الأربعاء، 18 مارس 2015

Internet Download Manager (IDM) 6.23 Build 7 + Crack@Patch


Internet Download Manager (IDM) 6.23 Build 7 + Crack@Patch

Internet Download Manager (IDM) 6.23 Build 7 + Crack@Patch

Internet Download Manager (IDM) ) هي أداة لزيادة سرعات تحميل الملفات بنسبة تصل إلى 5 مرات، واستئناف الجدول الزمني التنزيلات.

 خطأ انتعاش شامل واستئناف القدرة استئناف كسر التحميل أو تعطل بسبب الصلات المفقودة، مشاكل شبكة، إغلاق الكمبيوتر، أو انقطاع التيار الكهربائي الغير متوقعة.  و اجهة المستخدم الرسومية بسيطة سهلة الاستعمال وسهلة لمستخدمى الأنترنت

Internet Download Manager تدعم خوادم بروكسي، وبروتوكول نقل الملفات والمتشعب البروتوكولات، الجدران النارية، والموجهات، الكوكيز،  MP3 السمعية و MPEG تجهيز محتوى الفيديو. IDM يدمج بسهولة في مايكروسوفت إنترنت إكسبلورر، ونتسكيب، وإكسبلورر MSN، AOL، اوبرا، موزيلا، وموزيلا فايرفوكس، وموزيلا Firebird، متصفح أفانت، MyIE2، وجميع المتصفحات الشعبية الأخرى لمعالجة برامجك آليا. كما يمكنك سحب وإسقاط الملفات، أو استخدام الانترنت مدير تنزيل من سطر الأوامر.

وتشمل الميزات الأخرى دعما متعدد اللغات

النسخة 6.23 تتوافق مع Windows 10 ، ويضيف دي إم وحة التحميل  التي يمكن استخدامها لتحميل ملفات الفيديو فلاش من مواقع مثل MySpaceTV، وغيرها. ويتميز أيضا الدعم الكامل ويندوز 8.1 (ويندوز 8، ويندوز 7 وفيستا)، الإصدار الجديد يضيف أيضا تحسين التكامل لشركة آي إي 11 و IE مقرها المتصفحات، وتعزيز إعادة تصميم محرك التحميل، وتكامل فريدة متقدمة في جميع برامج التصفح الاخرة، وتحسين شريط الأدوات، وثروة من التحسينات الأخرى والميزات الجديدة.



Internet Download Manager (IDM) 6.23 Build 7 + Crack


Description:
Internet Download Manager 6.23 (IDM) is a reliabe and very useful tool with safe multipart downloading technology to accelerate from internet your downloads such a video, music, games, documents and other important stuff for you files. IDM has a smart download logic accelerator and increases download speeds by up to 5 times, resumes and schedules downloads. Comprehensive error recovery and resume capability will restart broken or interrupted downloads due to lost connections, network problems, computer shutdowns, or unexpected power outages. Simple graphic user interface makes Internet Download Manager user friendly and easy to use. Unlike other download managers and accelerators, IDM segments downloaded files dynamically during download process and reuses available connections without additional connect and login stages to achieve best acceleration performance.


Features:
• Internet Download Manager supports all popular browsers including Microsoft Internet Explorer, Netscape, MSN Explorer, AOL, Opera, Mozilla Firefox, Avant Browser, and it can be integrated into any Internet application to take over downloads using unique “Advanced Browser Integration” feature.
• Dynamic Segmentation and Performance.
• Easy downloading with one click. When you click on a download link in a browser, IDM will take over the download and accelerate it. IDM supports HTTP, FTP, HTTPS and MMS protocols.
• Download Speed Acceleration. IDM can accelerate downloads by up to 5 times due to its intelligent dynamic file segmentation technology.
• Download Resume. Internet Download Manager will resume unfinished download from the place where they left off.
• YouTube grabber. IDM can grab FLV videos from popular sites like YouTube, MySpaceTV, and Google Video.
• Drag and Drop. You may simply drag and drop links to IDM, and drag and drop downloaded files out of Internet Download Manager.
• Automatic Antivirus checking. Antivirus checking makes your downloads free from viruses and trojans.
• Advanced Browser Integration. When enabled, the feature can be used to catch any download from any application.
• Built-in Scheduler. IDM can connect to the Internet at a set time, download the files you want, disconnect, or shut down your computer when it’s done.
• IDM includes web site spider and grabber. IDM downloads all required files that are specified with filters from web sites, for example all pictures from a web site, or subsets of web sites, or complete web sites for offline browsing. It’s possible to schedule multiple grabber projects to run them once at a specified time, stop them at a specified time, or run periodically to synchronize changes.
• IDM supports many types of proxy servers. For example, IDM works with Microsoft ISA, and FTP proxy servers.
• IDM supports main authentication protocols: Basic, Negotiate, NTLM, and Keberos. Thus IDM can access many Internet and proxy servers using login name and password.
• Download All feature. IDM can add all downloads linked to the current page. It’s easy to download multiple files with this feature.
• Download Categories. IDM can be used to organize downloads automatically using defined download categories.
• Download limits. Progressive downloading with quotas feature. The feature is useful for connections that use some kind of fair access policy (or FAP) like Direcway, Direct PC, Hughes, etc.
• Internet Download Manager is multilingual.


What's New in This Release?
* Fixed problems with video/audio recognition for several types of web sites
* Fixed compatibility problems of Google Chrome extension with several applications


Requirements:
OS: Windows All

 

   

لتحميل البرنامج

http://www.gulfup.com/?PRmXZB

فاطمئن في أداء الصلاة ولا يستخفنك الشيطان

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله، الصلوات الخمس أعظم أركان الإسلام بعد التوحيد، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام, وهي عمود الإسلام، وهي الدالة على وجود إيمان في القلب, فإن الإيمان اعتقاد وأعمال وأقوال, والصلوات الخمس تمثل ذلك الاعتقاد الحقيقي, ولذا من ترك هذه الصلاة فأنت في شك من سلامه دينه.

وهذه الصلوات الخمس تزكي القلب, وتطهر النفس, وتنهى عن منكرات الأخلاق والأعمال, إِنَّ الصلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، وهي مشتملة على ذكر الله وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45].

فمن أولها إلى آخرها ما بين تعظيم لله, تنزيه لله, وما بين التجاء واضطرار, وكمال التقى إلى ذي العزة والجلال.

والمصلي يناجي ربه من حين ما يقول: الله أكبر, فهي إشارة إلى كشف الحجاب بينه وبين ربه, فموقفه في صلاته موقف العز, موقف الشرف, موقف الفضل موقف الخير كله.

هذه الصلوات الخمس قرة عين نبيكم صلى الله عليه وسلم القائل: ((حبب إلي من دنياكم النساء والطيب, وجعلت قرة عيني في الصلاة))(1)[1]، وهي راحته وأنسه فهو يقول صلى الله عليه وسلم: ((أرحنا يا بلال بالصلاة))(2)[2].

ولكن يا أخي, متى تكون هذه الصلاة مؤثرة؟ ومتى يكتسب العبد منها تلك الفضائل والأعمال الجليلة؟ نعم أيها المسلم, إنما تكون صلاته مؤثرة في نفسه مزكية لقلبه مصلحةً لعمله إذا أداها بطمأنينة, وخشوع أثناء أدائها.

فالمطمئن فيها هو الذي ينتفع بها ويتأثر بها, أما الذي يؤديها صورة لكنه لا يطمئن, ينقرها نقر الغراب, لا تراه مطمئناً في قيام, ولا في قراءة, ولا في ركوع, ولا في سجود، ولا في رفع بعد الركوع, ولا في جلوس بين السجدتين, ولا في التشهد الأخير, وإنما يؤديها عادة, وربما استغرق في أدائها بضع دقائق أو أقل.

يدخلها ثم يتعب ويملُ منها ويحب الفراغ منها بكل ما أمكنه, تلك صلاة لا تؤثر عليه شيئاً, ولا يستفيد منها, ولا ينتفع بها.

أيها المسلم، فإن أردت أن تكون صلاتك مؤثرة في نفسك مزكية لأخلاقك, مطهرة لقلبك, فاطمئن في أدائها, وتأن في أدائها, واعلم أنها فرصة لك تناجي ربك, إياك والملل منها, إياك والضجر منها, بل كن محباً لهذه الصلاة, مستأنساً فيها, تراها الفرصة الطيبة والساعة المباركة واللحظات الخيرة.

أيها المسلم، فحاول أخي أن تطمئن في أداء الصلاة, ولا يستخفنك الشيطان فيشغلك بأفكار بعيدة ووساوس, فتؤدي الصلاة بغير الأداء الشرعي الذي أمر الله به, وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم.

أيها المسلم، في عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جاء رجل وصلى, ثم سلم على النبي فقال له النبي: ((ارجع فصل فإنك لم تصل ـ ثلاث مرات ـ))، ثم قال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني, في الصحيحين عن أي هريرة رضي الله عنه قال: دخل النبي المسجد فدخل رجل وصلى ثم أتى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل)) رجع فصلى ثم جاء فسلم على النبي فقال: ((ارجع فصل فإنك لم تصل)) صلى ثالثاً ثم جاء فقال: ((ارجع فصل فإنك لم تصل))(3)[3]، هو صلى ظاهراً, قيام ركوع قيام بعد الركوع سجود جلوس بين السجدتين تشهد، ومع هذا فالنبي يقول له: ((ارجع فصل فإنك لم تصل)) فما تكرر ثلاث مرات استيقن الرجل أن هناك نقصاً في الصلاة, لكنه لا يدري ما هذا النقص وما محل هذا النقص وهذا التقصير, فقال مقسماً: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني، هذا مقدار علمي هذه الصلاة التي رأيتني صليتها هي غاية علمي, أظن أن هذه هي المشروعة.

