبراني في الأوسط (4743)، والحاكم (7780، 7781)، والبيهقي في الكبرى (7/308) من حديث عائشة رضي الله عنها، وحسنه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3021).
(6) أخرجه البخاري في اللباس (5789)، ومسلم في اللباس (2088) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(7) أخرجه البخاري في اللباس (5885) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(8) أخرجه البخاري في اللباس (5931، 5939، 5943، 5948)، ومسلم في اللباس (2125) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بنحوه.
(9) أخرجه البخاري في النكاح (5232)، ومسلم في السلام (2172) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(10) 10] أخرجه البزار في مسنده (526) بنحوه، قال الهيثمي في المجمع (4/255): "فيه من لم أعرفه، وعلي بن زيد أيضا".
(11) 11] لعنُ المصوّرين أخرجه البخاري في الطلاق (5347) من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه.
(12) 12] أخرجه البخاري في اللباس (5950)، ومسلم في اللباس (2109) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(13) 13] أخرجه البخاري في النكاح (5172).
(14) 14] أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة (547، 568، 599)، ومسلم في المساجد (647) من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه.
(15) 15] أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/109) بنحوه، وانظر: صفة الصفوة (2/238).
(16) أخرجه البخاري في الصلاة (371)، ومسلم في النكاح (1365).
(17) أخرجه البخاري في النكاح (5122).
(18) أخرجه الترمذي في النكاح (1084)، وابن ماجه في النكاح (1967) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الحاكم (2/164- 165)، وتعقبه الذهبي بأن فيه عبد الحميد بن سليمان قال فيه أبو داود: "كان غير ثقة"، وفيه أيضًا ابن وثيمة لا يعرف. ثم اختلف في إسناده، فنقل الترمذي عن البخاري أنه يرجح انقطاعه. ولكن للحديث شواهد يتقوى بها، ولذا حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1022).
(1/2810)
فلا يعلم الماضي والحاضرَ والمستقبل إلا ربُّ العالمين
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
عبادَ الله، إنَّ مِن رحمة الله بهذه الأمّة أن حفِظ عليها مصدَرَ تشريعها، وهو كتابُه العزيز الذي تكفَّل بحفظِه ولم يكِل حفظَه لسواه، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
بيَّن فيه الحلالَ والحرام، قصَّ القصصَ والأخبارَ، ذكرَ فيه الحدودَ وحرَّم التعدّيَ عليها، ذكر الحدودَ في الاعتقاد والقول والعمَل، حفِظ هذا الكتاب العزيزَ بأنواعٍ من الحفظ، حفِظه في اللّوح المحفوظ بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ [البروج:21، 22]، حفِظه في الأرض، فهيَّأ له من جَمَعه وكتبَه واعتنى به، حفِظه في صدورِ الرجال بَلْ هُوَ ءايَاتٌ بَيّنَاتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ [العنكبوت:49]، حفِظه حين وَحيِه وتنزيله، فلم تستطِع أيدي شياطين الجنّ والإنس العبثَ به، لقد كان الجنُّ قبل مبعثِ محمّد يسترِقون السّمع، فيسمعون شيئًا ممّا تقوله الملائكة مِن أوامر الله، فيسمَع الكلمةَ مسترقُ السمع، فيرسلها إلى أخيه الكاهن مِن الإنس، فيكذِب معها مائةَ كذبة، فيُظنّ صدقه على ما يقول، ولمّا اقترب مبعث محمّد حرس الله السماءَ بالشهب، فلم يستطيعوا الوصولَ إلى شيء من ذلك، وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا وَأَنَّا لاَ نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:8-10]. رُميت الشياطين بالشّهب قبلَ المبعث النبوي، فأصاب الناسَ ذهول ممّا رأوا، فالإنس مِنهم مَن أيقن بهلاكه، فترك بهائمَه وهَام، والجنّ بحثوا ما مصدرُ ذلك؟ حتّى وجدوا النبيَّ يقرأ القرآن، وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مّنَ الْجِنّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءانَ الآية [الأحقاف:29].
أيّها المسلمون، فحرس الله السمواتِ بالشّهب، وحفِظ الغيبَ فلم تمتدَّ إليه أيدي العابثين، لا من الجنِّ ولا من الإنس، فالغيبُ ممّا يجري في ملكوتِ السموات والأرض علمُه عند الله، فلا يعلم الماضي والحاضرَ والمستقبل إلا ربُّ العالمين أو مَن أطلعَه الله على شيء من ذلك كما قال جل وعلا في كتابه العزيز: إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ [الجن:27].
