الثلاثاء, أبريل 07, 2015
برامج
مفاتيح التسلسلي لنظام التشغيل
Windows 8
Windows 8 هو واحد من النوافذ التشغيل الأكثر أناقة من أي وقت مضى من قبل Microsoft.
Windows 8هو خاص بسبب واجهة المستخدم المتقدمة، وبدء القائمة الجديدة هي في حد ذاتها ميزة كبيرة و هو نسخة الرسومات عالية الجودة .
هو ثورة من جميع إصدارات ويندوز من قبل Microsoft.
تحتاج مفاتيح المنتج؟
التمتع بالميزات الكاملة من ويندوز 8 تحتاج إلى مفتاح المنتج لإطلاق الميزات الفاخرة.
ولكن المشكلة هي أن مفاتيح التسلسلية خالية لا تعمل بشكل جيد.
يمكنك استخدام هذه المفاتيح التسلسلية في اللغات وإصدارات ويندوز المختلفة 8th.All هذه المفاتيح هي حقيقية.
لذلك أنت لا تحتاج إلى شراء مفتاح المنتج من السوق.
Product Keys For Windows 8:
Windows 8.1 serial key : ultimate edition
NTTX3-RV7VB-T7X7F-WQYYY-9Y92F
Windows 8 OS key : Professional edition
XKY4K-2NRWR-8F6P2-448RF-CRYQH
Windows 8 product key : Release preview
TK8TP-9JN6P-7X7WW-RFFTV-B7QPF
Windows 8 product number : Consumer preview
DNJXJ-7XBW8-2378T-X22TX-BKG7J
Windows 8 OS key : Developer’s preview
6RH4V-HNTWC-JQKG8-RFR3R-36498
Windows 8 product key : Developer’s version
Y8N3-H7MMW-C76VJ-YD3XV-MBDKV
6RH4V-HNTWC-JQKG8-RFR3R-36498
4Y8N3-H7MMW-C76VJ-YD3XV-MBDKV
MBFBV-W3DP2-2MVKN-PJCQD-KKTF7
28VNV-HF42G-K2WM9-JXRJQ-2WBQW
NF32V-Q9P3W-7DR7Y-JGWRW-JFCK8
Windows 8 serial key : English
DNJXJ-7XBW8-2378T-X22TX-BKG7J
Windows 8 software key : Chinese
DNJXJ-7XBW8-2378T-X22TX-BKG7J
Windows 8 serial number : German
DNJXJ-7XBW8-2378T-X22TX-BKG7J
Windows 8 unique serial number : French
DNJXJ-7XBW8-2378T-X22TX-BKG7J
Windows 8 product key : Japanese
DNJXJ-7XBW8-2378T-X22TX-BKG7J
More Window 8 Serial Keys 100 % Working
2GVN8-TV3C2-K3YM7-MMRVM-BBFDH
967N4-R7KXM-CJKJB-BHGCW-CPKT7
84NRV-6CJR6-DBDXH-FYTBF-4X49V
RRYGR-8JNBY-V2RJ9-TJP4P-749T7
ND8P2-BD2PB-DD8HM-2926R-CRYQH
XWCHQ-CDMYC-9WN2C-BWWTV-YY2KV
BDDNV-BQ27P-9P9JJ-BQJ96-KTJXV
KNTGM-BGJCJ-BPH3X-XX8V4-K4PKV
F8X33-CNV3F-RH7MY-C73YT-XP73H
967N4-R7KXM-CJKJB-BHGCW-CPKT7
HNRGD-JP8FC-6F6CY-2XHYY-RCWXV
84NRV-6CJR6-DBDXH-FYTBF-4X49V
BDDNV-BQ27P-9P9JJ-BQJ96-KTJXV
CDQND-9X68R-RRFYH-8G28W-82KT7
DWV49-3GN3Q-4XMT7-QR9FQ-KKT67
F2M4V-KFNB7-9VVTW-MVRBQ-BG667
F8X33-CNV3F-RH7MY-C73YT-XP73H
GPTCC-XN297-PVGY7-J8FQY-JK49V
HV3TW-MMNBG-X99YX-XV8TJ-2GV3H
J6FW2-HQNPJ-HBB6H-K9VTY-2PKT7
KQWNF-XPMXP-HDK3M-GBV69-Y7RDH
MMRNH-BMB4F-87JR9-D72RY-MY2KV
N4WY8-DVW92-GM8WF-CG872-HH3G7
ND8P2-BD2PB-DD8HM-2926R-CRYQH
RRYGR-8JNBY-V2RJ9-TJP4P-749T7
VHNT7-CPRFX-7FRVJ-T8GVM-8FDG7
84NRV-6CJR6-DBDXH-FYTBF-4X49V
BDDNV-BQ27P-9P9JJ-BQJ96-KTJXV
967N4-R7KXM-CJKJB-BHGCW-CPKT7
KQWNF-XPMXP-HDK3M-GBV69-Y7RDH
F2M4V-KFNB7-9VVTW-MVRBQ-BG667
CR8NP-K37C3-MPD6Q-MBDDY-8FDG7
39DQ2-N4FYQ-GCY6F-JX8QR-TVF9V
VHNT7-CPRFX-7FRVJ-T8GVM-8FDG7
GPTCC-XN297-PVGY7-J8FQY-JK49V
HV3TW-MMNBG-X99YX-XV8TJ-2GV3H
CDQND-9X68R-RRFYH-8G28W-82KT7
7HBX7-N6WK2-PF9HY-QVD2M-JK49V
D32KW-GNPBK-CV3TW-6TB2W-K2BQH
NBWPK-K86W9-27TX3-BQ7RB-KD4DH
2NF99-CQRYR-G6PQ9-WYGJ7-8HRDH
F7BDM-KTNRW-7CYQP-V98KC-W2KT7
4JKWV-MNJCY-8MW3Q-VJYGP-DC73H
KQWNF-XPMXP-HDK3M-GBV69-Y7RDH
MMRNH-BMB4F-87JR9-D72RY-MY2KV
N4WY8-DVW92-GM8WF-CG872-HH3G7
ND8P2-BD2PB-DD8HM-2926R-CRYQH
RRYGR-8JNBY-V2RJ9-TJP4P-749T7
FFX8D-N3WMV-GM6RF-9YRCJ-82KT7
2CMGK-NMW4P-B846H-YXR6P-27F9V
D2GBF-NGBW4-QQRGG-W38YB-BBFDH
NTVHT-YF2M4-J9FJG-BJD66-YG667
GBJJV-YNF4T-R6222-KDBXF-CRYQH
4NMMK-QJH7K-F38H2-FQJ24-2J8XV
84NRV-6CJR6-DBDXH-FYTBF-4X49V
3NHJ7-3WWQK-4RFTH-8FHJY-PRYQH
988NM-XKXT9-7YFWH-H2Q3Q-C34DH
TGXN4-BPPYC-TJYMH-3WXFK-4JMQH
N9C46-MKKKR-2TTT8-FJCJP-4RDG7
Q4NBQ-3DRJD-777XK-MJHDC-749T7
2VTNH-323J4-BWP98-TX9JR-FCWXV
D7KN2-CBVPG-BC7YC-9JDVJ-YPWXV
2GVN8-TV3C2-K3YM7-MMRVM-BBFDH
4NMMK-QJH7K-F38H2-FQJ24-2J8XV
76NDP-PD4JT-6Q4JV-HCDKT-P7F9V
7HBX7-N6WK2-PF9HY-QVD2M-JK49V
خريطة HTML يساعد الزائرين للتنقل بسهولة من دون الذهاب الى كل وظيفة .
لزيادة زحف محركات البحث إلى موقعك
.
هناك نوعان من خرائط . XML خريطة الموقع التي تم تصميمها فقط لتقديم في أدوات مشرفي المواقع من Google.
وقد صممت HTML خرائط لمستخدمي وزوار الموقع / بلوق. يتم إنشاؤه لكل من محركات البحث والزوار.
ما الجديد في
كيفية إضافة خريطة HTML للمدونة؟؟
اتبع الخطوات التالية التالية .
1. الانتقال إلى لوحة التحكم >> >> ثم الصفحات
2. إنشاء صفحة جديدة >> صفحة فارغة
3. عنوان الصفحة من اختيارك ل(خريطة HTML للمدونة)
4. التبديل إلى تبويب HTML
5. الآن نسخ رمز أدناه ولصقه في علامة التبويب HTML.
<style type=”text/css”>
#toc{
width:99%;
margin:5px auto;
border:1px solid #2D96DF;
-webkit-box-shadow:4px 4px 8px 2px rgba(0,0,0, 0.2);
-moz-box-shadow:4px 4px 8px 2px rgba(0,0,0, 0.2);
box-shadow:4px 4px 8px 2px rgba(0,0,0, 0.2);
}
.labl{
color:#FF5F00;
font-weight:bold;
margin:0 -5px;
padding:1px 0 2px 11px;
background:-moz-linear-gradient(right,#C2EAFE 0%,#055A85 40%);
background:-webkit-gradient(linear,left 10,right 80,color-stop(0.20,#055A85),color-stop(1,#C2EAFE));
border:1px solid #2D96DF;
border-radius:4px;-moz-border-radius:4px;
-webkit-border-radius:4px;box-shadow:3px 3px 1px #bbb;
-moz-box-shadow:3px 3px 1px #bbb;-webkit-box-shadow:3px 3px 1px #bbb;display:block;
}
.labl a{
color:#fff;
}
.labl:first-letter{t
ext-transform:uppercase;
}
.new{
color:#FF5F00;
font-weight:bold;
font-style:italic;
}
.postname{
font-weight:normal;
background:-moz-linear-gradient(right,#C2EAFE 0%,#fff 40%);
background:-webkit-gradient(linear,left 80,right 10,color-stop(0.60,#fff),color-stop(1,#C2EAFE));
}
.postname li{
border-bottom: #ddd 1px dotted;
margin-right:5px
}
</style>
<div id=”toc”>
<script src=”https://googledrive.com/host/0ByNodV_m9cVLR0pmWFgwZ1NmdW8/” type=”text/javascript”></script>
<script src=”http://elaaruba.blogspot.com/feeds/posts/default?max-results=9999&alt=json-in-script&callback=loadtoc”>
</script></div>
6. استبدال " بما يناسبكelaaruba.blogspot.com"
7.وأخيرا انقر على زر نشر وهذا كل شيء.