فلما تصور الرجل خطأه, وطلب التعليم واستعد لقبول التعليم عند ذلك بين له أكمل الخلق علماً وأرفقهم بجاهلٍ وأحسنهم تعليماً وتوجيهاً ودعوة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، فقال له: ((إذا قمت إلى الصلاة فكبر)) لم يزجره, ولم ينتهره, ولم يسبه, ولكنه أراد أن يعلم الخطأ الذي وقع فيه, ثم جاء هذا التعليم برفق ولين وحسن تعليم, وصدق الله: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:128]، وصدق الله: فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].

فقال له: ((إذا قمت إلى الصلاة فكبر)) أي تكبيرة الإحرام التي هي مفتاح الصلاة, وفي الحديث: ((مفتاح الصلاة الطهور, وتحريمها التكبير, وتحليلها التسليم))(4)[4]، فتكبيرة الإحرام أول شيء يدخل به في الصلاة, فكبر فإن من لم يؤد تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته أصلاً.

((ثم أقرأ ما تيسير معك من القرآن)) ولا شك أن الفاتحة هي أولى ما تيسر, لأن الأحاديث الصحيحة دالة على أن أي صلاة لا تقرأ فيها فاتحة الكتاب فصلاته باطلة لحديث ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))(5)[5].

ثم قال ((ثم اركع)) أي بعد الفاتحة اركع لأن ما زاد على الفاتحة سنة, ويحافظ عليها, ثم قال بعد ((اركع حتى تطمئن راكعاً)) ، اركع حتى تطمئن في ركوعك فتكون حال الركوع مطمئناً لتقول الذكر المشروع في الركوع: سبحان ربي العظيم, وإن أتيت به ثلاثاً فخير, وإن أوصلته إلى العشر فذاك منتهى الكمال.

وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم(6)[6], وربما قالها عشراً، ويقول: سبحانك ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي, وكان يركع ركوعاً مطمئناً فيه يضع يديه على ركبتيه مطمئناً في ركوعه غير رافع لرأسه ولا مطأطأه إلى الأرض, بل ركوع في غاية الاعتدال صلوات الله وسلامه عليه.

((ثم ارفع حتى تعدل قائماً)) أمره بالطمأنينة في الرفع بعد الركوع، فقال حتى تعتدل راكعاً, أي تستقيم بعد الرفع من الركوع فلا تصل الركوع بالسجود, ولكن أطمئن واعتدل قائماً حتى تعود العظام إلى مكانها، وكان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع اعتدل قائماً يقول الذكر المشروع بعد الركوع: ((اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد, أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد))(7)[7]، يقول أنس: حتى يقول القائل: قد ذهل، أي قد نسي(8)[8].

((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً))، أمره أن يطمئن في سجوده, والسجود من أشرف أعمال العبد وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد, والنبي قال لنا: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب, وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن ـ أي حري ـ أن يستجاب لكم))(9)[9].

فأمره بالطمأنينة في السجود ليؤدي الذكر المشروع: سبحان ربي الأعلى مرة أو ثلاثاً والكمال عشراً، وسبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي.

وكان نبيكم في سجوده ربما قال: اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني، أو يقول: أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك.

وكان يأمر بالاعتدال في السجود فكان يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه ويكون سجوده في غاية الاعتدال والخضوع لله.

ثم قال له: ((ثم ارفع حتى تعدل جالساً))، أمره بالطمأنينة في الجلسة بين السجدتين حتى يؤدي الذكر المشروع، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: ((رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارزقني وعافني)) قال أنس: (حتى يقول القائل: قد ذهل) أي قد نسي.

ثم أمره بالطمأنينة في السجدة الثانية ثم قال له: ((ثم افعل هذا في صلاتك كلها)). أي كل قيام وركوع وسجود وقيام بعد الركوع وجلوس بين السجدتين, كلها اطمئن فيها كلها لتكون الصلاة صلاة مقبولة مؤثرة بتوفيق من الله.

أيها المسلم، إن نبينا صلى الله عليه وسلم حذرنا من الإخلال بصلاتنا فقال صلى الله عليه وسلم: ((أشد الناس سرقة الذي يسرق من صلاته)) قالوا: كيف يسرق من صلاته؟ قال: ((لا يتم ركوعها ولا سجودها))(10)[10]، فجعل الذي لا يطمئن في الركوع ولا في السجود سارقاً من صلاته.

قال أبو عبد الأشعري: إن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى رجل لا يطمئن في ركوعه وينقر سجوده قال: ((لو مات هذا لمات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم))(11)[11].

أيها المسلم، فاطمئن في صلاتك، اطمئن في أدائها, لا تجعلها أمراً عادياً وكأنه ثقل ألقيته من فرائض الله، هي عبادة من أجل العبادات, أحسن النية في أدائها, وأخلص لله في أدائها, واطمئن فيها, واحمد الله أن جعلك تحب هذه الصلاة وترغب في هذه الصلاة وتطمئن في هذه الصلاة, أدها كما أمرك الله, وكما شرع لك رسوله صلى الله عليه وسلم, واحذر الاستعجال بها احذر الاستعجال والاستخفاف بها.

أيها الإمام بالمصلين, اتق الله فيمن وراءك, فإن وراءك المؤمنين, فاتق الله فيهم, وصل بهم صلاة تطمئن فيها لكي ينالوا الثواب العظيم، فإن أسأت وأخللت بأداء الصلاة فلهم الأجر وعليك الوزر والإثم.

فليتق الله في صلاته وليطمئن فيها, فإن الطمأنينة في أدائها عنوان صدق الإيمان وقوته قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1، 2]، خشوعهم نتيجة للطمأنينة والسكينة والإقبال على هذه الفريضة بقلب مخلص محب لهذه الصلاة وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا رَبّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ [البقرة:45، 46].

فاطمئنوا إخواني في صلاتكم, واسكنوا في صلاتكم وأدوها عن طمأنينة ورغبة فيها وحب لها, ولا تستثقل وقتها فإنها ساعات عظيمة ولحظات مباركة.

أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن قبل الله صلاته, وتقبل أعماله, ووفقه لأدائها كما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَا ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7].




عباد الله، سيرة محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله وتبصيره للجاهلين وتعليمه لهم سيرة من أكمل السير وأفضلها وأحبها, ذلكم أنه صلى الله عليه وسلم يرفق بالجاهل ويحلم عليه ويقدر جهله وعدم علمه.

انظر كيف عامل ذلك الإنسان الذي رآه يسيء في صلاته, لم ينتهره, ولم يغلظ القول عليه, ولم يخاطبه بجفاء وغلظة, وإنما قال: ((ارجع فصل فإنك لم تصل))، فلما استيقن الرجل الخطأ عند ذلك واستعد للتعليم علمه النبي الأمر المشروع, ولم يقل له أعد ما مضى من صلاتك, فإن ما مضى كان عن جهل وعن عدم علم والنبي يقول: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))(12)[1]، فما مضى لم يقل: اقض هذه الصلاة ولا كاليوم أنت صليت إنما علمه الصلاة الحاضرة ليعمل بها في المستقبل وما مضى فعن جهل وقلة علم فعفى الله عما مضى وسلف.

أيها الداعي إلى الله قد ترى في الجماعة من هو يخل بالصلاة, إما لا يطمئن, إما يسابق الإمام إلى غير ذلك من المخالفات, فعلم الجاهل, واحلم عليه حتى يقبل منك التوجيه, ويقبل منك التعليم, ويعلم أن قصدك إسعاده وتخليصه من الجهل, لا تخاطبه بخطاب سيء, ولا تقل له قول عنف, ولكن أرفق به حتى يقبل منك وينشرح صدره إليك، فالرفق ما وضع في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه, الرفق خير كله, وقدوة الدعاة إلى الله وقدوة الموجهين وقدوة العلماء سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم, فلنتأس به في أقواله وأعماله وتوجيهاته ونصائحه, والله يقول لنا: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاْخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

فإن سلكنا هذا المسلك بتوفيق من الله استطعنا تعليم جاهلنا وتوجيهه والأخذ بيده بما فيه الخير, وإن قابلناه بالعنف والإنكار والكراهية وغلظ القول فإن الناس ينفرون منا ولا يقبلون منا توجيهاً ولا تعليماً.

فلنقتد بنبينا وهو خير قدوة لنا وخير أسوة لنا في كل أحوالنا صلوات الله وسلامه عليه أبداً دائماً إلى يوم الدين.

__________

(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (11884)، والنسائي في كتاب عشرة النساء، باب: حب النساء (3939) من حديث أنس رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح النسائي (3639).

(2) أخرجه الإمام أحمد برقم (22578)، وأبو داود في كتاب الأدب، باب: في صلاة العتمة (4985)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (4985).

(3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات (757)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (397).

(4) أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (1075)، والترمذي في كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مفتاح الصلاة الطهور (3)، وأبو داود في كتاب الطهارة باب: فرض الوضوء (61)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب: مفتاح الصلاة الطهور (275)، جميعهم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (61).

(5) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم (756)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (394).

(6) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل (772).

(7) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع (477).

(8) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب: المكث بين السجدتين (821)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب: اعتدال أركان الصلاة وتخفيفهما (472).

(9) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب: النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود (479).

(10) 10] أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (11138) من حديث أبي سعيد, والدارمي في كتاب الصلاة، باب: في الذي لا يتم الركوع والسجود (1328) من حديث أبي قتادة عن أبيه, وقال الألباني: (صحيح لغيره) انظر صحيح الترغيب والترهيب (524).

