الجمعة، 1 مايو 2015

حبيب الطائعين وملاذ الهاربين وملجأ الملتجيئن وأمان الخائفين


 

 

 

حبيب الطائعين وملاذ الهاربين وملجأ الملتجيئن وأمان الخائفين

-----------------------

الله … كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ [الرحمن:29]. يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين، ويحيي ميتاً، ويميت حياً، ويجيب داعياً، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويجبر كسيراً، ويغني فقيراً، ويعلم جاهلاً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيران، ويغيث لهفان، ويفك عانياً، ويشبع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتلى، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً، ويقصم جباراً، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويؤمن روعة.

الله … الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى. السماء بناها، والجبال أرساها، والأرض دحاها. أخرج منها ماءها ومرعاها. يبسط الرزق ويغدق العطاء ويرسل النعم.

رب السماوات والأرض، ورب العرش العظيم، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والفرقان. هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، ينفس الكرب، ويفرج الهم، ويذهب الغم، ويقضي الدين ويغني من الفقر.


إذا حل الهم وخيم الغم. واشتد الكرب وعظم الخطب وضاقت السبل وبارت الحيل نادى المنادي: يا الله ((لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم)). فيفرج الهم وينفس الكرب ويزيل الصعب فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمّ وَكَذالِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88]. وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ [النحل:53].

إذا اشتد المرض بالمريض، وضعف جسمه وشحب لونه وقلّت حيلته، وضعفت وسيلته. وعجز الطبيب، وحار المداوي. وجزعت النفس. ورجفت اليد. ووجف القلب انطرح المريض واتجه العليل إلى العلي الجليل ونادى: يا الله … يا الله، سمع الدعاء فزال الداء ودبّ الشفاء وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَءاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء:83-84].

إذا إنطلقت السفينة بعيداً في البحر اللجي، وهبت الزوابع، وتسابقت الرياح، وتلبد الفضاء بالسحب، واكفهر وجه السماء، وأبرق البرق، وأرعد الرعد، وكانت ظلمات بعضها فوق بعض، ولعبت الأمواج بالسفينة، وبلغت القلوب الحناجر، وأشرفت على الغرق، وتربص الموت بالركاب، اتجهت الأفئدة وجاءت الأصوات: يا الله … يا الله، فجاء عطفه، وأشرق ضياؤه في الظلام الحالك فأزال المهالك.

هُوَ الَّذِى يُسَيّرُكُمْ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ الْحياةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. [يونس:22-23]. قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ [الأنعام:63-64].

إذا حلقت الطائرة في الأفق البعيد، وكانت معلقة بين السماء والأرض، فأشر مؤشر الخلل، وظهرت دلائل العطل، فذعر القائد، وارتبك الركاب، وضجت الأصوات فبكى الرجال، وصاح النساء، وفجع الأطفال، وعم الرعب، وخيم الهلع. وعظم الفزع، ألحوا في النداء وعظم الدعاء: يا الله … يا الله … يا الله، فأتى لطفه، وتنزلت رحمته، وعظمت منته، فهدأت القلوب، وسكنت النفوس وهبطت الطائرة بسلام.

إذا اعترض الجنين في بطن أمه، وعسرت ولادته وصعبت وفادته، وأوشكت الأم على الهلاك، وأيقنت بالممات، لجأت إلى منفّس الكربات وقاضي الحاجات ونادت: يا الله … يا الله، فزال أنينها، وخرج جنينها.

إذا حل بالعالِم معضلة، وأشكلت عليه مسألة، فتاه عنه الصواب، وعز عليه الجواب، مرغ أنفه بالتراب ونادى: يا الله … يا الله، يا معلم إبراهيم علمني ـ يامفهم سليمان فهمني ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)) فيأتي التوفيق وتحل المغاليق.

إذا ضاقت بالدعاة الدروب، وأدلهمت بهم الخطوب ورموا بالعظائم ـ وطال الطريق، وقلّ الناصر ـ واتهموا بماهم منه براء، لجأؤوا إلى ركن شديد وإلى سميع قريب مجيب، ونادوا يا الله … يا الله … يا الله …

فجاء الفرج ونفس الكرب وفرج الهم حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجّىَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [يوسف:110].

وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام:34]. فهو تعالى الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة، وكفى بربك هادياً ونصيراً.

يتجه إليه المريض الذي استعصى مرضه على الأطباء ويدعوه آملاً في الشفاء. ويتجه إلى المكروب يسأله الصبر والرضا، والخلف من كل فائت، والعوض من كل مفقود الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ [البقرة:156]. ويتجه إليه المظلوم آملاً يوماً قريباً ينتصر فيه على ظالمه، فليس بين دعوة المظلوم وبين الله حجاب.

يتجه إليه المحروم من الأولاد سائلاً إياه أن يرزقه ذرية طيبة قَالَ رَبّ إِنّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِن وَرَائِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً يازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً [مريم:4-7].

وكل واحد من هؤلاء آمل في أن يجاب إلى ما طلب. ويحقق له ما ارتجى، فما ذلك على قدرة الله ببعيد وما ذلك على الله بعزيز. أي سكينة يشعر بها المؤمن حين يلجأ إلى ربه في ساعة العسرة ويوم الشدة فيدعوه بما دعا محمد صلى الله عليه وسلم من قبل: ((اللهم رب السماوات السبع. ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء. فالق الحب والنوى. منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغنني من الفقر))، فهو سلوة الطائعين وملاذ الهاربين. وملجأ الخائفين.

قد يعطى الإنسان أموالاً. وقد يمنح عقاراً، وقد يرزق عيالاً. وقد يوهب جاهاً، وقد ينال منصباً عظيماً أو مركزاً كريماً. قد يحف به الخدم ويحيط به الجند وتحرسه الجيوش وترضخ له الناس. وتذل له الرؤوس ولكنه مع ذلك كله فقير إلى الله، محتاج إلى مولاه ياأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].

إن لذة الحياة، ومتعة الدنيا، وحلاوة العمر، وجمال العيش وروعة الأنس، وراحة النفس هي في شعور الإنسان بفقره إلى الديان. ومتى غرس في القلب هذا الشعور، ونقش في الفؤاد هذا المبدأ فهو بداية الغنى، وانطلاقة الرضا، وإطلالة الهناء، وإشراقة الصفاء، وحضور السرور ومواسم الحبور.

حقيقة غنى المرء في الحياة أن يعيش فقيراً إلى الله، وهذه هي حقيقة العبودية وخلاصة التقوى، فالمرء في صلاته، في ركوعه، في سجوده، في دعائه، في كل عباداته يعلن الخضوع لله والاستسلام له والتذلل بين يديه والافتقار إليه، إن الفقر أن يكون المرء بأ حاسيسه ومشاعره ووجدانه مفتفراً إلى الله تعالى، ولا يعني ذلك أن يعيش المرء فقيراً من أمر الدنيا فيترك السعي فيها ويرفض اكتساب الرزق وجمع المال وعمارة الحياة، ويظن أن ذلك هو الافتقار الحقيقي، فقد يكون المرء من أكثر الناس مالاً وأوفرهم عيالاً وأعظمهم ثروة، ومع ذلك هو شديد الافتقار إلى العزيز الجبار. فالفقر الحقيقي هو دوام الافتقار إلى الباري في كل شيء.

وأن يشهد الإنسان في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وفقراً ملحّاً إلى الله تعالى وإلى لطفه وكرمه وعنايته وحفظه وتيسيره وتدبيره، وأن هذا الفقر إلى الله تعالى هو حقيقة الغنى وأصل العزة في الدنيا والآخرة. لا يزداد به المرء إلا رفعة ـ ولا ينال به إلا عزاً ـ ولا يجني منه إلا فضلاً. فهل يكون فقيراً من استغنى بالله جل وعلا ؟ وهل يكون فقيراً من كان الله معه والله ناصره والله معينه والله حافظه.

لقد تجرأ اليهود كعاداتهم في قلة الحياة، وسوء الأدب وشناعة الأعمال ووقاحة الأقوال، فقالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، قالوها ومضوا لشأنهم غير مبالين بفظاعتها ولا مهتمين لشناعتها ـ ولا مكترثين لهولها ـ ولكنها مرصودة لهم ـ مسجلة عليهم ـ مسطورة في سجل قبائحهم.

لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الاْنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181]. ولم يحفل القرآن بالرد على هذه المقولة ولم يستعرض الأدلة في دحضها وإبداء زيفها وكشف عوارها فهي أقل من ذلك.

وليس يصح في الأذهان شيء……إذا إحتاج النهار إلى دليل

بل جاء بعدها الحديث عن عدد من مساوئ اليهود وبعض من قبائلهم، وطرف من نقائصهم وخياناتهم.

ثم ماذا في ختام الحديث عن ذلك جاءت إشارة عابرة، وآية موجزة فيها الرد على كل الباطل، والجواب أحسن الجواب فقال تعالى: الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء شَهِيدٌ [البروج:9]. فمن يملك السماوات والأرض وما فيهن ومن فيهن وهو على كل شيء قدير هل يكون فقيراً؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

أين هؤلاء السفلة من عظمة نبيهم موسى عليه السلام حينما خرج خائفاً يترقب فلما ورد ماء مدين وسقى للمرأتين ثم تولى إلى الظل الظليل. لم ينسه ذلك الظل ظلاً أعظم ومأوى أكرم. ولطفاً أشمل، ورعاية أكمل، فلبس ثوب الفقر، وارتدى جلباب الفاقة وأعلن حالة المسكنة ورسم لوحة الذل. في عبارات حانية وكلمات هادئة ومناجاة صادقة فَقَالَ رَبّ إِنّى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24]. فقير إلى كرمك فقير إلى جودك، فقير إلى أحسن عطائك في الدنيا والآخرة.

لقد لجأ الفقير إلى الغني الحميد والركن الركين. والظل الظليل، فسمعت الدعوة وأجيب النداء، وأغدق العطاء في طرفة عين ولمحة بصر: فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [القصص:25].

إن دعوة هذا الشيخ الكبير جاءت استجابة من السماء لدعاء موسى الفقير، فنال من خير الدنيا وحسن ثواب الآخرة.

يا من يرى ما في الضمير ويسمع……أنت المعد لكل ما يتوقع

يا من يرجى للشدائد كلها……يا من إليه المشتكى والمفزع

يا من خزائن رزقه في قول كن……امنن فإن الخير عندك أجمع

ما لي سوى فقري إليك وسيلة……فبالإفقار إليك فقري أدفع

ما لي سوى قرعي لبابك حيلة………فلئن رددت فأي باب أقرع

من ذا الذي أدعو وأهتف با سمه………إن كان فضلك عن فقير يمنع

حاشا لجودك أن تقنط عاصياً……الفضل أجزل والمواهب أوسع

قال تعالى: مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ [السجدة:4]. أين الولي من دونه جل وعلا؟ وأين الشفيع؟ وأين النصير؟ وهو سبحانه المسيطر على العرش والسماوات والأرض وما بينهما، وهو فالق السماوات والأرض وما بينهما، فأين الولي أو الشفيع الخارج على سلطانه؟ أفلا تذكرون.

إن تذكر هذه الحقيقة يرد القلب إلى الافتفار إلى الله. واللجوء إليه وحده دون سواه.

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن افتقاره إلى الله وشدة حاجته إليه وعدم غناه عن فضله أو لطفه ولو لطرفة عين. ويدعوه أن لا يكله إلى نفسه، يلجأ إليه في السراء والضراء وينطرح بين يديه في النعماء والبأساء.

وما أحسن ما قاله ابن القيم رحمه الله مصوراً هذا الافتقار فقال: "لما كمل للرسول صلى الله عليه وسلم مقام الافتقار إلى الله سبحانه أحوج الخلائق كلهم إليه في الدنيا والآخرة … أما حاجتهم إليه في الدنيا فأشد من حاجاتهم إلى الطعام والشراب والنفس الذي به حياة أبدانهم. وأما حاجاتهم إليه في الآخرة فإنهم يستشفعون بالرسل إلى الله حتى يريحوهم من ضيق مقامهم. فكلهم يتأخر عن الشفاعة فيشفع لهم، وهو الذي يستفتح باب الجنة".

كان شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله على جلالة قدرة ووفرة علمه إذا مدح أو أثني عليه يتأثر تأثراً بالغاً ويقول: "ما لي شيء، ولا مني شيء، وليس عندي شيء"، ومن أبياته رحمه الله:

أنا الفقير إلى رب البريات…أنا المسكين في مجموع حالاتي

لا أستطيع لنفسي جلب منفعة…ولا عن النفس لي دفع المضرات

وليس لي من دونه مولاً يدبرني…ولا شفيع إذ حاطت خطيئاتي

ولست أملك شيئا دونه أبداً……ولا شريك أنا في بعض ذرات

والفقر لي وصف ذات لازم أبداً……كما الغنى أبداً وصف له ذاتي

والحديث موصول بإذن الله حول الافتقار إليه وعظمته جل جلاله وأسمائه وصفاته سبحانه وبحمده.


شباب الإسلام الناشئون في طاعة ربهم





شباب الإسلام الناشئون في طاعة ربهم

-----------------------

زينة الحياة الدنيا. وعدة الزمان بعد الله شباب الإسلام. الناشئون في طاعة ربهم، لا تكاد تعرف لهم نزوة, أو يعهد عليهم صبوة، يستبقون في ميادين الصالحات، أولئك لهم الحياة الطيبة في الدنيا، ولهم الظل الظليل يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظل المولى عز وجل.

إن العناية بالنشء مسلك الأخيار وطريق الأبرار ولا تفسد الأمة وتهلك في الهالكين إلا حين تفسد أجيالها، ولا ينال الأعداء من أمة إلا نالوا من شبابها وصغارها، وفي كتاب الله إخبار من أنبياء الله حين توجهوا إلى ربهم بصلاح ذرياتهم من قبل وجودهم ومن بعد مجيئهم، فمن دعاء زكريا عليه السلام رَبّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء [آل عمران:38]. ولا خير في ذرية إن لم تكن طيبة، ويقول إبراهيم عليه السلام وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاْصْنَامَ [إبراهيم:35]. وفي دعاء آخر له رَبّ اجْعَلْنِى مُقِيمَ الصلاةِ وَمِن ذُرّيَتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء [إبراهيم:40]. وكل صالح من عباد الله يبتهل إلى ربه رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى والِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرّيَّتِى إِنّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنّى مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف:15].

من الشباب ينشأ العلماء العاملون، والجنود المجاهدون وفيهم الصناع والمحترفون، إذا صلحوا أسعدت بهم أمتهم، وقرت بهم أعين آبائهم وأمهاتهم، وامتد نفعهم وحسنت عاقبتهم جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24].

ولقد رسم النبي صلى الله عليهم وسلم فيما رسم منهجاً واضحاً لشباب الأمة المحمدية ممثلاً في ابن عمه الغلام عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث قال: ((يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله لك...)) الحديث.

إن أول لبنة في بناء الشباب لبنة العقيدة، ورسوخ الإيمان وصدق التعلق بالله وحده والاعتماد عليه، إن أولها حفظ الله بحفظ حقوقه وحدوده، ومن ثم الاستعانة به وحده في الأمور كلها والتوكل عليه واليقين الجازم بأنه بيده سبحانه الضر والنفع، يأتي كل ذلك أيها الأخوة ليكون دافعاً للشباب، وهو في فورته وطموحه وتكامل قوته، ليكون قوي العزيمة عالي الهمة.

وإن شباب الإسلام اليوم بحاجة إلى المعرفة التامة بالعزائم من الأمور، والعالي من الهمم، إن قوي العزيمة من الشباب - أيها الشباب- من تكون إرادته تحت سلطان دينه وعقله، ليس عبداً لشهواته، فتعس عبد الدنيا والدرهم.

إن الشهوات والعواطف، وحب الراحة وإيثار اللذات هو الذي يسقط الهمم، ويفتر العزائم، فكم من فتيان يتساوون في نباهة الذهن وذكاء العقل، وقوة البصيرة، ولكن قوي الإرادة فيهم وعالي الهمة فيهم، ونفاذ العزيمة فيهم هو الكامن المتفوق يجد ما لا يجدون، ويبلغ من المحامد والمراتب ما لا يبلغون.