الشكر لك! شاركنا رأيك أدناه في خانة التعليقات
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوان، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
تتطلَّع النفوس إلى ما تنشرح له وتطمئنّ به، وتتوق القلوبُ إلى ما ترتاح به وتأنَس إليه، وتتشوَّق الأبدان إلى ما تسعَد به وتهنأ في محيطه، وقد تكلِّم المفكِّرون قديمًا وحديثًا عن أسباب تحسين تلك المطالب وكيفيّة تحقيق تلك المقاصد، وإنّ الأمّة الإسلاميةَ اليوم على مستوى الأفراد والمجتمعات وهي تعيش حياةَ الاضطراب والقلَق وعدم الاطمئنان والاستقرار في ضرورةٍ إلى تحقيق ما تحصِّل به حياةً طيّبة وعيشة راضية وعاقبة حميدة، في حاجةٍ هي أشدُّ من كلّ حاجة إلى حياةٍ تنشرح فيها القلوب وتطمئنّ معها النفوس ويرتاح فيها البال وتأنَس معها الأبدان، بل البشريّة اليومَ في ضرورة إلى أن تعِي حكمةَ إيجادها وأن تعلمَ أنّه مهما أوتِيَت مِن أسباب التقدّم وعناصر الرّقيِّ فلن تجدَ للسعادة سُلَّمًا ولا للحياة الطيّبة سببًا إلا فيما ارتضاه للبشريّة خالقُها، وفيما جاءت به رسالة ربّها على خاتَم النبيّين وسيّد المرسلين نبيّنا محمّد .
إنّ الإيمان الكاملَ بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمّد نبيًّا ورسولاً هو الأساس لتحصيل ولاية الله التي هي سُلَّم السلامَة والأمن في الدنيا والآخرة كما قال ربّنا جلّ وعلا: إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت: 30]، وكما قال سبحانه: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [يونس: 62، 63]. ولهذا فمَن حقَّق ذلك تولاَّه الله جلّ وعلا وأخرجَه من الظّلمات بصرفِه عنها أو صرفِها عنه كما قال سبحانه: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة: 257]. فالظلمات هي ظلمات الكفر وأسبابها، والنّور هو نورُ الإيمان وأسبابه ومقتضياته، كما حكى ذلك الرازيّ إجماعًا للمفسّرين.
إنَّ تحقيقَ التوحيد وقصد الله جلّ وعلا بالعبادة والالتجاء إليه وحدَه وتعلّق القلوب به وحدَه وكمال التوكّل عليه وعدم الالتفات إلى غيره واليأس من جميع المخلوقين وقَطع الطّمع في حصول النفع أو دفع الضرّ منهم يتحقَّق به حفظُ الله بأنواعه الثلاثة: حفظه للعبد في مصالح دنياه مِن حِفظِ بدنه وولده وأهله وماله ومجتمعه ومقدَّراته، حفظه للعَبد في دينه وإيمانِه بحفظه من الشّبهات المضِلّة ومِن الشّهوات المحرَّمة وحفظ دينِه عند موتِه فيتوفّاه الله على الإيمان، وثالِث ذلك حفظُه لعبده بعد موتِه فيثبّته عند سؤال القبر ويقيه عذابَه ويؤمِّنُه عند الفَزَع الأكبر مِن أهوالِ يوم القيامة وكُرَبها ويُدخله الجنَّة وينجيه من النّار، كما قال في ذلك كلِّه: ((يا غلام، إنّي أعلِّمك كلمات: احفَظ الله يحفظْك، احفَظِ الله تجِده تجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله، واعلَم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمَعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتَبه الله عليك، رُفعَت الأقلام وجفَّت الصّحف)) رواه الترمذي وهو حديث حسن(1)[1].
إنّ فقدانَ التّوحيد وعدمَ تحصيل حقائق الإيمان يهوي بصاحبه في مقامات الظّلم والحَيرة والشّرور ويُبعده عن ولاية الله وعنايته ونصره، فَاجْتَنِبُواْ الرّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاء للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج: 30، 31].
إنّ صاحبَ الإيمان الحقيقيّ والعقيدة الصحيحة والتوحيد السّالم من الشّرك والبِدع يجعل الله له مخرجًا أي: فرَجًا وخلاصًا ممّا وقع أو يَقع فيه من الشّدائد والمِحن والشرور والفِتن، فييسِّر الله له طريقًا للسلامة والنجاة، ويزرقه من حيث لا يحتسِب، ويقدّر له ما يحتاج إليه وما يصلح شأنَه من أوجه كثيرةٍ لا تخطر له على بال ولا تكون في حسبان، قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 2، 3].
بتحقيق التّوحيد وتحقيق مقتضياتِه تكمُل الأسباب التي ترتفِع بها عن الأمّة الشرور وتزول بها عنها الأضرارُ التي تأتي من شياطين الإنس والجنّ، فمن طبيعة الشرّ أنه جامح مسلَّح، يبطش ولا يتحرَّج، ويضرب ولا يتورّع، قد يملك من أسباب الفتنة ما يصدُّ به عن الحق، وقد يملك من القوّة الماديّة والمغريات ما قد يزلزل القلوبَ ويستهوي النفوسَ ويزيغ الفطر، ولهذا فأهل التّوحيد الخالص والإيمان الصّحيح والطاعة الحقَّة لله ولرسوله يفوزون بدفاع الله عنهم، إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج: 38].
إنَّ القرآن يبيِّن الحقيقة الغائبةَ عن كثيرين بأنّه لا طريقَ لطمأنينة القلوب وسعادتها وأنسِها وبهجتها إلا بذكر الله جلّ وعلا لا بغيره، أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28].
نعم، تطمئنّ بإحساسها بالصّلة بالله والأنس بجواره والأمن في جنانه، وبإدارك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير، تطمئنّ بذلك من حَيرة الطريق، وتطمئنّ بالشعور بالحماية من كلّ اعتداء ومن كلّ ضرّ وشرّ إلا بما شاء الله، مع الرضا بالابتلاء والصّبر على البلاء، يقول ابن القيم رحمه الله: "ففي القلب شَعَث لا يلمّه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشةٌ لا يزيلها إلا الأنسُ به في خلوتِه، وفيه حُزن لا يذهِبه إلا السرور بمعرفته جلّ وعلا وصدق معاملته، وفيه قلَق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيرانُ حسرات لا يطفِئها إلا الرضا بأمره ونهيِه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديدٌ لا يقِف دون أن يكون وحدَه سبحانه مطلوبَه، وفيه فاقة لا يسدّها إلا محبّته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له، ولو أعطِيَ الدنيا وما فيها لن تسدّ تلك الفاقة منه أبدًا" انتهى(2)[2].
ولهذا ـ مَن أعرض عن التوحيد وحقائقِ الإيمان ومَن انصرفَ عن طاعة الرحمن والاستقامة على السنّة والقرآن فإنّ حياتَه ومعيشته لا تكون إلا مضيّقةً عليه منكّرةً معذّبًا فيها، فالغموم والهموم والأحزان والضّيق عقوباتٌ عاجلة ونار دنيويّة وجهنّم حاضرة لمن أساء مع ربّه، بخلاف من كان موحِّدًا طائعًا لله ولرسوله فهو في ثواب عاجلٍ من الفرح والسّرور واللذة وانشراح الصّدر وانفتاحه ولذّته بمعاملة ربّه وطاعته وذكره ونعيم روحه بمحبّته وذكره، وفرحُه بربّه أعظم ممّا يفرح القريب من السّلطان الكريم عليه بسلطانه، بل هو في عيش وحياةٍ طيّبة كما ذكر ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله، قال جلّ وعلا: فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَاء كَذالِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 125]، ويقول جل وعلا: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى [طه: 124].
إنّنا ونحن نتكلّم عن حقائق التّوحيد والإيمان، وأنّها هي الأسباب الحقيقيّة لتحقيق السّعادة والأمن، فلا شكّ أنّ الأمن أهمّ مطالب الحياة، وهو ضرورةٌ لكلّ جهد بشريّ لتحقيق مصالح الأفراد والمجتمعات وأهدافها وتطلّعاتها، ولا تزدهر حياةٌ وتسعَد نفوس ويهنأ عيش إلا بالأمن والاستقرار، وهو بإذن الله جلّ وعلا متحقِّق لأهل التوحيد والإيمان والطاعة والاستقامة كما قال جلّ وعلا: الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام: 82].
ومِن هذا جاءت تحذيراتُ الشريعة القاطعة [وأصولها] الجامعةُ بالنهي الأكيدِ والتحريم الشديد عن كلّ عدوان وإفسادٍ يخلّ بالأمن أو يؤثّر على الاستقرار، قال جلّ وعلا: وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا [الأعراف: 65]، وقال جل وعلا: وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [المائدة: 64].
ومِن قواعد الشريعة المحكَمة ومقاصدِه العامّة الحفاظُ على الضروريات الخمس: الدين والنفس والعقل والعِرض والمال، لذا شرعت الشريعة الأحكامَ الوقائيّة والدفاعية للحفاظ على سلامة تلك المقاصد من جهة الوجود والعَدم بما لم يأتِ له مثيل ولم يسبق له نظير، بل بالغَت التوجيهات الشرعيّة في الأمر بالحفاظ على الأمن وعدمِ المساس به بتوجيهاتٍ عديدة وأوامر ملزِمة قال : ((لا يحلّ لمسلم أن يروِّع مسلمًا)) رواه أحمد وأبو داود(3)[3]، ونهى أن يُشهَر السلاح في أرض المسلمين فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنّه لا يدري أحدكم لعلّ الشيطانَ ينزع في يده فيقع في حفرة من النار)) متفق عليه(4)[4].