(11) 11] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3840)، وفي المعجم الأوسط (2691)، وابن أبي شيبة في مصنفه برقم (2981)، والحديث حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (528).

(12) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطلاق، باب: طلاق المكره والناسي (2043)، والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (1731).

(1/2843)


الثلاثاء، 17 مارس 2015

نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها وأقمنا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس لدينا أحراراً وعبيداً



الإسلام حينما قال: لا إكراه في الدين صان حرية الاعتقاد، وحينما دعانا إلى التفكير أعطانا لوازم حرية الاعتقاد، ولحكمة بالغة بالغة أن أحداً في الأرض لا يستطيع أن يطلع على ما في رأسك، وهذه أعظم حرية، قولك قد يكون مراقباً، أما تفكيرك غير مراقب، اعتقادك غير مراقب، لك أن تعتقد ما تشاء، فإذا إنسان أكره وقلبه مطمئن في الإيمان فهو عند الله مؤمن.

~~

حق الكرامة، كل إنسان له الحق أن يتمتع بأعلى درجة من الكرامة، وفي القرآن الكريم آية كريمة فيها قانون الكرامة:

﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)﴾

( سورة يونس )

الكرامة سببها الاستقامة والإحسان، وكل إنسان بعمله فإذا كان متقناً يرفع رأسه، أقول لكم هذه الكلمة أيها الأخوة: كن نظيفاً، وكن واضحاً، وكن مستقيماً، ولا تخشَ أحداً، ارفع رأسك يا أخي لا تُمَوِّتْ علينا ديننا، إنسان كان يمشي مطأطئ الرأس علاه عمر بالدرة وقال له: ارفع رأسك فالإسلام عزيز.

أما عندما تأكل مالاً حراماً تطأطئ الرأس، وتقبّل الأقدام، والإنسان يضعف مركزه عندما يرتكب إثماً، أما إذا كان طائعاً لله ينبغي أن يكون رافع الرأس، لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه.

ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير، وسيدنا عمر بن الخطاب عندما استدعى ابن عمرو بن العاص من مصر لأنه ضرب مواطناً من مصر بغير حق، قال له: اضرب ابن الأكرمين، قال كلمته المشهورة التي تكتب بمداد من ذهب، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.

~~

حق الكرامة حق لجميع المؤمنين، لجميع بني البشر، سيدنا عمر حينما داس أعرابي من فزارة طرف رداء ملك من ملوك الغساسنة في أثناء الطواف، التفت الملك وضربه ضربةً هشمت أنفه، البدوي شكاه إلى عمر فاستدعاه عمر، قال: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟ (انظروا إلى الإسلام كيف حفظ حق الكرامة !!) قال: لست ممن يكتم أو ينكر شياً، أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي، فقال له: أرضِ الفتى لابد من إرضائه ما زال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك وتنال ما فعلته كفك، قال: كيف ذاك يا أمير ؟ هو سوقة وأنا عرش وتاج، كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟ قال: نزوات الجاهلية هذه ورياح العنجهية قد دفناها وأقمنا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس لدينا أحراراً وعبيداً، قال: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني، قال: عنق المرتد بالسيف تحز، عالم نبنيه كل صدع فيه بشبا السيف يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.

~~

حينما تستمعون إلى حقوق الإنسان ينبغي أن تعتزوا بإسلامكم، حقوق الإنسان أعلنت في عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين عقب الحرب العالمية الثانية، بعد أن قتلت الحرب أكثر من ثلاثةٍ وستين مليون إنسان، عدا المشوهين، انتهت الحرب العالمية الثانية بمجموع قتلى يساوي ثلاثةٍ وستين مليون إنسان، ودمرت كل شيء.

عقب هذه الحرب أعلنت حقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول عام ألف و تسعمئة وثمانية وأربعين، بينما حقوق الإنسان في الإسلام معلنة بآيات من كتاب الله قبل ألف و أربعمئة عام.

~~

حق الحياة مصون في الإسلام في أعلى درجة، الذي يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها، الذي يقتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً.

 

 


الشيخ محمد راتب النابلسي

ما هو قدر الصلاة في قلبك؟؟؟

أمر عظيم استدعي من أجله الرسول صلى الله عليه وسلم وعرج به إلى السماء فما هو هذا الأمر الذي اختلف عن جميع التشريعات حيث شرع في السماء في حين شرعت باقي الشرائع في الأرض؟؟؟ واختاره الله أن يكون عموداً لهذا الدين بل جعله الفيصل بين الإسلام والكفر فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم (إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه ابن حبان. ويل من تهاون فيها توعده رب العالمين بوادٍ في قعر جهنم حيث قال سبحانه (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) فيا عجباً يثبت لهم سبحانه أنهم مصلين ويتوعدهم نعم لأنهم صلوها ولكن ضيعوا مواقيتها ... فتارة تنام عنها وتارة تأخرها وتارة أخرى تقدم أمورها عليها ...قال تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) أي بمواقيت محددة هو سبحانه حددها ... فمن حدد مواقيت صلواتنا؟؟؟ هل هي أهواؤنا؟ قال تعالى (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا فمن تهاون في مواقيتها وخشوعها فقد دخل بوابة الهلاك التي لا تنتهي إلا بما وصفه رب العالمين (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) ما هي النتيجة (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)في يوم من الأيام وأنا في المستشفى في أحد الممرات أوقفتني امرأة وبيدها أوراق فقالت لي: هذا زوجي خلف باب الزجاج ...فنظرت فإذا برجل شكله مقزز يهتز ويرتعد ولا يكاد يثبت... ثم يضرب برأسه في الباب الزجاجي ... فقالت: إن له دواء إذا لم يأخذه يصبح بهذه الحالة والآن انتهى الدوام ونحن نريد هذا الدواء... فأحضرت الدواء من الصيدلية ...فقالت لي: أريد أن أقول لك شيئاً إن زوجي هذا كان من أقوى الرجال فأنا لم أتزوجه هكذا...فأخذت تبكي وتقول: إنه كان ذا أخلاق طيبة ولكنه كان يصلي كيف ما شاء ... صلاة الفجر لا يصليها إلا عند الساعة السابعة وهو خارج إلى العمل... ويوم الخميس لا يصليها إلا الساعة العاشرة وهكذا ... وفي يوم من الأيام بعدما انتهينا من الغداء جلس قليلاً فقلت له: لقد أذن العصر ... فقال لي: إن شاء الله ...فذهبت وعدت فوجدته جالساً ... فقلت له: أقيمت الصلاة ... فقال لي: خلاص إن شاء الله ...فقلت له: سوف تفوتك الصلاة ... فصرخ في وجهي وقال: لن أصلي!!! وجلس حتى انتهت الصلاة ... ثم بعد ذلك قام ... فو الله ما استقر قائماً حتى خر على وجهه في السفرة وأخذ يزبد ويرتعد بصورة لا توصف... حتى إني وأنا زوجته لم أستطع أن أقترب منه... فنزلت إلى إخوته في الدور الأرضي فهرعوا معي إلى الأعلى وحملوه إلى المستشفى على تلك الحالة... ثم مكث في المستشفى على الأجهزة لمدة ثم خرج بهذه الحالة ... إذا لم يأخذ العلاج أخذ يضرب برأسه الجدار ويضرب ابنته ويقطع شعرها ...ومن ذلك اليوم بلا وظيفة ولا عمل (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) وأنت أخيه ما هو قدر الصلاة في قلبك؟؟؟ فكم من فتاة تزلزل دينها لما ضعف عمود الدين عندها ... فتجدها من السهولة أن تأخر صلاتها من أجل مكياج وضعته!!! أو مناسبة تريد حضورها!!! أو برامج تتابعها!!! فماذا ستقول غداً لربها وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله) رواه الطبراني

