الخميس، 27 أكتوبر 2011

يا أم. . .

يا أم. . .
قد مزّقتْ صدرَها النبالُ ... وهَّدها السُّقم والهُزالُ
لبيكِ يا جزائر، لا تراعى ... فِدًى لك المالُ والرجالُ
يا أم لا تجزعي، فأنَّا ... نَقضي، ليبقى لك الجلالُ
من نيلك الكوثر أحتسينا ... سُلافة سكرها حلالُ
تطوف بالفكر في فجاج ... يقصرعن نقشها الخيالُ
وتدفُع الروح في صعيد ... من عالم الوَهم لا ينالُ
أروع ما قد لمست فيه ... حرية صاغها الجمالُ
لبيكِ يا أُم هاكِ قلبي ... آليتُ لن يَهَدأ النضالُ
هيا إلى الموتِ يا فؤادي ... أو يُصرع الظلمُ والظلالُ
ما أكثر الأُمنيات عِندي ... تجري وما ضمها مجالُ. . .
يضيقُ دهري عن رجائي ... ايسرُ ما أنشُدُ المُحَالُ. .!!

قصر الأحلام

قصر الأحلام
في عالم الأحلام قد ... شاهدت أعجب الرؤى
رأيتُ قصراً شاهقاً ... بين الكواكب استوى
أبراجه من ذهبٍ ... مؤتلقٍٍ مثل الضحى
أشجاره تحكي الزمر ... دً الكريم في النقا
ينبوعه يرسل ما ... ءً كاللجين في الصفا
بلغته في مركب ... يجره بعض القطا
ثم دخلتُ ساحةً ... كهالةٍ من السنى
تضم حوراً قد رفا ... ن في الحرير والحُلى
وقيل لي ذلك قص ... ر الخلد لو شئت البقا
أصحابه قد وهبوا ... صعدا على طول المدى
لكن حبيبي لم أجده ... بين هاتيك الدُمى
فعدتُ أدراجي الى ... دنيا الزوال والفنا
أبحث عن خليّ بها ... هناك في عشّ الهوى

الساعة

الساعة
وآلة تقطع الأيام سائرة ... لا تبصر العين من تسيارها أثرا
أرى عقاربها اللاتي، تدور بها ... عقاربا كل حين تلدغ العمرا
كأنها تبصر الأوقات راسمة ... لها وما ملكت كفا ولا بصرا
تهاجم العمر دوما وهي ساكنة ... والعمر يركض منها خائفا حذرا
نعدها من جماد وهي مدركة ... من وقتنا ما اختفى عنا وما ظهرا
تطوى السنين وتجري وهي ثابتة ... وتمنح الناس - لكن لم تفه - عبرا
فأن يكن أي سير في المكان يرى ... ففي الزمان مسير جاوز النظرا
ان صاغها من جمادات حجى بشر ... فقد ترقت فأضحت ترشد البشرا
كأن دقاتها في كل آونة ... دقات قلب خفوق بالنوى صحرا
كأن في جوفها قلاب الزمان غدا ... يدق مستعجلا من نفسه ضجرا
يقطع الخفق منه كل آونة ... جزءا فتحسبه بالخفق منتحرا
بالخفق نحيى وذاك الخفق ينقصنا ... جزءاً من العمر من أرواحنا أنبترا
كأن دقاتها في السير حشرجة ... للدهر يلفظها جزء قد أحتضرا
كأنما هي أنفاس يرددها ... دهر تأوّه أو ذو علة زفرا
كأن توقيعها المرنان وقع خطى ... للدهر في موكب نحو الفنا عبرا
يبغى الفرار من الساعات عقربها=خوفا على العمر ممن تتلف العمرا
لكن يعود اليها مكرها جزعا ... كساكن قفصاأو موثق أسرا
ليت القلوب من الساعات قد وقفت ... أو ليت عقربها الجرار قد كسرا
حتى تمر بنا الأوقات سانحة ... ما أن نحس لها طولا ولا قصرا
وكي تمر بنا الأوقات عابرة ... جسر الحياة وهذا البرزخ الخطرا
ما العمر إلا منام طال أم قصرا ... فلا تقطع مناما في الرقاد سرى
من يصح من نومه لم يلقى غير أسى ... وفاز بالسعد من في حلمه سكر

الأماني الحائرة

لله كم من أمان بت أرقبها ... فيها يحاربني دهري وأيامي
تراكمت فهي أكوام مكدسة ... ليست تعد بأقلام وأرقام
أحدث النفس عنها كل آونة ... وما أحدثها في غير أوهام
لهفي عليها وقد راحت تقاذفها ... يد المقادير من عام إلى عام
ما أن نظرت اليها وهي حائرة ... إلا أنثنيت بقلب صارخ دام
الا تحقق لي الايام أمنية ... حتى أودع أشجاني وآلامي
لكم أجِّمعُها حولي وأندبها ... بكل أنشودة حرَّى، وأنغام
مأرب كبياض الفجر باسمة ... حفت بعاثر جد غير بسام
يا حسنها من أمان لو يحققها ... دهري، وما رجفت أضغاث أحلام

الذكرى

تهبطُ الذكرى على قلبي فيحيا ... ثم تنأى عن حِماهُ فيموت
غَلبَ اليأسُ على مأمله ... وطوى ضجته الكبرى السكوت
فهو كالبلبل غنَّى بُكرةً ... ولدى الامساء وافاه الخفوت
رُبَّ ذكرى غلغلت في ساحه ... هي عندي أبد الآباد قوت
نعشَت رُوحي منها نفحةُ ... مثلما ينعشك المسكُ الفَتيت
يا سرباً لم أزل أنشُدُه ... طول عمري وهو عن عيني يفوت
بينما الأمر جميع فإذا ... عشيَ المنضورُ منهوبٌ شتيت
وحياتي نهرٌ معتكرٌ ... غيبته فلوات ومرُوُتُ
أعشبَ الشوكُ على أعطافه ... ولقد يزهو بها آسٌ وتوت
الدنا بعدكِ قفرٌ وحشةٌ ... ما بها مأوى لقلبي ومَبيِتُ
خلتِ الأكوانُ من بهجتها ... وامحت منها صفاتٌ ونُعُوت
لا تظني شجوها يكرُبني ... إني في الألم العاتي ربيت
كلُ ما لاحَ لعيني رائعاً ... هو عندي بعد ما غبت مقيتُ
زهِدَ القلبُ الأماني كلها ... وثوى يصدفُه عنها القُنوتُ
غير ذكرى صورةٍ اعبُدها ... أنا منها في عذابِ ما حَييت
الرّزايا رصَّنتني خِبرةً ... والرزايا قد تربى وتقيتُ
كلما حرَّقني جرحُ الهوى ... صاح قلبي: إن جرح الحبِ صيت
يالهٍّم مُستفيض إن يغِب ... ملكوتٌ منه يطلعُ ملكوت
لكِ في قلبي طيفٌ ماثلٌ ... هو في عيني تمثال نحيت
غلَّف الأجفان ما يبرحُها ... مُشرِق الساحة بحلوه الثُبوتُ
الم أكن أرضى بأفراح الورى ... وأنا اليوم بأوجاعي رضيت
تُنشد الروحُ إذا طفت بها ... وإذا غِبت تولاَّها الصُموت
أنا كالشارد من فرطِ الأسى ... مضنَّى هم على العيشُ مُميِت
نَسَج الدهر لحظِّى دارة ... رُبما أربت عليها العنكبوت

الى زوجي الفاضل

طالَ السهادُ وأرّقت ... عيني الكوارثُ والنوازل
لما جفاني من أح ... بُّ وراحَ تشغلهُ الشواغل
وطوى صحيفة حبنا ... وأصاخ سمعاً للعواذل
يا أيها الزوج الكري ... م وأيها الحب المواصل
ما لي أراك معاندي ... ومعذبي من غير طائل
لم ترع لي صِلةَ الهوى ... وهجرتني والهجرُ قاتل
هل رمُتَ ان تغدو طلي ... قاً لا يحولُ هواكَ حائل
أو رمتَ غيري زوجةً ... يا للأسى مما تحاول
ان تبغ مالاً فالذي ... تدريه انَّ المال زائل
أو تبغ أصلا فالتي ... قاطعتها بنتُ الأماثل
أو تبغ حُسناً فالمحا ... سنِ جمةَّ عندي مواثِل
أو تبغِ آداباً فأش ... عاري على أدبي دلائل
أنا ما حَفِظتُ سوى الوفا ... ءِ ولا ادَّخرت سُوى الفضائل
وأنا وَلي شرفُ العفا ... فِ أُعَدُ مفخرة المنازلْ
فَجَزَيتني شرَّ الجزا ... ءِ وكنتَ فيه غيرَ عادِل
أنسيتَ عهداً قد مضى ... حُلوِ التَّواصُل والتراسل
أيام تبذل من وسا ... ئل أو تنِّمقُ من رسائل
وتبثُ معسولَ المُنَى ... وتمدُ أسباب التحايُل
ولبِثتَ تُغريني بما ... تبديه من غرِّ الشمائل
أين المودةُ في الهوى ... بيني وبينك بالتبادُل
أين الحديثُ العذبُ من ... ك وأين ولَّى سحرُ بابِل
أني أسائلُ أين عه ... دك في الهوى إني أسائل
أعلمت ما فَعل النوى ... بي من ضنى أم أنت ذاهل
فاربأ بنفسِكَ وانهها ... وارجع إلي زين العقائِل

الزورق الغريق

أنيري ظلام الروح فالحب زورق ... متى يعترضه طائف اليأس يغرقه
يحوم على شط النجاة مروعا ... فتحبسه الأمواجقربان متق
علالة مغلوب تعايا رجاؤه ... فلم يبق منه غير أنَّة مشفق
وفاضت من المجداف حسرة خائب ... حبيس التشكي خافت النوح مرهق
وعاصفة هوجاء كالموت صولة ... رمت بشراع خافق متمزق
فطاحت أمانيه وافضى به الردى ... إلى حالك جهم السرائر ضيق
قسوت على قلبي وشردت حلمه ... وخلفتني مثل الغريق المعلق
فلا اللجة الربداء تخطف روحه ... ولا هو من مر العذاب المعلق
حنانيك ردي النفس من عالم الأسى ... إلى عالم حلو الأعاليل مونق
فينتعش القلب الذي مضه الجوى ... ويمرح في كون من الحب مورق
أسيت له كم يقطع العمر موجعا ... ويحيا بحب يائس منك مقلق
متى تلتمع ذكراك في ساح حلمه ... يضج كطفل واهن الصبر محنق
يود لو آن الله ألقاه موجة ... بصدرك أن يخنق به الوجد تخفق
خذي بيدي فالحب لم يبق لي يدا ... أرد بها كيد الحياة وأتقي
أضعت ملاذي في هواك وليتني ... ظفرت بحب طافح منك مغدق
كأن الهوى قد بدل القلب طائرا ... وعلمه نوح الحمام المطوق
يحلق في موج السماء مغلغلا ... ومن يضنه الحب البريء يحلق
هل الحب إلا بعض اصبغة الصبا ... متى ما توش القلب يخفق ويعشق
يعيد إلى خابي الحياة شعاعها ... فتندى بنور ساطع متألق
أفيضي عليَّ الحب تلمع على المدى ... خيالات ماض ضاحك الحلم مشرق
يرف سناه وهو نديان بالرؤى ... كموجة نور في غلالة زنبق
تعاودني ذكراك والقلب عاطش ... وإما يساوره التذكر يشرق
إذا اغدر الورد الذي كان صافيا ... فلا بد من كرع المرير المرنق
أيا نهر النسيان غيب صحيفتي ... وهرق بها في الغيب كل مهرق
فما نور هذا الكون إلا عماية ... إذا كان حظ الحب غير موفق
أماني كثر والهوى يستثيرها ... ولكنها بنت الخيال المنمق
يزين لي أفق الأعاليل حاليا ... فأيان يبد الحلم نضرا اصدق
ويغري فؤادي بالرؤى وهي ضلة ... وما كان حلم القلب بالمتحقق
أفقت وقلبي لا يروم إفاقة ... ومن تحتجب عنه الأماني يزهق
فيالك من قلب كحلمي طائح ... شتيت كدمع الفجر نهب مفرق
سنمضي ويبقى الحب لهفان باكيا ... يموج كسر في السموات مغلق
إذا طفحت هذي السماء بحبنا ... فهل تحفظ النجوى إلى يوم نلتقي
وقفت عليك الشعر أسوان دامعا ... بقية ومض من فؤاد محرق
فصوني نشيدا ضم أحلام شاعر ... مضاع شرود اللب ولهان شيق

قف حيّ شبان

قف حيّ شبان الحمى ... قبل الرحيل بقافيه
عوْدتهم أمثالها ... في الصالحات الباقيه
من كل ذات إشارة ... ليست عليهم خافيه
قل يا شباب نصيحةً ... مما يزوّد غاليه
هل راعكم أن المدا ... رس في الكنانة خاويه
هجرت فكل خليَّة ... من كل شهد خاليه
وتعطلت هالاتها ... منكم وكانت حاليه
غدت السياسة وهي آ ... مرة عليها ناهيه
فهجرتمو الوطن العز ... يز إلى البلاد القاصيه
أنتم غداً في عالم ... هو والحضارة ناحيه
واريت فيه شبيبتي ... وقضيت فيه ثمانيه
ما كنت ذا القلب الغلي ... ظ ولا الطباع الجافيه
سيروا به تتعلَّموا ... سرّ الحياة العاليه
وتأملوا البنيان وادّ ... كروا الجهود البانيه
ذوقوا الثمار جنية ... ورِدوا المناهل صافيه
واقضوا الشباب فان سا ... عته القصيرة فانيه
والله لا حرج علي ... كم في حديث الغانيه
أو في اشتهاء السحر من ... لحظ العيون الساجيه
أو في المسارح فهي بالن ... فس الطيفة راقيه