بعد ذلك أقول يا شباب كم أحزنني وآلمني منظر متكرر لشباب المسلمين وهم يتجمهرون أمام الجامع بين أذان وصلاة المغرب خارجين من ملعب الكرة والناس يمرون عليهم خارجين من بيوتهم إلى بيوت الله، وكأن الأمر لا يعنيهم، بل تجدهم في لهو وصفير وضياع وغفلة، عندها تذكرت حال شباب الأمة الصادقين وعلمت علم اليقين نجاح أعداء الملة في الكيد لشبابنا وإبعادهم عن معالي الأمور إلى سفاسفها والله المستعان.

الناس تسهر عندها ……مبهورة حتى الصباح

غط الجميع بنومهم ……فوز الفريق هو الفلاح

كرة القدم

أمضى الجسور إلى العلا ……بزماننا كرة القدم

تحتل صدر حياتنا ……وحديثها في كل فم

وهي الطريق لمن ……يريد خميلة فوق القمم

أرأيت أشهر عندنا ……من لا عبي كرة القدم

أهم أشد توهجاً أم ……نار برق في علم

لهم الجباية والعطاء ……بلا حدود والكرم

لهم المزايا والهبات ……وما تجود به الهمم

كرة القدم

الناس تسهر عندها ……مبهورة حتى الصباح

وإذا دعا داعي الجهاد …وقال حي على الفلاح

غط الجميع بنومهم ……فوز الفريق هو الفلاح

فوز الفريق هو السبيل……إلى الحضارة والصلاح

كرة القدم

صارت أجل أمورنا ……وحياتنا هذا الزمن

ما عاد يشغلنا سواها ……في الخفاء وفي العلن

أكلت عقول شبابنا ……ويهود تجتاح المدن

آه ثم آه، ماذا يراد بشباب الأمة: يا شباب أتدرون من أول من سل سيفه في سبيل الله. اسمع رعاك الله.

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: "عن عروة قال: أسلم الزبير ابن ثمان سنين، ونُفخت نفخة من الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام ابن اثنتي عشرة سنة بيده السيف، فمن رآه عجب وقال: الغلام معه السيف، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما لك يا زبير، فأخبره وقال: أتيت أضرب بسيفي من أخذك، فدعا له ولسيفه))"، يا شباب: على مثل سير هؤلاء فلتكن التربية، فلتكن القدوة، فلتكن الهمة، فليكن الشموخ والاستعلاء.

ذهب اللذين نحبهم …فعليك يا دنيا السلام

لا تذكري العيش عندي…بعدهم فالعيش بعدهم حرام

إني رضيع وصالهم …والطفل يؤلمه الفطام

ما كان يشغل بال ابن عباس رضي الله عنهما وهو صبي (ابن عشر سنين) إلا معرفة كيفية قيام النبي صلى الله عليه وسلم, وأعد يوماً وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الليل فدعا له: ((اللهم فقهه في الدين)) وصار بهذا الدعاء- الذي ناله وهو صبي- حبر الأمة وترجمان القرآن.

يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: لقد شهدت بدراً وما في وجهي شعرة واحدة أمسحها بيدي.

وقد كان سعد من السابقين إلى الإسلام، وقد كان قتل فرعون هذه الأمة أبو جهل لعنه الله على يد غلامين من الأنصار.

وتذكر يا شباب الإسلام ما فعله محمد بن القاسم الثقفي ابن السابعة عشرة من العمر الذي فتح بلاد الهند والسند:

ساس الجيوش لسبع عشرة حجة……ولداته عن ذاك في انشغال

فغدت بهم أهواؤهم وسمت به……همم الملوك وسورة الأبطال

وهذا عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، ابن الخليفة رحم الله تلك العظام، كان نعم المعين لوالده على مرضاة الله, وعلى تحمل هموم الأمة وتبعات الخلافة.

ذكر الآجري رحمه الله: (في كتاب فضائل عمر بن عبد العزيز) أن عمر لما دفن سليمان بن عبد الملك خطب الناس ونزل ثم ذهب يتبوأ مقيلاً، فأتاه ابنه عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين من لك أن تعيش إلى الظهر؟ قال: ادن مني أي بني، فدنا منه والتزمه، وقبل بين عينيه، وقال: الحمد الله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني، فخرج ولم يقيل.

جمع عمر بن عبد العزيز قراء أهل الشام وفيهم أبو زكريا الخزاعي فقال: إني جمعتكم لأمر قد أهمني، هذه المظالم التي في أيدي أهل بيتي (يعني بذلك عطايا لأهل بيته قد أعطيت لهم من أبناء عمه من الخلفاء قبله).

يقول رحمه الله: قد أهمتني هذه المظالم التي في أيدي أهل بيتي، ما ترون فيها؟ قالوا: ما نرى وزرها إلا على من غصبها، قال: فقال لعبد الملك ابنه: ما ترى أي بني؟ قال: ما أرى من قدر على أن يردها فلم يردها والذي اغتصبها إلا سواء.

فقال: صدقت أي بني، ثم قال: الحمد الله الذي جعل لي وزيراً من أهلي، عبد الملك ابني.

هذا العابد الرباني مات وعمره تسعة عشر عاماً، مات شاباً في زهرة شبابه قال ابن رجب رحمه الله "لقد كان رحمه الله مع حداثة سنه مجتهداً في العبادة، ومع قدرته على الدنيا وتمكنه منها راغباً عنها مؤثراً للزهادة، فعسى الله أن يجعل في سماع أخباره لأحد من أبناء جنسه أسوة، لعل أحداً كريماً من أبناء الدنيا تأخذه بذلك حمية على نفسه ونخوة، وأيضاً ففي ذكر مثل أخبار هذا السيد الجليل مع سنه، توبيخ لمن جاوز سنه وهو بطّال، ولمن كان بعيداً عن أسباب الدنيا وهو إليها ميال".

اعلموا أنكم في زمن فتنة وبلاء، واعلموا أن بعض الآباء قد شغلوا عنكم بل ربما أعانوكم على الوقوع في الفتنة والحرام، ولكن اعلم رعاك الله أن عليك مسؤولية عظيمة، فنحن نعيش في زمن سلبت فيه أغلى المقدسات وتسلط فيه الأعداء، فمتى يفيق النائمون؟! وهل بقي شيء من الذل لم نتجرعه على أيدي إخوان القردة والخنازير؟! وا لهفي على الأرض المباركة وعلى الأقصى السليب في الوقت الذي تدك الدبابات أرض الإسراء والمعراج صباح مساء، ويعاني إخواننا في الدين هناك أشد ألوان الحصار والبلاء، ويتسارع الأطفال العزل من السلاح لمقارعة اليهود بكل بسالة وتضحية وفداء.

أخرج من بيتي فأرى بين الأحياء فئاماً من شباب الأمة يسهرون على المنكرات والعبث واللهو فيالجراحات المسلمين، وعلى قدر حال شباب الأمة توزن الأحوال والله المستعان.

أدهى من ذلك وأمر ما كنا لنصدق لو لا أنها حقائق، أن من أحفاد العظماء النجباء من وقع في حبائل وشباك المخدرات فلا تسل بعد ذلك عن ضياع الدين والعقل والمروءة والحياء.

مازلت متفائلاً وسأظل متفائلاً مهما عظم كيد الأعداء، فالجبار جل جلاله يقول: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18]. وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَالٍ [غافر:25]. نعم من آلامنا تبزغ آمالنا، والرجال تصنعهم المحن، وابتسامة الفجر الوليد تبزغ من أشد ظلمة في الدياجي.

أعرف بعض إخوانكم من شباب هذا العصر ممن جرفه تيار الشهوات لكنه استفاق سريعاً يوم أن سمع صوت النذير ويوم أن رأى وسمع بواقع أمته الجريحة، فما أحوج الأمة اليوم إلى نهضة شبابها، ما أحوج الأمة إلى المجاهدين الصادقين والعلماء المخلصين والدعاة المتجردين.