حقوق الجوار

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى:يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًمعاشر المؤمنين: يقول الله عز وجل:وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْالجار ذو القربى هو ما اقترب داره من دارك، والجار الجنب هو: الجار البعيد، والصاحب بالجنب هو: رفيقك في سفر أو عمل، فكل أولئك قد وصى الله جل وعلا بهم، وذكرهم صريحاً في كتابه، وما ذاك إلا لعظم شأن الجار ومكانته. معاشر المؤمنين: إن كثيراً من الناس يجهلون حقوق الجوار، إن كثيراً من الناس لا يعرفون من الحقوق إلا القليل، وما علموا أن حقوق المسلم على أخيه المسلم متعددة ومتنوعة ومختلفة المراتب، فإن كان جاراً مسلماً فله حقوق الإسلام وله حقوق الجوار، وإن كان جاراً ذا رحم فله حقوق الإسلام والرحم والجوار. إذاً فما بال بعض منا الذين لا يدركون هذه الحقوق، ولا يعرفون لها قيمة أيجهلون حقوق الجوار أم هم في غفلة من الآيات والأحاديث وما دام الجار مسلماً فله حقوق المسلم، ألا وهي التي جاءت في الحديث الصحيح الذي يرويه أبو هريرة أن النبي ص قال:(حق المسلم على المسلم ست: إذا استنصحك فانصحه) إذا طلب منك النصيحة فواجب عليك تنصحه. (وإذا لقيته فسلم عليه، وإذا عطس فحمد الله فشمته) وإذا دعاك إلى وليمة أو إلى عشاء أو غذاء، فواجبٌ عليك إجابة هذه الدعوة (وإذا دعاك فأجبه، وإذا مرض فعده). فذهب إلى زيارته تفقده، وكثيرٌ منا يفقد جاره أياماً وليالي وشهوراً عديدة، ثم إذا لقيه تذكر أن له جاراً، أين أنت منذ زمن، (وإذا مات فاتبع جنازته) هذا آخر حقٍ من حقوق المسلم على أخيه، إذا علم بوفاة جارٍ ولو بعيد، أن يبادر ما استطاع إلى إتباع جنازته، الصلاة عليه معاشر المؤمنين: هذه حقوق أي مسلم على مسلم، قد اعتنى بها جبريل عليه السلام، وما زال يوصي رسول الله ص بالجار حتى قال ص في الحديث الذي يرويه ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما، قال ص: (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه). وأي شيء أعظم من هذه الوصية، التي بلغت في نفس النبي ص. فأي شيء أعظم من هذا. إذاً فالجار له حق عظيم قد يقارب حقوق الأقارب، وحقوق ذوي الرحم، وحقوق غيرهم. جاء عن النبي ص أنه قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليسكت). فما بالكم بجارٍ يؤذي جاره، ولا يكف الكلام والأذى عنه، بل لا يسلم منه، وكثيراً ما يقع في عرضه وفي شتيمته وفي سبه، نسأل الله جل وعلا أن يعيذنا وإياكم من جار السوء. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ص: (خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره). فاعلموا يا معاشر الأحباب أن الفضيلة والكرامة والفضل والبر والمعروف، أن يقدم الإنسان الخير والفضل والإحسان إلى جاره وان يعينه على هم الدنيا وأن لا يقف بباب داره، وكان ص يستعيذ بالله من جار السوء، ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دارٍ مقامة) جار المقام والبقاء هو جار أمامك وفي وجهك، صباحاً ومساءً، وليلاً ونهاراً، أنت تخرج وهو بالقرب من زوجتك، وهو بالقرب من أطفالك، وهو بالقرب من أموالك، وهو بالقرب من أهل بيتك، فما حالك في جارٍ لا تأمنه على نفسك وذريتك وأهلك فما حالك في جارٍ تخشى على أهلك حين تغادر بيتك منه (جاء رجلٌ إلى رسول الله ص يشكو جاره، فقال له: اذهب فاصبر-وفي هذا حثٌ على الصبر على أذى الجار- فأتاه مرةً أخرى فقال: اذهب واصبر. حتى جاءه في الثالثة يشتكي أذى جاره، فقال ص: اذهب فاطرح متاعك في الطريق-القِ متاعك في قارعة الطريق- ففعل، فجعل الناس يمرون ويسألونه: ما بالك ما الذي أصابك لم تجعل متاعك في قارعة الطريق فيخبرهم خبر جاره يقول: إن جاري يؤذيني، فجعل الناس يلعنونه، وبعضهم يدعو عليه، فجاء جاره إليه، فقال: ارجع متاعك إلى بيتك، فإنك لن ترى شيئاً تكرهه مني أبداً). أراد بذلك ص أن يبين أن الناس تلعن وتبغض وتدعو على من يؤذي جاره،


 عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ ص، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، وألزموها، وأحسنوا الصحبة والجوار لجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: الآيات والأحاديث كثيرة في حقوق المسلم على أخيه، وحقوق الجار على جاره، ولا يسع المقام لذكرها تفصيلاً، ولكن حسبكم ما سمعتم من الطرف الذي ذكرناه في الخطبة الأولى، ولكن نواصل في ذكر بعض الآداب المتعلقة بالجار والجوار، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا طبخ لحماً في بيته قال لنافع: أكثر مرقه واهد إلى جيراننا أيها الأحبة لا ينبغي لجارٍ أن يدخل بطعامٍ ومتاع وجاره أو أبناء جاره ينظرون، إلا أن يعطيهم مما أدخل بيته، فان وجده لا يكفيه لعياله فيدخله في بيته سراً. فأين الناس في هذا الزمان من هذه الحقوق، ولقد جاء عنه ص أنه قال يوم أن طُبِخَ في بيته لحمٌ قال: (أهديتم لجارنا اليهودي) جارٌ يهودي، وفعله ص قد يكون من باب الدعوة، ولكنه ص مع ذلك لم يقصر هذه الحقوق، بل طمع في جاره اليهودي طمعاً في إسلامه. فالصبر على أذى الجار، والنصيحة له، وبذل المعروف والإحسان إليه، قد يكون سبباً لهدايته من الفسق والعصيان إلى الاستقامة والرشاد. نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين، وأن يمن علينا وعليكم بالاستقامة. معاشر المؤمنين: إن الجار الذي يؤدي المعروف والإحسان إلى جيرانه، ويكف الأذى عنهم لهو بمنزلةٍ عظيمة عند الله، وعند الملائكة والناس أجمعين، فكونوا من أولئك. وإن الناس لتبيع الدور والقصور بأبخس أثمانها فراراً من جار السوء، واعلموا أيها الأحبة أن من أنواع أذى الجار وهو أمرٌ منتشرٌ بيننا، أن تضع سيارتك دائماً أمام باب جارك، فتعيق سيارة جارك من الخروج، ولو فعله أمام بيتك فهل ترضى وما حاله لو كان في بيته مريض، وخرج مسرعاً، يريد أن يذهب بهذا المريض، فلا يجد طريقاً، فيدعو الله عليك ليلاً ونهاراً ومن الأذى أيضاً وهو الأذى بالملاهي والموسيقى وغيرها. بعض الناس لا يراعي حق الجوار، نسأل الله لنا وله التوبة والإقلاع، أما أن يجعل المنكر جهاراً نهاراً ويؤذي جاره عياناً بياناً، فأي خلق وأي دينٍ وأين بقية حياءٍ في وجه ذلك الجار فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً، ولا يؤذوا جيرانهم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليكم بالهداية. ومن أعظم البلاء والمصيبة من له جار لا يصلي، إذا كان لا يعرف حق الله، فكيف يعرف حقك إذا كان يضيع حق الله، فكيف يدرك حقوقك وإذا لم تأمنه في حقوق الله، فكيف تأمنه في غيبتك على أهلك وبيتك وأولادك ومالك اتقوا الله يا معاشر المسلمين أما الذين لا يصلون مع جماعة المسلمين فليتقوا الله، وليسمعها كل جارٍ من جاره الآن ألا يقول يوم القيامة: مررت بداري ولم تأمرني بالصلاة، ما الذي يمنعك من الصلاة، وأنت تسمع النداء خمس مرات معافى في سمعك، معتدياً في بصرك، باطشاً بيديك ورجلك، لا يمنعك إلا البطر والكبر، لا يمنعه إلا أن الشيطان قد عشعش وفرخ في أذنيه وقلبه. نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليكم بالهداية، اللهم أهد قلوبنا إلى ما تحبه وترضاه اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، اللهم اغفر لنا ما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، اللهم إنا ضعفاء فقونا، وفقراء فأغننا، وجهلاء فعلمنا، وانفعنا بما علمتنا.اللهم أهدنا إليك ووفقنا لطاعتك وارزقنا العمل صالح قبل الموت يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث ومن عذابك نستجير ولا حول ولا قوة إلا بك.اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك يا موالانا سميع قريب مجيب الدعوات.اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ولا مريضا إلا شفيته، ولا فقيرا إلا أغنيته، ولا ضالا إلا هديته، ولا تائبا إلا قبلته، ولا مكروبا إلا فرجت كربه. ولا مديونا إلا قضيت دينه، ولا غائبا إلا بالسلامة إلى أهله رددته. عباد الله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ

شقيقة الصلاة في القرآن والسنة

- الزكاة ركن من أركان الإسلام، ودعامة من دعائم الإيمان، وإيتاؤهاـ مع إقامة الصلاة والشهادة لله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة ـ عنوان على الدخول في الإسلام، واستحقاق أخوة المسلمين: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين). إنها فريضة لازمة يُكَفَّر من جحدها، ويُفَسَّقُ من منعها، ويُقَاتَلُ من تحدى جماعة المسلمين بتركها.

- الزكاة هي الشعيرة الثانية في الإسلام , والركن المالي الاجتماعي من أركانه العظام, وهى شقيقة الصلاة في القرآن والسنة , قرنت بها في كتاب الله ثمانية وعشرين مرة ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

- الزكاة عبادة قديمة - كالصلاة - جاءت بها النبوات, وحث عليها الأنبياء, وكانت في طليعة وصايا الله لهم, وفى طليعة وصاياهم إلى أممهم. أثنى الله على أبى الأنبياء إبراهيم وعلى إسحاق ويعقوب فقال لهم : ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة , وكانوا لنا عابدين ). وأثنى على إسماعيل بقوله : ( وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً) . وجاء في خطابه لموسى :( ورحمتي وسعت كل شئ , فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون ) . وقال على لسان عيسى في المهد: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً) وقال في أهل الكتاب: ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنيفا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة, وذلك دين القيمة ). .......................... ...

- إلا أن الزكاة التي فرضها الإسلام - وان اشتركت في الأصل والاسم مع الزكاة في الديانات السابقة - هي في الواقع نظام جديد فريد, لم يسبق إليه دين سماوي, ولا قانون أرضي. إنها ليست مجرد إحسان موكول إلى إيمان الفرد وضميره, ولكنها ضريبة وعبادة يحرسها إيمان الفرد, ورقابة الجماعة, وسلطان الدولة .