سكة الحديد

خَلَصْت من زحمة الدنيا وضجتها ... إلى طرائق تحت الأرض تنسرب
جَرتْ مفاوزها في كل ناحية ... فلم تزل تتلاقى ثم تنشعُب
ظلماء جونٌ كأحجار الأراقم قد ... مدُّوا لها سببا في إثره سبب
تجري بها مركباتٌ ما يزال لها ... تحت الثرى والدياجي مسلك عجبُ
سَرَى بها دافع للكهرباء فلم ... تَقذفْ دخاناً ولم يزفر بها لهب
شتيمةَ الوجه إذ تنسل ساربة ... مثل الثعابين في أنيابها العطبُ
ترى على سَفَر طوّل المَدَى فإذا ... حُوَاتها صَفَروا سالت بها القضب
إن يبتغوا انطلقت أو يبتغوا وقفت ... لم تشكُ أنْياً ولم يعلق بها لغبُ
تظل ذاهبة منهم وآيبة ... تمضي مولولةً صْخبى وتنقلبُ
يرمي بها نفقٌ داج إلى نفق ... وينطوي سَرَبٌ من بعده سرب
كأنما هي سعلاة بها كلَبٌ ... أو أنها طالب قد شفَّه الطلبُ
تجري النهارَ وما تدري له وَضَحاً ... ودَاجَى الليل لا تبدُو له شهبُ
تظل تقطع أنحاء المدينة لم ... يشعر على الأرض من جاءوا ومن ذهبوا
وتنثني في الدياجي غير حافلة ... بمن مَشَوْا في ضياء الشمس أو ركبوا
فكلُّ نَهْجٍ لها أنى مَضَتْ جَدَدٌ ... وكل قاصٍ إذا رَامَتْهُ مقترب

خطــــة البحث


خطــــة البحث

تمهيـــد:
الفصل الأول

المبحث الأول : حياة تشومسكي ومؤلفاته
أ‌-حياة تشومسكي العلمية

ب- أهم مؤلفاتـــــه

المبحث الثاني: نظرية النحو التوليدي التحويلي

المبحث الثالث: المراحل التي مرت بها نظرية النحو التوليدي التحويلي


الفصل الثاني

المبحث الأول :مفهوم اللغة عند التوليديين

المبحث الثاني: دراسة القواعد النحوية عند التوليديين وخطوات منهجهم

المبحث الثالث : اللسانيات التوليدية والتوزيعية
خــــــاتــمـة
بسم الله الرحمان الرحيم








تمهيـــد:

الحمد لله على إتمام هذا العرض الذي قد يوجه الطالب إلى أهم العناصر التي تطرق إليها تشومسكي في نظريته التوليدية التحويلية في جزئها الأول( البنى التركيبية الأولى ) حيث مهدنا له بمقدمة وعقبنا عليها بعرض احتوى على مبحثين عرفنا من خلالهما على اللغوي تشومسكي والقواعد التي بنيت عليها البنى الأولى ثم عقبنا على هذين المبحثين بخاتمة هادفة معتمدين على الأمانة العلمية على مراجع المدارس اللسانية المعاصرة وهذا راجع لغموض الموضوع نوعا ما في باقي لمصادر أو المراجع وتشابه المعلومات فيها، وبذلنا جهدا معتبرا استفدنا من خلال تطلعنا على هذا المبحث الهام في الدراسة اللغوية اللسانية.


الفصل الأول:
المبحث الأول: حياة تشومسكي ومؤلفاته
أ‌-حياة تشومسكي العلمية:

ولد أفرام نعوم تشومسكى فى السابع من ديسمبر عام 1928 م فى مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية لوالد كان يدعى ويليام تشومسكى «1897 - 1976م»، هذا الأخير الذى كان قد هاجر من روسيا عام 1913م بغية التهرب من تجنيده فى صفوف الجيش القيصرى، ليصبح فيما بعد العالم البارز فى مجال اللغويات، تلقى تشومسكى تعليمه فى إحدى مدارس ديوايت التى كانت تشتهر بتقدمها فى أساليب التعليم، كان تشومسكى لا يزال صبيا غضا فى فترة الكساد الاقتصادى الكبير الذى اجتاح الولايات المتحدة الأمريكية بين عامى «1929 - 1939م»، حيث تأثر عظيم التأثير بما شاهدة من عمليات القمع التى مارستها السلطات الحكومية لإفساد الإضرابات التى قام بها العمال، فضلا عن الامتهان واليأس والقنوط الذى كان العمال يتجرعونه وطالما أفضى بهم إلى التهور.
تتلمذ تشومسكى فى جامعة بنسلفانيا على يد زيليج س هاريس أستاذ اللغويات، والذى كان من شأن آرائه التحررية التى كانت تصطبغ بصبغة شبه فوضوية أن تركت آثارها الواضحة على انتماءات تشومسكى السياسية، حيث نبتت أعمال تشومسكى الأولى فى حديقة هاريس.
تزوج من اللغوية كارول سكاتز عام 1949م، وكتب رسالة تخرجه التى كانت تحمل عنوان «دراسة التركيب الصوتى للوحدات الصرفية فى اللغة العبرية الحديثة» والتى كانت بمثابة محاولة أولى لبناء قواعد النحو التوليدى، وحصل على درجة دكتوراه الفلسفة فى اللغويات عام 1955م ، وتم تعيينه أستاذا جامعيا بقسم اللغويات واللغات الحديثة الذى أصبح اسمه الآن قسم اللغويات والفلسفة، بمعهد ماستشوس للتكنولوجيا عام 1961م فى عام 1965م نظم لجنة من المواطنيين الأمريكيين العاديين وأعلنوا رفضهم دفع الضرائب احتجاجا على الحرب فى فيتنام. ثم نشر أول كتاب سياسى له يحمل عنوان «القوة الأمريكية والمانداريون الجدد» طبقت شهرة تشومسكى الآفاق كناقد راسخ العزم للظلم الاجتماعى فى كافة مظاهره وأشكاله، ولكى نوجز القول فإن فلسفته الاجتماعية تسلط الضوء على الآتى :
1 - الكيفية التى تفرضها مؤسسات القوى تحكمها وسيطرتها على جماهير العامة
2 - الكيفية التى باع بها المثقفون ضمائرهم وخانوا مجتمعاتهم المحلية وآثروا أن يكونوا أذنابا تخدم سلطة الدولة.
وقد أحاطت الانتقادات الحادة التى وجهها تشومسكى ضد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية على وجه الخصوص اللثام عن :-
1 - العنف الضارب أطنابة فى كافة أنحاء العالم نتيجة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية الموصومة بالإمبريالية.
2 - مفهوم الذات الملفق والمختلق الذى روجت له الولايات المتحدة الأمريكية وأشاعته فى كل مكان وعلى كل لسان، باعتبارها دولة حسنة النية و «خيرة بالأساس».
3 - تزييف الواقع والتلاعب بمجرياته نتيجة لذلك المفهوم المعيب الذى تدعى الولايات المتحدة الأمريكية بموجبه الصلاح لنفسها، وبأنها دائما أقوم أخلاقا من أية دولة أخرى

ب- أهم مؤلفاتـــــه:
جسّد تشومسكي أفكاره وأبحاثه اللغوية في مقالات وكتب نشرها في أزمنة متقاربة ولقد أثرت وأفادت اللسانيين في مجالات عدة، نذكر منها:
•البنى التركيبية أو التراكيب النحوية 1957.
•البنية المنطقية للنظرية اللسانية1975 la structure logique de la théorie linguistique.
•ملامح النظرية التركيبية 1965 l'aspect de la structure
syntaxique

•اللساتيات الديكارتية 1966 La linguistique Cartésienne
•الأنماط الصوتية في اللغة الانجليزية les types phonologiques de la langue Anglaise 1968
•اللغة والفكر la langue et la pensée 1968
•مسائل المعرفة والحرية1971 problème de la connaissance et de la liberté
•دراسات الدلالة في القواعد 1972 Etude sémantique de la grammaire générative
• المعرفة اللغوية:طبيعتها، أصولها واستخدامها la connaissance linguistique: les origines,et les fonctions.

المبحث الثاني : المراحل التي مرت بها نظرية النحو التوليدي التحويلي:

لقد احدث تشومسكي ثورة عالمية في اللسانيات المعاصرة بحديثه عن " النظرية اللسانية التي يجب ان تحلل مقدرة المتكلم على ان ينتج الجمل التي لم يسمعها من قبل وعلى ان يتفهمها. وذلك انطلاقا من قواعد ضمنية تمكنه من توليد الجمل وتحويلها توليدا وتحويلا لا متناهيين .
- وقد مرت هذه اللسانيات الجديدة ( التوليدية التحويلية) ( Génératives et Transformationnelles)بعدة مراحل يمكن تلخيصها فيما يلي :
أ-مرحلة المباني التركيبية سنة 1957
ب-مرحلة وجوه النظرية النحوية سنة 1965
ج-مرحلة الاعمال التي أنجزها باحثون ذهنيون امثال كاتز Katz و فودور Fodor، والتي تندرج ضمن " علم الدلالة التوليدي" وإذا كان سوسور الأب الروحي للبنيوية، فإن تشومسكي يعد الأب الروحي للتوليدية.
د – مرحلة الاعمال والنماذج الحالية لتشومسكي والتي تميزت بمراجعة هذه الذات العارفة واعادة النظر في نماذجه الاولى ؛ وقد لمينا شخصيا نزوعه الى التصالح مع البنيوية والاتجاهات التكوينية والتجريبية من خلال المناقشات التي جمعت لسانيين ذوي شهرة عالمية ، وعلى راسهم جان بياجيه .كما ان امكانية الحديث عن الاثر المنهجي لغاليلي على نظرية تشومسكي امكانية واردة .

الفصل الثاني:

المبحث الأول:مفهوم اللغة عند التوليديين :

ترى المدرسة التوليدية ان اللغة هي مجموعة من الجمل . وهذه الجمل تصنف الى. فئة الجمل المنفية وفئة الجمل المبنية للمجهول وفئة الجمل المثبتة. ويرتبط بعض هذه الجمل بالبعض الآخر. يقول تشومسكي .
<< من الآن فصاعدا نعتبر ان اللغة كناية عن مجموعة ( متناهية وغير متناهية) من الجمل، كل جملة منها طولها محدود ومكونة من مجموعة متناهية من العناصر >> . فاللغة في رأيه " ظاهرة بالغة التعقيد، ودراستها تقتضي بناء نظرية بامكانها أن تفسر القضايا اللغوية. ان نقطة الاختلاف بين تشومسكي وسوسور هي ان الأول يحلل اللغة انطلاقا من مسلمة انها وسيلة للتواصل او التعبير بينما يحللها ويفسرها الثاني انطلاقا من مسلمة أنها مجموعة جمل كل جملة منها تحتوي على شكل صوتي وعلى تفسير دلالي ذاتي محايث لها. فالأول يتحدث عن اللغة باعتبارها شكلا قبل كل شيء بينما يعطي الثاني الأسبقية للجوهر والبنية العميقة دون ان يهمل البنية السطحية ، أي المعنى الظاهر للغة.فالمهم في اللغة حسب المنهج العقلي ليس هو جانبها المادي البنيوي ولكنه قدرتها على التوليد والانتاج الجملي. فقد تأثر التوليديون كثيرا بديكارت وغيره من العقلانيين وتبنوا مقولات الابداع اللغوي والسلوك الداخلي وما يعتمل من قدرة وطاقات داخل الدماغ او العقل البشري29. لقد الف تشومسكي كتاب : اللسانيات الديكارتية عام 1966 ، و فيه تاثر كثيرا بديكارت وفون همبولت Von Homboldt اللذين يظهر مفهوم الكفاية عندهما بوضوح .
ان اللغة عملية توليدية فعالة في الذهن البشري قادرة على الخلق والابداع من خلال قانون نحوي عام يشمل كافة اللغات البشرية.هذه العملية اللغوية تتكون من 3 عناصر بنيوية هي :
أ) العنصر النحوي : ودوره مزدوج : تنظيمي حيث ينتج معان نحوية منظمة ؛وتوليدي لانه يولد عددا من الجمل النحوية.
مثال : << يشرح الاستاذ الدرس، اليوم، بطريقة جيدة .>>
التنظيم : حيث لا نقول ك<< شرح الدرس اليوم الأستاذ بطريقة جيدة >>
التوليد :<< اليوم، يشرح الاستاذ الدرس بطريقة جيدة >> << يشرح الاستاذ اليوم الدرس بطريقة جيدة >> << الدرس يشرح من قبل الاستاذ بطريقة جيدة >> << ان شرح الاستاذ للدرس شرح جيد اليوم.>>
<< الدرس شرحه الاستاذ >>
ب)العنصر التحويلي : أي قدرتنا على تحويل الجملة الواحدة الى جملة شرطية او تعجبية او استفهامية او منطقية. مثلا : << شرح الاستاذ الدرس>> . << هل شرح الاستاذ الدرس ؟>> << اذا شرح الاستاذ الدرس فان التلاميذ يفهمون>> ...ونجد عند تشومسكي ما يسميه بالارتباط البنياني الذي يرتبط به اجراء التحويل مثلا : أ) << قرأ الرجل الكتاب>> نحولها الى ب) << الكتاب قرأه الرجل >>.فالجملة الثانية حولت من الجملة الاولى بواسطة اجراء تحويل نقل الركن الاسمي الى موقع الابتداء .وهذا التحويل يتناول الركن الاسمي الذي يقع على يسار الفعل فينقله الى موضع الابتداء تاركا ضميرا عائدا اليه في الموضع الذي كان يشغله الركن الاسمي .
ج) العنصر التركيبي : وظيفته هي انتاج جمل سليمة سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة.
ويقدم مازن الوعر مثالا لصياغة رياضية وعملية توليدية للجملة التالية.
يمكن ان يكون الكتاب قد كتب من قبل تشومسكي