استيقظ هؤلاء الشباب واستيقنوا بما يكاد لهم وما يخطط لتغييبهم عن دينهم وواقع أمتهم الجريحة، انتبه أولئك الأبطال فغاروا لمحارم الله وغاروا لأعراض المسلمين، فعادوا إلى حيث الأصل، إلى الراحة والطمأنينة، إلى العزة والشموخ، وسبحان ربي، إن الإيمان يصنع الرجال ويسمو بهم صعداً، منهم من أوقف حياته في سبيل الدعوة إلى الله يجوب الأرض شرقاً وغرباً، ومنهم من فتح الله عليه علماً وفضلاً، فنفع الله به البلاد والعباد، ومنهم من نفر للجهاد في سبيل الله، فسطروا على أرض الشيشان وكشمير وغيرها صوراً عظيمة وجميلة للتضحية والفداء، وتلك الأشبال من أولئك الأسود، وليس ذلك بغريب على أمة الجهاد والإٍيمان.

أعرف من قتل منهم وهو يودع الدنيا بابتسامة عريضة جميلة ظلت على محياه آية وعبرة وكرامة، وأعرف من ودع الدنيا منهم في عز شبابه في التاسعة عشرة من عمره، والنور يشع من على وجهه وإصبع اليد المسبحة يشهد لله بالوحدانية، فيجد أخوه بجانبه ورقة من المصحف فيقرؤها فإذا فيها قوله تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90]. إي والله إنها حقائق، فسبحان من عظم كرمه وجوده أن يحيط به الخلائق، وسبحان من يري عباده عجائب قدرته وغير ذلك كثير وكثير.

إنهم فتية الإسلام:

وقفوا على هام الزمان رجالا …يتوثبون تطلعاً ونضالا

وحي السماء يجيش في أعماقهم …ونداؤه من فوقهم يتعالى

باعوا النفوس لربهم واستمسكوا …بكتابه واستقبلوا الأهوالا

في وقدة الصحراء في فلواتها…حملوا تكاليف الجهاد ثقالا

تشوي على رمضائها أجسامهم …لكنهم لا يعرفون محالا

تذكروا قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم)) وعن حفصة بنت سيرين قالت: يا معشر الشباب اعملوا فإني رأيت العمل في الشباب

نكبات وأزمات مرت بأمة الإسلام على مر تاريخها




نكبات وأزمات مرت بأمة الإسلام على مر تاريخها

-----------------------

الحمد لله على إحسانه وأشكره على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, تعظيماً لألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته, وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله, الداعي إلى جنته ورضوانه, فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وعلى أصحابه, وسلم تسليماً مزيداً.

لقد مرت الأمة في تاريخها الطويل بأزمات كثيرة بل بنكبات عديدة كان المسلمون يفقدون فيها تمكنهم في الأرض أحياناً, وأحايين كثيرة كانوا يفقدون أمنهم وطمأنينتهم! وأحيانا كانوا يفقدون ديارهم وأموالهم!.

وهكذا الفتن والمصائب والنكبات إذا نزلت بالأمم وحلّت بالشعوب! لكن الأمة الإسلامية -مع ما سبق ذكره- لم تمر بتجربة أقسى ولا وضع مؤلم ولا واقع مشين أقسى من تجربتها ووضعها وواقعها الحالي! فـ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعون [البقرة:156].

إليكم نماذج وأمثلة من نكبات وأزمات مرت بأمة الإسلام على مر تاريخها, ثم كيف اجتازتها وخرجت منها, لنصل إلى أزمتنا الحالية, وما السبب في بقاء الأمة هذه الفترة الطويلة من الزمن دون مخرج؟!

فنبدأ بأزمة الردة:

حينما ارتدت قبائل عن الإسلام في زمن خلافة الصديق !

أزمة حادة ولا شك! دولة الإسلام كانت دولة ناشئة, دولة طريَّة, وكان أمامها عقبات كثيرة يطلب منها أن تجتازها! فتأتي قبائل بأكملها –كانت قد دخلت في الإسلام وكان يؤمل عليها أشياء وأشياء- فإذا بالخبر أنها قد ارتدت عن الدين ورجعت كافرة مشركة بعد أن كانوا مسلمين!

أزمة مرت بالمسلمين! لكن منذ بدايتها وفي أول لحظة منها لم يخالج الصحابة أدنى شك في أن النصر سيكون للدولة المسلمة وليس للمرتدين هنا أو هناك!

لماذا أيها الأحبة؟ وما هو السبب؟

السبب هو أن صلتهم بربهم وإخلاصهم لدينه وصدقهم مع الله كان أضعاف أضعاف إيمان المرتدين بباطلهم المزيف الذي يقاتلون من ورائه, مع خلو موقفهم من أية قيمة حقيقية إلا الهوى والشهوات!

وما كان من جزع الصحابة –رضي الله عنهم- ومشورتهم على أبي بكر -- بالتريث في قتالهم, لم يكن ذلك لشك في نفوسهم أن الله سينصر دينه. إنما كانت مشورتهم من أجل إتاحة الفرصة لتجميع الجيش الكافي للمعركة!.

ولكن إيمان أبي بكر الراسخ -- وثقته العميقة بوعد الله بالتمكين لهذا الدين في الأرض, وحساسيته المرهفة أن يترك الخارجين على أمر الله دون أن يسارع في توقيع العقوبة التي أمر الله بإنزالها بهم, كل ذلك قد فعل فعله في نفوس الصحابة –رضي الله عنهم- فوقفوا صفاً واحداً خلف أبي بكر, ونصر الله دينه كما وعد! ومرت الأزمة بشكل طبيعي!!

تأتي أزمة ثانية:

فتنة مقتل عثمان ! –خليفة المسلمين, أمير المؤمنين-

الحاكم يُقتَل في بيته من بين أهله وعلى مرأى ومسمع من الناس!! والصحابة حضور يشهدون الحادثة!!

إنها أزمة حادة ولاشك! ابتلي بها المسلمون والدولة ما تزال في نشأتها, وعداوات الأرض قائمة من حولها!

لكن الناظر إلى مجريات الأمور يومئذ يرى أن هذه الأزمة أيضا مرَّت ولم يحصل شرخ في الدولة!

ما السبب؟

السبب: هو أن الخلاف الذي حصل بين المسلمين –على كل عمقه, وعلى كل ما أثاره من فُرقة في صفوفهم- كان خلافاً على "من يتولى الأمر ليمكن للإسلام في الأرض", ولم يكن خلافاً على الإسلام ذاته!.

انتبه!

لم يكن خلافهم على الإسلام ذاته: "هل يصلح أن يكون قاعدة حياتهم أو لا يصلح؟ هل نحكم به أو لا نحكم؟ هل نأخذه كله أو بعضه؟".

هذه القضايا كانت محسومة عندهم!!

ولهذا: عندما تأتي أزمة كهذه: "قتل ولي أمر المسلمين", لا يمكن أن يسبب ذلك سقوطاً للدولة, أو شرخاً في نظام الحكم! فيعالج الأمر فتعود المياه إلى مجاريها!

لأنه ما تزال نفوسهم مشبعة بالإيمان, وقناعتهم بالإسلام بأنه منهج حياة!!

مثال ثالث:

أزمة الحروب الصليبية وحروب التتار التي عصفت بالأمة وقتاً من الزمن!

كانت أزمة حادة في حياة المسلمين, وبدا أنها يمكن أن تطيح بالكيان الإسلامي كله وأن تجتث المسلمين من الأرض!

لكن ماذا كانت النتيجة؟ ماذا كانت النتيجة؟

كانت النتيجة الواقعية غير ذلك, وجاء النصر من عند الله في النهاية.

أما البداية فقد هزم المسلمون أمام أعدائهم الصليبيين! لأن واقعهم كان واقعاً سيئاً, مليئاً بالمعاصي والبدع والخرافات والانحرافات والشتات والفرقة والانشغال بالدنيا عن نصرة دين الله والتمكين له في الأرض, لذلك اجتاحت جيوش الأعداء أراضي المسلمين وأزالت سلطانهم إلى حين!

لكن في النهاية جاء نصر الله –عز وجل-!

لماذا؟

لأن جذوة العقيدة كانت ما تزال حية في النفوس! وإن غشيتها غاشية من التواكل والسلبية أو الانشغال بشهوات الأرض.

فما إن تحرك العلماء وجاء القادة المخلصون الذين يردون الناس إلى الجادة بدعوتهم للرجوع إلى حقيقة الإسلام حتى صحت الجذوة واشتعلت!