أيّها المسلمون، لقد زاغَ قومٌ عن الهداية وتنكَّبوا الصّراط المستقيمَ وارتكبوا الغواية، وزعموا أنّهم يعلمون الغيبَ، واستدلّوا بالحوادث الفلكية على ما يجري في الأرض، نظَروا في الأفلاك في اجتماعها وافتراقها ومنازلها، فاستدلّوا بذلك على ادِّعائهم علمَ الغيب، وادّعاء علمِ الغيب إنّما هو تكذيبٌ لله ورسوله، وكفرٌ ومنازعة لله في سلطانِه.
أيّها المسلم، تأمَّل قولَ الله جلّ وعلا: قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى السَّمَاواتِ والأرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65]، فأخبَر تعالى أنَّ الغيبَ في السموات والأرض لا يعلمه إلا الله، والمؤمنون يؤمنون بالغيبِ وبما أخبرَ الله مما غاب عنهم يؤمنون به، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3].
تأمَّل قولَ الله تعالى: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنّى مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام:50]. هذا نبيُّنا يأمره الله أن يقول: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ، ويقول جلّ وعلا له أيضًا: قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوء [الأعراف:188].
أيّها المسلم، إنَّ هناك منكرًا عند بعض الناس، وهم أولئك الذين يدَّعون علمَ الغيب، فيستدلّون بالطوالع والبروج على ما يقولون، فيربطون بينها وبين ما يقَع من نفع أو ضرّ أو سعادةٍ أو شقاء للبشرية، على ما يدَّعونه من علم الغيب، وكذبوا والله، والغيبُ لا يعلمه إلا الله.
أيّها المسلم، إنَّ نبيّنا يقول: ((مَن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفَر بما أُنزل على محمّد))(1)[1]، ويقول : ((مَن أتى كاهنًا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا))(2)[2].
أيّها المسلم، إنَّ ما يخبر به أولئك من المغيَّبات التي لا يعلمُها إلا الله، يقولون: سيحصل في هذا الشهر وفي هذا العام في هذا اليوم في تلك الليلة حوادثُ كذا وكذا، فإذا وقع أمرٌ ما قالوا: نحن قد علِمنا وأخبَرنا وتوقَّعنا ما يجري، وكلّ هذا من المغالطات، كلّ هذا من ادِّعاء علم الغيب، كلّ هذا من الكذِب والافتراء، هذا مذهبُ الفلاسفة والمجوس والصابئة الذين هُم كَفَرة بما جاءت به الأنبياء.
أيّها المسلم، إنَّ علمَ الغيب ممَّا اختصَّ الله به، فهو الذي يعلم ما كان وما يكون، إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34]، وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام:59].
أخي المسلم، إنَّ أولئك الكهّان والمدَّعين علمَ الغيب علمَ ما سيكون وما سيجري يأتيهم الإنسانُ فيسألهم عن حالِه وعن مستقبلِه، ويأخذون منه الأموالَ الطّائلة، فيقول: حظّك كذا، يأتيك كذا، يتحقّق لك كذا، سيأتيك مالٌ سيأتيك كذا إلى آخره، ويظنّ هذا الظانّ أنَّ هؤلاء صادقون، وأنّهم يخبرون عن حقائق، وكذبوا والله، فلا علمَ عندهم، ولا معرفةَ عندهم، ولكنَّ الكذب هو المسيطر عليهم. وافق أمرُهم هوًى في بعض النفوس وضعفًا في الإيمان وقلّةً في العلم والمعرفة.
أيّها المسلم، إنّ الله جلّ وعلا قدَّر الأشياء، وعلِم ما العباد عاملون، وكتب هذا العلمَ قبل أن يخلقَ الخليقة بخمسين ألف سنة، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكُن، إذًا فما الفائدةُ من أولئك؟! وما الفائدة من الاستفسار منهم؟!