المبحث الثاني: دراسة القواعد النحوية عند التوليديين وخطوات منهجهم

قلنا بان البنيويين اهتموا بالجانب التواصلي في دراسة اللغة. الا أن التوليديين يركزون على البنية العميقة والجانب الضمني، والملاحظ أن تشومسكي مثلا يتحدث عن العمل والعامل والمعمول والرتبة أي عن الفاعل والمفعول والنظام ، ويقول بأن الجملة يمكن ان تكون سليمة من حيث النحوية او القواعدية grammaticalité التي تصف ، بطريقة ملائمة ،وضع ما هو مقبول في نحو ما وما هو غير مقبول . وهي غير صحيحة من الناحية المنطقية المقبوليةacceptabilité . ونلاحظ ان تشومسكي ، في نموذجه الاول 1957، يعطى الأسبقية للنحوية و يقرنها بالكفاية اللسانية على حساب المقبولية التي يقرنها بالانجاز ، لكنه عاد في نموذج 1965 ونماذج تالية فاهتم أيضا بالمقبولية.
يرى تشومسكي انه لا بد من نظرية لممارسة التحليل اللساني. وهذه النظرية تتكون من النحو التوليدي التحويلي الكلي اذ يعتبر النظرية النحوية نظرية علمية يمكن تطبيقها على جميع اللغات الطبيعية. فالنحو اذن " نظام من القواعد والمبادئ " والمبادئ المحددة لخصائص الجمل الشكلية والدلالية حيث يستعمل في تفاعله مع مجموعة من الميكانيزمات الذهنية من اجل فهم لغة ما والتحدث بها (...) فالنحو العالمي نظام من المبادئ والقواعد والشروط، أي انه عبارة عن عناصر وخصائص مشتركة بالنسبة لسائر لغات العالم.
و نظرا لتأثر تشومسكي بالنظريات الفيزيائية ( غاليلي) خاصة والعلمية عامة ،فإنه يقيم تشابها بين خطوات النظرية الفيزيائية وخطوات النظرية النحوية . ففي الفيزياء تبنى النظرية على ما يلي :
- عدد من الملاحظات سواء أكانت طبيعية ام موضوعية أم تتبعية أم تلقائية
- الربط والتركيب بين هذه الظاهرة الملحوظة.
- التنبؤ بظاهرة جديدة.
ويرى انه بإمكان الباحث اللساني ان يطبق في حقله هذه الخطوات كما يلي :
- ملاحظة عدد محدد من النطق الصوتي
- تمييز ما هو نحوي وما هو غير نحوي
- شرح الظاهرة اللغوية بطريقة مبسطة
ولتوضيح هذه الخطوات نقول بأن الباحث يميز بين ما هو نحوي وما هو غي نحوي انطلاقا من القانون العام الذي يحدد الطرائق السليمة لبنية الوحدات اللغوية وصياغتها. وهذا لا يعني ان تشومسكي يتجاهل الدور الذي تلعبه الدلالة والتداول.
خطوات المنهج التوليدي:
تنطلق اللسانيات التوليدية من مسلمة وهي ان تفسير الظاهرة اللغوية تفسيرا لسانيا يقتضي الانطلاق من نظرية مبنية بطريقة علمية ثم الانتقال الى الواقع الذي نقوم بشرحه وتفسيره وفق مبادئ هذه النظرية، خلافا للمنهج البنيوي المادي السلوكي الذي ينطلق من الواقع نحو النظرية كما أسلفنا . فلكي يحلل الباحث اللساني الظاهرة اللغوية فإنه ملزم – كما يرى تشومسكي – بالاقتراب من المتكلم واستكناه قدرته الكلامية التي تشتغل داخل الذهن البشري.


* وضع فرضية لغوية :
انطلاقا من البحث العلمي في مجال اللسانيات ، وانطلاقا من نظرية علمية واضحة المعالم والمحددات والعناصر حيث يقوم الباحث بوضع فرضية البحث والتحليل .
* تمحيص الفرضية :
في خطوة ثانية يقوم الباحث بتطبيق الفرضية اللغوية على بعض المواد اللغوية. لأنه ينطلق دائما من العام الى الخاص ومن الكل إلى الجزء خلافا لمن يعتمد المنهج الاستقرائي.
*إعادة صياغة الفرضية اللغوية :
عندما تدعو الحاجة إلى إعادة النظر في الفرضيات من اجل جعلها اكثر مطابقة وملاءمة للأهداف المتوخاة.
* تثبيت الفرضية اللغوية :
عندما نتأكد من ملاءمة الفرضية للمواد اللغوية نطرحها للتخصيص ونسحبها على جميع الحالات والظواهر اللغوية .

وفي هذا الإطار فإن تشومسكي يطرح النحو الكلي (grammaire universelle) ويرى ان الرتبة فاعل – فعل – ( مفعول) التي نجدها في اللغة الانجليزية صالحة للتطبيق على جميع لغات العالم الطبيعية.وينطلق في كلامه هذا من فرضية اننا ننحدر من نوع واحد،وبالتالي يوجد بيننا جميعا اتحاد وليس تغيرات.وهذا ما يشبه الحالة البدائية السابقة عن التجربة. ونفس الاتجاه والمنهج يطبقه الفاسي الفهري على اللغة العربية اذ يقول بأنها تملك رتبتين هما : أ ) فعل-فاعل-(مفعول) مثال:<< يشرح الاستاذ الدرس >>؛ ب) << الاستاذ يشرح الدرس>> او << الدرس شرحه الاستاذ>> او << الاستاذ طلبت منه شرح الدرس>> او<< المجتهد نوه به الاستاذ>> . وهناك من يرى ان اللغة العربية لا تملك الا رتبة واحدة هي : فعل – فاعل – ( مفعول) انها رتبة اصلية سائدة تحكم كل عربية تليدة .و في حالة رتبة ثانية مثل : فاعل – فعل – ( مفعول) ،او مفعول – فعل – ضمير عائد على المفعول – فاعل : الدرس شرحه الاستاذ فان هذا الفاعل " لا يتقدم ولا يصعد من داخل المركب الفعلي الى مكان متقدم على الفعل في مخصص التطابق "، واذا وجدنا اسما متقدما في الجملة الثانية : الدرس يشرحه الاستاذ ؛ كما نجد في القرآن الكريم رهبانية ابتدعوها – في حالة رتبة ثانية - ، يحتل الاسم المتقدم في المركب الفعلي موقع الموضع) ( Tوليس موقع الفاعل، مثله في ذلك مثل الاسم المتقدم . وهذا ما قال به الفاسي الفهري (1981 و 1985). ايضا نجد نفس الاختلاف بين مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة من حيث اعتبار الاسم المتقدم مبتدءا او فاعل . ولكن اذا كانت الجملة خالية من مفعول به وتقدم المركب الاسمي ،فان المتقدم يعد فاعلا لا موضعا في راي الفاسي 1993 ،وراي مدرسة الكوفة الذين يجيزون تقديم الفاعل خلافا لمدرسة البصرة .


المبحث الثالث: اللسانيات التوليديةوالتوزيعية
إذا كان هاريس قد سار باللسانيات التوزيعية إلى أقصى مداها فإن تلميذه ناعوم شومسكي بعد أن اهتم بصورنة (بالمعنى المنطقي الرياضي) المفاهيم الأساسية في النظرية التوزيعية قد طرح بعد ذلك مفهوما جديدا عرف بالتوليدية في اللسانيات. وهو مفهوم يتعارض مع أسس التوزيعية وسيطر على ميدان الدراسات اللسانية الأمريكية وغيرها ما بين 1960 و1985.
ولم يحتفظ ناعوم شومسكي من التوزيعية إلا بخاصتها التوضيحية المُفصِحة. فالتوزيعية هي مفصحة أي أنها لا تستعمل نتائج وصفها للغات ولا تستعمل أي مفهوم أساسي غير معرف وأن أية فكرة يتوجب أن تكون معرفة مسبقا في اللغة المدروسة والموصوفة أو في اللسان عموما؛ وفكرة المحيط هي محورية عنده (أية وحدة في ملفوظ محاطة بوحدات ما) و هي مفهومة لمن لا تجربة كلامية شخصية (وهذا كافتراض عبث.
وهنا يكمن حسب شومسكي تفوق التوزيعية على باقي النحويات التقليدية وأيضا على اللسانيات الوظيفية والتي اهتمت بمقولات الترابط (سلسلة مرتبطة بأخرى) أو التعارض بين مسند وخبر(سلسلة كلم ما تمثل قصد الحديث وأخرى ما نريد إبلاغه) وفهمها جزء من ملكة اللغة وبالتالي وخوفا من تحصيل الحاصل لا يمكن أن تتخذ منطلقا لتفسير هذه الملكة.
و شومسكي يرى أن التوزيعية جريا وراء الإفصاح تقدم تنازلات يستحيل تقبلها.
فأولا تحصر التوزيعية بشكل ضيق مجال موضوعها لأن اللغة أوسع وتختلف عن المتن.
وحيث أن المتن تعريفا هو مجموعة محصورة من الملفوظات، إن أن كل لغة تمكن من عدد غير محصور من الملفوظات: لأنه لا حد لعدد "التعابير" الممكن تضمينها في جملة عربية مثلا، إذ يمكن انطلاقا من أي ملفوظ عربي إنشاء ملفوظ آخر تام النحوية والتكوين بزيادة موصولة مثلا.
وبحكم منهجيتها فإن التوزيعية تتجاهل هذه القدرة الغير محصورة الموجودة في كل لغة ( وهو ما يسميه شومسكي بالابتكار الذي تمنحه اللغة للناطقين بها ويمكنهم من بناء وإنشاء ملفوظات جديدة عوض الاكتفاء بالاختيار من بين رصيد جملي سابق الوجود.
وأزيد من ذلك فاللغة ليست مجموعة ملفوظات محدودة أم لا ولكنها علم بهذه الملفوظات ذاتها. فلا يمكن الحديث عن معرفة شخص بلغة ما إذا لم يكن قادرا على التفريق بين الملفوظات الغامضة الملتبسة والملفوظات أحادية التفسير وإذا كان لا يرى بأن ملفوظات لها نفس البناء التركيبي وبأن الأخرى مختلفة التركيب أي أنه لا يفطن للفرق والتشابه بين التراكيب. ولكن التوزيعيين يجردون اغتباطا الناطقين من هذا العلم بلغتهم الخاصة، ويكتفون بوصف طريقة تآلف الوحدات فيما بينها داخل الملفوظات.
وحتى لو تقبلنا اختزال المجال الموصوف المدروس (إذ وصف الكلمحال فهناك تنازل وتجاهل آخر للتوزيعيين ينتقده شومسكي وهو الاكتفاء بالوصف دون التفسير.
وسيرا على هذه المنهجية يكون تلامذة بلومفيلد أوفياء لمنهج تجريبي يرى أن العلم يجب أن يكتفي بوصف الظواهر وترتيبها وبذلك تختزل مهمة الباحث إلى جور التصنيف، وهذا بالذات هو هم التوزيعية الأساسي. حيث يغدو النحو ترتيبا لا غير لأقسام الكلم، صواتم وصياغم وكلمات...) وحيث أن القصد هو جمع المتشابه من الأقسام والأجناس المتوزعة فإنه يمكن، كما قال هاريس، من أن تصبح التوزيعية نوعا من الوصفية الكتلية لمتن ومن خلال هذا الترتيب يصبح ممكنا إعادة صياغة كل ملفوظات المتن. وعلى العكس فبالنسبة لشومسكي فإن هدف أي علم متطور ومنها اللسانيات يتجاوز حدود الوصف والترتيب إلى تقديم أطروحات مفسرة.
ويجب أن لا تكتفي اللسانيات بتجديد ما هي الحالات والكتل الممكنة والمحالة والمستحيلة والملتبسة أو المتقاربة بل يجب ربط هذه الجزئيات بما هو أعم أي لغات البشرية وطبيعة قدرة البشر اللغوية. ولذلك طرح شومسكي تعريفا جديدا للنحو وللسانيات يجمع بين الشمولية والتفسيرية.
وبالنسبة لشومسكي فإن وصف التركيب:النحو التوليدي) للغة ما هو إلا مجموعة القواعد والتعليمات والتي بتطبيقها الآلي ينتج ملفوظ مقبول، أي نحوي، في هذه اللغة. وآلية هذه القواعد النحوية وتواترها تضمن وضوحها وفصاحتها وشموليتها وأي نحو ما هو إلا نظام شكلي رياضي ويكفي معرفة كيفية التعامل معه وبعناصره بكيفية تحددها القواعد(كالتعويض والحذف والزيادة.
وحيث أن هذه العمليات لا تتطلب سابق معرفة باللسانيات فإنه يمكن اعتبار النحو كوصف شامل للغة ما. ولكي يكون النحو بهذه الشمولية يجب أن يساير شرطين: قدرة هذا النحو على توليد كل ملفوظات لغة لا غيرها بلا استثناء. هذا الشرط هو شرط المعاينة وهي بالنسبة لشومسكي ضعيفة التأثير لأن أية لغة يمكن أن تتحمل أزيد من نحو وحيد، زد لذلك أن كثيرا من الملفوظات والتراكيب يصعب تحديد مقبوليتها أو استحالتها بوضوح، وعلينا في هذه الحالة القبول في ذات الوقت بالنحو الذي يقبلها والنحو الذي يرفضها. والشرط الآخر هو "الملائمة القوية" وهي ترتبط بعلم الناطق الحسي على تمييز ملفوظات اللغة. ويجب أن تكون هذه المعرفة معممة وآلية. فبالنسبة للملفوظات الملتبسة يجب الرجوع إلى أسباب تولد هذا اللبس وبالضرورة فإن هناك علة ونفس الشيء صحيح للملفوظات المتقاربة.
و بتبني شرط الملائمة المطلقة يبتعد شومسكي عن التوزيعية ومحاولتها وضع طرق آلية لاكتشاف النحو انطلاقا من المتن فإحساس الناطق لا يمكن تأليله مباشرة واستكشاف ذلك هو من عمل النحوي وقد يؤلل إنتاج الجمل بعد هذا الاكتشاف الأولي.
ورغم أن النحو التوليدي الشومسكي آلية مجردة فإن شومسكي لم يقل بأن الناطق يحاكي هذه الآلية حين يتلفظ في حياته العادية إذ أن نمط شومسكي ليس "نمط إنتاج" وهو ليس بنمط نفسي فهو لا يتعدى كونه وسيلة رياضية لمقاربة قدرات الناطق.
وفي الحقيقة فبعمومية توليدية شومسكي وخصوصيتها الطبيعية لا يمكن التهرب من ربط الوسائل التوليدية بالآليات الذهنية وبالتالي إقحام التفسير النفسي.
إن الملائمة المطلقة تترك جانبا حل مسألة تعدد النحو وتترك خيار النحو مفتوحا إذ أن هذه المسألة هي من شأن اللسانيات. ويمكننا ترتيب أصناف النحو حسب نوعية الآليات المستعملة لتوليد الجمل أي حسب شكل القواعد. ويسمى شومسكي النظرية اللسانية كل نمط نحوي ممكن أي ذلك القالب الذي يشكل النحو. ولو تمكنا من تحديد واختيار نظرية معينة سنحصر بالتالي عدد أصناف النحو الممكنة.