قام صلاح الدين الأيوبي –رحمه الله تعالى- يقول للناس: لقد هزمتم لبعدكم عن طريق الله! ولن تنصروا حتى تعودوا إلى الطريق!

وقام شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- يدعو لتصحيح العقيدة مما طرأ عليها من غبش المتكلمين وضلالاتهم, ومن تأويل الفرق وتحريفاتهم!

وصاح قُطُز –رحمه الله تعالى- صيحته الشهيرة: "وا إسلاماه!".

وتبعتهم جماهير الأمة المسلمة, فصدقت الله في عقيدتها وسلوكها وأخلاقها! فجاء نصر الله –جل جلاله- وتغلب المسلمون على أضعافهم من المشركين والكفار!

قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].

فأولئك غيروا ما بأنفسهم فغير الله حالهم من هزيمة وذلة إلى نصر وعزة!

وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8].

مثال رابع:

أزمة الأندلس!

أقام المسلمون دولة في أرض الأندلس, بهرت الشرق والغرب, حيَّرت القريب والبعيد في منجزاتها وحضارتها وإدارتها!

لكن ما هي إلا سنوات وتسقط هذه الدولة, عقاباً ربانياً للمسلمين, على تفرقهم في نهاية الأمر وتشتتهم وحرب بعضهم لبعض, بل وتعاونهم مع أعدائهم من الصليبيين ضد بعضهم البعض، واتخاذ أولئك الأعداء الكفار بطانة من دون المؤمنين –مخالفة لأمر الله جل وعز-, وهم لا يألونهم خبالاً, بالإضافة إلى الفتنة بشهوات الأرض, المباح منها وغير المباح!

ومن عقوبة الله جل وتعالى: أن الأندلس لم تعد إلى حظيرة الإسلام! وخرج المسلمون من الأندلس, وقُتل منهم من قتل، وسبي منهم من سبي!

لكن كل هذه الأزمة –على حدتها وعلى شدتها وضراوتها- هل قضت على المسلمين؟

الجواب: لا!

الجواب: لا, فإن طاقة الأمة في مجموعها لم تكن قد استنفذت! ففي ذات الوقت الذي انحسر فيه ظل الإسلام عن الأندلس: كانت هناك دولة قوية فَتِيَّة شابة في سبيلها إلى التمكن في الأرض, وهي الدولة العثمانية!

وفعلاً, استطاع المسلمون الأتراك أن يقيموا دولة إسلامية تحفظ كيان المسلمين أربعة قرون كاملة!

أربع مائة سنة أرعبت دول الغرب في ذلك الوقت وأحيت فريضة الجهاد في سبيل الله! وامتدت داخل العالم الصليبي حتى وصلت إلى "فينَّا"! ودخل في الإسلام على يديها ملايين من البشر في أوروبا وآسيا على السواء!

إن ما ذُكرَ مجرد أمثلة سريعة من بعض مصائب وأزمات الأمة على مر تاريخها الطويل, وكيف أنها اجتازت كل هذه العقبات وكل هذه المعوقات!

نأتي إلى الفترة الحالية التي تمر بها الأمة!

هذه الأزمة التي يعانيها المسلمون اليوم هي أقسى وأشد من جميع الأزمات السابقة من جهة, ومن جهة أخرى: طالت عن سابقتها وصار الناظر يرى أن الفجر بعيد.

عندما وقعت الحروب الصليبية –بين المسلمين والصليبيين- والتي استمرت حوالي مائتي عام, وجاء بعدها غارات التتار على ديار المسلمين: كان المسلمون قد شغلوا عن الإسلام الصحيح ببدع وخرافات ومعاصي, وتواكل وتقاعس وقعود عن الأخذ بالأسباب!.

ولكن الإسلام ذاته لم يكن في نفوسهم موضع نقاش, لا بوصفه عقيدة ولا بكونه نظام حكم أو نظام حياة! وحتى حين كانوا يهزمون أمام الصليبيين أو أمام التتار، ومع ما كان ينزل بهم أعداؤهم من القهر والقتل والخسف, لم يكن صدى الهزيمة في نفوسهم هو الشك في الإسلام! بل كانوا يعتقدون بأن ما أصابهم ما هو إلا لبعدهم عن الدين! كانت تنزل بهم الهزائم والنكبات, لكن لم يكونوا يتطلعون إلى ما عند أعدائهم من عقائد أو أفكار أو نظم أو أنماط سلوك! بل كانوا يشعرون -حتى وهم مهزومون- بازدراء شديد لأعدائهم! كان التتار في حِسِّهم همجاً لا دين لهم ولا حضارة! كان الصليبيون في نظرهم هم الكفار المشركون عباد الصليب, كانوا يرونهم منحلِّي الأخلاق لا غيرة لهم ولا عرض!!.

لذلك لم يهنوا حتى وهم مهزومون أمام أعدائهم فترة غير قصيرة من الزمن, ولم يشعروا أنهم أدنى من أعدائهم! بل كان يتمثل فيهم قول الله تبارك وتعالى: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:139]. وكانوا مؤمنين حقاً!.

إن واقع المسلمين في أزمتهم الحالية وفي بعض نكباتهم المعاصرة –كما قلنا- أشد من كل سابقاتها! لأن الدين نفسه قد تزعزع في نفوسهم!.

هذا هو السبب – !.

تخلخلت العقيدة في القلوب فأصبح الشك في صلاحية الإسلام! وحصل الانبهار بحضارة الغرب وصار الإعجاب بإنجازات الكافر, وفتح باب الاستيراد من الغرب على مصراعيه: نستورد السيارات والأجهزة والأدوات والأثاث ونستورد معه الأخلاق والسلوك والأفكار بل وحتى العقائد ونُظُم الحكم والتشريع! فأصبح هناك مسافات بعيدة جداً بين الإسلام الصحيح وبين واقع المسلمين! عبادات الناس قد تغيرت, أخلاقهم تغيرت, سلوكهم تغير, بل دينهم تغير –والعياذ بالله-, خلت حياة الناس من الروح, وأصبحت الحياة كلها تقاليد موروثة يحافظ عليها من أجل أنها تقاليد، لا من أجل أنه دين, فالعبادة تقاليد, والسلوك تقاليد, وحجاب المرأة -الذي صار كل يوم يتقلص- تقاليد, وقضية العرض – في بعض المجتمعات - أيضاً أصبحت تقاليد!.

لقد عرف العدو في هذه المرة: كيف يغزو العالم الإسلامي؟! لم يستخدم في هذه المرة الدبابات ولا قاذفات النار عبر القارات! استخدم ما يسمى بـ"الغزو الفكري"! ترك الغزو الفضائي والغزو البري, وأحكم قبضته على العالم الإسلامي بالغزو الفكري, وهو: أن يسلط على المسلمين فكره وخلقه وسلوكه, الغزو الفكري: أن يقتنع المسلمون وأن يُقنَع مجتمعات المسلمين بكل ما لديه, الغزو الفكري: أن يجعلك تنظر للغرب بأنه هو الأعلى وأنه هو الأكمل وأن ما عنده هو الأحسن، وتشعر في قرارة نفسك بالذلة والمهانة! فإذا ما حصل هذا, وقد حصل كل هذا, وأكثر من ذلك مع كل أسف؛ سلم المسلمون ديارهم وأموالهم للغرب يلعبون فيه كيفما شاءوا, ويأخذون ما شاءوا, دون حسيب ولا رقيب, وصارت خيرات هذه الأمة تستنزف لتصب في جيوب وبطون أعدائها!.

وهل توصل الغرب -يا عباد الله- إلى ما توصل إليه في يوم وليلة؟ بالتأكيد: أنه لا, لكن الأهم من هذا: معرفة بعض طرقه الذي استخدمها للتوصل لمراده!

من هذه الطرق والوسائل: أنه سُلِّط على العالم الإسلامي إعلاماً متكاملاً, مقروءاً ومسموعاً ومشاهداً, وكله يصب في قناة واحدة؛ تقبُّل فكر وخلق وسلوك الغرب وإظهاره بمظهر الأفضل, وانتقاد كل ما له تعلق بالدين من جهة أخرى!.