والأمنُ في الإسلام ينبثِق من المبادئ التي جاء الإسلام بتحقيقها للبشَر ككُلّ، فهو مفهوم إسلاميّ لا يقتصر على المسلمين فحسب، بل الدّين الإسلاميّ وهو دين كلّ المبادئ المثلى والمحاسن العظمى والأخلاق الفضلى، فهو دينٌ لا تقتصر توجيهاته اللازمةُ وتعليماته الجازمة على تحقيق الأمنِ في بلاد المسلمين فحسب أو على المسلمين فقط، بل لقد ألزَم الإسلام أتباعَه بتحقيق الأمن حتى لغير المسلمين من المعاهَدين والمستأمَنين، فمن عاش في بلاد المسلمين ومجتمعاتِ المؤمنين مِن معاهَد ومستأمَن فأحكام الإسلام ضامنة له أمنَه على نفسه وماله وعِرضه ومقدَّراته كما هو مقرَّر مبحوث بالتفصيل في أحكام الفقه الإسلاميّ، وهي أحكام يلتزم بها المسلمون لا مِن منطلق المصالِح المتبادلة أو المنافع المرجوَّة، بل هي من جوانب الشّريعة التي يجب على الدولة الإسلامية أفرادًا ومجتمعات رعايتُها حقَّ رعايتِها والالتزام بها؛ إذ هي واجبٌ دينيّ قبل أن تكونَ مصلحة سياسيّةً أو التزامًا دوليًّا.
الإسلام دين محمّد نبيّ الرحمة والإحسان، فهو يقيم مجتمعًا إنسانيًّا راقيًا، تحكمه شريعة إلهيّة على أسُس وطيدةٍ من العدل والبرّ والرحمة، لا تريد للبشرية فناء ودمارًا، بل تريد بها هداية وصلاحًا وخيرًا، لذا فالإسلام يحيط التعاملَ مع غير المسلمين بنظام أخلاقيّ يتميّز بالسماحة واليُسر وحفظ النفوس والحقوق وتجنُّب الظلم والعدوان. وحينئذ فالتشريع الإسلاميّ يضمَن العيشَ الآمن لغير المسلمين في الجتمعات الإسلاميّة، فيوجب على المجتمعات الإسلاميّة دفعَ الاعتداء عن المعاهَدين والمستأمَنين الذين يحضُرون إلى بلدان الإسلام للعمَل أو لشأنٍ من الشؤون المباحَة أو المصالح العامّة التي تعود للمسلمين بإذنٍ من وليّ الأمر، قال : ((من قتل معاهدًا لم يرَح رائحة الجنة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا)) رواه البخاري(5)[5]، وعن رفاعة بن شدّاد رضي الله عنه قال: كنتُ أقوم على رأس المختار بن أبي عبيد الكذّاب مدَّعي النبوّة، فلمّا تبيّنت كذبَه هممت ـ والله ـ أن أسلّ سيفي فأضرب به عنقَه، حتّى ذكرتُ حديثًا حدّثنا به عمرو بن الحمِق قال: سمعت النبيّ يقول: ((من أمَّن رَجلاً على نفسه فقتله أُعطيَ لواءَ الغدر يوم القيامة)) رواه أحمد والنسائي والطحاوي بسند صحيح(6)[6]، وفي لفظ عند أحمد والطحاوي بسند حسن: ((من ائتمَنه رجلٌ على دمِه فقتله فأنا منه بريء وإن كان المقتول كافرًا))(7)[7]، وفي لفظ عند عبد الرزاق في المصنف: ((أيّما رجل أمّن رجلاً على دمه فقتله فقد برِئت من القاتل ذمّة الله وإن كان المقتول كافرًا))(8)[8].
وإنّنا نطالب عقلاءَ العالم أن ينظروا إلى هذا الحديث بكلِّ عين باصرةٍ عادلة؛ لينظروا عدلَ الإسلام ورحمتَه وإحسانه.
يقول القرطبيّ في تفسيره عند قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج: 38] قال: "رُوي أنّها نزلت بسبب المؤمنين لمّا كثروا بمكّة وآذاهم الكفّار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة، وأراد بعضُ مؤمنِي مكّة أن يقتلَ من أمكنَه مِن الكفّار ويغتال ويغدِر ويحتال، فنزلت هذه الآية، فوعد فيها سبحانه بالمدافعة، ونهى أفصحَ نهي عن الخيانة والغدر" انتهى(9)[9].
فاتَّقوا الله عبادَ الله، وكونوا على حقيقةٍ صحيحة من أمر دينِكم، والحذر الحذر من التنفير عنه من حيثُ لا تشعرون، أو مِن الإساءة إليه من حيث لا تعلمون قال نبيّنا : ((بشِّروا ولا تنفِّروا، ويسِّروا ولا تعسِّروا))(10)[10].
لن تطيبَ حياة المسلمين ما لم تستقِم على أمر الله جلّ وعلا، ولن يرتفعَ شقاء ويحلّ رخاءٌ إلا بالاستجابة لأمر الله جلّ وعلا ولأمر رسوله في كلّ شأن من شؤون الحياة على هدي ومنهَج سلف هذه الأمة، ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال: 24].
وإنّ ممّا دعا إليه الله ورسوله تحقيقَ الأمن في هذه الحياة، فتحقيقُه في المجتمع مسؤوليّة عظيمة وأمانة كبرى يتحمَّلها كلّ فرد يعيش على هذه الأرض، فمِن قواعد الإسلام الكبرى التي يجِب أن نفعِّلها في حياتنا قولُه جل وعلا: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2].
ثم إنّ الله جلّ وعلا أمرنا بأمرٍ عظيم ألا وهو الصلاة والسلام على النبيّ الكريم.
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدنا ونبيّنا محمّد، وارضَ اللهمّ عن الخلفاء الراشدين...
__________
(1) أخرجه الترمذي في صفة القيامة (2516) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وقال: "حديث حسن صحيح"، وهو عند أحمد أيضًا (1/293)، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/460-461): "روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة... وأصحّ الطّرق الطريق التي خرجها الترمذي"، وصحّحه الضياء المقدسي في المخارة (10/25)، والألباني في صحيح السنن (2043).
(2) مدارج السالكين (3/164).
(3) أخرجه أحمد (5/362)، وأبو داود في الأدب (5004)، والقضاعي في مسنده (878)، والبيهقي في الكبرى (10/249) من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال رسول الله وذكر الحديث، قال الشوكاني في النيل (6/63): "إسناده لا بأس به"، وصححه الألباني في صحيح السنن (4184). وفي الباب عن ابن عمر عند البزار، وعن النعمان بن بشير وعن سليمان بن صرد عند الطبراني، وعن أبي هريرة في مسند الشهاب، وعن غيرهم من الصحابة، انظر: الترغيب والترهيب (3/318-319)، ومجمع الزوائد (6/253-254).
(4) أخرجه البخاري في الفتن (7072)، ومسلم في البر (2617) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5) أخرجه البخاري في الجزية (3166) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(6) أخرجه أحمد (5/223، 224، 436)، والنسائي في الكبرى (5/225)، والطحاوي في شرح المشكل (1/77)، وهو أيضا عند ابن ماجه في الديات (2688)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2345)، والبزار (2306)، وقال البوصيري في الزوائد (3/136): "إسناده صحيح، رجاله ثقات"، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (440).
(7) أخرجه أحمد (5/224، 437)، والبزار (2308)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/202)، والطبراني في الأوسط (4252، 6655، 7781)، وأبو نعيم في الحلية (9/24)، والقضاعي في مسنده (164)، قال العقيلي في الضعفاء (2/215): "أسانيده صالحة"، وقال الهيثمي في المجمع (6/285): "رواه الطبراني بأسانيد كثيرة، وأحدها رجاله ثقات"، وهو في صحيح الجامع (6103).
(8) مصنف عبد الرزاق (9679).
(9) الجامع لأحكام القرآن (12/67).
(10) 10] أخرجه البخاري في المغازي (4345)، ومسلم في الجهاد (1732) واللفظ له من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
(1/2783)
الحمد
لله مجيب الطائعين على صالح العمل أجزل الثواب، ومجيب الداعين فهو أكرم من
أجاب، يغفر الزلات، ويقيل العثرات، يجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من
أناب، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء
الليل، فإلى متى نؤخر المتاب؟
نحمده
على نعمه التي فاضت على ذرّات التراب وقطرات السحاب، ونشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، شهادة لا يحجبها عن الإخلاص حجاب، ونشهد أن سيدنا
ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله المولى تبارك وتعالى بأسمح دين وأفصح
كتاب، فرض الفرائض وسنّ السنن، وبين الآداب، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على
سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه، خير آل، وأكرم أصحاب.
أيها الناس، تأهبوا للانتقال من دار الرحيل والزوال، وتنافسوا في اكتساب ما يوصل إلى دار المقيل والظلال، وارغبوا في صالح الأعمال، واعلموا أنكم عما قليل راحلون، وإلى الله صائرون، ولا يغني هنالك إلا عمل صالح قدمتموه أو حسن ثواب أحرزتموه، فإنكم تقدمون على ما قدمتم، وتجازون على ما أسلفتم، فلا تصدنكم زخارف دنيا دنِية عن مراتب جنات عليّة، واجتنبوا موارد العصيان، فإنها وخيمة العواقب، وحاذروا مواعيد الآمان، فإنها آمال كواذب، واكتسبوا مراضي الرحمن فإنها أربح المكاسب.
ألا وإن الدنيا قد فطمتكم بفطامها، وأنتم عليها مقبلون، وصدقتم حوادث أيامها وأنتم لها مكذبون، كم تُحذرون من الغفلة فلا تَحذرون، وتُذكرون بالآخرة فلا تَذكرون، ويوضح لكم الصواب ولا تبصرون، ويفصح لكم في الخطاب ولكن لا تشعرون، إلا كم من الدنيا تعدون، وأنتم عما قليل في الموتى تُعَدون، ولا تتأهبون للآخرة ولا تستعدون، أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون، فرحم الله من تأهب للقدوم على الله في يوم يفرح فيه الأبرار ويسعدون، ويبكي فيه الفجار ويبعدون، ذلك يوم يخسر فيه المبطلون، وينجو فيه الأبرار الصادقون، ويفرح فيه المتقون، ويربح فيه المخلصون، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولا هم يستعتبون.