أيّها المسلم، أخفى الله عنك الأمورَ الآتية، وحجب عنك علمَها، ويجري ما يجري بقضاء الله وقدره، لا رادّ لقضائه، ولا معقِّب لحكمِه وهو سريع الحساب. خُذ بالأسباب النافعة، واتَّق الأسبابَ الضارّة، واستعِن بالله في أمورِك كلّها، سلِ اللهَ الثباتَ على الحق والاستقامة على الهدى، خُذ بالأسباب التي أذِن الله لك بتعاطيها، مع الثّقة بالله، وقوّة اليقين والتوكّل على الله، وتفويضِ الأمر إلى الله، وكُن دائمًا ملتجِئًا إلى الله، سائلا اللهَ العفوَ والعافية في الدّنيا والآخرة، سائلا الله من خيره وفضله، مستعيذًا به من البلاءِ والشرّ، الجَأ إلى الله، وعلِّق بالله أملك، وقوِّ يقينَك وتوكّلك على الله، ثمّ لا يضرّك شيء بعد هذا، في الحديث: ((ولا يردّ القدرَ إلا الدّعاء))(3)[3]، فكثرةُ الدّعاء والالتجاء إلى الله والتضرّع بين يديه يدفع الله به عنك البلاءَ، ويحقّق لك الخير، والله أمَرك بدعائه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]. أمّا أولئك الدجّالون الكذّابون فلا علم عندهم بحقائقِ الأمور، وليسوا صادقين فيما يقولون، تخرُّص وظنون وأكاذيبُ وافتراء.
فاتّق الله أيّها المسلم، وإيّاك أن تسألهم عن شيء، إيّاك أن تستفسرَ منهم عن أمر، الآتي علمُه عند الله، ولا يؤمِّنك من المخواف ولا ينجيك من المكاره إلاّ التجاؤك إلى الله، وثقتك بالله، وسؤالُ الله أن يجعلَ فيما قضى وقدّر لك خيرًا، وقل دائمًا: اللهمَّ ما قضيتَ من قضاء فاجعل عاقبتَه لنا رشدًا. فمن ألحَّ على الله والتجأ إليه، كفاه وعافاه، ومَن اتّكل على أولئك الكهّان والدجّالين ألحقوا به الأذى والضّرر، فإن أعطاهم من المال ما يرضيهم حسَّنوا له كلَّ المستقبل، وقالوا: يأتيك المال والولدُ والجاه وإلى غير ذلك، وإن قلّ ما يعطيهم أخافوه فقالوا له: سيأتيك كذا وكذا، فأدخَلوا على قلبه الخوفَ والرعب، ممّا يدلّ على كذبهم وتناقضهم في كلّ ما يقولون.
عبادَ الله، للأسَف الشّديد أنَّ بعضَ المحطّات الفضائية يوجد فيها برامِج ما يسمّى بحظِّ الإنسان ومستقبَل الإنسان، ينتصِب لذلك أقوامٌ أهلُ كذِب ودجلٍ وباطل، يتّصل بهم الكثيرُ من النّاس، يسألونهم: ما هو مستقبلي؟ ما حظي؟ ماذا سأنال في السنين الآتية؟ ماذا سيكون وضعي وحالي وأولادي؟ ما ستكون ثروتي؟ ماذا سيكون جاهي؟ ماذا سيكون موقعي في الحياة؟ إلى آخر ذلك، ثم ينبري أولئك الكهّان الكذّابون الدجّالون فيقول للواحد منهم: حظّك كذا، يسأله: متى وُلدتَ؟ في أيّ البروج؟ في أيِّ الأعوام؟ في أيِّ الطّوالع كان مولدُك؟ فيقول: كذا، فيقول: هذا طالِع سعد وهذا طالِع سعادة وطالِع خير وطالع كذا، فهَذا كلُّه مِن الكذِب والباطل. يتَّصل بهم الكثيرُ من أولئك، يظنّون أنّ عند أولئك علمًا، لا وربِّي، لا علمَ عندهم، ولا معرفةَ عندهم، ولكنّ الكذِب والافتراء هو الذي يكون عندهم.
أيّها المسلم، يا أخي المسلم، ما الفائدة من الاتِّصال بهم؟ ماذا تستفيدُ منهم؟ إمّا أن يغروك بأشياء، ويعِدوك بوعود تعلِّق عليها أماني، والأمَاني رأسُ أموال المفلِسين، أو يدخلونَ عليك رعبًا وخوفًا فتصاب بالهموم والأحزان.