- الزكاة تؤخذ بواسطة الإمام والسلطات الشرعية, وبعبارة أحرى بواسطة الدولة المسلمة, عن طريق الجهاز الإداري الذي نص عليه القرآن في صراحة وسماه: (العاملين عليها) وجعل لهم سهماً من مصارف الزكاة , دلالة على استقلال ميزانيتها من الأبواب الأخرى في الميزانية, ومن ثم قال القرآن:(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وجاء , في الحديث من الزكاة: ( أنها تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ), فهي - إذن - فريضة تؤخذ أخذاً, وليست تبرعاً اختياريا متروكاً لضمائر الأشخاص.

ولا نعجب بعد ذلك إذا حدثنا التاريخ الصادق أن الخليفة الأول لرسول الله, أبا بكر الصديق, جيش الجيوش, وبعث الكتائب, وأعلن الحرب على أقوام من العرب امتنعوا عن أداء الزكاة, وقالوا: نقيم الصلاة ولا نؤتي الزكاة, فأبى الصديق أن يهادنهم في شيء مما أوجب الله, وقال كلمته الشهيرة : ( والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة , والله لو منعوني عناقاً- أي عنزة صغيرة , وفى رواية : عقالاً - كانوا يؤدون لرسول الله لقاتلهم عليه). ولم يفرق أبو بكر بين المرتدين الذين اتبعوا أدعياء النبوة, وبين الممتنعين من إيتاء الزكاة وقاتل أولائك وهؤلاء .

- الزكاة حق للفقير بوصفه أخا للغني في الدين والإنسانية، فقد جعل الإسلام المجتمع كالأسرة الواحدة يكفل بعضه بعضا، بل كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، وليس من الإيمان ولا من الإنسانية أن يشبع بعض الناس حتى يشكو التخمة، وإلى جواره من طال حرمانه حتى من الجوع.

- والزكاة بعد ذلك ـ وقبل ذلك ـ حق الله تعالى، فالله هو المالك الحقيقي لكل ما في الكون أرضه وسمائه، والمال في الحقيقة ماله، لأنه خالقه وواهبه وميسر سبله، ومانح الإنسان القدرة على اكتسابه.

- أيها المسلمون و الله لو أخرج الأغنياء زكاة أموالهم وأرصدتهم لأراحوا الأمة من بلاء كثير وعناء كبير. إن المسلم اليوم قد يصلي ويصوم ويحج ولكن عندما يصل الأمر إلى جيبه يتغير وجهه وتضيق نفسه ويختلق الأعذار، ويظنّ أن سعادته وفوزه في جمع المال والإكثار منه:

ما شقوة المرء في فقر يعيش بـه ولا سعادتـه يـومـا بإكثــار

إن الشقي الذي في النار منزله والفـوز فوز الذي ينجو من النار

قال تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرّ لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السَّماوات والأرض والله بما تعملون خبيرًا).

لا يخْلُصُ منها إلا من أراد الله له الثبات


الحمد الله الذي أحاط بكل شيء علماً ، ووسع كل شيء حفظاً ، يعلم بواطن البحار وذرات الرمال ، لا يعزب عنه مثقالُ ذرة في الأرض ولا في السماء ، ولا تحت أطباقِ الجبال ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالمُ الغيبِ والشهادةِ الكبيرُ المتعال ، وأشهد أن محمدا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى صحبه وآله خيرِ آل ، صلاةً دائمة بالغدو والآصال

في مسيرةِ السائرينَ إلى الله ، والحاثِّين خُطاهم على مِنهاجه وسبيل هداه ، والداعين إلى دينه القويم ، والتمسُّكِ بصراطه المستقيم ، في سيرهم ومسيرهم عقباتٌ كعْداء ، وخصومٌ ألدَّاء ، ولأواءٌ وأدواء ، لا يخْلُصُ منها إلا من أراد الله له الثبات.

وإن المتأمل في التاريخ يرى في فتراتٍ منه ، غلبتَ الإسلامِ وظهورَه وعزَّ المسلمين ، وفي فترات أخرى يرى انحسار مدِّه وهيمنةَ غيرِ المسلمين ، ويرى ضعفا داخلياً ، وهوانا خارجياً ، وتداعيا من الأمم ، وتسلُطا من الكفار ، كما هو واقع هذه الحِقبةِ من الزمن ، حتى إنه ليكادُ يتسللُ اليأسُ والإحباط إلى نفوسِ بعض المسلمين ، ويتساءل الحائر : ألم يكتُبِ الله العزةَ والنُصرةَ لهذه الأمة ، والصغارَ والذلةَ على الكافرين ؟! وينسى هذا المتسائل قول الله عز وجل :{هو الذي خلق الموت والحياةَ ليبلوكم أيكم أحسن عملا } ، وما يماثلُها من الآياتِ الكريمة التي تبين أن هذه الدار ، دارُ ابتلاء وامتحان للمؤمنين وليست دارَ جزاء وخلود ، وأن الأيامَ دول ، والدهرّ قُلَّب ، وأن الفوزَ والفلاح ليس بتحصيلِ الرخاء فحسب ، وإنما عملك في الشدةِ والرخاءِ والمنشطِ والمكره { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم } ، {وجعلنا بعضَكم لبعض فتنةٍ أتصبرون وكان ربك بصيراً } ، { ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضَكم ببعض } ، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : " إن في تمكينِ أهل الكفرِ والفسوق إيصال أولياءِ الله إلى الكمال الذي يحصُلُ لهم بمعاداةِ هؤلاء وجهادِهم والإنكارِ عليهم والموالاةِ فيه والمعاداةِ فيه وبذلِ نفوسِهم وقُواهُم له ... إلى أن قال : فلولا خلق الأضداد وتسليطُ أعدائه ، وامتحانُ أولياءِه ، لم يستخرجْ خاصَّ العبوديةِ من عبيده ، ولم يحصُل لهم عبوديةُ المولاةِ فيه والمعاداةِ فيه ، والحبِّ فيه والبغضِ فيه ، والعطاءِ له والمنعِ له ". أيها الكريم المبارك: وإذا كان قدرُ الله لجيلٍ من الأمة أن يعيشوا في مرحلةٍ من ضعفها وفترةٍ من فتورها ، وظهورِ غيرها عليها ، فإن المتعيِّنَ التعلُّقُ بما يثبتُها على دينها ؛ لأن الإسلامَ في زمان قوته ، كفيلٌ بذاته في ثباتِ أهله ، أما في زمنِ الانكسار وعهدِ الانحسار ، فهذا هو زمنُ الابتلاء الذي يُميزُ الله فيه الخبيثَ من الطيب ، والصادقَ من الكاذب والمؤمنَ من المنافق ، وكلَّما زادَ الضعف وكثرة الفتن ، كلَّما استطال عنُقَ النفاق وظهرَ المنافقون ، وربما جاهروا في قلوبهم وأظهروا خفايا صدورهم .وإليك أخي الكريم أسبابا تعينك بعد الله عز وجل على الثبات على دين الله حتى تلقاه:

أولا : تجديدَ الإيمانِ بهذا الدين ، وملأَ القلبِ منه باليقين نعم .. اليقينُ التامُ بصدقِ وأحقِّيةِ ما نحن عليه ، والإيمانُ الجازمُ بصواب ما نعتقده ، فمن امتلأ قلبه إيمانا بعقيدته وقناعةً بصحةٍ منهجه ،لم تُزعزعه الخطوب ، ولم تُثنه الكروب ، وهذا هو موقفُ النبيُ صلى الله عليه وسلم في دعوته ، حين حاربه الأقاربُ قبل الأباعد ، وطوردَ وشرِّد ، وحوصرَ وقوطع ، وطلبَ للقتل واجتمع عليه الأحزاب ، لكن ذلك لم يُثنه عن مراده ، حتى بلَّغ دين الله ، وكذلك كان أصحابه رضوانُ الله تعالى عليهم ، قُيِّدوا بالحديد ، وقُطعت أجساد بعضهم ، وصلبَ آخرون ، وأُذو ، ومستهم البأساء والضراء وزلزلوا ، فلم يزدهم ذلك إلا صلابةً في دينهم، وثباتا على منهجهم، وصدقا في سيرهم إلى الله حتى لقوا ربهم على ذلك{ من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً } وهذا نتاجُ الإيمانِ واليقين ، والقناعةِ والتصديق ، والثقةِ بما هم عليه ، وكذلك كان السلفُ الصالحُ بعدهم ، ويكفيك مثالا ثباتُ الإمام أحمدَ - رحمه الله - عند الفتنة ، وما ذاك إلا بالعقيدةِ الراسخة بما يؤمنُ به من صواب ، أما أهلُ الخَورِ والشك وضعيفي الإيمان فهم الذين إذا أصابتهم مصيبة رجعوا على دينهم باللائمة ، يُقلبونَ بحيرةٍ في ثوابته ولو كانوا يعقلون لتفقدوا أنفسهم كيفَ يدينون ، لعلموا أن دينَ الله كامل ، وأنْ لا صلاحَ حقيقةً بغيره في كلِّ زمان ومكان ، بلا استثناء ولا تجزئة {اليوم أكملت لكم دينَكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً }،{ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } إلا أن النقصَ يحصُل من أحدِ أمرين : إما عجزٌ وجهل عن تطبيقهِ التطبيقَ الصحيح أو لأجلِ شهوة وهوى يمنعانِ إرادةَ التطبيق في أيِّ تفاصيلِ الحياة مهما صغُرت أو كبُرت ، وعلى هذا المركبين الجهلِ والهوى أسرجَ بعض المنافقين بِغالهم فشدوا على الإسلامِ وأهله ، وأظهروا مكنونَ صدروهم وما كانت تُخفي قلوبُهم ، في وقتٍ أحوجُ ما تكونُ فيه الأمةُ إلى تثبيتِها على دينها والمحافظةِ على إسلامها وهُويتِها وتماسُكِها ووحدتِها. إن المجتمع بجميعِ طبقاته، بحاجةٍ إلى إعادةِ الاهتمام بتقريرِ أساسِ هذا الدين، من عقيدةِ وتوحيد، ودعوة إلى تبصيرِ الأمة وتوجيهها، بإِرساء قضايا الإيمانِ بالله وشريعته بعيدا عن مظاهرِ الغلوِ والتطرف أو التساهُلِ والتميُّع المفضي إلى الإرجاء أو بعضِ صوره. إن ترسيخَ معاني الإيمانِ والاعتقاد، واليقينِ والثقة يُنتجُ العملَ الصالح والولاءَ لهذا الدين، والصبرَ عليه والثبات حتى الممات، مهما عصفتِ الفتنُ أو ادلهمَّت الخطوب. ولقد مرّت بديارِ الإسلام أزماتٌ شديدة ونكباتٌ عديدة ، انتهت فيها الخلافةُ الراشدة ، وسقطت الدولةُ الأمويةُ والعباسية وغيرُ ذلك ، ومع كلِّ هذا : فلم يُورث ذلك في نفوسِ المسلمين شكا في عقيدتهم ولم تدفعُهم إلى التطلُّع إلى ما عند أعدائهم من أفكار ومبادئ وأساليبَ حياةٍ وأنماطِ سلوك تُخالفُ شريعتَهم ويأباها دينَهم ، ولم يروا الحقَّ إلا في دينِ الله عقيدةً وسلوكا ونظامَ حياة ، وهذا هو معنى الاستعلاء في قول الله عز وجل : {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } ، أي أن العزةَ والعُلو بالإيمانِ والثباتِ عليه لا بالغلبةِ والظهور .