خــــــاتــمـة :

لقد حاولنا في هذه الدراسة ان نقارن بين مدرستين من حيث المنهج المعتمد في الدراسة اللغوية؛ وحصرنا المحاولة في اللسانيات المعاصرة . وفي نفس السياق نسجل الملاحظات التالية :
-إن الدراسات اللسانيات جد متشبعة ، وبالتالي يكون تصنيفنا لها الى بنيوية وتوزيعية ووظيفية وتوليدية تصنيفا إجرائيا نسعى من ورائه الى جعل المتلقي العادي يكتسب بعض المعارف في تخصص يتميز بقدرته الاختراقية ، فالنظريات اللسانية تفرض نفسها حاليا على جميع الباحثين وفي كل التخصصات والعلوم.
-إن الثنائية الحدية : استقراء / استنباط ، مادي/ عقلي، ذاتي/ موضوعي وخاص/ عام تعتبر في رأينا ثنائية زائفة. وذلك لأنه لا وجود لمعايير ثابتة ومحددة تمكن من رسم حدود انطولوجية وابستمولوجية بين الذات والموضوع فيما يخص انتاج المعرفة وبحث الظواهر والمواد اللغوية . وهذا ما نستشفه من كلام تشومسكي عندما اجاب عن سؤال حول المنهج قائلا : " إنه ليس لي مناهج اطلاقا، ومنهج البحث الوحيد الذي اتبعه هو أن أبذل طاقتي في النظر في مشكلة صعبة معينة ، وان احاول أن أجد بعض الأفكار عما يمكن ان يكون تفسيرا لها "
-إن ممارسة النقد على العديد من نظريات العلم المعاصرة. تكشف زيف الثنائية استقراء/ استنباط،وذلك لعدم امكانية فك التداخل الحاصل بين الذات العارفة الباحثة والمادة اللغوية موضوع المعرفة. ولذلك نجد تشومسكي يقول بالقدح الذي تمارسه التجربة على المعرفة الفطرية.كما أنه يوظف مناهج الفيزياء الغاليلية.وعموما ، هذه مجرد محاولة بيداغوجية لكنها مؤسسة على مرجعية.

خطــــة البحث


خطــــة البحث

تمهيـــد:
الفصل الأول

المبحث الأول : حياة تشومسكي ومؤلفاته
أ‌-حياة تشومسكي العلمية

ب- أهم مؤلفاتـــــه

المبحث الثاني: نظرية النحو التوليدي التحويلي

المبحث الثالث: المراحل التي مرت بها نظرية النحو التوليدي التحويلي


الفصل الثاني

المبحث الأول :مفهوم اللغة عند التوليديين

المبحث الثاني: دراسة القواعد النحوية عند التوليديين وخطوات منهجهم

المبحث الثالث : اللسانيات التوليدية والتوزيعية
خــــــاتــمـة
بسم الله الرحمان الرحيم








تمهيـــد:

الحمد لله على إتمام هذا العرض الذي قد يوجه الطالب إلى أهم العناصر التي تطرق إليها تشومسكي في نظريته التوليدية التحويلية في جزئها الأول( البنى التركيبية الأولى ) حيث مهدنا له بمقدمة وعقبنا عليها بعرض احتوى على مبحثين عرفنا من خلالهما على اللغوي تشومسكي والقواعد التي بنيت عليها البنى الأولى ثم عقبنا على هذين المبحثين بخاتمة هادفة معتمدين على الأمانة العلمية على مراجع المدارس اللسانية المعاصرة وهذا راجع لغموض الموضوع نوعا ما في باقي لمصادر أو المراجع وتشابه المعلومات فيها، وبذلنا جهدا معتبرا استفدنا من خلال تطلعنا على هذا المبحث الهام في الدراسة اللغوية اللسانية.


الفصل الأول:
المبحث الأول: حياة تشومسكي ومؤلفاته
أ‌-حياة تشومسكي العلمية:

ولد أفرام نعوم تشومسكى فى السابع من ديسمبر عام 1928 م فى مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية لوالد كان يدعى ويليام تشومسكى «1897 - 1976م»، هذا الأخير الذى كان قد هاجر من روسيا عام 1913م بغية التهرب من تجنيده فى صفوف الجيش القيصرى، ليصبح فيما بعد العالم البارز فى مجال اللغويات، تلقى تشومسكى تعليمه فى إحدى مدارس ديوايت التى كانت تشتهر بتقدمها فى أساليب التعليم، كان تشومسكى لا يزال صبيا غضا فى فترة الكساد الاقتصادى الكبير الذى اجتاح الولايات المتحدة الأمريكية بين عامى «1929 - 1939م»، حيث تأثر عظيم التأثير بما شاهدة من عمليات القمع التى مارستها السلطات الحكومية لإفساد الإضرابات التى قام بها العمال، فضلا عن الامتهان واليأس والقنوط الذى كان العمال يتجرعونه وطالما أفضى بهم إلى التهور.
تتلمذ تشومسكى فى جامعة بنسلفانيا على يد زيليج س هاريس أستاذ اللغويات، والذى كان من شأن آرائه التحررية التى كانت تصطبغ بصبغة شبه فوضوية أن تركت آثارها الواضحة على انتماءات تشومسكى السياسية، حيث نبتت أعمال تشومسكى الأولى فى حديقة هاريس.
تزوج من اللغوية كارول سكاتز عام 1949م، وكتب رسالة تخرجه التى كانت تحمل عنوان «دراسة التركيب الصوتى للوحدات الصرفية فى اللغة العبرية الحديثة» والتى كانت بمثابة محاولة أولى لبناء قواعد النحو التوليدى، وحصل على درجة دكتوراه الفلسفة فى اللغويات عام 1955م ، وتم تعيينه أستاذا جامعيا بقسم اللغويات واللغات الحديثة الذى أصبح اسمه الآن قسم اللغويات والفلسفة، بمعهد ماستشوس للتكنولوجيا عام 1961م فى عام 1965م نظم لجنة من المواطنيين الأمريكيين العاديين وأعلنوا رفضهم دفع الضرائب احتجاجا على الحرب فى فيتنام. ثم نشر أول كتاب سياسى له يحمل عنوان «القوة الأمريكية والمانداريون الجدد» طبقت شهرة تشومسكى الآفاق كناقد راسخ العزم للظلم الاجتماعى فى كافة مظاهره وأشكاله، ولكى نوجز القول فإن فلسفته الاجتماعية تسلط الضوء على الآتى :
1 - الكيفية التى تفرضها مؤسسات القوى تحكمها وسيطرتها على جماهير العامة
2 - الكيفية التى باع بها المثقفون ضمائرهم وخانوا مجتمعاتهم المحلية وآثروا أن يكونوا أذنابا تخدم سلطة الدولة.
وقد أحاطت الانتقادات الحادة التى وجهها تشومسكى ضد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية على وجه الخصوص اللثام عن :-
1 - العنف الضارب أطنابة فى كافة أنحاء العالم نتيجة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية الموصومة بالإمبريالية.
2 - مفهوم الذات الملفق والمختلق الذى روجت له الولايات المتحدة الأمريكية وأشاعته فى كل مكان وعلى كل لسان، باعتبارها دولة حسنة النية و «خيرة بالأساس».
3 - تزييف الواقع والتلاعب بمجرياته نتيجة لذلك المفهوم المعيب الذى تدعى الولايات المتحدة الأمريكية بموجبه الصلاح لنفسها، وبأنها دائما أقوم أخلاقا من أية دولة أخرى

ب- أهم مؤلفاتـــــه:
جسّد تشومسكي أفكاره وأبحاثه اللغوية في مقالات وكتب نشرها في أزمنة متقاربة ولقد أثرت وأفادت اللسانيين في مجالات عدة، نذكر منها:
•البنى التركيبية أو التراكيب النحوية 1957.
•البنية المنطقية للنظرية اللسانية1975 la structure logique de la théorie linguistique.
•ملامح النظرية التركيبية 1965 l'aspect de la structure
syntaxique

•اللساتيات الديكارتية 1966 La linguistique Cartésienne
•الأنماط الصوتية في اللغة الانجليزية les types phonologiques de la langue Anglaise 1968
•اللغة والفكر la langue et la pensée 1968
•مسائل المعرفة والحرية1971 problème de la connaissance et de la liberté
•دراسات الدلالة في القواعد 1972 Etude sémantique de la grammaire générative
• المعرفة اللغوية:طبيعتها، أصولها واستخدامها la connaissance linguistique: les origines,et les fonctions.

المبحث الثاني : المراحل التي مرت بها نظرية النحو التوليدي التحويلي:

لقد احدث تشومسكي ثورة عالمية في اللسانيات المعاصرة بحديثه عن " النظرية اللسانية التي يجب ان تحلل مقدرة المتكلم على ان ينتج الجمل التي لم يسمعها من قبل وعلى ان يتفهمها. وذلك انطلاقا من قواعد ضمنية تمكنه من توليد الجمل وتحويلها توليدا وتحويلا لا متناهيين .
- وقد مرت هذه اللسانيات الجديدة ( التوليدية التحويلية) ( Génératives et Transformationnelles)بعدة مراحل يمكن تلخيصها فيما يلي :
أ-مرحلة المباني التركيبية سنة 1957
ب-مرحلة وجوه النظرية النحوية سنة 1965
ج-مرحلة الاعمال التي أنجزها باحثون ذهنيون امثال كاتز Katz و فودور Fodor، والتي تندرج ضمن " علم الدلالة التوليدي" وإذا كان سوسور الأب الروحي للبنيوية، فإن تشومسكي يعد الأب الروحي للتوليدية.
د – مرحلة الاعمال والنماذج الحالية لتشومسكي والتي تميزت بمراجعة هذه الذات العارفة واعادة النظر في نماذجه الاولى ؛ وقد لمينا شخصيا نزوعه الى التصالح مع البنيوية والاتجاهات التكوينية والتجريبية من خلال المناقشات التي جمعت لسانيين ذوي شهرة عالمية ، وعلى راسهم جان بياجيه .كما ان امكانية الحديث عن الاثر المنهجي لغاليلي على نظرية تشومسكي امكانية واردة .

الفصل الثاني:

المبحث الأول:مفهوم اللغة عند التوليديين :

ترى المدرسة التوليدية ان اللغة هي مجموعة من الجمل . وهذه الجمل تصنف الى. فئة الجمل المنفية وفئة الجمل المبنية للمجهول وفئة الجمل المثبتة. ويرتبط بعض هذه الجمل بالبعض الآخر. يقول تشومسكي .
<< من الآن فصاعدا نعتبر ان اللغة كناية عن مجموعة ( متناهية وغير متناهية) من الجمل، كل جملة منها طولها محدود ومكونة من مجموعة متناهية من العناصر >> . فاللغة في رأيه " ظاهرة بالغة التعقيد، ودراستها تقتضي بناء نظرية بامكانها أن تفسر القضايا اللغوية. ان نقطة الاختلاف بين تشومسكي وسوسور هي ان الأول يحلل اللغة انطلاقا من مسلمة انها وسيلة للتواصل او التعبير بينما يحللها ويفسرها الثاني انطلاقا من مسلمة أنها مجموعة جمل كل جملة منها تحتوي على شكل صوتي وعلى تفسير دلالي ذاتي محايث لها. فالأول يتحدث عن اللغة باعتبارها شكلا قبل كل شيء بينما يعطي الثاني الأسبقية للجوهر والبنية العميقة دون ان يهمل البنية السطحية ، أي المعنى الظاهر للغة.فالمهم في اللغة حسب المنهج العقلي ليس هو جانبها المادي البنيوي ولكنه قدرتها على التوليد والانتاج الجملي. فقد تأثر التوليديون كثيرا بديكارت وغيره من العقلانيين وتبنوا مقولات الابداع اللغوي والسلوك الداخلي وما يعتمل من قدرة وطاقات داخل الدماغ او العقل البشري29. لقد الف تشومسكي كتاب : اللسانيات الديكارتية عام 1966 ، و فيه تاثر كثيرا بديكارت وفون همبولت Von Homboldt اللذين يظهر مفهوم الكفاية عندهما بوضوح .
ان اللغة عملية توليدية فعالة في الذهن البشري قادرة على الخلق والابداع من خلال قانون نحوي عام يشمل كافة اللغات البشرية.هذه العملية اللغوية تتكون من 3 عناصر بنيوية هي :
أ) العنصر النحوي : ودوره مزدوج : تنظيمي حيث ينتج معان نحوية منظمة ؛وتوليدي لانه يولد عددا من الجمل النحوية.
مثال : << يشرح الاستاذ الدرس، اليوم، بطريقة جيدة .>>
التنظيم : حيث لا نقول ك<< شرح الدرس اليوم الأستاذ بطريقة جيدة >>
التوليد :<< اليوم، يشرح الاستاذ الدرس بطريقة جيدة >> << يشرح الاستاذ اليوم الدرس بطريقة جيدة >> << الدرس يشرح من قبل الاستاذ بطريقة جيدة >> << ان شرح الاستاذ للدرس شرح جيد اليوم.>>
<< الدرس شرحه الاستاذ >>
ب)العنصر التحويلي : أي قدرتنا على تحويل الجملة الواحدة الى جملة شرطية او تعجبية او استفهامية او منطقية. مثلا : << شرح الاستاذ الدرس>> . << هل شرح الاستاذ الدرس ؟>> << اذا شرح الاستاذ الدرس فان التلاميذ يفهمون>> ...ونجد عند تشومسكي ما يسميه بالارتباط البنياني الذي يرتبط به اجراء التحويل مثلا : أ) << قرأ الرجل الكتاب>> نحولها الى ب) << الكتاب قرأه الرجل >>.فالجملة الثانية حولت من الجملة الاولى بواسطة اجراء تحويل نقل الركن الاسمي الى موقع الابتداء .وهذا التحويل يتناول الركن الاسمي الذي يقع على يسار الفعل فينقله الى موضع الابتداء تاركا ضميرا عائدا اليه في الموضع الذي كان يشغله الركن الاسمي .
ج) العنصر التركيبي : وظيفته هي انتاج جمل سليمة سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة.
ويقدم مازن الوعر مثالا لصياغة رياضية وعملية توليدية للجملة التالية.
يمكن ان يكون الكتاب قد كتب من قبل تشومسكي