أوجب الله تبارك وتعالى على كل ولي أمر أن يضمن لرعيته أربعة أشياء: مسكن ومطعم ومشرب ولباس، مسكن يؤويه، ومطعم يرد جوعته، ومشرب يروي ظمأته، ولباس يستر عورته.
ومن هنا فإن رسول الله ، وهو سيد المصلحين ما نادى إلى اشتراكية وضعية أرضية، ما نادى إلى شيوعية حاقدة ظالمة، تعيش بالحديد والنار تملأ المعتقلات والسجون، وتسميها معسكرات عمل، ما نادى إلى رأسمالية منحلة طاغية ظالمة، ما نادى إلى ديمقراطية تهريجية عابثة، إنما نادى إلى عدالة إلهية قرآنية، نورانية ربانية، لا شرقية ولا غربية.
استمع أيها المسلم إلى رسول الله وهو يقول: ((من كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم))(1)[1].
لماذا - نتشبه بالشرق والغرب، وأمامنا منهج الله تبارك وتعالى، أمامنا من أرسله الله تبارك وتعالى رحمة للعالمين.
انتبهوا - أيها المؤمنون - لما قاله في العدالة الاجتماعية، في العدالة الإلهية القرآنية: ((من كان لنا عاملاً، وليس له مسكن فليتخذ له مسكناً))(2)[2]، ويعني بذلك على نفقة بيت مال المسلمين.
لقد رأى الرسول صلى اله عليه وسلم رجلاً من أصحابه يسمى سعد بن معاذ رضي الله عنه، وهذا السعد لما نظر إلى يديه وجد العمل وشدته قد أثرا في يديه حتى جف جلده، واستحى الرجل من نفسه أن يضع يده التي جفت، استحى أن يضعها في كف رسول الله فقد تشققت من وعثاء العمل.
ولكن الرسول قال له: ((امدد يدك يا سعد))، فمدها أتدرون يا عباد الله؟ ماذا فعل رسول الله بيد سعد؟ قبلها بفمه الشريف وقال: ((إن هذه اليد لا تمسها النار أبداً))(3)[3]، يد عملت، وأكلت لقمة عيشها بكد يمينها وعرق جبينها، يد لا تمسها النار.
وهذا هو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الرجل القرآني المسلم كان دقيق الساقين، صعد شجرة ذات يوم فتعجب الصحابة لدقة ساقيه، ساقان نحيفتان فقال لهم : ((أتعجبون من ساق ابن مسعود، والذي بعثني بالحق، إنهما أثقل من جبل أحد في الميزان يوم القيامة))(4)[4] الرجال لا يقاسون بطول ولا بقصر، لا بضخامة ولا بنحالة ، إنما الرجال تقاس بالأعمال.
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم جسم البغال وأحلام العصافير.
يقول الله تبارك وتعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ [الأعراف: 96] إيمان وتقوى تساوي بركات من السماء والأرض.
تذكروا أيها المسلمون زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الذي حكم المسلمين ثلاثين شهراً، فقد كانت أعظم بركة عند الله تبارك وتعالى من ثلاثين قرناً، عمر بن عبد العزيز الذي جمع مال الزكاة في عام من الأعوام، ونادى مناد في أرجاء الأمة الإسلامية من حدود الصين شرقاً إلى أبواب باريس غرباً، ومن حدود سيبيريا شمالاً إلى المحيط الهندي جنوباً، نادى المنادي بقرار من خليفة المسلمين: أيما مسكين فليأت إلى بيت مال المسلمين.
انظروا - أيها المسلمون - هل وقفت الطوابير كأنها جيوش جرارة، هل وقف الناس في صفوف طويلة، ينتظر كل واحد منهم المساعدة؟
الجواب: لا، والله الذي بعث محمداً بالحق، ما جاء مسكين واحد، ولم يكن عند عمر بن عبد العزيز ملايين البراميل من البترول يومياً، لم يكن هناك نقد أجنبي، ولم يكن هناك تصدير إلى أمريكا وأوروبا، لم يكن هناك خزائن في أمريكا تودع فيها أموال المسلمين مجمدة أو مجندة، سموها كيف ما شئتم.
كان في زمن عمر أمانة وصدق ووفاء وعدالة عقمت أرحام الأمة في عصره أن تلد مسكيناً واحداً، المال هو المال، فماذا يفعل الخليفة؟ أيرسله إلى بنوك سويسرا أم إلى بنوك لندن وباريس؟ لا، إنما أصدر قراراً حاسماً وجازماً وراسخاً، كافياً ووافياً، نادى المنادي: من كان له دين لغيره، فوفاء دينه من بيت مال المسلمين.
ألستم معي أن الإسلام عظيم؟ وأن الإسلام كريم؟ وأن الإسلام رفيع؟ إن الإسلام فوق درجات الشرف لأن أشد شيء على الميت بعد موته دَينُه، فنفس الميت تظل معلقة محبوسة حتى يُقضى عنه دينه، وقد كان رسول الله قبل أن يصلي الجنازة على الميت يسأل: ((أعلى صاحبكم دين)) إن كان عليه دين قال لأصحابه: ((صلوا عليه أنتم))(5)[5]. إنها حقوق العباد، فإن لم يكن عليه دين، صلى عليه الرسول ، وصلاة الرسول على الميت شفاعة له في الآخرة.
وحضرت جنازة ذات يوم فسأل الرسولُ : أعلى صاحبكم دين؟ فقال أبو قتادة رضي الله عنه: نعم يا رسول الله عليه ديناران، فصل عليه أنت، وأنا المسؤول عن سداد دينه، حرصاً على صلاة رسول الله على الميت، فصلى عليه الرسول صلاة الجنازة، وبعدما دفن ومر يوم على دفنه سأل أبا قتادة: ((هل أديت عنه دينه؟)) كان من شأن الرسول أن يتابع الأمور، لا يدع الأوراق تنام في أدراج الموظفين، لا يدع المعاملات تتمرغ في الأدراج ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا، إنها مصالح العباد، لماذا تعطلون مصالح العباد؟ ((هل أديت عنه دينه)) قال له: نعم يا رسول الله، أتدرون ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ قال له كلمة بليغة، قال له: ((الآن بردت عليه جلدته))(6)[6] كأن الدَين يجعل جلد الميت كأنه مصاب بداء الأكلان، كأنه مصاب بالجرب، فبعدما أدى الدين برد الجلد.
أدى عمر بن عبد العزيز الدين عن المدينين، وبقي المال كأنه لم ينقص درهماً واحداً، إنها البركة، إنها الأمانة، فماذا يصنع عمر بالمال؟ أيلعب به القمار؟ أيذهب به إلى شواطئ أوروبا؟ ماذا فعل؟
لقد أصدر قراراً آخر: "من كان عنده عبد يريد أن يعتقه فليقبض ثمنه من بيت مال المسلمين وليعتق لله تبارك وتعالى" إنه إصلاح اجتماعي، إنه عدالة اجتماعية، وأعتق العبيد وصار الكل أحراراً وبقي المال كأنه هو، فماذا يصنع عمر! البركات نازلة، والأمانة سائدة، والعدالة قائمة، والإخلاص شجرة أصلها ثابت، وفرعها في السماء، وإذا بعمر رضي الله عنه يصدر قراراً آخر: "أيما شاب عزب يريد أن يتزوج، فزواجه من بيت مال المسلمين" فزوج الشباب وأدى الديون وأعتق العبيد، هكذا فعل عمر هكذا فعل خليفة المسلمين، فهل وجد في حكامكم من يفعل مثل هذا؟
يا نائم الليل مسروراً بأوله …إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
اعمل ما شئت، فالموت يعمنا، والقبر يضمنا، والقيامة تجمعنا، وإلى الله مرجعنا، فيحكم بيننا وهو خير الحاكمين، وصدق الله تبارك وتعالى وهو يقول: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الابْصَارُ [إبراهيم: 42].
إن معاناة شعبنا الفلسطيني المسلم على امتداد نصف قرن ويزيد لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية.
لم يذق مثلها المسلمون في بداية الإسلام، وقد طال عذابهم واشتدت وطأة أعدائهم، قبل أن ينتصروا على أعداء الإسلام ويفتحوا مكة المكرمة - زادها الله تشريفاً وتكريماً وتعظيماً - فتحاً مبيناً بقيادة النبي ، فغدت مكة موئل الموحدين المؤمنين ومهد الإسلام، بعد أن كانت عاصمة الشرك والمشركين.
ولا المسلمون إبان هجمات التتار والمغول ذاقوا الحرمان والتشرد سنوات طويلة كالتي يكتوي بنارها شعبنا الفلسطيني المسلم.
وحتى في زمن الحروب الصليبية وسقوط بيت المقدس بأيدي الصليبيين والتي دامت فترة زمنية طويلة لم تشهد نزوحاً وتشريداً بالإكراه كما شهدته فلسطين على امتداد سنوات الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
أحوالنا يرثى لها قوى الظلم والبغي والعدوان، تواصل عمليات التمثيل والقتل والقهر والإذلال، مليون فلسطيني محاصرون في سجون كبيرة، في مدنهم وقراهم ومخيماتهم، الحواجز تقام على الطرقات، نقاط التفتيش لا تعد ولا تحصى، الاغتيالات متواصلة، المداهمات متلاحقة، هدم المنازل، تجريف الأراضي، خلع المزروعات، كل هذا وذاك تتناقله وسائل الإعلام العربية والعالمية كإحدى المسلسلات اليومية للترفيه عن شعوبها.