مرة؛ عبر مقالة لمن يهوى القراءة, ومرة عبر أغنية لمن يهوى الاستماع, ومرة بل ومرات عبر تمثيليات ومسرحيات ساقطة تقوم على العشق والحب والغرام, وتهدم أخلاق وقيم الإسلام في نفوس الناشئة الذين يتلَقَّوْن هذا السيل الجارف!.

ورغم كل ما خرب الغربُ وهدم ودمر في ديار المسلمين لم يقتنع بعد وصار بعد كل فترة يخرج لنا بجديد لإيصال نتنه وزبالة فكره وخلقه لمجتمعات المسلمين! وخرج لنا في السنوات الأخيرة بهذه الأطباق التي وضعها عدد غير قليل من المسلمين فوق بيوتهم إعجاباً بها وانبهاراً بما تنقله وتدخله في كل بيت! فأصبح الغرب وهو في مكانه وعبر هذه القنوات يدخل في بيوت المسلمين ما يشاء من فكر وخلق وسلوك ودين, لا يمر على رقابة إعلامية ولا غير إعلامية, ويربي كل من في هذه البيوت التربية التي يريدها!.

واليوم جاءت شبكات الإنترنت بالإباحية والعري الفاضح! وقد بلغ عدد المواقع الإباحية على هذه الشبكة أكثر من نصف مليون موقع! أكثر من نصفها تهتم بالشذوذ والرذيلة والعياذ بالله!

إن هذه الشبكات بوضعها الحالي تمثل خطراً داهماً على دين الأمة وعقيدتها وأخلاقها وعاداتها!.

وما مقاهي الإنترنت المنتشرة في كل شارع وزاوية إلا أوكار للفساد وبيوت للدعارة!.

فتأملوا إلى أي حد وصل بعض التجار النفعيين عندنا حتى بدؤوا يتاجرون بدين الأمة وأخلاق شبابها بل وشاباتها! وأظن أن بعض أولياء الأمور لا يعلمون أن هناك عدداً من المشاغل النسائية بدأت بتجهيز غرفة خاصة لمن تريد أن تستخدم شبكة الإنترنت! وأصبحت المشاغل أشبه ما تكون بالمنتديات لتجميع الفتيات‍ ،والأب يظن أنها ذهبت للمشغل من أجل إصلاح ملابسها ولم يعلم أنها ذهبت لتذبح أخلاقها وتقتل حياءها!.

وإذا كانت شبكات الإنترنت تشكل خطراً أخلاقياً على المجتمعات الكافرة الإباحية فما بالك بمجتمعاتنا؟! ففي أمريكا تقول إحصائيتهم: أن نسبة 70 من مستخدمي هذه الشبكات يستخدمونها لأغراض جنسية ! هذا وهم في مجتمع متفسخ يجدون الجنس في شوارعهم, وفي واقع حياتهم أكثر من وجوده على الشبكة! فما هي النسبة المتوقعة في مثل مجتمعاتنا؟.

يتوقع –إن لم يتغمدنا الله جل وتعالى بلطفه وبرحمته- أنه في خلال سنوات قليلة يتم غسل أدمغة شباب وشابات الأمة من أبناء المسلمين غسيلاً فكرياً كاملاً؛ يعجبون بكل ما عند الغرب, وتربيهم هذه الدشوش وهذه الشبكات على قلة الحياء وضعف الخلق واللامبالاة ويحرك فيهم الغرائز الجنسية فيخرج علينا جيل ينادي بالإباحية ويحارب الفضيلة كما حصل تماماً في بعض البلدان الإسلامية من قبل ومن بعد! وصار أبناء البلد هم الذين يحاربون الدين والخلق والفضيلة وهم الذين يطالبون أن تخرج المرأة، وهم الذين ينادون ويقولون: أحكام الإسلام فيها شدة. وهم الذين يبحثون عمن يبيح لهم ما حرم الله!

أسألكم –أيها الأحبة- مَن الذي يكتب في هذه المرحلة ويطالِب –مثلاً- بعمل المرأة؟

أليسوا ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا؟

من الذي ينادي بأن تقود المرأة السيارة في بلادنا؟

من الذي يطالب بفتح أندية رياضية للنساء؟

أهم اليهود؟ أهم النصارى؟

إنهم ممن يدعي الإسلام بل وتحت مظلة الإسلام يحارب الدين وأهله!

لقد نجح العدو في هذه المرة بأن جعل أبناء البلد هم الذين يتكلمون بلسانه، ويعبرون عما يريد وتحت لافتة: "في ظل الضوابط الشرعية"

أضف إلى ذلك بأنه لم يغب عن بال أعداء الشريعة وخصوم الملة غطاء رسمي آخر! وتسألني ما هو هذا الغطاء الرسمي الآخر؟

إن صح التعبير: أوجدوا ما يسمى بمشايخ الشاشة ومفتي الفضائيات! أباحوا للناس – والعياذ بالله- أموراً محرمة معلومة من الدين بالضرورة! فهذا يفتي بإباحة الغناء, وآخر يفتي بإباحة أكل الربا من خلال أخذ الفوائد البنكية, وثالث ورابع وعاشر... فتميع أحكام الدين بسبب "مشايخ الفضائيات"!

ثم هذه الجرائم الأخلاقية التي تزعجنا بأخبارها يومياً، وهذه المشاكل التي أيضاً نسمعها يومياً في مجمَّعات تجارية وفي أسواق عامة، وما يحصل بين البنين والبنات ما هي إلا بعض آثار هذه القنوات وهذه الفضائيات, وما هي إلا إرهاصات وإنذار بشيء أخطر من ذلك لا يحمد عقباه –إن لم يتغمدنا الله جل وجلاله برحمته- نسأل الله جل وتعالى الستر والعافية!

إنها حقاً أزمة حادة بل أزمات, يحمل همها العلماء الربانيون, ويحمل همها الدعاة المخلصون, ويحمل همها طلاب العلم العاملون والصالحون الطيبون من أمثالكم, فالوضع بحاجة إلى تكاتف الجميع وشعور الجميع بالمسؤولية وأن نبدأ بإصلاح أنفسنا وبيوتنا وأن نهتم وأن نتابع أولادنا وبناتنا بكل دقة, والثقة الزائدة تكون في كثير من الأحيان سلبية والله المستعان.



وقفة المحاسبة للنفس من أوضح الأدلة على كمال عقل المرء

 

 

 

وقفة المحاسبة للنفس من أوضح الأدلة على كمال عقل المرء

-----------------------

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

ألم تروا إلى التاجر الأريب كيف يقف بين الفينة والفينة متأملاً سير تجارته، متفحصاً مبلغ ربحه وخسارته، متفكراً في أسباب ذلك، باحثاً عن بواعثه، كلِفاً بعوامل رقيه، حذراً من تقهقره وتدهوره.

إنه مثل كل عبد يقظٍ من عباد الله، يجعل لنفسه وهو يسعى في حياته الدنيا ويقطع مراحلها: وقفات يقفها عقب كل شوط من أشواطها، وعند نهاية كل مرحلة من مراحلها، فيرسل نظرات فاحصة متأملة في كل ما يصدر عنه: من الأقوال والأعمال ؛ فيحاسبها أدق الحساب، ويعاتبها أكمل العتاب، وإن لوقفة المحاسبة التي يقفها أولو الألباب مع أنفسهم فوائد عزيزة لا يحدها حد.

فمن فوائد هذه الوقفة المحكمة: وقوف المرء على مواضع الخلل، ومواطن الزلل، وجوانب الإحسان، ومناحي الإتقان، والعمل من بعد ذلك على إنشاء خطة رشد لمنهج سير وسبيل عمل يأخذ به الإنسان نفسه في مستقبل الأيام.

ولا عجب إذن أن كان لنهج المحاسبة مكانه البارز، ومقامه العلي في حياة السلف – رضوان الله عليهم –، تجلى في عملهم به وحثهم عليه وترغيبهم فيه، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يقول: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا) [رواه الترمذي ح (2459)].

وهذا الحسن البصري –رحمه الله- يقول: "المؤمن قوّام على نفسه يحاسبها لله، وإنما شقّ الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة"، ثم يبين –رحمه الله- حقيقة هذه المحاسبة عقب الأعمال: بأن المؤمن يفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه يقول: ماذا أردت بهذا؟ والله، لا أعذر بهذا، ولا أعود لهذا أبداً، -إن شاء الله-.