المبحث الثاني: دراسة القواعد النحوية عند التوليديين وخطوات منهجهم

قلنا بان البنيويين اهتموا بالجانب التواصلي في دراسة اللغة. الا أن التوليديين يركزون على البنية العميقة والجانب الضمني، والملاحظ أن تشومسكي مثلا يتحدث عن العمل والعامل والمعمول والرتبة أي عن الفاعل والمفعول والنظام ، ويقول بأن الجملة يمكن ان تكون سليمة من حيث النحوية او القواعدية grammaticalité التي تصف ، بطريقة ملائمة ،وضع ما هو مقبول في نحو ما وما هو غير مقبول . وهي غير صحيحة من الناحية المنطقية المقبوليةacceptabilité . ونلاحظ ان تشومسكي ، في نموذجه الاول 1957، يعطى الأسبقية للنحوية و يقرنها بالكفاية اللسانية على حساب المقبولية التي يقرنها بالانجاز ، لكنه عاد في نموذج 1965 ونماذج تالية فاهتم أيضا بالمقبولية.
يرى تشومسكي انه لا بد من نظرية لممارسة التحليل اللساني. وهذه النظرية تتكون من النحو التوليدي التحويلي الكلي اذ يعتبر النظرية النحوية نظرية علمية يمكن تطبيقها على جميع اللغات الطبيعية. فالنحو اذن " نظام من القواعد والمبادئ " والمبادئ المحددة لخصائص الجمل الشكلية والدلالية حيث يستعمل في تفاعله مع مجموعة من الميكانيزمات الذهنية من اجل فهم لغة ما والتحدث بها (...) فالنحو العالمي نظام من المبادئ والقواعد والشروط، أي انه عبارة عن عناصر وخصائص مشتركة بالنسبة لسائر لغات العالم.
و نظرا لتأثر تشومسكي بالنظريات الفيزيائية ( غاليلي) خاصة والعلمية عامة ،فإنه يقيم تشابها بين خطوات النظرية الفيزيائية وخطوات النظرية النحوية . ففي الفيزياء تبنى النظرية على ما يلي :
- عدد من الملاحظات سواء أكانت طبيعية ام موضوعية أم تتبعية أم تلقائية
- الربط والتركيب بين هذه الظاهرة الملحوظة.
- التنبؤ بظاهرة جديدة.
ويرى انه بإمكان الباحث اللساني ان يطبق في حقله هذه الخطوات كما يلي :
- ملاحظة عدد محدد من النطق الصوتي
- تمييز ما هو نحوي وما هو غير نحوي
- شرح الظاهرة اللغوية بطريقة مبسطة
ولتوضيح هذه الخطوات نقول بأن الباحث يميز بين ما هو نحوي وما هو غي نحوي انطلاقا من القانون العام الذي يحدد الطرائق السليمة لبنية الوحدات اللغوية وصياغتها. وهذا لا يعني ان تشومسكي يتجاهل الدور الذي تلعبه الدلالة والتداول.
خطوات المنهج التوليدي:
تنطلق اللسانيات التوليدية من مسلمة وهي ان تفسير الظاهرة اللغوية تفسيرا لسانيا يقتضي الانطلاق من نظرية مبنية بطريقة علمية ثم الانتقال الى الواقع الذي نقوم بشرحه وتفسيره وفق مبادئ هذه النظرية، خلافا للمنهج البنيوي المادي السلوكي الذي ينطلق من الواقع نحو النظرية كما أسلفنا . فلكي يحلل الباحث اللساني الظاهرة اللغوية فإنه ملزم – كما يرى تشومسكي – بالاقتراب من المتكلم واستكناه قدرته الكلامية التي تشتغل داخل الذهن البشري.


* وضع فرضية لغوية :
انطلاقا من البحث العلمي في مجال اللسانيات ، وانطلاقا من نظرية علمية واضحة المعالم والمحددات والعناصر حيث يقوم الباحث بوضع فرضية البحث والتحليل .
* تمحيص الفرضية :
في خطوة ثانية يقوم الباحث بتطبيق الفرضية اللغوية على بعض المواد اللغوية. لأنه ينطلق دائما من العام الى الخاص ومن الكل إلى الجزء خلافا لمن يعتمد المنهج الاستقرائي.
*إعادة صياغة الفرضية اللغوية :
عندما تدعو الحاجة إلى إعادة النظر في الفرضيات من اجل جعلها اكثر مطابقة وملاءمة للأهداف المتوخاة.
* تثبيت الفرضية اللغوية :
عندما نتأكد من ملاءمة الفرضية للمواد اللغوية نطرحها للتخصيص ونسحبها على جميع الحالات والظواهر اللغوية .

وفي هذا الإطار فإن تشومسكي يطرح النحو الكلي (grammaire universelle) ويرى ان الرتبة فاعل – فعل – ( مفعول) التي نجدها في اللغة الانجليزية صالحة للتطبيق على جميع لغات العالم الطبيعية.وينطلق في كلامه هذا من فرضية اننا ننحدر من نوع واحد،وبالتالي يوجد بيننا جميعا اتحاد وليس تغيرات.وهذا ما يشبه الحالة البدائية السابقة عن التجربة. ونفس الاتجاه والمنهج يطبقه الفاسي الفهري على اللغة العربية اذ يقول بأنها تملك رتبتين هما : أ ) فعل-فاعل-(مفعول) مثال:<< يشرح الاستاذ الدرس >>؛ ب) << الاستاذ يشرح الدرس>> او << الدرس شرحه الاستاذ>> او << الاستاذ طلبت منه شرح الدرس>> او<< المجتهد نوه به الاستاذ>> . وهناك من يرى ان اللغة العربية لا تملك الا رتبة واحدة هي : فعل – فاعل – ( مفعول) انها رتبة اصلية سائدة تحكم كل عربية تليدة .و في حالة رتبة ثانية مثل : فاعل – فعل – ( مفعول) ،او مفعول – فعل – ضمير عائد على المفعول – فاعل : الدرس شرحه الاستاذ فان هذا الفاعل " لا يتقدم ولا يصعد من داخل المركب الفعلي الى مكان متقدم على الفعل في مخصص التطابق "، واذا وجدنا اسما متقدما في الجملة الثانية : الدرس يشرحه الاستاذ ؛ كما نجد في القرآن الكريم رهبانية ابتدعوها – في حالة رتبة ثانية - ، يحتل الاسم المتقدم في المركب الفعلي موقع الموضع) ( Tوليس موقع الفاعل، مثله في ذلك مثل الاسم المتقدم . وهذا ما قال به الفاسي الفهري (1981 و 1985). ايضا نجد نفس الاختلاف بين مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة من حيث اعتبار الاسم المتقدم مبتدءا او فاعل . ولكن اذا كانت الجملة خالية من مفعول به وتقدم المركب الاسمي ،فان المتقدم يعد فاعلا لا موضعا في راي الفاسي 1993 ،وراي مدرسة الكوفة الذين يجيزون تقديم الفاعل خلافا لمدرسة البصرة .


المبحث الثالث: اللسانيات التوليديةوالتوزيعية
إذا كان هاريس قد سار باللسانيات التوزيعية إلى أقصى مداها فإن تلميذه ناعوم شومسكي بعد أن اهتم بصورنة (بالمعنى المنطقي الرياضي) المفاهيم الأساسية في النظرية التوزيعية قد طرح بعد ذلك مفهوما جديدا عرف بالتوليدية في اللسانيات. وهو مفهوم يتعارض مع أسس التوزيعية وسيطر على ميدان الدراسات اللسانية الأمريكية وغيرها ما بين 1960 و1985.
ولم يحتفظ ناعوم شومسكي من التوزيعية إلا بخاصتها التوضيحية المُفصِحة. فالتوزيعية هي مفصحة أي أنها لا تستعمل نتائج وصفها للغات ولا تستعمل أي مفهوم أساسي غير معرف وأن أية فكرة يتوجب أن تكون معرفة مسبقا في اللغة المدروسة والموصوفة أو في اللسان عموما؛ وفكرة المحيط هي محورية عنده (أية وحدة في ملفوظ محاطة بوحدات ما) و هي مفهومة لمن لا تجربة كلامية شخصية (وهذا كافتراض عبث.
وهنا يكمن حسب شومسكي تفوق التوزيعية على باقي النحويات التقليدية وأيضا على اللسانيات الوظيفية والتي اهتمت بمقولات الترابط (سلسلة مرتبطة بأخرى) أو التعارض بين مسند وخبر(سلسلة كلم ما تمثل قصد الحديث وأخرى ما نريد إبلاغه) وفهمها جزء من ملكة اللغة وبالتالي وخوفا من تحصيل الحاصل لا يمكن أن تتخذ منطلقا لتفسير هذه الملكة.
و شومسكي يرى أن التوزيعية جريا وراء الإفصاح تقدم تنازلات يستحيل تقبلها.
فأولا تحصر التوزيعية بشكل ضيق مجال موضوعها لأن اللغة أوسع وتختلف عن المتن.
وحيث أن المتن تعريفا هو مجموعة محصورة من الملفوظات، إن أن كل لغة تمكن من عدد غير محصور من الملفوظات: لأنه لا حد لعدد "التعابير" الممكن تضمينها في جملة عربية مثلا، إذ يمكن انطلاقا من أي ملفوظ عربي إنشاء ملفوظ آخر تام النحوية والتكوين بزيادة موصولة مثلا.
وبحكم منهجيتها فإن التوزيعية تتجاهل هذه القدرة الغير محصورة الموجودة في كل لغة ( وهو ما يسميه شومسكي بالابتكار الذي تمنحه اللغة للناطقين بها ويمكنهم من بناء وإنشاء ملفوظات جديدة عوض الاكتفاء بالاختيار من بين رصيد جملي سابق الوجود.
وأزيد من ذلك فاللغة ليست مجموعة ملفوظات محدودة أم لا ولكنها علم بهذه الملفوظات ذاتها. فلا يمكن الحديث عن معرفة شخص بلغة ما إذا لم يكن قادرا على التفريق بين الملفوظات الغامضة الملتبسة والملفوظات أحادية التفسير وإذا كان لا يرى بأن ملفوظات لها نفس البناء التركيبي وبأن الأخرى مختلفة التركيب أي أنه لا يفطن للفرق والتشابه بين التراكيب. ولكن التوزيعيين يجردون اغتباطا الناطقين من هذا العلم بلغتهم الخاصة، ويكتفون بوصف طريقة تآلف الوحدات فيما بينها داخل الملفوظات.
وحتى لو تقبلنا اختزال المجال الموصوف المدروس (إذ وصف الكلمحال فهناك تنازل وتجاهل آخر للتوزيعيين ينتقده شومسكي وهو الاكتفاء بالوصف دون التفسير.
وسيرا على هذه المنهجية يكون تلامذة بلومفيلد أوفياء لمنهج تجريبي يرى أن العلم يجب أن يكتفي بوصف الظواهر وترتيبها وبذلك تختزل مهمة الباحث إلى جور التصنيف، وهذا بالذات هو هم التوزيعية الأساسي. حيث يغدو النحو ترتيبا لا غير لأقسام الكلم، صواتم وصياغم وكلمات...) وحيث أن القصد هو جمع المتشابه من الأقسام والأجناس المتوزعة فإنه يمكن، كما قال هاريس، من أن تصبح التوزيعية نوعا من الوصفية الكتلية لمتن ومن خلال هذا الترتيب يصبح ممكنا إعادة صياغة كل ملفوظات المتن. وعلى العكس فبالنسبة لشومسكي فإن هدف أي علم متطور ومنها اللسانيات يتجاوز حدود الوصف والترتيب إلى تقديم أطروحات مفسرة.
ويجب أن لا تكتفي اللسانيات بتجديد ما هي الحالات والكتل الممكنة والمحالة والمستحيلة والملتبسة أو المتقاربة بل يجب ربط هذه الجزئيات بما هو أعم أي لغات البشرية وطبيعة قدرة البشر اللغوية. ولذلك طرح شومسكي تعريفا جديدا للنحو وللسانيات يجمع بين الشمولية والتفسيرية.
وبالنسبة لشومسكي فإن وصف التركيب:النحو التوليدي) للغة ما هو إلا مجموعة القواعد والتعليمات والتي بتطبيقها الآلي ينتج ملفوظ مقبول، أي نحوي، في هذه اللغة. وآلية هذه القواعد النحوية وتواترها تضمن وضوحها وفصاحتها وشموليتها وأي نحو ما هو إلا نظام شكلي رياضي ويكفي معرفة كيفية التعامل معه وبعناصره بكيفية تحددها القواعد(كالتعويض والحذف والزيادة.
وحيث أن هذه العمليات لا تتطلب سابق معرفة باللسانيات فإنه يمكن اعتبار النحو كوصف شامل للغة ما. ولكي يكون النحو بهذه الشمولية يجب أن يساير شرطين: قدرة هذا النحو على توليد كل ملفوظات لغة لا غيرها بلا استثناء. هذا الشرط هو شرط المعاينة وهي بالنسبة لشومسكي ضعيفة التأثير لأن أية لغة يمكن أن تتحمل أزيد من نحو وحيد، زد لذلك أن كثيرا من الملفوظات والتراكيب يصعب تحديد مقبوليتها أو استحالتها بوضوح، وعلينا في هذه الحالة القبول في ذات الوقت بالنحو الذي يقبلها والنحو الذي يرفضها. والشرط الآخر هو "الملائمة القوية" وهي ترتبط بعلم الناطق الحسي على تمييز ملفوظات اللغة. ويجب أن تكون هذه المعرفة معممة وآلية. فبالنسبة للملفوظات الملتبسة يجب الرجوع إلى أسباب تولد هذا اللبس وبالضرورة فإن هناك علة ونفس الشيء صحيح للملفوظات المتقاربة.
و بتبني شرط الملائمة المطلقة يبتعد شومسكي عن التوزيعية ومحاولتها وضع طرق آلية لاكتشاف النحو انطلاقا من المتن فإحساس الناطق لا يمكن تأليله مباشرة واستكشاف ذلك هو من عمل النحوي وقد يؤلل إنتاج الجمل بعد هذا الاكتشاف الأولي.
ورغم أن النحو التوليدي الشومسكي آلية مجردة فإن شومسكي لم يقل بأن الناطق يحاكي هذه الآلية حين يتلفظ في حياته العادية إذ أن نمط شومسكي ليس "نمط إنتاج" وهو ليس بنمط نفسي فهو لا يتعدى كونه وسيلة رياضية لمقاربة قدرات الناطق.
وفي الحقيقة فبعمومية توليدية شومسكي وخصوصيتها الطبيعية لا يمكن التهرب من ربط الوسائل التوليدية بالآليات الذهنية وبالتالي إقحام التفسير النفسي.
إن الملائمة المطلقة تترك جانبا حل مسألة تعدد النحو وتترك خيار النحو مفتوحا إذ أن هذه المسألة هي من شأن اللسانيات. ويمكننا ترتيب أصناف النحو حسب نوعية الآليات المستعملة لتوليد الجمل أي حسب شكل القواعد. ويسمى شومسكي النظرية اللسانية كل نمط نحوي ممكن أي ذلك القالب الذي يشكل النحو. ولو تمكنا من تحديد واختيار نظرية معينة سنحصر بالتالي عدد أصناف النحو الممكنة.