أمتنا الإسلامية والعربية - وللأسف الشديد - نسيت أن هناك شعباً اسمه الشعب الفلسطيني المسلم، ونسي الحكام والقادة والزعماء أن هناك قضية اسمها قضية فلسطين المسلمة، تبدلت الأسماء، وتغيرت الوجوه، اليوم القضية الإسرائيلية هي الأساس، الأمن الإسرائيلي هو الأصل في هذه الأيام، أما قضيتنا فهي تعتبر قضية فرعية، القاتل أصبح ضحية، ومغتصب الأرض صار صاحبها، وصاحب الأرض أمسى إرهابياً، ويجب القضاء على ما يسمونه الإرهاب الفلسطيني بأي شكل من الأشكال، وبأي يد من الأيادي، وبأي سلاح من الأسلحة.
أيها المرابطون في بيت المقدس، عندما طرحت أمريكا الظالمة ما يسمى خارطة الطريق لتحقيق الحلم الصهيوني وتدعيم كيان إسرائيل وتعزيز مواقفها السياسية والعسكرية والاقتصادية قبلها الفلسطينيون مكرهين، فإذا بالحكومة الإسرائيلية ترفض هذه الطريق، ليس رفضاً صريحاً، ولكن رفضاً مبطناً لإدخال تعديلات، وأهم هذه التعديلات:
أولاً: عدم العودة إلى حدود الرابع من حزيران عام ستة وستين.
ثانياً: عدم الاعتراف بالسيادة الإسلامية على بيت المقدس.
ثالثاً: عدم الاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
رابعاً: عدم إزالة المستوطنات.
وعدم.... وعدم....، إلى آخر اللاءات والعدمات....
فماذا تريد إسرائيل حقيقة؟ تريد استسلام شعبنا الفلسطيني، تريد جرّ شعبنا إلى الاقتتال تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وشعبنا يدرك حجم المؤامرة ويرفض الاقتتال، شعبنا يريد إنهاء الاحتلال قبل الحديث عن تجريده من أي سلاح ولو حتى سلاح الدفاع عن النفس، شبعنا قادر على إدارة نفسه بنفسه، وترتيب بيته الداخلي بعد زوال الاحتلال البغيض، شعبنا الفلسطيني يصر على حق العودة، ففلسطين هي الوطن الأم، هي أرض الآباء والأجداد، ولا بديل عن فلسطين كوطن يحتضن كل أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، فما هو المطلوب من شعبنا؟ المطلوب من شعبنا المزيد من الوحدة واليقظة وتفويت الفرص على المتربصين به، سواء في الداخل أو في الخارج.
إن معركتنا هي معركة ثبات الذات، ومعركة الثبات على المبدأ، والثبات على الإيمان، والصبر على المحن والشدائد والمعاناة، المطلوب من شعبنا رفض الذل والتبعية والاستسلام، إن هذه المبادئ وهذه الثوابت لن تتحقق بدون العودة إلى الله تبارك وتعالى، إلى كتاب الله وسنة نبيه المصطفى ، ودون إقامة دولة إسلامية وإقامة شرع الله تبارك وتعالى.
ولنكن كما وعدنا الله عز وجل أهل رباط، لا أهل تفريق، إن عزة المسلمين وقوتهم ومنعتهم لن تكون إلا بالإسلام دستوراً ونظام حياة، فيا أهلنا في فلسطين، ويا أهلنا في بيت المقدس ، الإيمان الإيمان، الثبات الثبات، الصبر الصبر، فوثنية قريش انتهت بفتح مكة، وهمجية التتار والمغول انتهت بانتصار قطز والظاهر بيبرس، والصليبيون أجلوا عن بيت المقدس بانتصار صلاح الدين، وهذا درس اعلموه جيداً، إن للظلم نهاية، ودولة الظلم ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200] والله الذي لا إله غيره - يمين أحلفه ولا أخشى إلا الله - لو اجتمع أهل الدنيا جميعاً من مشرقها إلى مغربها ليحاربوا الإسلام، فإن الله تبارك وتعالى من ورائهم محيط، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف: 8، 9].
جعلني الله وإياكم ممن أخلص لله في الأعمال، وأسعدني وإياكم في الدارين بحسن النوال، عباد الله أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله، فقد أمركم الله تبارك وتعالى بذلك في كتابه، قال جل من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب: 56].
…
___
(1) رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي ذر (2545)، كتاب العتق.
(2) رواه الطبراني في معجمه الكبير 20/304، ورواه احمد في المسند(17554).
(3) لم أجده.
(4) رواه أحمد في مسنده من حديث علي (922)
(5) رواه بنحوه البخاري في صحيحه من حديث سلمة (2291)، كتاب الحوالات، ومسلم في صحيحه (1619)، من حديث أبي هريرة ، كتاب الفرائض.
(6) رواه احمد في مسنده والحاكم في المستدرك، وقال صحيح الإسناد، والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب (1812).
(1/2785)
الحمد
لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه
وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
يقول الله عز وجل مخبرًا عن نبيِّه وخليله إبراهيم لمّا أنهى بناءَ البيت دعا لأهله فقال: رَبّ اجْعَلْ هَاذَا الْبَلَدَ ءامِنًا وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم:35].
إنَّ قصصَ الأنبياء في القرآن جاءت للعِظة والاعتبار، لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِى الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَاكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ الآية [يوسف:111].
خليلُ الله إبراهيم قال: رَبّ اجْعَلْ هَاذَا الْبَلَدَ ءامِنًا ثم قال: وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَام، فبدأ عليه السلام بسؤال الله الأمنَ لبيته الحرام؛ لأنَّ هذا الأمنَ إذا تحقَّق للمسلم عبَدَ الله على بصيرة، فعبادتُه لله وقيامه بحقِّ الله يتحقَّق له بتوفيقٍ من الله إذا حصلَ له الأمنُ والاستقرار.
بالأمن تُحفَظ الأعراض والأموال وتُحقَن الدماء. بالأمن تستقيم مصالحُ العباد في أمور دينهم ودنياهم. وهذه النّعمة لا يعرِف قدرَها إلا مَن فقدَها والعياذ بالله، ولا يقدِّر لها حقَّ قدرها إلا من عاش في ظلِّها، فيعرف لهذه النعمةِ مكانتَها. ولهذا امتنَّ الله على قريش بقوله: فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَاذَا الْبَيْتِ الَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ [قريش:3، 4]، فلمّا آمنهم الله من المخاوف وأطعمَهم من الجوع أمرهم بعبادته؛ [ليحقِّقوا] شكرَ الله على نعمته بعبادته وحده لا شريك له الذي أطعمَهم من الجوع وأمَّنهم من الخوف. وذكَّرهم تلك النعمةَ وأنه جعل بيتَه الحرام آمنا: أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءامِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت:67].
إنَّ نعمة الأمن نعمةٌ عظيمة وفضل كبير من الله على العباد، ولكنّ هذه النعمةَ إنما تتحقَّق للعباد بالقيام بحقِّ الله جل وعلا، بتوحيده وعبادته وإخلاص الدين له، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئًا [النور:55]. فإذا حقَّق العباد عبادةَ الله وقاموا بها خيرَ قيام أمَّنَهم الله من المخاوف، وحقَّق لهم الأمنَ في الدنيا والأمن يوم لقائه.
ومِن أسباب الأمن تنفيذُ أوامر الإسلام والقيام بفرائض الإسلام والبُعد عمَّا نهى الله عنه، فمن حافظ على فرائض الإسلام وانتهى عمَّا حرّم الله عليه تحقَّق له الأمن في الدنيا والآخرة.
ومِن أسباب الأمن البُعد عن مظالم العباد صغيرها وكبيرها، قال تعالى: الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82]، فلهم الأمن المطلق في الدنيا والآخرة، لهم الأمن في الدنيا، ولهم الأمنُ يوم لقاء الله، وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءامِنُونَ [النمل:89]. فإذا عدَل العباد فيما بينهم وارتفعت عنهم مظالم العباد ولم يظلم بعضهم بعضًا واحترم البعض البعضَ في الدّم والمال والعرض ساد الناسَ أمنٌ وطمأنينة؛ لأنّ الظلمَ ـ والعياذ بالله ـ بالتعدّي على النّاس، بنهب أموالهم، سفكِ دمائهم، انتهاك أعراضِهم، يجعلهم جميعًا في خوف ورُعب، والإيمانُ الحقيقيّ يدعو المسلم إلى احترام الدماء والأموال والأعراض، فإذا احتُرِمت هذه الأمور ساد الناسَ الأمنُ والطمأنينة وعرف كلٌّ الحقَّ الذي له والذي عليه؛ ولهذا في الحديث في وصف المؤمن: ((المؤمنُ من أمِنه الناسُ على دمائهم وأموالهم))(1)[1].
إنّ من أسباب أمن المجتمع الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر، فالأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمانِ للأمّة، وسببٌ لاطمئنان النفوس واستقرارها، وسببٌ لعلوِّ الخير وظهوره، وسببٌ للبعد عن الشرّ والترفّع عن الرذائل. الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر خلُق محمّد وسائر الأنبياء والمرسلين، يقول الله عن نبيه : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأُمّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ [الأعراف:157]، فمحمّد خير الخلق أمرًا بالمعروف، وخيرُ الخَلق نهيًا عن المنكر، أسبقُ الناس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أمتهُ جعلها الله خيرَ الأمم لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، فالأمّة لا تكون خيرَ الأمم ولا أفضل الأمم إلا إذا قامت بهذا الخُلُق العظيم، فأمرَت بالمعروف الذي يحبّه الله ويرضاه، ونهت عن المنكر الذي يبغضُه الله ويكرهه. وربُّنا جلّ وعلا جعل هذا الخلَقَ العظيم لِصفوة الخلق، وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، فأمر الله الأمّة أن تُهيِّئ لهذا الأمر العظيم من يقوم بهذه المهمّةِ الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنّ أولئك موصوفون بأنهم المفلحون: وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
وجعل الله الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر سببًا للنصر على الأعداء والتمكين في الأرض، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِى الأرْضِ أَقَامُواْ الصلاةَ وَاتَوُاْ الزكاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:40، 41]. ولعن الله من بني إسرائيل الذين عطَّلوا هذا الجانبَ العظيم: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْراءيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذالِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79]. وجعله الله خُلقًا للمؤمنين: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]. ونبيّنا يقول لمّا قرأ هذه الآية: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْراءيلَ قال: ((كلا والله، لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، ولتأخُذنَّ على يد السفيه، ولتأطرُنّه على الحق أطرًا، أو ليوشكنَّ الله أن يضربَ قلوبَ بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم))(2)[2].