ألا وإن من أظهر ما تتعين محاسبة النفس عنده هذه الأيام: ما يأخذ به أولو النهى أنفسهم أمام هذه الإجازات التي شارفت على انقضاء، وآذنت برحيل، وإنها لوقفة تتوارد على اللبيب فيها طائفة من التساؤلات المفتقرة إلى صدق الجواب.

فماذا قدم كل امرئ لنفسه ولإخوانه في هذه الأيام الماضيات؟ وهل كانت هذه الإجازة مضماراً لاستباق الخيرات والتنافس في الباقيات الصالحات؟ أم كانت وقتاً لتضخيم الأرصدة من الخطايا وتعظيم خزائن الأعمال من الأوزار؟ وهل كانت فرصة سانحة لاكتساب المعارف، والترقي في مدارج الكمالات النفسية والعقلية والبدنية؟ أم كانت أزمنة تبطّل يضرب فيها الكسل بأطنابه، ويمد عليها الخمول رواقه؟ وهل كان سفر المسافر وارتحاله في البلاد عبرة واستزادة من كل نافع يجمل ويحل؟ أم كانت حلبة سباق إلى كل ما يضر ويحرم؟ وهل كان المجاوز حريصاً في إجازته على أداء الحقوق المترتبة عليه وعلى ذوي رحمه؟! فوصل من قطع، وأصلح ما فسد، ورأب ما انصدع، وقوّى ما وهن، أم كان ممعناً في التقصير، موغلاً في الجفوة، متمادياً في البعد؟!

إنها – أيها الإخوة- وقفة لا مناص لكل حصيف من أن يقفها مع نفسه عقب كل عمل، وعند منتهى كل مرحلة، وفي ختام كل شوط؛ إن أراد أن يستقيم له أمره، ويصلح له حاله، وتسلم له عاقبته وماله؛ فيحظى بالفوز العظيم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

إن وقفة المحاسبة للنفس من أوضح الأدلة على كمال عقل المرء، وتمام حرصه على أسباب سعادته، وبواعث نجاحه من كل ما يأتي وما يذر.

واحرصوا على الاستدامة من هذه المراقبة المحكمة الصادقة – لا سيما – وأنتم تودعون أيام إجازاتكم، وتستقبلون مرحلة جديدة من مراحل أعماركم، وتستأنفون شوطاً آخر من أشواط حياتكم، لا غناء لكم فيهما عن اعتبار وادكار بما مضى وعزم على التصحيح والتخطيط الراشد السديد لما بقي.

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله، فقد أمرتم بذلك من كتاب الله، حيث قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الآل والصحابة والتابعين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.


فالغيبة والنميمة عار ونار


 

 

فالغيبة والنميمة عار ونار

-----------------------

الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والعزة التي لا ترام ولا تضام، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عزيز ذو انتقام، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى دار السلام، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الأئمة الأعلام.

إن كبائر الذنوب هي سبب كل شقاء وشر وعذاب في الدنيا وفي الآخرة، وشر الذنوب والمعاصي ما عظم ضرره، وزاد خطره، وإن من كبائر الذنوب والمعاصي الغيبة والنميمة، وقد حرمها الله في كتابه وعلى لسان رسوله ؛ لأنها تفسد القلوب، وتباعد بينها، وتزرع الشرور، وتورث الفتن، وتجر إلى عظيم من الموبقات والمهلكات، وتوقع بصاحبها الندم في وقت لا ينفع الندم، وتوسِّع شقة الخلاف، وتنبت الحقد والحسد، وتجلب العداوات بين البيوت والجيران والأقرباء، وتنقص الحسنات، وتزيد بها السيئات، وتقود إلى الهوان والمذلة.

فالغيبة والنميمة عار ونار، صاحبها ممقوت، وعلى غير الجميل يموت، تنفر منه القلوب، وتكثر فيه العيوب، قد نهى الله عنها في كتابه تبارك وتعالى بقوله: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظَّنّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات: 12].

وهذا النهي في غاية التنفير من الغيبة، فقد شبه الله المغتاب للمسلم بمن يأكل لحمه ميتًا، فإذا كان المغتاب يكره أكل لحم أخيه وهو ميت، وينفر منه أشد النفور، فلا يأكل لحمه وهو حي بالغيبة والنميمة، فإن الغيبة كأكل لحمه حيًا.

ولو تفكر المسلم في هذا التشبيه لكان زاجرًا عن الغيبة كافيًا في البعد عنها.

ومعنى الغيبة ذكرك المسلم بما يكره في حال غيبته، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((أتدرون ما الغيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذكرك أخاك بما يكره)) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه)) رواه مسلم(1)[1]، أي: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته بأن وقعت في الغيبة المنهي عنها، وإن كان بريئًا مما تقول فيه فقد افتريت عليه.

وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله قال يوم النحر بمنى: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت)) رواه البخاري ومسلم(2)[2].

فاحفظوا ـ أيها المسلمون ـ ألسنتكم من هذه الغيبة الشنيعة، ومن هذه المعصية الوضيعة، فقد فاز من حفظ لسانه من الزلات، وألزم جوارحه الطاعات، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) رواه البخاري ومسلم(3)[3]، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي المسلمين أفضل؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)) رواه مسلم(4)[4]، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: ((أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك)) رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن"(5)[5].

واحذروا عثرات اللسان، ولا تطلقوا له العنان؛ فإن اللسان يوقع في الموبقات والدركات، ويورث الحسرات والآفات، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي قال: ((إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء تكفر اللسان تقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)) رواه الترمذي(6)[6]، وعن معاذ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: ((لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً))، ثم قال: ((ألا أدلك على أبواب الخير؟! الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل))، ثم تلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ حتى بلغ يَعْمَلُونَ [السجدة:16، 17]، ثم قال: ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟!)) قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله))، ثم قال: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟!))، أي: بما يجمع هذا كله، قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، وقال: ((كفّ عليك هذا)) قلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: ((ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"(7)[7].

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم)) رواه أبو داود(8)[8].

فلا تستسهل ـ أيها المسلم ـ إثم الغيبة، ولا تستصغر شأنها، ولا تحتقرها، فذنبها عظيم، وخطرها جسيم، قال الله تعالى: وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15].

وقد كان أبو بكر رضي الله عنه في منزلته في الإسلام يأخذ بلسان نفسه، ويقول: (هذا الذي أوردني المهالك)(9)[9]؛ لتواضعه، وشدة محاسبته لنفسه رضي الله عنه.

فالغيبة فشا ضررها، وكثر خطرها، وصارت مائدة المجالس، وفاكهة المسامرة، وتنفيس الغيظ والغضب والحقد والحسد، وقد يظن المغتاب أنه يستر بالغيبة عيوبه وأنه يضر من اغتابه، وما علم أن أضرار الغيبة وشرورها على صاحبها، فإن المغتاب ظالم، والمتكلَّم فيه مظلوم، ويوم القيامة يوقف الظالم والمظلوم بين يدي الله الحكم العدل، ويناشِد المظلوم ربه مظلمته، فيعطي الله المظلوم من هذا المغتاب الظالم حسنات بقدر مظلمته، أو يضع من سيئات المظلوم فيطرحها على المغتاب بقدر مظلمة الغيبة، في يوم لا يعطي والد ولده حسنة، ولا صديق حميم يعطي صديقه حسنة، كل يقول: نفسي نفسي.

وفي الحديث ((الربا نيف وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة المسلم في عرض أخيه المسلم))(10)[10].

عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي قال: ((من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)) رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"(11)[11].

فانهوا المغتابين عن أعراض المسلمين؛ لئلا يسيئوا إلى أنفسهم وإلى غيرهم، قال الله تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70، 71].

قال الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:16-18].

إن الغيبة والنميمة كبيرة من الكبائر، زينها الشيطان للإنسان، فوقع بها في شراكه ومكره، وظلم بها المسلم نفسه.

وإن النميمة نوع خبيث من أنواع الغيبة، فالنميمة نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم، قال الله تعالى في ذم النمام: وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ [القلم:10، 11]، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا يدخل الجنة نمام)) رواه البخاري ومسلم(12)[1].