خــــــاتــمـة :

لقد حاولنا في هذه الدراسة ان نقارن بين مدرستين من حيث المنهج المعتمد في الدراسة اللغوية؛ وحصرنا المحاولة في اللسانيات المعاصرة . وفي نفس السياق نسجل الملاحظات التالية :
-إن الدراسات اللسانيات جد متشبعة ، وبالتالي يكون تصنيفنا لها الى بنيوية وتوزيعية ووظيفية وتوليدية تصنيفا إجرائيا نسعى من ورائه الى جعل المتلقي العادي يكتسب بعض المعارف في تخصص يتميز بقدرته الاختراقية ، فالنظريات اللسانية تفرض نفسها حاليا على جميع الباحثين وفي كل التخصصات والعلوم.
-إن الثنائية الحدية : استقراء / استنباط ، مادي/ عقلي، ذاتي/ موضوعي وخاص/ عام تعتبر في رأينا ثنائية زائفة. وذلك لأنه لا وجود لمعايير ثابتة ومحددة تمكن من رسم حدود انطولوجية وابستمولوجية بين الذات والموضوع فيما يخص انتاج المعرفة وبحث الظواهر والمواد اللغوية . وهذا ما نستشفه من كلام تشومسكي عندما اجاب عن سؤال حول المنهج قائلا : " إنه ليس لي مناهج اطلاقا، ومنهج البحث الوحيد الذي اتبعه هو أن أبذل طاقتي في النظر في مشكلة صعبة معينة ، وان احاول أن أجد بعض الأفكار عما يمكن ان يكون تفسيرا لها "
-إن ممارسة النقد على العديد من نظريات العلم المعاصرة. تكشف زيف الثنائية استقراء/ استنباط،وذلك لعدم امكانية فك التداخل الحاصل بين الذات العارفة الباحثة والمادة اللغوية موضوع المعرفة. ولذلك نجد تشومسكي يقول بالقدح الذي تمارسه التجربة على المعرفة الفطرية.كما أنه يوظف مناهج الفيزياء الغاليلية.وعموما ، هذه مجرد محاولة بيداغوجية لكنها مؤسسة على مرجعية.

خطــــة البحث تمهيـــد: الفصل الأول المبحث الأول : حياة تشومسكي ومؤلفاته أ‌-حياة تشومسكي العلمية ب- أهم مؤلفاتـــــه المبحث الثاني: نظرية النحو التوليدي التحويلي المبحث الثالث: المراحل التي مرت بها نظرية النحو التوليدي التحويلي الفصل الثاني المبحث الأول :مفهوم اللغة عند التوليديين المبحث الثاني: دراسة القواعد النحوية عند التوليديين وخطوات منهجهم المبحث الثالث : اللسانيات التوليدية والتوزيعية خــــــاتــمـة بسم الله الرحمان الرحيم تمهيـــد: الحمد لله على إتمام هذا العرض الذي قد يوجه الطالب إلى أهم العناصر التي تطرق إليها تشومسكي في نظريته التوليدية التحويلية في جزئها الأول( البنى التركيبية الأولى ) حيث مهدنا له بمقدمة وعقبنا عليها بعرض احتوى على مبحثين عرفنا من خلالهما على اللغوي تشومسكي والقواعد التي بنيت عليها البنى الأولى ثم عقبنا على هذين المبحثين بخاتمة هادفة معتمدين على الأمانة العلمية على مراجع المدارس اللسانية المعاصرة وهذا راجع لغموض الموضوع نوعا ما في باقي لمصادر أو المراجع وتشابه المعلومات فيها، وبذلنا جهدا معتبرا استفدنا من خلال تطلعنا على هذا المبحث الهام في الدراسة اللغوية اللسانية. الفصل الأول: المبحث الأول: حياة تشومسكي ومؤلفاته أ‌-حياة تشومسكي العلمية: ولد أفرام نعوم تشومسكى فى السابع من ديسمبر عام 1928 م فى مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية لوالد كان يدعى ويليام تشومسكى «1897 - 1976م»، هذا الأخير الذى كان قد هاجر من روسيا عام 1913م بغية التهرب من تجنيده فى صفوف الجيش القيصرى، ليصبح فيما بعد العالم البارز فى مجال اللغويات، تلقى تشومسكى تعليمه فى إحدى مدارس ديوايت التى كانت تشتهر بتقدمها فى أساليب التعليم، كان تشومسكى لا يزال صبيا غضا فى فترة الكساد الاقتصادى الكبير الذى اجتاح الولايات المتحدة الأمريكية بين عامى «1929 - 1939م»، حيث تأثر عظيم التأثير بما شاهدة من عمليات القمع التى مارستها السلطات الحكومية لإفساد الإضرابات التى قام بها العمال، فضلا عن الامتهان واليأس والقنوط الذى كان العمال يتجرعونه وطالما أفضى بهم إلى التهور. تتلمذ تشومسكى فى جامعة بنسلفانيا على يد زيليج س هاريس أستاذ اللغويات، والذى كان من شأن آرائه التحررية التى كانت تصطبغ بصبغة شبه فوضوية أن تركت آثارها الواضحة على انتماءات تشومسكى السياسية، حيث نبتت أعمال تشومسكى الأولى فى حديقة هاريس. تزوج من اللغوية كارول سكاتز عام 1949م، وكتب رسالة تخرجه التى كانت تحمل عنوان «دراسة التركيب الصوتى للوحدات الصرفية فى اللغة العبرية الحديثة» والتى كانت بمثابة محاولة أولى لبناء قواعد النحو التوليدى، وحصل على درجة دكتوراه الفلسفة فى اللغويات عام 1955م ، وتم تعيينه أستاذا جامعيا بقسم اللغويات واللغات الحديثة الذى أصبح اسمه الآن قسم اللغويات والفلسفة، بمعهد ماستشوس للتكنولوجيا عام 1961م فى عام 1965م نظم لجنة من المواطنيين الأمريكيين العاديين وأعلنوا رفضهم دفع الضرائب احتجاجا على الحرب فى فيتنام. ثم نشر أول كتاب سياسى له يحمل عنوان «القوة الأمريكية والمانداريون الجدد» طبقت شهرة تشومسكى الآفاق كناقد راسخ العزم للظلم الاجتماعى فى كافة مظاهره وأشكاله، ولكى نوجز القول فإن فلسفته الاجتماعية تسلط الضوء على الآتى : 1 - الكيفية التى تفرضها مؤسسات القوى تحكمها وسيطرتها على جماهير العامة 2 - الكيفية التى باع بها المثقفون ضمائرهم وخانوا مجتمعاتهم المحلية وآثروا أن يكونوا أذنابا تخدم سلطة الدولة. وقد أحاطت الانتقادات الحادة التى وجهها تشومسكى ضد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية على وجه الخصوص اللثام عن :- 1 - العنف الضارب أطنابة فى كافة أنحاء العالم نتيجة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية الموصومة بالإمبريالية. 2 - مفهوم الذات الملفق والمختلق الذى روجت له الولايات المتحدة الأمريكية وأشاعته فى كل مكان وعلى كل لسان، باعتبارها دولة حسنة النية و «خيرة بالأساس». 3 - تزييف الواقع والتلاعب بمجرياته نتيجة لذلك المفهوم المعيب الذى تدعى الولايات المتحدة الأمريكية بموجبه الصلاح لنفسها، وبأنها دائما أقوم أخلاقا من أية دولة أخرى ب- أهم مؤلفاتـــــه: جسّد تشومسكي أفكاره وأبحاثه اللغوية في مقالات وكتب نشرها في أزمنة متقاربة ولقد أثرت وأفادت اللسانيين في مجالات عدة، نذكر منها: •البنى التركيبية أو التراكيب النحوية 1957. •البنية المنطقية للنظرية اللسانية1975 la structure logique de la théorie linguistique. •ملامح النظرية التركيبية 1965 l'aspect de la structure syntaxique •اللساتيات الديكارتية 1966 La linguistique Cartésienne •الأنماط الصوتية في اللغة الانجليزية les types phonologiques de la langue Anglaise 1968 •اللغة والفكر la langue et la pensée 1968 •مسائل المعرفة والحرية1971 problème de la connaissance et de la liberté •دراسات الدلالة في القواعد 1972 Etude sémantique de la grammaire générative • المعرفة اللغوية:طبيعتها، أصولها واستخدامها la connaissance linguistique: les origines,et les fonctions. المبحث الثاني : المراحل التي مرت بها نظرية النحو التوليدي التحويلي: لقد احدث تشومسكي ثورة عالمية في اللسانيات المعاصرة بحديثه عن " النظرية اللسانية التي يجب ان تحلل مقدرة المتكلم على ان ينتج الجمل التي لم يسمعها من قبل وعلى ان يتفهمها. وذلك انطلاقا من قواعد ضمنية تمكنه من توليد الجمل وتحويلها توليدا وتحويلا لا متناهيين . - وقد مرت هذه اللسانيات الجديدة ( التوليدية التحويلية) ( Génératives et Transformationnelles)بعدة مراحل يمكن تلخيصها فيما يلي : أ-مرحلة المباني موذجه الا


الاسلوب في العمل الفني التشكيلي


تعريف


التشكيل ابداع خلق وابتكار ، عرفته الحضارات منذ فتوتها أي ما قبل ظهور الكتابة حيث عبر الانسان عن مظاهر مختلفة بأساليب معينة ومختلفة نقشها على الطين وحفرها على الحجر واستعملها بالالوان ، كما أن ثقافته مكنته من استعمال عدة وسائل لحمايتها والحفاظ عليها من الضياع والتلف .
تطورت الاساليب في حياة الكائن التشكيلي على مر العصور والأزمنة وانبثقت المدارس التشكيلية وأصبحت الاساليب اكثر عمقا وتطورا على مختلف المستويات سواء منها الفكرية او دونها ، حتى اصبح التشكيل ذا أسلوب فلسفي يتعامل مع ابعاد فكرية وكونية صرفة وحتى انه تعامل وتفاعل مع علاقة الضوء واللون في جدلية محيرة للمشاهد العادي .
كما ان الخاصية الاسلوبية في الفن التشكيلي لا يحددها الوعي الحداثي أو الاسس التركيبية للصورة ، او الرمز والعلامة أو كل العناصر المكونة للوحة ذات الاسلوب المعين في كل أبعادها الدالة من نظم الموضوع الى التعبير بالألوان لان ذلك يعتبر خواص في بناء الأعمال عبر مجريات وأزمنة مختلفة ، علما ان الفن التشكيلي حسب رأيي انه يعترف اليوم بتاريخه الطويل المجيد .
كما ان المنهج الأسلوبي في الفن التشكيلي له مسالك متعددة تتيح للفنان التشكيلي ممارسة فاعليته على عدة مسالكحتى يخلق التوازن بين التعبير والتفكير والتأثير ليحرك الدلالة والمغزى دون شعور او يحركه لاشعور حيث ان التوهجات النفسية والعمق الداخلي يساعدان في خلق الحركات الايجابية التي تطرأ في ماهية الخطاب فتكشف عن نظامه .
كما أن البحث الاسلوبي في الفن التشكيلي هو مجرد توصيف للظاهرة وتقويلها واستخراج الدلالات والمغزى والهدف الذي المستشعر داخل اللوحة التشكيلية .