هذا الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر مسؤوليةُ كلِّ فرد منّا على قدر استطاعته، ((من رأى منكم منكرًا فليغيِّرهُ بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطعْ فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))(3)[3].
تعطيلُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سببٌ يمنِع إجابةَ الدعاء، يقول : ((مُروا بالمعروف وانهَوا عن المنكر قبل أن تدعُوا فلا يُستجاب لكم، وتستغفرون فلا يغفَر لكم))(4)[4].
إنّ هذا الأمرَ العظيم الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر خُلُق أهل الإيمان والإسلام، فالذي يكره هذا الأمرَ ويُبغض الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر ويكون في صدره حرجٌ من هذا الجانب أو يعُدُّ الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر كَبتًا لحريّات الناس وظلمًا لهم وسلبًا لحريّاتهم وخصوصيّاتهم ويرى أنّ تعطيل هذا الأمر هو إعطاءُ النفوس حُرّياتِها لتعمل ما تشاء لا شكَّ أنّ هذا تصوُّر خاطئ، ودليل على عمَى البصيرة، أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء [فاطر:8].
هذا الأمر العظيمُ واجبُ المسلم أن يعظِّم جانبَه، وأن يقفَ بجانبه؛ لأنَّ هذا الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر يحفظ للناس أعراضَهم، ويحفظ دماءهم وأموالهم. إنّه هيبة للأمّة، ودليل على قوّتها وتمسّكها بدينها. فهذا المرفق العظيم لا يرتاب في أهمّيته ولا يرتاب في عظيم شأنه إلا مَن في قلبه مرضُ النفاق والعياذ بالله، ممَّن يحبّ المنكرَ ويألفه، ويحارب الحقَّ ويكرهه، في الحديث يقول : ((مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا سفينة، فكان بعضُهم أسفَلها وبعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقَوا صعدوا إلى من فوقهم، فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقًا، فأخذنا الماءَ ولم نؤذ من فوقنا))، فقال رسول الله : ((فإن تركوهم وما أرادوا غرقوا جميعًا، وإن أخَذوا على أيديهم نجَوا ونجوا جميعًا))(5)[5].
فشوُّ المنكرات وكثرتُها يهدِّد بعقاب الله، لمَّا قال النبي : ((فُتح اليومَ من ردم يأجوج ومأجوج هكذا وهكذا))، قيل: أفنهلك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم، إذا كثُر الخبَث))(6)[6]. فالأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر بضوابطه الشرعيّة والطرق الحكيمة التي أرشد إليها الشارع ليكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر على عِلم بما يأمر به وعلى عِلم بما ينهى عنه، يسلك كلَّ طريق يوصل إلى الحقّ، ويبتعد عن كلّ طريق ينفِّر عن الحقّ، ويكون هذا الآمر والناهي على عِلم وبصيرةٍ من أمره، متخلِّقًا بالخلق القويم، ممتَثِّلاً ما يأمر به قبلَ أن يأمرَ به، بعيدًا عمّا ينهى عنه قبل أن ينهى عنه، قائمًا بذلك خيرَ قيام، قصدُه الرحمة بالخلق والشفقةُ عليهم والإحسان إليهم وإنقاذهم من معاصي الله، فذاك الخلق العظيم، وهذا سبيلُ المرسَلين، دعوةٌ إلى الله وحثٌّ على الخير ونصيحة للأمة، ولكنَّ المصيبةَ من يرتاب في هذا الجانب، أو يعدُّ الأمر بالمعروف والنهيَ عن المنكر أمرًا قد انتهى دورُه، ولا ينبغي أن يكونَ له وجود بين الأمّة، فتراه يسخَر بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ويستهزئ بهم، ويبحث عسى أن يرى سلبًا أو عيبًا فيهم، ولو كان هذا العائبُ فيه من العيوب أضعاف أضعاف ذلك، لكن يتغاضى عن عيوبه، ويلصِق التُهمَ والعيوب بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
ليس أحدٌ من الخلق معصومًا من الخطأ، ولكن المصيبةَ الإصرار على الخطأ بعد العلم به، أمّا الآمر بالمعروف الذي سلك في أمره ونهيه الطرقَ الشرعيّة فهو على خير وحماية للأمة وتأمين لها ودفاعِ عنها، فإن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر متى ما استقامت حالهم، ومتى كان عندهم من العلم والبصيرة الأمرُ بالمطلوب فإنّهم حمايةٌ لمصالح الأمّة، ودفاع عنها، وردّ لكيد الكائدين ومن أُشربَت نفوسُهم حبَّ الشرّ والفساد.
يقول الله جل وعلا في كتابه العزيز: إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:49].
يخبرنا ربُّنا تعالى عن أقوال المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم، يخبرنا عن هذه الفئة الخبيثةِ الذين يتربّصون بالمسلمين الدوائر، يخبرنا عن هذه الفئة الخبيثة التي امتلأت قلوبهم غيظًا وحِقدًا على الإسلام وأهله، لمَّا رأوا أصحابَ رسول الله وقلّةَ عددهم وضعفَ إمكانيّاتهم ومع هذا فهم أنصارٌ لدين الله، مجاهدون في سبيل الله، باذلون كلَّ غالٍ ونفيس في سبيل الدفاع عن الدين والقيَم والفضائل، لمّا رأوا تفانيهم في دينهم وجهادهم وجلادهم لعدوِّ الله وزهدهم في الدنيا ورغبتهم في الآخرة، قالوا: غرَّ هؤلاء دينُهم، يقولون: هؤلاء خدعهم الدين، هؤلاء اغترّوا بهذا الدين، هؤلاء صدَّقوا بالجنة والنار، هؤلاء فقرُ الدنيا عندهم دليلٌ على غفلتِهم، دليلٌ على انخداعهم، وأن كلاً يؤثِّر عليهم، وكلاً يستعملهم فيما يهوَى، فبلسان حالهم يقولون: هؤلاء اغترّوا بالدين، انخدعوا بأنّ هناك جنّة ونارًا، وأنّ هناك جزاءً وحسابًا، وأن وأن... وإلى آخره. لماذا؟ لأنّهم رأوا قومًا جاهدوا في الله حقَّ جهاده، رأوا قومًا امتلأت قلوبهم بهذا الدين، بمحبة الله ورسوله والجهادِ في سبيله.
يقول بعضُ السلف: من أسرَّ سريرةً ألبسه الله ردَاءها علانية، إنْ خيرًا فخيرًا، وإن شرًا فشرًا، والله من وراء قلب كلِّ قائل ولسانه.
كم نسمع في هذه الأيام، وكم نقرأ ما يُنشر مِن سخريّة بالإسلام وأهله، واستهزاء بأهل الدين، وسخريّة بهم، وحطٍّ من قدرهم، لمّا رأوا تسلُّط الأعداء على المسلمين وحرصَهم على إضعاف كيان الأمة نسبُوا كلَّ العيب والخطأ إلى من انتسب للإسلام، فترى أولئك تنطِق ألسنتهم وتخطُّ أقلامهم أمورًا خطيرة، يصوِّرون أهلَ الإسلام بأنّهم الإرهابيّون، وبأنّ كلَّ مَن وفَّر لحيتَه دليل على خُبث قلبه، وأنّ كلَّ من صلّى وصام ودعا إلى الإسلام دليلٌ على تأخّره ورجعيّته، وأنّ كلَّ من كتب كتابةً يناضل عن الإسلام وقيَمه وفضائله وصفُوه بما يصفونه به من صفاتِ الذمّ والنقص، تشابهت قلوبهم مع سلفهم من المنافقين، واتّفقت كلمتهم مع سلفِهم من أعداء الدين.
اتَّق الله في نفسك، اتَّق الله أن تزلّ قدمك بأمرٍ تندم عليه ولا ينفعك الندم. اعلم أنّ الله سائلك عمَّا تفوّه به لسانك، وعمّا خطّته يداك، فاتَّق الله، تأمَّل قولَه: مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، وتأمّل قوله: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النور:24].
بعضٌ من هؤلاء هاجَموا علماءَ الإسلام السّابقين، وطعنوا في علماء الأمّة وقادة العلم والخير والفضل، لماذا طعنوا فيهم؟ لأنّ منهجَهم الذي هم عليه والذي تسير الأمّة عليه منهج إسلاميّ صحيح، وهم لا يرضَون بذلك. الواحدُ منهم يصوِّر المتمسِّك بالسنّة أنّه رجلُ القتل وسفك الدماء، ويصوِّر المتمسّك بالسنّة أنّه عدوٌّ للأمة، وأنّه مفسِد في الأرض، ويأبى الله ذلك.
إنّ الإيمان الصحيحَ الصادق يدعو أهلَه إلى التمسُّك بالدين والمحافظة عليه. إنّ المتمسّكَ بهذا الدين يعلم حقًا أنّ سفك الدماء المعصومة وتدمير الأموال وانتهاك الأعراض أمرٌ مرفوض، يرفضه لا لهوًى ولا لدنيا، ولكن شرعٌ آمن به واقتنع به، هو آمن بالله وآمن برسوله، فهو يدافع عن دينه عن عقيدة، لا عن هوى ولا عن دنيا يريدها. فأولئك الذين سلَّطوا أقلامَهم على الإسلام وتعاليمه وعلى مبادئه ونُظُمه وعلى أخلاقه وفضائله قومٌ ما بَين جاهلٍ مركّب لا يدري ما يقول ويهذي بما لا يدري، أو بين منافق لا إيمانَ له، فليتَّق المسلمون ربَّهم، وليتوبوا إلى ربّهم. قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال النبي : ((قال الله: من ذا الذي يتألّى عليَّ أن لا أغفرَ لفلان، قد غفرتُ له، وأحبطتُ عملك))(7)[1]، قال أبو هريرة: تكلّم تكلمةٍ أوبقت دنياه وآخرته(8)[2]. في عهد النبي جماعة من المنافقين قالوا في النبيّ وأصحابه: ما رأينا مثلَ قرّائنا هؤلاء، أرغبنا بطونًا، أكذبنا ألسنةً، أجبننا عند اللقاء، فأنزل الله: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65، 66](9)[3].