يا أخي، الجَأ إلى ربِّك، اسأل ربَّك من فضله وكرمه، خذ بالأسباب النافعة التي أذِن الله لك بتعاطيها، الجَأ إلى ربِّك وفوِّض أمرك إلى ربِّك، واسأله العفوَ والعافية في الدنيا والآخرة، يقول نبيّنا لعمّه العبّاس: ((يا عم، سلِ الله العافيةَ؛ فما أعطِي أحدٌ بعد اليقين خيرًا من العافية))(4)[1]، فاسألِ الله العافيةَ في الدّين والبدن، كان من دعاءِ نبيّكم : ((اللهمَّ إنّي أسألك العفوَ والعافيةَ في الدّنيا والآخرة. أسألك ـ يا ربِّ ـ العافيةَ في ديني وبدني وأهلي ومالي. اللهمَّ استر عورتي، وأمِّن روعتي، واحفظني من بين يديّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي، أعوذُ بعظمتك أن أغتال من تحتي))(5)[2]، وفي الدّعاء المأثور: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من جهدِ البلاء ودرَك الشقاء وشماتَة الأعداء وسوءِ القضاء))(6)[3]، ((اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك ومِن تحوُّل عافيتك ومن فجاءة نقمتِك))(7)[4].
أيّها المسلم، فالاتِّصال بأولئك ومحادثتُهم ومحاولة استكشافِ ما عندَهم هذا كلُّه من الجهل، كلّه من الخطأ، كلّه من ضَعف الإيمان وقلّة اليقين، أن تظنَّ بأولئك الضالّين خيرًا، أو تحسنَ الظنّ بهم، أو تظنّ أنّ عندهم علمَ الغيب، حُجب علمُ الغيب عن أنبياء الله وخير خلق الله، أفيكون عندَ أولئك خير؟! إنّ أولئك ليسوا بعلماء، وليسوا بأهلِ علم وفضلٍ، ولكنّهم أهل دجل وكذب، استطاعوا بكذبِهم وبهرجهم أن يخدَعوا عقولَ بعض الناس، فيزعمون أنّهم يحدِّدون مستقبلَهم، ويعلمونهم بما سيأتيهم، وكلّ هذا من الخطأ، هذه الأمورُ استأثر الله بعلمها، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً [الطلاق:3]، في الحديث: ((لن تموتَ نفسٌ حتّى تستكملَ رزقها وأجلَها))(8)[5]، فالأرزاق والآجالُ علمُها عند الله، إذا بلَغ الجنينُ في بطنِ أمّه أربعةَ أشهر جاءَ الملك فكتَب رزقَه وأجلَه وعمله وشقيّ أم سعيد، كلّ ذلك مكتوب، وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39]، لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَاواتِ وَلاَ فِى الأرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ [سبأ:3]، فما بالُنا ندَع الالتجاءَ إلى الله ونتّكل على أولئك الكهان وتوقّعاتهم السيّئة؟! وإن كانوا يدّعون أنهم أهلُ حضارةٍ وعِلم، لكِن الكهانةُ في أولئك كثيرة، فلا تثق بهم، ولا تطمئنّ إليهم، ولا تحاول سؤالَهم ولا استطلاعَ ما وراءهم. كن واثقًا بربِّك متَّكلا عليه معتمِدًا عليه مفوِّضًا أمورَك إليه، وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:44].
واعلموا ـ رحِمكم الله ـ أنَّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمّد كما أمركم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمَّ عن خلفائه الراشدين...
__________
(1) أخرجه البزار (3045 ـ كشف الأستار) من حديث جابر رضي الله عنه، وجوَّده المنذري في الترغيب (3/619)، وقال الهيثمي في المجمع (5/117): "رجاله رجال الصحيح خلا عقبة بن سنان وهو ضعيف"، وصححه الألباني في غاية المرام (285). وله شواهد منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه زيادة، أخرجه أحمد (9290، 9536)، وأبو داود في الطب (3904)، والترمذي في الطهارة (135)، والنسائي في الكبرى (9017)، وابن ماجه في الطهارة (639)، والدارمي (1136)، وابن الجارود (107)، والحاكم (1/8)، وقال الترمذي: "ضعف البخاري هذا الحديث من قبل إسناده"، ونقل المناوي في الفيض (6/24) تضعيفَ البغوي وابن سيّد الناس والذهبي لهذا الحديث، ووافقهم على ذلك.
(2) أخرجه مسلم في السلام (2230) عن صفية عن بعض أزواج النبي بنحوه.