ثانياً: الاعتصامُ بالكتابِ والسنة والتمسكُ بما فيهما وإتباع هديِهما وحسبك في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا ، كتابَ الله وسنتي ) ، وقول الله عز وجل : {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } ، أي الاحتكامُ إلى الكتابِ والسنة .

ثالثاً: الإقتداء بسلف الأمة من الصحابة ومن سار على نهجهم

وفي طليعتهم الخلفاءُ الراشدون أبو بكر وعمر وعثمانُ وعلي رضي الله عنهم أجمعين، ففي السنن بسند صحيح: ( عليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ).

رابعاً: الالتفافُ حول العلماءِ الصالحين، والدعاةِ الصادقين الذين عُرفوا بنُصحهم وسلامةِ منهجهم ؛ فإنهم ورثةُ الأنبياء ومصابيح الدجى ، أهدى الناسِ طريقا وأقربُهم من الله توفيقاً ، فاجعل العلماءَ الربانين لك صحْبا ورِفاقاً .

خامساً : لزومُ جماعةِ المسلمين وإمامِهم واعتزالُ الفتنة وهذه وصيةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - لحذيفةَ رضي الله عنه كما الحديثِ المتَّفَقِ عليه ، قال : كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ ! قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ : قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ، قُلْتُ : فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ! فَقَالَ : هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ، قلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ، قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ. كما أن التثبُت في الأخبار والنقل وتركَ الشائعات وهجرَ الخوضَ فيما لا يعني مطلوبٌ في كلِّ وقت، وتعظُمُ الحاجةُ لحفظ اللسان وصيانةِ السمع والتثبُت في حالِ الفتنة، وكفى بالمرء إثما أن يحدِّثَ بكلِ ما سمع !سادساً: دعاءُ الله وسؤالُه والإلحاحُ عليه بطلبِ الثبات فلا غِنى بالعبد عن ربه، وفي الحديث الصحيح: كان أكثرُ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )، فقيل له في ذلك ؟ فقال : ( إنه ليس آدميٌ إلا وقلبُه بين أُصبُعين من أصابعِ الله ، فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ ).سابعاً: كثرةُ ذكر الله تعالى فللذكر أسرار عجيبة {ياأيها الذين أمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادَك المؤمنين، اللهم انصر من نصر هذا الدين، واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين والمنافقين يا رب العالمين..وصلى الله وسلم على وبارك على خير البرية ، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الاثنين، 16 مارس 2015

بيوت الله في الأرض منارة للعلم وموئل للعلماء

نحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين.

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.

 فيقول الله عز وجل في سورة التوبة إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ ءامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَأَقَامَ الصلاةَ وَءاتَى الزكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:18]، ويقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِى خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:114]، صدق الله العظيم.

أيها المسلمون، إن المساجد بيوت الله في الأرض، وهي منارة للعلم وموئل للعلماء، وهي زينة الدنيا وبهجتها، وحسبها شرفاً وفخراً أن الله عز وجل قد أضافها إلى نفسه، وهي منسوبة إليه، فقد ورد في الحديث القدسي: ((إن بيوتي في الأرض المساجد، وزواري فيها عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، فحق على المزور أن يكرم زائره))(1)[1].

أيها المسلمون، لقد أولى رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم عنايته بالمساجد، فأرسى أول ما أرسى قواعد مسجد قباء في ضاحية من ضواحي المدينة، وذلك حين هاجر من مكة المكرمة في طريقه إلى المدينة المنورة، وشارك في بناء هذا المسجد بيديه الشريفتين ومعه عدد من الصحابة الكرام، فكان مسجد قباء أول مسجد أسس في تاريخ الإسلام، ويمثل هذا المسجد أول عمل قام به رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة النبوية.

ثم أقام عليه الصلاة والسلام المسجد النبوي الذي هو مكان للعبادة والعلم، وكان مركزاً للدولة الفتية ومنطلقاً للرايات الإسلامية.

أيها المسلمون، يطلق على المسجد لفظ الجامع الذي تقام فيه صلوات الجمع، وذلك لأنه يجمع الناس ويؤلف فيما بينهم، فمن مهام المسجد تجميع الناس، لا تفريقهم.

وللمسجد في الإسلام حرمته واحترامه، فكلنا نحن المسلمين في ضيافة الله رب العالمين، فلا يجوز رفع الأصوات، ولا يجوز الهرج والمرج والصخب في المساجد والذي يسكن قلبه تسكن جوارحه، والذي يطمئن قلبه تطمئن جوارحه، والذي يخشع قلبه تخشع جوارحه.

أيها المسلمون، إن عمارة المسجد في الإسلام تشمل كما هو معلوم المعنى الحقيقي للإعمار في البناء والتجديد والترميم والصيانة والتنظيف، كما تشمل المعنى المجازي لإقامة الصلوات وتلاوة القرآن الكريم وحضور دروس العلم.

والعمّار في هذين المعنيين الحقيقي والمجازي أهل للثواب العظيم عند الله، وإعمار المساجد من الصدقات الجارية التي لا ينقطع ثواب الإنسان عنها بعد وفاته، فقد روى الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة))(2)[2]، واستند الصحابي عثمان أثناء توليه الخلافة إلى هذا الحديث الشريف، فأجرى الإصلاحات اللازمة في المسجد النبوي، وأنقذه من الانهيار والتصدع، ووسع مساحته ليتسنى لأكبر عدد ممكن من المسلمين الصلاة في المسجد النبوي، وحصل إجماع من الصحابة على ما قام به عثمان في خلافته.

أيها المسلمون، إن الحديث النبوي الشريف الذي رواه الصحابي عثمان رضي الله عنه قد ورد بألفاظ عامة، وتشمل هذه الألفاظ من بنى مسجداً صغيراً أو كبيراً، وسواء كان ذلك من قبل الأفراد أو الجماعات أو اللجان أو الدول، وسواء كان البناء جديداً أو تجديداً أو ترميماً أو توسيعاً، ويؤكد هذا الحديث حديث نبوي آخر، ولفظه: ((من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة))(3)[3] والقطاة نوع من الحمام البري الذي يعيش في الصحارى والبراري، والمفحص هو الموضع الذي تحفره القطاة في الأرض، لتضع فيه بيضها، وهو عبارة عن عش أرضي، والمعلوم بداهة أن المسجد لا يقوم عملياً على مساحة تساوي مرقد طير القطاة، إلا أنه يمكن أن تكون مشاركة الشخص في إشادة المسجد توازي مقدار مفحص القطاة في المساحة، وذلك إذا اشترك الشخص مع مئات بل آلاف الأشخاص في بناء المسجد، فهذا الحديث النبوي الشريف يعتبر من دلائل النبوة، وأن ما يقوله عليه الصلاة والسلام هو وحي يوحى، ويؤخذ من هذا الحديث روح التشجيع للناس على المشاركة الجماعية في إشادة بيوت الله من خلال التبرع بالمال، ولو شيئاً قليلاً، ومن خلال التبرع بالجهد، ولو كان ضعيفاً، ومثل ذلك في المشاريع الخيرية والعامة.

أيها المسلمون، لقد منح الله عز وجل المسلمين ثلاثة مساجد كبرى، وهي المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة، والمسجد الأقصى في بيت المقدس، وميزها عن غيرها من المساجد قول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))(4)[4].

وكان المسجد الأقصى ولا يزال، أكثر المساجد اختباراً وامتحاناً ومسرحاً للأحداث، فقد سبق أن وقع الأقصى أسيراً في قبضة الصليبيين مدة تقارب المائة سنة، وحولوه إلى إصطبل لخيولهم، وذبح الصليبيون وقتئذ في باحاته سبعين ألفاً من المسلمين، كما تقول كتب التاريخ.

ويقع الأقصى في محن جديدة منذ عام1967م، وحتى الآن واليهود يدعون أن الأقصى لهم، وأنه مُقام على أنقاض هيكل سليمان المزعوم، والحركات اليهودية قد صنعت مجسماً لهيكلهم المزعوم، ويوزعونه في أرجاء العالم ظناً منهم أن هذا المجسم سيعطيهم حقاً في الأقصى.