قد تعيب إنسانًا في تصرّفه، لكن يجب أن تفرّق بين الشّخص وبين دينه، فإذا عِبتَ شخصًا ما وإن كان العيبُ محرّما بلا شكّ، لكن لا يجوز أن تتعدّى فتنسب العيبَ إلى الإسلام وأهلِه، والنبيّ قال في الغيبة: ((ذكرك أخاك بما يكره))(10)[4]، لكن المصيبة أن يعيبَ الإنسانَ لدينه، لتمسّكه بإسلامه، لمحافظته على سنة نبيّه ، فليحذَر المسلمون هذا، وليتَّق الكتّاب ربَّهم، وليراقبوه فيما بينه وبينهم، فإنَّ العبدَ إذا اتَّقى الله وتصوّر الأمورَ على حقيقتها دعاه ذلك إلى التوقّف، وفي الحديث: ((وهل يكبّ الناسَ في النار على وجوههم ـ أو قال: على مناخرهم ـ إلا حصائدُ ألسنتِهم؟!))(11)[5]، وفي الحديث أيضًا: ((إنّ العبدَ ليتكلّم بالكلمة من سخطِ الله ما يظنّ أن تبلغَ ما بلغت يكتب الله له بها سخطَه إلى يوم يلقاه))(12)[6].
الذين ينادون بتهميش جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهؤلاء [يقصدون] خيرًا؟! هؤلاء مفسدون. الذين يطالبون الأمّة بأن تتراجع عن دينها وأن تربّي أبناءها على غير منهج الله، أهؤلاء هم [المصلحون]؟! إنّ فيهم نفاقًا وشرًّا. وهذه الأمّة ولله الحمد لن تزال باقية معظِّمة لهذا الجانب العظيم جانبِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجانب التمسّك بهذه الشريعة.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين...
__________
(1) جزء من حديث أخرجه أحمد (2/379)، والترمذي في الإيمان (2627)، والنسائي في الإيمان (4995) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وحححه ابن حبان (180)، والحاكم (22)، وهو في صحيح سنن الترمذي (2118).
(2) أخرجه أحمد (1/391)، وأبو داود في الملاحم (4336)، والترمذي في التفسير (3047)، وابن ماجه في الفتن (4006) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وقد اختلف في إرساله ووصله، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (1105).
(3) أخرجه مسلم في الإيمان (49) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(4) جزء من حديث أخرجه الطبراني في الأوسط (1367)، وأبو نعيم في الحلية (8/287) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وعزاه المنذري في الترغيب (3/162) للأصبهاني وأشار إلى ضعفه، وقال الهيثمي في المجمع (7/266): "فيه من لم أعرفهم"، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2092). وجاء نحوه من حديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه أحمد (6/159)، والبخاري في التاريخ الكبير (2092)، وابن ماجه في الفتن (4004)، والطبراني في الأوسط (6665)، والبيهقي في الكبرى (10/93)، وصححه ابن حبان (290)، وهو عندهم جميعا حديث قدسي إلا ابن ماجه، قال الهيثمي في المجمع (7/266): "رواه أحمد والبزار، وفيه عاصم بن عمر أحد المجاهيل"، وقال الألباني في صحيح الترغيب (2325): "حسن لغيره".
(5) أخرجه البخاري في الشركة (2493) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(6) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3346)، ومسلم في الفتن (2880) من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها.
(7) أخرجه مسلم في الأدب (2621) من حديث جندب رضي الله عنه.
(8) كلام أبي هريرة هذا قاله بعد حديث آخر أخرجه أحمد (2/323)، وأبو داود في الأدب (4901)، والبيهقي في الشعب (6689) عن أبي هريرة وفيه قصة الرجلين المتواخيين من بني إسرائيل، وصححه ابن حبان (5712)، وحسنه ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص319)، ووافقه الألباني.
(9) أخرجه الطبري في تفسيره (14/ 333) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى.
(10) أخرجه مسلم في البر (2589) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(11) أخرجه أحمد (5/231)، والترمذي في الإيمان، باب: ما جاء في حرمة الصلاة (2616)، والنسائي في الكبرى (11394)، وابن ماجه في الفتن، باب: كفّ اللسان في الفتنة (3973) من حديث معاذ رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الحاكم (2/447)، وهو في صحيح سنن الترمذي (2110)، وانظر: السلسلة الصحيحة (1122).
(12) أخرجه مالك في الموطأ (1848)، وأحمد (3/469)، والترمذي في الزهد (2319)، وابن ماجه في الفتن (3969) من حديث بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه، وقال الترمذي: "وفي الباب عن أم حبيبة، وهذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (281)، والحاكم (1/107-108)، وهو في السلسلة الصحيحة (888).
(1/2787)
الحمد
لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله،
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.
لقد خلق الله عبادَه على الفطرة السليمة السويَّة، وبعث الرسلَ لتقريرها وتكميلها، والناشئةُ في بكور حياتِها ديوانٌ مفتوح وسجلّ ناصع، تتلقَّى ما يرد عليها من حقٍّ أو باطل، أرضٌ تُنبِت أيَّ غراس من صحيح العقائد وفاسدِها، ومن مكارم الأخلاق ومساوئها، ((كلُّ مولود يولَد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه))(1)[1].
وعقولُ الشباب هدفٌ لأعداء المسلمين الذين تنوّعت وسائلهم ليوقِعوا الشبابَ في شَرَكهم، وليزجُّوا بهم في وَحل الفتن تارة، ويلقوا عليهم الشبهاتِ تارةً أخرى، ليردّوهم ويورِدوهم مستنقعَ الهوى والشّهوات، ويغرِقوهم في الملهيات والمحرّمات، ولا أنفعَ بإذن الله للشباب من التحصُّن بعلم الشريعة، يزيدُ الإيمان، وينير البصيرةَ، ويهذِّب النفس، ويرفع عن دنيء الأفعال، طالبُه منظومٌ في سِلك العظماء، يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]. سلوكُه توفيقٌ للخلود في الجِنان، والخلق عنهم راضون، ولصنيعهم مستغفِرون، والملائكة لمجالسةِ أهله راغبون.
ومِن تعظيم الشريعة والدّين تعظيمُ العلماء، فهم خلَف أنبياء الله في دعوتِهم، قال عليه الصلاة والسلام: ((وإنَّ العلماءَ ورثة الأنبياء)) رواه أحمد(2)[2]. حقٌّ علينا تبجيلُهم وتوقيرهم، وعلى هذا سارَ أسلاف هذا الدين، يقول الربيع بن سليمان: "ما اجترأتُ أن أشربَ الماء والشافعيّ ينظر إليَّ هيبةً له"(3)[3]. سؤالُهم عِلم، ومجالستهم سعادة، ومخالطتهم تقويمٌ للسّلوك، وملازمتُهم حفظٌ للشباب بإذن الله من الزّلل، يقول ميمون بن مهران: "وجدتُ صلاحَ قلبي في مجالسة العلماء"(4)[4].
ثمرةُ مجالسة العلماء ليست في التزوّد من العلوم والمعارف فحسب، بل الاقتداء بهم في الهدي والسّمت وعلوّ الهمّة ونفع الآخرين علمٌ آخر نحتاج إليه، وبُعد ناشئة المسلمين عنهم يؤدِّي إلى تخبُّطِ في طلب العِلم وإعجابٍ بالرّأي وقلّة في التعبّد.
وواجبٌ على الشباب البعدُ عن مواطن الفتَن والشّبهات والشهوات، ونبيُّنا محمّد تعوَّذ من الفتن(5)[5]، وأمر أصحابَه بالتعوّذ منها(6)[6]، ومن مدَّ عينيه إلى الفتن وأرخى سمعَه لها وقع فيها، يقول عليه الصلاة والسلام عن الفتن: ((ومن استشرف إليها ـ أي : تطلَّع إليها ـ أخذته)) رواه البخاري(7)[7].
والإسلامُ الحنيف جاء بلزوم النورَين الكتابِ والسنّة، ونهى عن ضدِّهما ممَّا يورث القلبَ الفساد، والشبهةُ إذا وردت على القلب ثقُل استئصالُها، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وإذا تعرَّض العبد بنفسه إلى البلاء وكَله الله إلى نفسه"(8)[8].
والتقصيرُ في أداء الواجبات والوقوع في المحرّمات وتشبُّث الناشئ بالفضائيّات ولهثُه وراءَ المنكرات بوَّابةُ فسادٍ للأخلاق ودنَس السلوك ومرتَعٌ للأفكار المنحرفة، والقلبُ إذا أظلم بكثرة المعاصي ثقُل عليه أداء المعروف، وسهُل عليه قبول المنكَر.
وتشكيكُ الناشئةِ في المناهج الدّراسيّة يُضعِف همَّتهم في التحصيل وأخذِ المعارف منها، ومتغيِّرات الزمان وتوالي الحوادِث وتعاقُب الأحداث وحلول الفِتن يُحتِّم تكثيفَ المناهج الدينيّة والتوسُّع فيها والبسطَ في شرحها وتسهيل فهومِها للناشئة، مع عدم إثقال كاهلِ الطّلاب بكثرة المواد غيرِ الدينيّة التي يغني بعضُها عن بعض، فالحاجة مُلحَّة إلى أمور الشريعة.