(3) أخرجه أحمد (37/68) (22386)، وابن ماجه في المقدمة (90) من حديث ثوبان رضي الله عنه، وصححه ابن حبان، والحاكم (1/493)، وقال البوصيري في الزوائد: "سألت شيخنا أبا الفضل العراقي عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن"، وأخرجه الترمذي في القدر (2139) من حديث سلمان وقال: "حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (154).
(4) هذا النص مركّب من حديثين، الأول: حديث العباس رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله، علمني شيئا أدعو به، فقال: ((سل الله العفو والعافية))، قال: ثم أتيته مرة أخرى فقلت: يا رسول الله، علمني شيئا أدعو به، قال: فقال: ((يا عباس، يا عم رسول الله ، سل الله العافيةَ في الدنيا والآخرة))، أخرجه أحمد (1/209)، والبخاري في الأدب المفرد (726)، والترمذي في الدعوات (3514)، وقال الترمذي: "هذا حديث صحيح"، وصححه الضياء في المختارة (8/378-380)، والألباني في صحيح سنن الترمذي (2790). والثاني: حديث أبي بكر رضي الله عنه قال: قام رسول الله عامَ الأوّل على المنبر ثم بكى فقال: ((اسألوا الله العفو والعافية؛ فإنّ أحدا لم يعطَ بعد اليقين خيرا من العافية))، أخرجه أحمد (1/3)، والترمذي في الدعوات، باب: في دعاء النبي (3558) واللفظ له، والنسائي في عمل اليوم والليلة (882)، وابن ماجة في الدعاء، باب: الدعاء بالعفو والعافية (3849)، والبزار (75)، والطيالسي (5)، والحميدي (7)، وأبو يعلى (121)، قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه"، وصححه الضياء المقدسي في المختارة (1/156)، والألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3104).
(5) أخرجه أحمد (2/25)، والبخاري في الأدب المفرد (1200)، وأبو داود في الأدب (5074)، والنسائي في الكبرى (10401)، وابن ماجه في الدعاء (3871)، والطبراني في الكبير (10/343) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه، وصححه ابن حبان (961)، والحاكم (1902)، وهو في صحيح الترغيب والترهيب (659).
(6) أخرجه البخاري في الدعوات (6347)، ومسلم في الذكر (2707) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله يتعوّذ من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء.
(7) أخرجه مسلم في الذكر (2739) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(8) أخرجه البزار (2914) من حديث حذيفة رضي الله عنه بنحوه، وقال المنذري في الترغيب (2/340): "رواته ثقات إلا قدامة بن زائدة بن قدامة، فإنه لا يحضرني فيه جرح ولا تعديل"، وقال نحوه الهيثمي في المجمع (4/71)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1702). وفي الباب عن جابر رضي الله عنه، أخرجه ابن ماجه في التجارات (2144)، والطبراني في الأوسط (9074)، والقضاعي في مسند الشهاب (1152)، وصححه ابن حبان (3239، 3241)، وهو في صحيح سنن ابن ماجه (1743). وعن أبي أمامة رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في الكبير (8/166)، وأبو نعيم في الحلية (10/27)، قال الهيثمي في المجمع (4/72): "فيه عفير بن معدان، وهو ضعيف". وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (1151)، وعزاه الحافظ في الفتح (1/20) لابن أبي الدنيا في القناعة، وقال: "صححه الحاكم".
(1/2811)
من يتوكل على الله حقَّ توكله فإنه يكفيه ما أهمه وما أغمه
الحمد الله، له الحمد في الدنيا والآخرة، له الحكم وإليه ترجعون، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، صلاة وسلام دائمين إلى يوم الدين.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
، فيقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً [الطلاق:2، 3]، صدق الله العظيم.أيها المسلمون، هاتان الآيتان الكريمتان من سورة الطلاق، وهي مدنية، ولهما سبب نزول، فقد ذكرت كتب التفسير بأن رجلاً من قبيلة أشجع، كان فقير الحال وكان كثير العيال، وأن ابناً له قد وقع في الأسر بيد المشركين، فأتى النبيَ صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إن ابني أسره العدو، وجزعت عليه أمه، فما تأمرني؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: ((اتق الله واصبر، وأكثر من قولك: لا حول ولا قوة إلا بالله))(1)[1].
ولم تلبث مدة وجيزة حتى تمكن الابن من الانفلات من الأسر، و في طريقه آتى على غنم سباها من الأعداء، فنزلت هاتان الآيتان الكريمتان من سورة الطلاق، لتوضح أن من يتوكل على الله حقَّ توكله، فإنه يكفيه ما أهمه وما أغمه، وما يحتاج إليه.