أيها المسلمون، أمس الخميس صادفت ذكرى مؤلمة حزينة، ألا وهي ذكرى حريق المسجد الأقصى المبارك، ففي صباح يوم الخميس، الحادي والعشرين من شهر آب أغسطس عام 1969م، امتدت يد الغدر والحقد والتآمر، وقامت بحرق منبر صلاح الدين الأيوبي وأجزاء من سقف المسجد من الجهة الشرقية، كما شمل الحريق قبة المسجد الداخلية، بالإضافة إلى حرق عدد من النوافذ وكميات كبيرة من السجاد والبسط والمفروشات، للدلالة على أن الذين قاموا بجريمة الحرق أكثر من واحد.

وهبَّ وقتئذ أهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وتمكنوا من إخماد الحريق، كما تمكنوا من إحباط مؤامرة تدويل القدس، واليوم تزداد تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بشأن الأقصى، وأن لليهود حقاً فيه، ونؤكد على الموقف الإيماني بأن الأقصى للمسلمين وحدهم بحكم من رب العالمين، وأن جميع المؤامرات التي تحاك ضد الأقصى لن تغير من القرار الرباني، إنه مسرى رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماوات العلى، إنه أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين.



أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أتناول في هذه الخطبة نقطتين لا تزالان قائمتين، وتهم واقع المسلمين في فلسطين، وهما:

أولاً: مكتب وزارة الداخلية للمرة الثالثة، أتناول هذا الموضوع للمرة الثالثة، وذلك بسبب التطورات التي تحصل أمام مكتب الداخلية وعلى مرأى ومسمع المسئولين في هذا المكتب، فبالإضافة إلى الرشاوى والابتزاز والاستغلال، فقد حصلت عدة إسقاطات جنسية، ولا أريد أن أذكر أرقاماً تتعلق في هذه الإسقاطات حتى لا تصابوا بالصدمة والإحباط، وهل سمعتم يا مسلمون أن دوائر حكومية في العالم تكون وكراً للإسقاط الجنسي، ثم لماذا لا تحل مشكلة المواطنين في المعاملات التي تتعلق بهم من إصدار شهادات ميلاد أو تجديد هويات؟؟

إن أفراد العصابة الذين تولوا الرشاوى والإسقاطات يستغلون حاجة المواطنين لمراجعة مكتب الداخلية، وذلك حرصاً من المواطنين على إثبات مواطنتهم وحقوقهم، وحرصاً منهم على التمسك بوطنهم وأرضهم، ويتوجب على المسؤولين في الداخلية حل هذه المشكلة المفتعلة وتسهيل معاملات المواطنين، ولنا عودة إلى هذا الموضوع في خطب مستقبلية ـ إن شاء الله ـ إن لم تحل هذه المشكلة.

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، ثانياً: الاغتيالات والاجتياحات العسكرية وهدم المنازل ومصادرة الأراضي بآلاف الدونمات، هذا ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في الأرض المباركة المقدسة، ونتساءل هل هذه الممارسات الظالمة ستحل المشاكل وتقود إلى السلام؟ هل الذي يدعو إلى السلام حقيقة يقوم بمثل هذه الأعمال؟

إن التصعيد الخطير في مناطق الاحتلال يزيد من إراقة الدماء، وهل أعمال البطش والتنكيل تؤدي إلى استسلام الشعب الفلسطيني أم تزيده إصراراً وثباتاً وعناداً في المطالبة في حقه الشرعي؟؟ وهل الذي يطالب بحقه الشرعي يتهم بالتحريض والإرهاب؟؟

أيها المسلمون، قيل لنا: لماذا لا تبادر الدول العربية والإسلامية لإنقاذنا وحمايتنا؟ والذي قال هذه المقولة يدرك تماماً نوعية الأنظمة القائمة في هذه الدول حالياً، وهل يرجى منها خير حتى نطالبها؟ ولكننا نقول، وما نستطيع قوله: إن المرابطة في أرض الإسراء والمعراج واجب شرعي، وإن حماية المقدسات والدفاع عنها وعلى رأسها الأقصى المبارك واجب شرعي أيضاً، هذا هو قدرنا، وسنبقى محتفظين بالأمانة التي حملنا إياها آباؤنا وأجدادنا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

__________

(1) رواه بنحوه البيهقي في شعب الإيمان (2943)، وابن أبي شيبة في مصنفه (34615).

(2) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب: من بنى مسجداً (450). ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: فضل بناء المساجد والحث عليها (533).

(3) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/310) والبزار في مسنده (9/412). والبيهقي في سننه الكبرى (2/437). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (رواه البزار والطبراني في الصغير ورجاله ثقات) وروى هذا الحديث عن عائشة وابن عباس.

(4) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة (1189)، ومسلم في كتاب الحج (1397).

(1/2844)


الكبر والاستعلاء

 فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، فالتقوى في مخالفة الهوى والشقا في معارضة الهدى.

أيها المسلمون، صلاح ابن آدم في الإيمان والعمل الصالح، والسعي في إصلاح القلب أفضل من نوافل العبادات، وأعمال القلوب في الثواب والعقاب كأعمال الجوارح يثاب على الموالاة والمعاداة في الله، وعلى التوكل والعزم على الطاعة، ويُعاقَب على الفكر والحسد والعجب والرياء، وكل ما ازداد العبد تواضعاً وعبودية ازداد إلى الله قرباً ورفعة.

وأصل الأخلاق المذمومة كلها الكبر والاستعلاء, به اتصف إبليس فحسد آدم, واستكبر, وامتنع من الانقياد لأمر ربه، وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُواْ لاِدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34]، وبه تخلف الإيمان عن اليهود الذين رأوا النبي وعرفوا صحة نبوته، وهو الذي منع ابن أبي ابن سلول من صدق التسليم، وبه تخلف إسلام أبي جهل، وبه استحبت قريش العمى على الهدى، قال سبحانه: إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ اله إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [الصافات:35]، ودعا سليمان عليه السلام بلقيس وقومها إلى نبذ الاستعلاء والإذعان, أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ [النمل:31].

وهو سببٌ للفرقة والنزاع والاختلاف والبغضاء, قال جل وعلا: فَمَا اخْتَلَفُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ [الجاثية:17]، وبسببه تنوعت شنائع بني إسرائيل مع أنبيائهم بين تكذيب وتقتيل, أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ [البقرة:87].

وهو من أوصاف أهل النفاق، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْاْ رُءوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ [المنافقون:5].

وعذبت الأمم السالفة لاتصافهم به, قال تعالى عن قوم نوح: وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَاراً [نوح:7].

وقال عن فرعون وقومه: وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِى الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِى الْيَمّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [القصص:39، 40].

وقال عن قوم هود: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُواْ فِى الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِئَايَاتِنَا يَجْحَدُونَ [فصلت:15].

المستكبرون هم أعداء الأنبياء وأتباعهم, قَالَ الْمَلاَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ ياشُعَيْبُ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [الأعراف:88]، وموسى عليه السلام استعاذ بالله منهم، قال جل وعلا: وَقَالَ مُوسَى إِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ [غافر:27].

المتكبر متبع لهواه ينظر إلى نفسه بعين الكمال وإلى غيره بعين النقص، مطبوع على قلبه لا يقبل ما لا يهوى, كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35]، والله تعالى يبغضه, إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:18]، المتصف بالكبر مصروفٌ عن الاعتبار والاتعاظ بالعبر والآيات، سَأَصْرِفُ عَنْ ءايَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الارْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ [الأعراف:146].

والمستكبر عن الحق يبتلى بالانقياد للباطل، وقد تعجل له العقوبة في الدنيا, فقد شلت يدُ رجل في عهد النبوة بسبب الكبر، يقول سلمة بن الأكوع: أكل رجل عند النبي بشماله, فقال له: ((كُل بيمينك))، قال: لا أستطيع، قال: ((لا استطعت)) ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه. رواه مسلم(1)[1].

وقد خسفت الأرض بمتكبر, يقول النبي : ((بينما رجلٌ يمشي في حلةٍ تعجبه نفسه مرجلاً رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به, فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة)) متفق عليه(2)[2].

وفي الآخرة يعامل بنقيض قصده, فمن ترفع عن الناس في الدنيا يطأه الناس بأقدامهم في الآخرة، يقول المصطفى : ((يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة في صور الذر يطؤهم الناس بأرجلهم)) رواه الترمذي(3)[3].

قال في نوادر الأصول: "كل من كان أشد تكبراً كان أقصر قامة في الآخرة، وعلى هذا السبيل كل من كان أشد تواضعاً لله فهو أشرف قامة على الخلق"(4)[4].

ومن حمل في قلبه ولو شيئاً يسيراً من الكبر حرم عليه دخول الجنة، يقول النبي : ((لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر)) رواه البخاري(5)[5].

والنار دارٌ لهم, أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لّلْمُتَكَبّرِينَ [الزمر:60]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((ألا أخبركم بأهل النار كل عتلٍّ جوّاظٍ مستكبرٍ)) متفق عليه(6)[6].

ويقول النبي : ((احتجت الجنة والنار، فقالت النارُ: فيّ الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: فيّ ضعفاء الناس ومساكينهم)) رواه مسلم(7)[7].

أيها المسلمون، الكبرياء من خصائص الربوبية لا ينازع فيه, ومن اتصف به من المخلوقين عذبه الله, يقول النبي في الحديث القدسي: ((قال الله عز وجل: العز إزاري والكبرياء ردائي، فمن ينازعني في واحدٍ منهما عذبته)) رواه مسلم(8)[8].