كما ان المنهج الأسلوبي في الفن التشكيلي له مسالك متعددة تتيح للفنان التشكيلي ممارسة فاعليته على عدة مسالك حتى يخلق التوازن بين التعبير والتفكير والتأثير ليحرك الدلالة والمغزى دون شعور او يحركه لاشعور حيث ان التوهجات النفسية والعمق الداخلي يساعدان في خلق الحركات الايجابية التي تطرأ في ماهية الخطاب فتكشف عن نظامه .
كما أن البحث الاسلوبي في الفن التشكيلي هو مجرد توصيف للظاهرة وتقويلها واستخراج الدلالات والمغزى والهدف الذي المستشعر داخل اللوحة التشكيلية


لطالما شاهدت تراثنا المحلي بنظرة احترام وانبهار بالمستوى العالي لماقدموه

من روائع أكثر من رائعه .. تركوا لأيديهم حرية التعبير بفطرة عفوية ذات حس

تشكيلي جميل و لم يسيروا وفق أسس التصميم أو غيرها من القواعد.

*التشكيل ابداع خلق وابتكار .

* الخاصية الاسلوبية في الفن التشكيلي لا يحددها الوعي الحداثي أو الاسس التركيبية للصور.

*المنهج الأسلوبي في الفن التشكيلي له مسالك متعددة تتيح للفنان التشكيلي ممارسة فاعليته على عدة مسالك.

*البحث الاسلوبي في الفن التشكيلي هو مجرد توصيف للظاهرة وتقويلها واستخراج الدلالات والمغزى والهدف الذي المستشعر داخل اللوحة التشكيلية .


الأسلوب


الأسلوب وهو يتمثل تفاصيل العمل وطرق التصور والأداء يتشكل بصمة شخصية بالتأكيد. لكنها بصمة متعالقة وحراك الذات الفنية الفاعلة. وان حملت العديد من الأعمال الفنية بصمة مبدعها. فهل تشكل البصمة الشخصية كل شيء في العمل الفني في زمن تشضي الأساليب ضمن مساحة التأويل الثقافي والاجتماعي والفلسفي في العديد من اتجاهات فنون مابعد الحداثة وبالذات الأعمال الفنتاسية(الخيالية, ومنها الخيال العلمي) والنصية و الفيديوية ببرمجياتها وبتقنياتها المختلطة. وأعمال الفكرة(كونسبتوال, فيرتوال) فان كانت الأسلبة مرتبطة بأدواتها التنفيذية التشكيلية التقليدية من صباغة ومواد خام وجاهزة ومرتهنة بإمكانياتها التعبيرية. فان بعض الأعمال الفنية لا تخضع لنفس الشروط التنفيذية, مثل فن الأداء الجسدي والنص الافتراضي والكثير من أعمال التجميع والإنشاء. بل حتى البصمة الشخصية هي الأخرى في أعمال العديد من فناني مابعد الحداثة كثيرا ما تتغير بتغيير مشاريعهم التشكيلية. ومن خلال ملاحظتنا للعديد من انجازات الفنان المعاصر بالإمكان متابعة مسار الذات في الخط الأسلوبي وبشكل إيحائي عام رغم ما يطرأ عليه من تغييرات أو تحويرات أو تبدلات تقصي حتى جذر الاسلوب وتقنيته الأولى. ربما لخط السيرة أو للسطوة البيئية أو الثقافية أو الاجتماعية, أو من كل ذلك, تتشكل بعض العناصر السرية التي تتسلل بغفلة أو بقصد من الذات للعمل الفني. ومتابعة خط إنتاج فنان مابعد حداثي مشهور(جيف كونز) الأمريكي تدلنا على ذلك. هذا الفنان العولمي رغم كون نتاجه من إفرازات السوق التشكيلية الأمريكية المتنوعة وبمقاربات من مخلفات فن البوب من خلال استغلاله لجاهزية الكثير من أشكال الدمى التسويقية ومفردات السوق الغذائي والجنسي. بإمكاننا ان نرصد خطا سريا يربط أعماله ببعضها ليس بعيدا عن مقاصد شروط الذائقة الاجتماعية والحس التسويقي(وهو مهني أصلا في مضاربات البورصة قبل ان يتفرغ للإنتاج الفني) في أنتاج أعماله. وبالتأكيد شروط إنتاج مقننة هكذا سوف تنتج فنا ذا طابع أسلوبي صناعي جمالي نفعي متقارب رغم اختلاف المفردات وحتى مواد تنفيذها, والمهم بالنسبة للفنان هو طريقة اكتشاف المفردة الفنية بحس تسويقي يتواءم وأطروحات السوق الإعلامية. للحد الذي مكن أعماله من عرضها في قصر فرساي ضمن فضاء مغاير لفضاء المدن الأمريكية الحديثة حيث عرضت في فضاءاته وتفاصيلها(الروكوكو) الأثرية ولأول مرة. وهي مفارقة لا تزال موضع شك, رغم استساغتها كفضاء غرائبي معاصر تكرر في مشاريع عروض أخرى وفي مناطق مختلفة من العالم.

الأسلبة التشكيلية


الأسلبة التشكيلية في وقتنا الحاضر لا تعني إعادة أو تقليد اللوحة الأولى ولا المنحوتة الأولى أو الرسم الأول والفتوغراف الأول للفنان تحت ذريعة الخصوصية الأسلوبية, رغم وجود نماذج لنتاج بهذه المواصفات لفنانين تشكيليين عراقيين أو عرب وللحد الذي ألغى الخصوصية الإبداعية في العديد من الأعمال الفنية العربية لاشتغالها في نفس المنطقة المشاعية الأثرية تحت ذريعة التأصيل. والتأصيل بالمفهوم المعاصر هو أصلا معاصرة الحدث الثقافي تأصيلا لزمنه. فكل منتج تشكيلي هو منتج ثقافي وعلينا مراعاة شروط الإنتاج الثقافي لزمننا وليس للأزمنة الماضية التي خلقت منتجها الخاص. وان كان ولابد من الاستفادة من الموروث, فاعتقد أن هذه الاستفادة بحدود كونها لا تلغي السمة التجديدية الابتكارية التي لا تتعارض ومبتكرات التشكيل المعاصر, والعولمة التشكيلية الثقافية كما نفهمها أو ندعو لها لا تلغي الثقافات المحلية وكما تنص عليه العديد من تنظيراتها والتي من الممكن ان تكون سندا لنا في مواجهة زيف الآخر. وان كنا من ساكني هذا الكوكب الأرضي فمشكلات العنف والتطرف والبيئية والاقتصاد هي واحدة. مثلما هي مساحة الجمال والمتعة والتأمل واحدة . وهي دعوة للبحث عن سبل وطرق تشكيلية أدائية جديدة تتماشى وحاضر الثقافة العالمية التي يشكل التشكيل احد أركانها. فان اعترض غالبية التشكيليين العرب على الطرق الأدائية(الأسلوبية افتراضا) العالمية, فهل بإمكانهم الإتيان بما يوازي مبتكراتها التي لا تعد والتي تغلغلت بين ثنايا الثقافة العامة والشخصية الاورباميركية وحتى اللاتينية والصينية واليابانية وشرق آسيا. أم هل ننتظر المعجزة. وهل يتخلى التشكيل العربي عن دور الريادة المزعومة رغم تواضعها. مع ذلك فان رياداته الزمنية التأسيسية الحديثة كانت على مقربة من حافات التشكيل العالمي في ذلك الزمن. والحافة هي طريقنا للولوج إلى العمق من مناطقه المضيئة إذا ما توفرت لدينا النية للمغامرة. فالتشكيل وبكل الأحوال هو مغامرة للمجهول, لكنها مغامرة تصنع مجد مستقبلها.




تصنيف الفنون


إن دائرة الفن تتسع لتشمل صناعة الكلام والكتابة والموسيقى والغناء والرقص والمسرح وكل أداء فني ورسم ونحت وعمارة وتنسيق وتخطيط للحدائق والمدن والأقاليم . ومن الصعب تعدادها وتصنيفها عشوائيآولابد من الرجوع إلى نظام معين لذلك .

وحسب إعتقادي - كمعماري- فإن الأسلوب الأسهل والأدق هو الرجوع إلى مصادر الفن التشكيلي الحديث ابتداء من ظهور نظرية النسبية وتأثيرها على الحركة التكعيبية بإدخال عامل الزمن كعنصر فراغي إذ أصبح الزمن هو البعد الرابع للفراغ وعلى اعتبار الفنون هي تمثيل وترجمة لهذا الفراغ . فإن الفنون هي تعابير فراغية للمحيط الإنساني وأبعادها من أبعاده . فالموسيقى لها بعد حقيقي هو الزمن ، والرسم له بعد حقيقي هو السطح ، والتحت له الحجم ، أما العمارة والمدن فلها الأبعاد الحقيقية ( الطول والعرض والإرتفاع والزمن ) .


ويمكن تقسيم وتلخيص ما تقدم إلى قسمين :


1. فنون تعبيرية - الموسيقى والدراما .

2. فنون التصميم ( الفن التشكيلي ) - الرسم ، النحت ، الديكور والعمارة .






التصميم الفني والثقافة الفنية




إن التصميم " Design" هو معالجة الأشكال في البيئة التي يعيش فيها الإنسان والتي تدعى "The Built Environment " أي البيئة المبنية وبكلام آخر البيئة "المصممة".

فالتصميم هو فن الشكل الوظيفي . فكل تصميم له وظيفة وكل وظيفة لها علم وأصول ، وعليه فلكل نوع من تصاميم الوظائف النفعية له أصول وجذور وفروع وأسرار علمية وتكنولوجية . لذلك فالتصميم ليس فنآ فقط بل فن وعلم . وإذا ما اجتمع الفن والعلم في موضوع واحد أصبح " ثقافة " . فالتصميم هو ثقافة : وكل ثقافة يجب تعميمها . إننا لا نستطيع تعميم العلم والمعرفة ولكن نستطيع أن نعمم الثقافة وننشرها .

يضم التصميم كل أوجه النشاط التي تشمل جميع نواحي الحياة الحديثة ... فالتحول في مفهوم التصميم من الإسم إلى الفعل قد أثر في طريقة تفكيرنا كليى ويعني ذلك بصفة خاصة أنه قد حدث تحول كبير لتركيز الإنتباه في أنواع كثيرة معينة من التصميم ، إلى الفاعلية في التصميم ذاته .


فالتصميم في الوقت الحاضر قد اعتبر بصفة عامة كنظام انساني أساسي وكأحد الأسس الفنية لحضارتنا .

فعملية التصميم هي عملية إنتاج وليست هي النتاج في حد ذاته . فتصميم اللوحة ليس هو اللوحة أو شكل اللوحة وإنما هو إخراج اللوحة إلى حيز الوجود الحسي والبصري ... فالنظر هو تدريب عقلي ( ذهني ) وليس تدريب على حاسة النظر ، مع هذا الكلام يتفق المهندس ربيع الحرستاني في عملية الرسم فيقول :

" إن الرسم يتطلب قدرآ من الذكاء ، وأكثر بكثير مما يتطلب من مهارة يدوية ، إذ أن الرسم في حد ذاته هو تصميم بحت ، ولكن ليس التصميم هو وحده النهاية ".




طلبة الجامعة والثقافة الفنية




يأتي إلى الجامعات طلبة لم يزوروا متحفآ ولم يزوروا معرضآ وإن ذهبوا في رحلة إلى البتراء أو جرش أو القصور الصحراوية فذلك في سبيل المتعة والسفر مع الأصحاب وليس في سبيل زيارة المعالم الحضارية والفنية .

يأتي إلينا باختصار طلبة قد تم توجيههم ليدرسوا ما أراد لهم الآباء أو تم اختيارهم نتيجة شطارتهم في تكنولوجيا الإمتحانات .


ومن الأساتذة من تخرج من البلاد العربية ولم يقم بزيارة مدينة أخرى سوى بلد الجامعة التي تخرج منها ، ومنهم من درس في أوروبا أو من أصل غير عربي وبذلك غالبآ ما يجهل حقيقة التراث المحلي .


أما المكتبة فتبقى هي الينبوع الوحيد والأمل الأوحد للطالب للاطلاع الفني ولكن لها أيضآ مشاكلها : فالكتب الفنية غالية ولذلك يقنن اقتناؤها ، مثلما أن الكتب الفنية تكون بلغات أجنبية ولا يقبل الطلاب عليها ، كما لا توضع أجمل وأثمن الكتب الفنية تحت متناول الجميع مما يعرضها لسوء الإستعمال .


أما بخصوص الثقافة العامة تجاه الفن فنلاحظ أن الكل متفق على احترام الفن الإسلامي القديم ، وأن الغالبية العظمى من مثقفينا يجهلون حقيقة وجذور الفن الغربي ، ولذلك ينظرون إليه نظرة مرتابة ويسارعون إلى التكريه فيه .






دور المؤسسات في تعميق الثقافة الفنية


من خلال ما تقدم نجد أن هناك صعوبات مسبقة في التثقيف والتعليم الفني في مجتمعاتنا وجامعاتنا .

ومن هذا المنظور استطعنا أن نصمد ونسير في مسيرتنا التعليمية كأن شيئآ لم يكن وذلك إدراكآ منا أننا نستلم طلابآ ليس لهم خبرة في الفن لا في المدارس الإبتدائية ولا في السنوات السابقة ، فقد ارتأينا أن يكون التدريس من الصفر على قاعدة أن الفن تعبير عما يجول في النفس من ردود فعل للمؤثرات الفراغية والعوامل الإدراكية حيث يؤدي إلى إفصاح فراغي جميل يكون على صورة خامة من خامات الفراغ أو أكثر.

وإقناع الطلبة بأن العمل الفني يشارك فيه الروح والجسد ككل في كل متكامل .

والإستعانة بالأساليب الحديثة من تكنولوجيا ووسائل مساعدة تسهل العمل الفني ولا تعرقل انتاجه كاستعمال البروجكتر في التكبير أو الكمبيوتر في التصميم .