إن أهل العلم بينوا أنه يجوز للمظلوم أن يذكر ظلامته لولي الأمر، من أمير أو قاضٍ أو نحوهما، ويجوز لمن رأى منكرًا أن يرفعه لمن له ولاية وقدرة على التغيير وزجر العاصي، ويجوز للمستفتي أن يذكر ما وقع عليه من ظلم للمفتي؛ ليبين له وجه الحق في الفتوى، ويجوز لمن شاورك في أحد أن تذكر له بعض حاله من العيوب، ولا يجوز أن تخفي عنه ما يوقعه في الغرر والخديعة؛ فإن المستشار مؤتمن، فهذه الأنواع كلها تباح فيها الغيبة.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم...

__________

(1) أخرجه مسلم في البر، باب: تحريم الغيبة (2589).

(2) أخرجه البخاري في الحج (1741)، ومسلم في القسامة (1679).

(3) أخرجه البخاري في الرقاق (6474)، ولم يخرجه مسلم.

(4) أخرجه ومسلم في الإيمان (42)، وهو أيضا عند البخاري في الإيمان (11).

(5) أخرجه الترمذي في الزهد (2406)، وأخرجه أيضا أحمد (4/148)، والطبراني في الكبير (17/270)، والبيهقي في الشعب (805)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3331).

(6) سنن الترمذي: كتاب الزهد، باب: ما جاء في حفظ اللسان (2407)، وأخرجه أيضًا أحمد (3/95)، والطيالسي (2209)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1962).

(7) سنن الترمذي: كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة (2616)، وأخرجه أيضًا أحمد (5/231)، والنسائي في الكبرى (11394)، وابن ماجه في كتاب الفتن، باب: كف اللسان في الفتنة (3973)، وصححه الحاكم (2/447)، وهو في صحيح الترمذي (2110)، وانظر: السلسلة الصحيحة (1122).

(8) سنن أبي داود: كتاب الأدب (4878)، وأخرجه أيضًا أحمد (3/224)، والبيهقي في الشعب (6716)، وصححه الضياء في المختارة (2286)، وهو في صحيح أبي داود (4082).

(9) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت (13)، والبزار (1/163)، والبيهقي في الشعب (4947).

(10) 10] أخرجه الطبراني في الأوسط (7/158) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، قال الهيثمي في المجمع (4/117): "فيه عمر بن راشد وثقه العجلي وضعفه الجمهور"، وله شواهد منها حديث ابن مسعود أخرجه الحاكم وصححه (2259)، والبيهقي في الشعب (5519) وقال: "إسناد صحيح، والمتن منكر بهذا الإسناد، ولا أعلمه إلا وهما، وكأنه دخل لبعض رواته إسناد في إسناد"، وقال الألباني في الصحيحة (1871): "الحديث بمجموع طرقه صحيح ثابت".

(11) 11] سنن الترمذي: كتاب البر (1931)، وأخرجه أيضا أحمد (6/450)، والبيهقي في الشعب (7635)، وهو في صحيح السنن (1575).

(12) أخرجه البخاري في الأدب (6056)، ومسلم في الإيمان (105) واللفظ له.

(1/1998)


الخميس، 30 أبريل 2015

adobe.snr.patch-painter

adobe.snr.patch-painter








لتحميل البرنامج

 


لتحميل البرنامج

http://www.gulfup.com/?PRmXZB

AVS Video Converter 9.1.2.572 + Crack

AVS Video Converter 9.1.2.572 + Crack


برنامج AVS Video Converter هو برنامج لمزق وحرق أقراص الفيديو الرقمية ، وتحويل الفيديو، وإنشاء الفيديو عالي الجودة ، ويمكن تحويل بين ملفات الفيديو الأكثر شهرة: AVI، MPEG، DVD، WMV، 3GP، FLV وغيرها. يمكنك أيضا إضافة القوائم وحرق أقراص الفيديو الرقمية لمشاهدتها على مشغل دي في دي مع أصدقائك وعائلتك.

حذف الأجزاء غير المرغوب فيها من الفيديو. تقسيم و تدوير، إضافة عناوين والائتمانات، وتطبيق أكثر من 50 تأثيرات الصوت والفيديو إلى الأفلام.

المتطلبات:

ويندوز XP، 2003، فيستا، 2008، ويندوز 7، ويندوز 8، ويندوز 8.1.

 

 

Description:

AVS Video Converter est un logiciel de haute qualité qui vous permet de ripper et de graver des DVD personnels, convertir la vidéo, créer des vidéos HD, découper, joindre, éditer, appliquer des effets, copiez les appareils mobiles! Il peut convertir entre les fichiers vidéo les plus connus: AVI, MPEG, DVD, WMV, 3GP, FLV et plus. Aussi vous ajouter des menus et de graver vos propres DVD à regarder sur votre lecteur DVD de salon avec vos amis et votre famille. Supprimer les parties non désirées de la vidéo. Split et rejoindre. Pivoter, ajouter des titres et des citations, appliquer plus de 50 effets audio et vidéo de vos films. Téléchargez-les directement à des dispositifs traitées Sony PSP, Apple iPod, Lecteur Média Portable (PMP), et GSM ou CDMA téléphones mobiles. Transférer des fichiers vidéo via Infrarouge, Bluetooth ou un câble USB. AVS Video Converter supporte le format Memory Stick Vidéo avec des vignettes de prévisualisation. Utilisez le mode Batch Video Converter - convertir plusieurs fichiers vidéo à la fois.

Joindre plusieurs fichiers vidéo et faire un DVD. AVS Video Converter possède une interface simple et facile à utiliser et prend quelques instants pour commencer à travailler. La dernière version a obtenu le multi-threading support de processeur, support de la vidéo HD et une meilleure interface.

Caractéristiques:

• Conversion vidéo entre presque tous les formats: HD Video (. Inc AVCHD, MPEG-2 HD et WMV HD), TOD, MOD, M2TS, AVI (DivX, Xvid, etc.), MP4 (. Inc Sony PSP et Apple iPod) , WMV, 3GP, QuickTime (MOV, QT), SWF, DVD, VOB, VRO, MPEG-1, 2, 4, H.263, H.264, Real Video, DVR-MS, MKV, FLV.

• convertir la vidéo pour divers appareils. AVS Video Converter comprend des réglages prédéfinis pour convertir la vidéo pour iPhone, iPad, iPod Touch, Samsung, tablettes Android, Sony PSP, le Kindle d'Amazon, les smartphones, les lecteurs multimédia portables, etc.

• Convertir dans le temps minimum - Profitez de lot et la conversion multithreading. Profitez de votre multi-core puissance du processeur.

• Créer un film DVD à partir de fichiers vidéo de tous les formats pris en charge. Utilisez DVD modèles de menu. Divisez votre film en chapitres. Observez-les sur votre lecteur DVD de salon.

• Gérer des vidéos de HD-caméras - HD-principaux formats sont supportés: AVCHD, MPEG-2 HD, WMV HD, TOD, MOD, M2TS, M2T, MTS, HDV. Modifier, diviser, découper les vidéos HD, ajouter du texte et des effets et de les convertir en DVD ou tout autre format vidéo supporté. Graver un disque DVD et le regarder sur votre lecteur DVD.

• Assurez-Ready vidéos pour le site Web - Flash SWF, Real Video ou WMV

• Directement de disque pour PC - Copier vidéos et des DVD à domicile pour disque dur

• Bandes originales Extraire et Images de Films - d'enregistrer les flux audio sous forme de fichiers audio, enregistrer des images simples comme des images.

• Modifier rapide et précise avec une Timeline - Supprimer les parties non désirées. Split et joindre des fichiers vidéo. Pivoter, ajouter des titres et des citations, appliquer plus de 50 effets audio et vidéo de vos films.

• Mode Batch Soutien - Convertir plusieurs fichiers vidéo à la fois. Joindre plusieurs fichiers vidéo et faire un DVD.

• Prise en charge multilingue. Interface AVS Video Converter et l'assistance technique sont disponibles en anglais, français, allemand, espagnol et italien.

Exigences:

Windows XP, 2003, Vista, 2008, Windows 7, Windows 8, Windows 8.1.

 

 

   


لتحميل البرنامج

 


لتحميل البرنامج

http://www.gulfup.com/?PRmXZB