أيها المسلمون، إن التوكل على الله رب العالمين من أعظم ثمار الإيمان، وأهم أسباب العزة والطمأنينة لدى الأنام، وقد ورد التوكل في القرآن الكريم في سبعة وستين موضعاً، لبيان أهميته، وما من آية ورد فيها التوكل إلا واقترن بالإيمان، فيقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران وفي سورة إبراهيم أيضاً: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون [التغابن:13]، وفي سورة المائدة: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [المائدة:23]، وفي سورة التغابن: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُو.
أيها المسلمون، لذا كان التوكل على الله عز وجل جزءاً من عقيدة المؤمن بالله رب العالمين، والفهم الحقيقي للتوكل يحتم أن نؤمن بأنه طاعة لله والقيام بالأسباب المطلوبة بأي عمل من الأعمال، وقد يظن البعض ويتوهمون أن التوكل ترك العمل وعدم الأخذ بالأسباب، وهذا ظن خاطئ، ولا يقول به إلا الجهلة في أمور العقيدة والتوحيد، فإن ديننا الإسلامي العظيم قد أثنى على المتوكلين العاملين، فالتوكل مقره الخيط المتعلق بالله عز وجل، والعمل منوط بالجوارح، وشؤون الدنيا هي وسيلة لا غاية، لذى نقول: اللهم لا تجعل الدنيا في قلوبنا، واجعلها في أيدينا.
أيها المسلمون، إن رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم كان وباستمرار يأخذ بالأسباب المادية المطلوبة، فعلى سبيل المثال، ما حصل في معركة الأحزاب، فبعد أن أعد العدة توجه إلى الله رب العالمين بالدعاء قائلاً: ((اللهم منزل الكتاب، ومجريَ السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم و انصرنا عليهم))(2)[2].
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة فقال: يا رسول الله أرخي لناقتي وأتوكل؟ أي أتركها بدون عقال وأتوكل؟ فماذا كان جواب الرسول عليه الصلاة والسلام؟ ((اعقلها وتوكل))(3)[3]، أي اربطها ثم توكل على الله.
أيها المسلمون، هناك فرق شاسع بين التوكل والتواكل، فالتوكل هو العمل والأخذ بالأسباب، والاعتماد على الله عز وجل، أما التواكل فهو الكسل والاعتماد على الغير وعدم الإنتاج، وعدم الأخذ بالأسباب، فالله سبحانه وتعالى يقول: وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105].
وقد طبق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفهوم التوكل عملياً، ولاحق المتواكلين الكسالى، الذين لا يعملون، والذين يعتمدون على غيرهم، فمن أقواله رضي الله عنه: (أرى الرجل، فيعجبني، فإن قيل: لا حرفة له سقط من عيني)، فالرجل العاطل عن العمل يكون محتقراً في نظر أمير المؤمنين.
وشاهد عمر بن الخطاب أناساً يتعبدون في المساجد ولا يعملون، فسألهم عن عملهم فقالوا: نحن متوكلون، فقال لهم: لا، أنتم متواكلون، وبادرهم بالدرة. أي بالعصا التي يحملها، ثم قال: المتوكل هو الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله، أي الذي يعمل ثم يتوكل على الله.
أيها المسلمون، ثم نقول للذين يخافون على أرزاقهم، ولا يتوكلون على الله، نقول للعمال الذين يتخلفون عن صلاة الجمعة، لأن رب العمل يرفض له السماح بأداء صلاة الجمعة، ويلزمهم العمل، نقول لهم: أين التوكل على الله؟، إنهم يدَّعون فيقولون: إذا أتينا إلى صلاة الجمعة فإن رب العمل يفصلنا، نقول لهم ما ورد في سورة الطلاق: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ [الطلاق:2، 3]، فهل نترك كلام الله ونتمسك بكلام العباد.
ونؤكد بأن التذمر التضجر والتأفف حين البحث عن العمل ليس من التوكل على الله، ونقول للتجار ولأصحاب الأملاك: إن التوكل على الله هو الرأفة والرحمة بالناس وعدم استغلالهم، ونقول للموظفين وللمستخدَمين: إن التوكل على الله هو الإخلاص في العمل المشروع، والقيام بالواجب الملقى على عواتقهم، دون محاباة، دون تزلف، دون تخوف، فالله عز وجل بيده الرزق ويتكفل الدفاع عن المسلمين، والمسلم الصادق يجب عليه أن يتوكل على الله وحده.