وبهذه المناهج المرتكزة على الدّين والعمل بالعلم أصبحت هذه البلاد بحمد الله تزخَر بالعلماء الذين يفهَمون أحكامَ الشريعة، ويُرجَع إليهم في الفتوى والمسألة، واكتسَبوا الثقةَ والتبجيلَ في التوجيه والإرشاد والدّعوة، وبفضلٍ من الله استوزَر ممَّن درس هذه المناهجَ الوزراء الناصحون، وبرع المستشارون المؤتمَنون، وتأدَّب الأدباء المثقَّفون، وبرز الصحفيّون الإعلاميّون، ونبغ الأطبَّاء الحاذقون، وتألّق الاقتصاديّون العارفون، وتخرّج منها مَن أسهَم في بناء وتنميَة الحضارة ومقوّمات الحياة في المجتمعات، ومِن الوفاء الثناءُ على المناهِج التي كان ثمرةَ علومها.
الإعلام نافذة واسعةٌ على المجتمع، والشّباب بحاجةٍ إلى نصيبٍ وافر منه في التوجيه والإرشاد وفي النّصح والفتوى، والتعرّض للدين المتين باللّمز أو لأهله بالسّخريّة والغَمز يوغِر الصدورَ ويؤجِّج المكامن، والثناءُ على الناشِئة واحتواؤهم وتوجيههم طريقٌ قويم يُسلَك حمايةً للشّباب لئلا يتَلقَّفهم الأعداء بحلاوة اللسان وحُسن البيان.
والقرآن العظيم كلام ربِّ العالمين، بتِلاوته تتنزّل السكينة، وبتدبُّره يزيد الإيمان، نورٌ يُبدِّد الظلمات، قال سبحانه: قَدْ جَاءكُمْ مّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ [المائدة:15]. وانتشار حلقات القرآن الكريم في بيوتِ الله في هذه البلاد ورعايةُ ولاّة الأمور لها أمرٌ يدعو إلى الفخر والاعتزاز، ولقد صان الله بها كثيرًا من الناشئة عن الانحراف، وحفِظ الله بها الدين، كَم انتفع بها من يتيم، وكم أسدَت للناشئة من معروف، وكم أوصدَت من أبواب الشرور، وكم وسَّعت من مدارِك، وكم فتحَت من آفاق، والقرآن الكريم أصلُ العلوم وأسُّها، ومنه تُؤخَذ الآداب والأخلاق. وتوجيهُ الآباء أبناءَهم لحفظ كتاب الله حفظٌ لهم من الشرور والفتن، وحصنٌ من توغُّل الأفكار المنحرفة إلى عقولهم.
والفراغ عامِل من عوامل الانحرافِ الفكريّ والسلوكيّ والأخلاقيّ، كما أنَّ الملهيات الحضاريّةَ المحظورة والمحطّات الفضائيّة لها قِسط مظلمٌ في انحراف الأفكار وتلويث المعتقدات وتسميم العقول من المتربِّصين بالشباب، والأبُ الحاذق من يمنع دخولَ تلك المحطّات والملهيات إلى داره قبل أن تذرف منه دمعة الحزن والأسى، وقبل أن يُفجَع بخبر فاجع.
الفجوةُ بين الوالد والولد عامِل من عوامل حَجب الابن عن إظهار مكنون صدره لوالدِه، فيبوح بما في سريرته إلى غير والده ممَّن قد لا يُحسن التربيةَ والتوجيه، ولا يحمِل له المودَّة والشفقة، وقربُ الأب من أبنائه والتبسُّط معهم في الحديث ومبادلة الرأيِ من غير إخلالٍ باحترام الوالدين سلامةٌ للأبناء وطمأنينة للآباء وقاعدةٌ في تأسيس برّ الوالدين.
والجليس سببٌ في الإصلاح أو الإفساد، ورُسُل الله عليهم الصلاة والسلام عظَّموا شأنَه، فنبيّ الله عيسى عليه السلام يقول: من أنصاري إلى الله؟ ونبيّنا محمّد اتّخذ له صاحبًا مُعِينًا له على طريق الدعوة، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لو كنتُ متَّخِذًا من أمّتي خليلا لاتَّخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخي وصاحبي))(9)[9]، وعائشة رضي الله عنها تقول: لم أعقِل إلا وأبويَّ يدينان الدين، وكان النبيّ يأتينا وهو بمكّة أوّلَ النّهار وآخره(10)[10].
الجليس الصّالح يهديك للخير، يذكِّرك إذا نسيت، ويحضُّك إذا غفَلتَ، يُظهر ودَّك إذا حضرت، ويحفظُك إذا غِبت. ورفيقُ السّوء يجري خلفَ ملذاتِه وأهوائه، وإذا انقضت حاجتُه منك نبَذك، من كلّ شرٍّ يدنيك، وعن كلّ خير ينأى بك، على أمور الدنيا لا يُؤمَن، وفي الآخرة تندَم على مصاحبتِه، قال جلّ وعلا: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يالَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ياوَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً [الفرقان:27، 28]. فجالِس الصالحين واشرُف بصحبتِهم، وابتعِد عن مصاحبة من يسوؤك في دينك ودنياك.
للمرأة دورٌ مكين في الرعاية والتوجيه، وإذا تخلَّت المرأة في دارها عن مسؤوليّتها وأخْلَت مسكنَها من نفسِها بكثرة خروجِها من منزِلها لم يجِد الأبناء حنانَ الأمومة وعطفَ الحانيَة، ولا يجدون في المسكَن معهم سِوى مَن هو مِن غير جنسِهم مِن الخدم، فيفقِدون عطفَ الوالدَة ورأفة المُشفِقة، فلا يمنَعهم ذلك للتوجّه إلى من يتلقَّفهم بمخدوع الحديثِ وأماني المستقبل، والإسلامُ ألقى على الأمِّ مسؤولية كبيرةً مشرِّفة، يقول عليه الصلاة والسلام: ((والزوجة راعيةٌ ومسؤولة في بيت زوجها))(11)[11].
مِن أحضان المرأة تخرَّج العلماء وبرز النّبلاء، ولا أعظم تكريمًا للمرأة ولا أنبلَ تبجيلاً لمكانتِها من إسداء مسؤولية العقول إليها في دارها، فواجبٌ عليها القيام بأعباء تكاليفها لئلاّ تذرف الدمعَ على أولادِها، وعليها عدمُ الإصغاء إلى أبواقٍ تدعوها إلى الخروج من مملكتِها وإهمال أولادِها.
الأسرة مرتَكَز قويمٌ بالإسلام، في ظلِّها تلتقِي النفوس على المودّة والرحمَة والعفوِ والمحبّة، وقد أقسَم الله في كتابه بالأولاد والآباء فقال جلّ وعلا: وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ [الولد:3]، والعناية بصلاحِهم مَسلكُ الأخيار، وباستقامتِهم بهجَة الآباء والأمّهات، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْواجِنَا وَذُرّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74].
وأوّل لبنةٍ في بناء الأبناء غرسُ مراقبةِ الله في نفوسهم، يقول النبي لابن عبّاس وهو غلام: ((يا غلام، احفَظ الله يحفظك، احفَظ الله تجدْه تجاهك))(12)[1]. وهم بحاجةٍ إلى التربيّة على المعرفةِ بالعلوم واغتِنام الأوقَات، يقول عليه الصلاة والسلام: ((احرِص على ما ينفعُك))(13)[2].
وعلى الوالِد أن يسعَى لجلبِ ما ينفع أبناءَه، وإبعادُ ما يضرّهم، واختيارُ الرفقةِ الصالحين لهم، وإنَّ حُسن تنشئتهم مرتبطٌ باستمساك والديهم بدينهم، وكلّما استقام الوالدان اقتدى بهم الأبناء وكانوا بمنجاة من عواملِ الضياع وأسباب الضّلال.
واعلم ـ أيّها الابن ـ أنّ أمَلَ والدَيك أن تكونَ ممَّن سِيَرهم فاضلة وأخلاقهم سامِية، مع الاستقامة والبُعد عن الرذائل والمهالك، وأن لا تقعَ فريسةً للانحراف، أو أسيرًا للملذّات والشّهوات، فلا تضيِّع أملك وأملَهم أمام لحظةٍ من شهوة أو ساعة من غفلة، وعليك بانتقاء الأصحابِ في المخالطة والمؤانسة، والزَم صحبةَ العلماء، وجالس الصالحين، تجنِي سعادةَ الدنيا والآخرة.
ثمّ اعلَموا أنّ الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على نبيّنا محمّد، وارض اللهمّ عن خلفائه الراشدين...
__________
(1) أخرجه البخاري في الجنائز (1385)، ومسلم في القدر (2658) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) أخرجه أحمد (5/196)، وأبو داود في العلم، باب: الحثّ على طلب العلم (3641)، والترمذي في العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة (2682)، وابن ماجه في العلم، باب: فضل العلماء (223) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وفي سنده اختلاف، وصححه ابن حبان (88)، والألباني في صحيح الجامع (6297).
(3) أخرجه البيهقي في المدخل (684)، وانظر: تهذيب الأسماء للنووي (1/84).
(4) أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/85).
(5) أخرج أحمد (1/292) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي كان يتعوّذ في دبر صلاته من أربع يقول: ((أعوذ بالله من عذاب القبر، وأعوذ بالله من عذاب النار، وأعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأعوذ بالله من فتنة الأعور الكذاب))، وأخرجه مسلم في المساجد (590) بنحوه.
(6) أخرج مسلم في كتاب الجنة (2868) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي قال: (( تعوّذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن)).
(7) أخرجه البخاري في الفتن (7081)، ومسلم في الفتن (2886) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
(8) مجموع الفتاوى (10/577).
(9) أخرجه البخاري في الصلاة (466)، ومسلم في الفضائل (2382) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وجاء من حديث ابن عباس وجندب وابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهم.
(10) 10] أخرجه البخاري في الصلاة (476).
(11) 11] أخرجه البخاري في الجمعة (893)، ومسلم في الإمارة (1829) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(12) أخرجه أحمد (1/293)، والترمذي في صفة القيامة (2516) عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه الضياء المقدسي في المختارة (10/25)، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/460-461): "روي هذا الحديث عن ابن عباس من طرق كثيرة... وأصح الطرق الطريق التي خرجها الترمذي"، وصححه الألباني في صحيح السنن (2043).
(13) أخرجه مسلم في القدر (2664) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(1/2789)