والله جل وعلا هو المتكبر, قال سبحانه عن نفسه: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبّرُ [الحشر:23].

والإسلام حمى جناب الكبرياء والعظمة لله وحرم كل طريق ينازع الرب في كبريائه، فمنع لبس الذهب والحرير للرجل؛ لكونهما مدعاة للكبر والخيلاء، وتوعد المسبل إزاره بالعذاب, فقال عليه الصلاة والسلام: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)) قالها ثلاثاً, قال أبو ذرٍ: خابوا وخسروا منهم يا رسول الله؟ قال: ((المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)) رواه مسلم(9)[9].

ونهى عن ميل الخد والإعراض به تعاظماً على الآخرين، ولم يأذن بمشية الخيلاء تبختراً في غير الحرب، قال جل وعلا: وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى الأرْضِ مَرَحاً [لقمان:18]، ونهى عن التشدق في الكلام اعتزازا, قال عليه الصلاة والسلام: ((وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم منى يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون)) رواه الترمذي(10)[10].

فانزع عنك رداءَ الكبر والتعاظم فإنهما ليسا لك، بل هما للخالق، والبس لباس الانكسار والتواضع فما دخل قلب به شيء من الكبر قط إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك أو أكثر.

ومنشأ هذا من جهل العبد بربه وجهله بنفسه، فإنه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت الجلال، وعرف نفسه بالنقائص والآفات لم يستعل ولم يأنف، يقول سفيان ابن عيينه رحمه الله: "من كانت معصيته في الكبر فاخشى عليه فإبليس عصا متكبراً فلعن"(11)[11].

والعذاب يقع على من تغلغل ذلك في قلبه وتكون خفة وشدته بحسب خفتها وشدتها، ومن فتحها على نفسه فتح عليه أبواباً من الشرور عديدة، ومن أغلقها على نفسه فتحت له بإذن الله أبواب من الخيرات واسعة.

والكبر المباين للإيمان لا يدخل صاحبه الجنة، كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [غافر:60]، ومن الكبر ما هو مباين للإيمان الواجب, بل كبره يوجب له جحد الحق واحتقار الخلق, يقول النبي : ((لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر)) قالوا: يا رسول الله، إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، قال: ((الكبر بطر الحق وغمط الناس)) رواه مسلم(12)[12].

ولا تفخر على أحدٍ فدنياك زائلة، يقول عليه الصلاة والسلام: ((حق على الله أن لا يرتفع شيءٌ من الدنيا إلا وضعه)) رواه البخاري(13)[13].

أيها المسلمون، في التواضع رفعة الدنيا والآخرة، يقول صلى الله عليه وسلم: ((ما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه)) رواه مسلم(14)[14].

وهو من أخلاق الأنبياء وشيم النبلاء، موسى عليه السلام رفع الحجر لامرأتين أبوهما شيخٌ كبير، وداود عليه السلام كان يأكل من كسب يده، وزكريا عليه السلام كان نجاراً، وعيسى عليه السلام يقول: وَبَرّاً بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّاً [مريم:32]، وما من نبي إلا ورعى الغنم.

ونبينا كان رقيق القلب رحيماً خافض الجناح للمؤمنين لين الجانب لهم، يحمل الكل ويكسب المعدوم، ويعين على نوائب الدهر، وركب الحمار وأردف عليه، يسلم على الصبيان، ويبدأ من لقيه بالسلام، يجيب دعوة من دعاه ولو إلى ذراعٍ أو كراع، ولما سألت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي يصنع في بيته قالت: (يكون في مهنة أهله ـ يعني خدمتهم ـ فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة) رواه البخاري(15)[15].

التواضع سبب العدل والألفة والمحبة في المجتمع، يقول : ((إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد, ولا يبغي أحدٌ على أحد)) رواه مسلم(16)[16].

المتواضع منكسر القلب لله خافض جناح الذل والرحمة لعباده، لا يرى له عند أحدٍ حقاً, بل يرى الفضل للناس عليه، وهذا خلقٌ إنما يعطيه الله من يحبه ويقربه ويكرمه.

وبعد أيها المسلمون، فأكرم التواضع بعد حق الله التواضع في جنب الوالدين ببرهما وإكرامهما وطاعتهما في غير معصية، والحنو عليهما والبِشْرُ في وجههما والتلطف في الخطاب معهما وتوقيرهما والإكثار من الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما، قال جل وعلا: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا [الإسراء:24].

والاستنكاف عن أوامرهما والاستكبار عليهما والتأفف من قضاء حوائجهما ضرب من الكبر والعقوق متوعداً صاحبه بدخول النار.

وتواضع لدين ولا تعارضه برأي أو هوى، ولا تعرض عن تعلمه والعمل به، ومن أسدى إليك نصحاً فاقبله واشكر قائله، ومن أمرك بمعروفٍ أو نهاك عن منكرٍ فامتثل لرشده, فالحظوة في التواضع للطاعة، يقول الفضيل رحمه الله: "التواضع أن تخضع للحق وتنقاد له"(17)[17]، قال رجل لمالك بن مغول: "اتق الله" فوضع خده على الأرض(18)[18].

والمعلم والمتعلم يتواضعان لبعضهما مع توقير المعلم، ولقد كان شيخ المحدثين أبو موسى المديني يقرئ الصبيان القرآن في الألواح مع جلالة قدره وعلو منزلته.

وتواضع للمرضى بعيادتهم والوقوف بجانبهم وكشف كربتهم وتذكيرهم بالاحتساب والرضا والصبر على القضاء، وألن جانبك لذوي الفقر والمسكنة، وتصفح وجوه الفقراء والمحاويج وذوي التعفف والحياء في الطلب, وواسيهم من مالك وتواضع لهم في حسبك، يقول بشر بن الحارث: "ما رأيت أحسن من غني جالسٍ بين يدي فقير"(19)[19].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً في الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].

 أيها المسلمون، الله يحب تواضع العبد عند أمره امتثالاً وعند نهيه اجتناباً، والشرف ينال بالخضوع والاستكانة لله والتواضع للمسلمين ولين الجانب لهم واحتمال الأذى منهم والصبر عليهم، قال جل وعلا: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر:88]. كل ذلك مع التشاغل بتلاوة كتاب الله والنظر في الأحاديث, مع حسن الخلق وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة، وعامل الناس معاملة إيثار لا استئثار، والمتواضع من إذا رأى أحداً قال: هذا أفضل مني.

يقول الشافعي رحمه الله: "أرفع الناس قدراً من لا يرى قدره، وأكبر الناس فضلاً من لا يرى فضله"(20)[1]، وإذا أنعم الله عليك بنعمة فاستقبلها بالشكر والابتسامة، قال عبد الله بن المبارك: "رأس التواضع أن تضع نفسك عند من هو دونك في نعمة الله حتى تعلمه أن ليس لك بدنياك عليه فضل"(21)[2].

__________

(1) صحيح مسلم, كتاب الأشربة (2021).

(2) صحيح البخاري, كتاب اللباس والزينة (2088) بنحوه.

(3) سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب: منه (2492)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ولفظه : ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذّر في صور الرجال، يغشاهم الذّل من كل مكان فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بُولَسَ تعلوهم نار الأنيار، يسقون عصارة أهل النار طينة الخبال)). وأخرجه أيضاً بهذا اللفظ أحمد في المسند (2/179)، والحميدي في المسند (2/272)، والبخاري في الأدب المفرد (557). قال الترمذي: "حديث حسن صحيح". ولم أقف عليه باللفظ الذي ذكره الخطيب إلا في نوادر الأصول في أحاديث الرسول، للحكيم الترمذي (1/225).

(4) نوادر الأصول (1/225).

(5) بل هو في مسلم كتاب الإيمان (91)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

(6) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب: قوله تعالى: عُتُلٍ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (4918)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2853)، من حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه.

(7) صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2846)، بمعناه. وأخرجه أيضاً البخاري في التفسير، باب: قوله تعالى: وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (4850) بمعناه. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. واللفظ الذي ذكره الخطيب عند احمد في المسند (3/79)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(8) صحيح مسلم، كتاب: البر والصلة والآداب (2620)، بنحوه، ولم يقل فيه: قال الله عز وجل، من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما.

(9) صحيح مسلم، كتاب الإيمان (106)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

(10) 10] سنن الترمذي، كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في معالي الأخلاق (2018)، بنحوه من حديث جابر رضي الله عنه. قال الترمذي: "حديث حسن غريب". وله شاهد من حديث أبي ثعلبة أخرجه أحمد (4/193)، والطبراني في الكبير (22/221)، وصححه ابن حبان (482). قال المنذري في الترغيب (3/277): "رواه أحمد ورواته رواة الصحيح".

(11) 11] انظر سير أعلام النبلاء (8/461).

(12) 12] صحيح مسلم كتاب الإيمان (91)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(13) 13] صحيح البخاري كتاب الجهاد والسير، باب: ناقة النبي (2872) من حديث أنس رضي الله عنه.

(14) 14] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب (2588) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(15) 15] صحيح البخاري كتاب الأذان، باب: من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج (676).

(16) 16] صحيح مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2865)، من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه.

(17) 17] أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/91).

(18) 18] أخرجه الطبراني في الصغير (222)، والبيهقي في الشعب (6/301).

(19) 19] أخرجه البيهقي في الشعب (6/298).

(20) أخرجه البيهقي في الشعب (6/304).

(21) أخرجه البيهقي في الشعب (6/298).

(1/2845)