أخي المسلم، عليك أن تحفظ هذا الحديث النبوي الشريف، وأن تكرره باستمرار، عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: ((يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف))(4)[4]، وفي رواية أخرى: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك بالشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً))(5)[5] صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتوكل أخي المسلم على الله الحي الذي لا يموت، وسيكون الله معك أينما توجهت وأينما حللت، جاء في الحديث الشريف: ((من قال حين يخرج من بيته: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كُفيت ووُقيت، وتنحى عنه الشيطان))(6)[6] صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون، يا أبناء ارض الإسراء والمعراج، في الوقت الذي يعلن فيه عن ما يسمى بالهدنة ووقف إطلاق النار، تقوم السلطات الإسرائيلية بالاغتيال وهدم المنازل بالإضافة إلى الأمور الآتية:
المصادقة على بناء آلاف الشقق الاستيطانية في مدينة القدس وما حولها، وبخاصة في الجهتين الجنوبية والشرقية، وهو ما أعلن عنه من خلال أجهزة الإعلام، وذلك لخنق هذه المدينة من جميع الجهات.
مصادر أربعة عشر ألف دونم من أراضي بيت إكسا المحاذية لمدينة القدس، وهذا ما أعلن عنه من خلال أجهزة الإعلام أيضاً، وذلك لإقامة مستوطنة جديدة.
تجريف عشرات الآلاف من الدنمات التي تخص القرى الأمامية، وحرمان المواطنين من الوصول إلى أراضيهم، نتيجة إقامة ما يسمى بالجدار الواقي.
أيها المسلمون، بالرغم من معارضة المجتمع الدولي لهذه المصادرت، إلا أن هذه المعارضة هي معارضة شكلية غير مؤثرة وغير فعالة، ولا يوجد أي ضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف أعمال المصادرات وإقامة المستوطنات.
وإن حكم الإسلام في ذلك واضح وصريح، فإن ما يُبنى على الأرض المغتصبة يكون باطلاً، وإن ما يُبنى على الباطل فهو باطل، وإن الاعتداء على الأرض لا يعطي شرعية للبناء.
أيها المسلمون، وأما رابعاً وأخيراً بشأن المسجد الأقصى المبارك والسياحة لغير المسلمين به، فقد أصدرت الهيئة الإسلامية العليا ومجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات في القدس قبل يومين بياناً موحداً، بتوقيع كل من الهيئة الإسلامية ومجلس الأوقاف، وما أذيع عبر إذاعة الأعداء التي تقول بأن الهيئة الإسلامية لها موقف يختلف عن موقف الأوقاف، نقول: إن موقف المسلمين هو موقف واحد، ويتضمن البيان تأكيداً على المواقف الإيمانية التي تعتمد على القرار الرباني والآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة بأن الأقصى هو للمسلمين وحدهم، وأوضح البيان بأن وقف السياحة لغير المسلمين في هذه الظروف العصيبة، إنما يهدف المحافظة على حرمة المسجد الأقصى، وتجنيب الأقصى عن أي توتر محتمل، كما يهدف إلى حقن الدماء وعدم الاقتتال، وسيبقى المسلمون ـ بإذن الله ـ الحراس الأوفياء لمسجدهم المبارك ليقضى الله أمراً كان مفعولاً.
__________
(1) عزاه الحافظ ابن حجر في الإصابة (3/11) إلى ابن مردويه في التفسير.
(2) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد، من حديث عبد الله بن أوفى (2744)، ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد والسير (3267).
(3) رواه الترمذي من حديث أنس (2441)، وقد حسنه الألباني في صحيح الترمذي (2044).
(4) أخرجه الترمذي في صفة القيامة (2516)، وهو عند أحمد أيضا (4/409-410) [2669]، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/460-461). "روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة.. وأصح الطرق الطريق التي خرجها الترمذي"، وصححه الألباني في صحيح السنن (2043).
(5) الرواية أخرجها أحمد (5/18-19) [2803]، والحاكم (3/623)، والضياء في المختارة (10/24)، وصححها القرطبي في تفسيره (6/398).
(6) رواه الترمذي في سننه من حديث أنس بن مالك (3348)، ونحوه عند أبي داود في سننه (3321).
(1/2812)
Bigasoft Total Video Converter v4.5.5.5561 Multilingual