وإقناع الطلبة أن العمل الفني هو الفكرة في حد ذاتها الناجمة عن إدراكات الفنان وتشجيع الطلبة على استعمال الأساليب والوسائل المتوفرة في تحقيق العمل واقناعهم بالتواضع ، ذلك أن التعبير الفني ليس إعجازآ وبإمكان الجميع أن يكشفوا أسلوبآ يستطيع كل منهم من خلاله أن يفلح في إحدى محاولاته الإبداعية في تحقيق الغاية في الحصول على عمل عمل يكون قريبآ من المستوى الفني .


كما أن وعينا المتواضع وعلمنا السابق وتكاتفنا مع زملائنا في تكوين فريق واحد متحد يتحدى الصعوبات الإقتصادية ، وذلك بتبني المقولة إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع وبالإبتعاد عن إرهاق الطالب أو الجامعة بطلبات كثيرة ويكون ذلك بالإعتماد على الموارد والمواد المحلية المتوفرة .


وإدراكآ منا للتحليل السيكولوجي للادراك الفراغي واعتماده على أن البيئة تختلف من مكان إلى آخر فتؤثر بدورها على بديهية ومنطق الادراك الفراغي وتبعآ لذلك يكون أسلوب التعبير . مما جعلنا نتفهم أساليب الطلبة في التعبير مع اختلاف مساقط رؤوسهم واختلاف نمط معيشتهم .


وإدراكآ منا أن التعبير هو حتمية مصيرية للثقافة الفنية - جعلنا نعتمد على تثقيف الطلبة وتكثيف ذلك في المراحل الأولى من التدريس بإعطائهم محاضرات وإعطائهم الفرصة في المشاركة في مواضيع أهمها تعريف الفن ووظيفته ، الجمال والفن ، فن الأطفال ، تاريخ الفن ومقارنة تطوره بتطور الإدراكات السيكولوجية في مراحل النمو لدى الأفراد ، ارتباط الفن بالمجتمع ، المدارس والمذاهب الفنية وأسباب نشوئها .


وانطلاقآ من طبيعة وخصائص الفن الإسلامي وارتباطه بالتجريد من ناحية وارتباطه بالادراكات الفراغية والثقافة الفلسفية التي تقوده كان لنا الفن الإسلامي منهجآ فنيآ انطلقنا منه لنفهم ونفسر الحركات الفنية الحديثة وخاصة فيما يتعلق بالتعبير والتحليل والجريد والإختزال والتجريد المطلق والتصوف .




الخلاصة


وخلاصـــة لما سبق فإننا نجزم أن النشــــاط الفني هو نشاط عقلي ( فكري ) وليس دراية ومراس آلي تقوم به العضلات ، وإن هذا النشاط يعتمد على الإدراكات وعليه يجب تنمية وتهذيب الإدراكات الإنسانية في الدرجة الأولى حتى يصبح لنا مقدرة ذهنية في وظيفة الأداء .


فالنشاط الفني هو نشاط فكري وعليه ان كل هذا النشاط يصدر عن فكر فني فإن الفكرة هي جوهر العمل الفني ويمكن تحقيقها عن طريق ذاتي مباشرة كما يفعل الفنانون أو عن طريق الرسامين كما يفعل المهندسون أو عن طريق الكمبيوتر كما يفعل الكثير من الناس في الوقت الحاضر .


إذا كان صاحب العقل الإنساني يمتلك الرغبة الفنية فإنه يستطيع أن يوصل قكرته إلى الآخرين بأي أسلوب يجده مناسب في تلك اللحظة أو الفترة الزمنية وحسب الظروف والإمكانات والحاجات والإحتياجات الكائنة ، وتكون لدى الفنان القدرة في تفجير الطاقات الكامنة لتحقيق هذه الرسالة





والله المستعان

الطفلة الراقصة

كان اليوم يوم عيد الأطفال فأخذ أهل المصيف يتوافدون على فندق كبير وكل معه طفل أو طفلان. وقد ارتدت الأطفال أزياء مختلفة جميلة. فهذا الطفل من سكان الجبال، وذاك راجات الهند، وهذه شريفة، روسية، وتلك راقصة إسبانية. وهكذا اجتمعت للمتفرجين مجموعة طريفة جميلة من أزياء مختلفة يزيد جمالها أن ممثليها كلهم أطفال تقل أعمارهم عن العشر سنوات.
وصدحت الموسيقى الراقصة وحملت نسمات البحر أنغامها إلى الآذان فهزت القلوب هزاً لذيذاً مطرباً. واندفع الأطفال في حماس بريء يرقصون ويضحكون ويهللون. وكانت هي بينهم طفلة في السابعة أو الثامنة من عمرها. مرتدية لباس راقصة حديثة لونه أخضر جميل. وقد بدت منه تقاطيع جسمها جميلة منسجمة بديعة التكوين. وما كاد نصف الأطفال ينأى عن مكان الرقص ليستريح حتى اندفعت هي إليه ترقص رقصاً فنياً رشيقاً مدهشاً. واتجهت إليها الأنظار كلها. وخجل الأطفال من رقصهم البسيط الفطري فانتحوا ناحية يفسحون المجال لتلك الطفلة الراقصة.
ما دهشت لرقص قدر ما دهشت لرقصها، وما هزني الطرب لمنظر أعجبني قدر ما اهتززت لمنظرها، أي جمال! أي فن! أي طفولة مرحة بريئة ساذجة! هذه هي الحياة عندها: رقص وموسيقى، فرح ومرح، حب وإعجاب، لقد دوى التصفيق في أذنها مراراً فاتسعت له حدقتا عينيها اتساع النشوة والرضى، وأغراها التصفيق بالمزيد، بل بالتفنن في المزيد، فمازال بها ظمأ إلى الإعجاب والاستحسان. ترى أتظل الحياة لها هكذا؟ أتظل هي هي مرحة، طروباً لاهية، راقصة؟ أم ستضطرها الحياة إلى تذوق ألوان أخرى منها؟ أستعرف الألم، أستعرف العذاب؟ أستنسى المرح؟ أستظل راقصة أم سيبدل الدهر رقصها نحيباً مشجياً؟
لهفي عليك، طفلتي يوم تودين الرقص فلا تستطيعين! لهفي عليك نوم تذكرين أيام طفولتك بالحسرة اللاذعة والألم الأليم! ترى أستظل نظرتك كما هي إلى تصفيق الناس وإعجابهم بك؟ أستظلين ظامئة إليهما تسعين إلى المزيد ولا ترضين إلا به، أم ستستتفهين هذا الإعجاب وتزدرين هذا التهليل والتصفيق؟ ترى أتظلين حريصة على رضى الناس عنك أم ستعلمك الأيام أن رضاءهم أرخص من أن تسعى إليه؟ كم أخاف طفلتي هذا الإعجاب، كم أخافه على أخلاقك وعلى حياتك المستقبلة. ستتعودينه، وستفقدينه وستتألمين أمض الألم لفقده، ثم سترينه يكال لغيرك كيلاً، ولكن الحياة ستسلمك إلى نوع من الرضى اليائس، ستعرفين بعد أن تصهرك الآلام أن الأيام دول وأن الدوام نقيض الحياة، ستؤمنين بكل هذا ولكن بعد دروس ودروس. دروس لا كدروس الرقص التي تعلمتها فرحة لذيذة منعشة. ولكنها دروس قاسية مؤلمة موئسة.
ودوى التصفيق فانحنت الطفلة الراقصة وكم كانت رشيقة في حركاتها الشاكرة الراضية، كم كانت الغبطة تشع من عينيها بريقاً لامعاً. وانتحت الطفلة ناحية ثم عزفت الموسيقى دور رقص روسي، فقامت طفلة أخرى في لباس رقص روسي وأخذت ترقص رقصة صعبة بديعة. وكال لها المتفرجون التصفيق كيلاً، فأدرت رأسي أبحث عن الطفلة الأولى. كانت في ركن بعيد تنظر إلى الراقصة الجديدة نظرة المتعجب المعجب الفرح، وتتبع حركاتها حركة حركة فتصفق لها كلما قامت بحركة صعبة فأتقنتها، كانت أشد المعجبين بالراقصة الجديدة حماساً وأخثر المتفرجين تصفيقاً لها. يا للطفولة البريئة الطاهرة! لم تخط الغيرة بعد سطراً من سطورها ولم يخط الحسد كلمة من كلماته. يا للطفولة المرحة الطروب ما أجملك وما أطهرك!
وصدحت الموسيقى ثالثة فقامت الطفلة راقصة لاهية طروباً، ودوى لها التصفيق وانتشت بنشوة الإعجاب بها من جديد، تفننت في رقصها وأبدعت. فلمت نفسي على أوهامي وخيالي. حصن الطفولة مازال حصيناً لم ينفذ فيه سهم من سهام الدهر بعد. ليتك تظلين طفلتي هكذا. ليت الحياة تدعك كما أنت عصفورة من عصافير جنتها تغنين وترقصين وتلهين. ليتك لا تعرفين للحياة معنى غير ما تعرفين الآن. أبقي طفلتي كما أنت راقصة. فرحة مرحة إلى ما شاء الله. الحياة الحياة ما هي؟؟: رقصة. فأرقصيها لاهية.

الوردة الحمراء

الوردة الحمراء
كوميدية عصرية في فصل واحد

(صالون على الطراز الحديث. . نافذة عند صدر المنظر وباب على كل من جانبي المسرح. . . بعض خور عائلية وأسلحة تاريخية تزين جدران الحجرة. فوق مكتب صغير تتألق باقة من لورود الحمراء داخل آنية شافة. . عند رفع الستار يرى جاستون جالساً على ديوان وثير، مطرق الرأس، حزيناً وقد تناهبته هموم مبرحة. . بعد فترة وجيزة ينتصب فجأة ويتجه نحو النافذة. . . يمر في طريقه بالورود الحمراء فيقف متردداً. . يرنو إليها ثم ينشق في رفق عبيرها العاطر ويمضي إلى النافذة فيلقي منها نظرة سريعة وجلة بعود بعدها إلى باقة الورد يتأملها، مشتت الفكر. وما يلبث طويلاً حتى يقترب ثانية من النافذة ويظل يتردد هكذا بين الورود والنافذة إلى أن يسئمه الانتظار فيحاول إشعال سيجارة لكنه يخفق فيرمي بها إلى الأرض، حانقاً يضغط على زر الجرس فيبدو الخادم فرنسيس)
المشهد الأول
جاستون - فرنسيس
فرنسيس - سيدي. .؟
جاستون - ألم يجئ أحد؟
فرنسيس - كلا يا سيدي.
جاستون - ويريد الساعة الرابعة؟
فرنسيس - لم يصل بعد
جاستون - (مشعلاً سيجارة) والمسيو شنسيريل؟
فرنسيس - لو أنه جاء. . .
جاستون - (مقاطعاً وقد فهم) حسناً. . . (يلقي في حركة آلية بسيجارته إلى الأرض) ألم
ترد برقية؟
فرنسيس - لا ياسيدي
جاستون - والتلفون؟
فرنسيس - لو أن أحداً سأل عن سيدي بالتليفون لسمع سيدي رنين الجرس. .
جاستون - في الواقع. . . (وهو يشير حواليه، ضجراً) أعد عض النظام إلى الحجرة
(يحاول جاستون من جديد إشعال سيجارته في عصبية مضطردة بينما يرتب فرنسيس في صمت الأوراق المبعثرة المتراكمة على المكتب. عندما ينتهي الخادم من عمله يقترب من باقة الورود فيجمع أوراقها الذابلة المتناثرة على أرض الغرفة وحوالي الآنية الشفافة وإذ يحاول المضي بها.)
جاستون - ماذا تصنع؟
فرنسيس - (على أهبة الخروج) أمضي بهذه الورود. .
جاستون - (مستوقفاً إياه) لماذا؟
فرنسيس - لأنها. . . بدأت تذبل
جاستون - لكنك تعلم جيداً أنني لن أستبدل بها غيرها، بعد اليوم
فرنسيس - طبعاً لا. . بما أن سيدي. .
جاستون - (موقفاً سيل التوضيحات) إذن؟ (يعيد فرنسيس الورود إلى مكانها الأول)
جاستون - (مرهفاً سمعه فجأة) ألم يقرع الجرس؟
فرنسيس - ما أظن يا سيدي (يعود جاستون إلى النافذة. هنا يدوي رنين الجرس)
جاستون - (مرتعشاً) أما قلت لك؟
فرنسيس - (مبهوتاً) رن الجرس الآن فقط
جاستون - حسناً!. . اذهب وافتح (يخرج فرنسيس ويعود في الحال مصطحباً شنسيريل)
المشهد الثاني
جاستون - شنسيريل
جاستون - آه! يا صديقي. كاد ينفذ صبري في انتظارك!
شنسيريل - يبدو عليك في الواقع سيما الاضطراب الشديد
جاستون - أقابلت جانين؟
شنسيريل - نعم. ولو أنها لم تتوجه اليوم إلى محل عملها
جاستون -. و. . كيف وجدتها؟
شنسيريل - حزينة جداً
جاستون - يا للصغيرة المسكينة!
شنسيريل - (مشعلاً سيجارة) كلفتني عملاً شاقاً اصاحبي! صدقني لن أحمل نفسي بعد اليوم عناء استنطاق الفتيات التعيسات اللائي هجرهن عشاقهن. . . ساعة القطيعة. .! النهاية. . .
جاستون - عجل، قص علي ما حدث
شنسيريل - لم أمكث بجوارها أكثر من لحظة. لكن. . يالها من لحظة مشئومة!
جاستون - نعم، أقدر حالتها النفسية. . . كانت واجمة دون شك من هول الخبر، مضعضعة الحواس، يائسة. .! الواجب كان يحتم عليك أن تشجعها، أن تهون عليها. . . لكنك فضلت النكوص على عقبيك
شنسيريل - تسمح لي بالجلوس؟
جاستون - إن شئت. . . لكن حدثني. . . أوضح لي. . هل انتزع منك الكلمات انتزاعاً؟ ماذا قالت لك؟
شنسيريل - لا شيء في البدء. شاءت الحديث، لكنها لم تستطع. . شبهت على أولئك الأصدقاء الذين نواجههم بعد كارثة ألمت بهم. . نراهم صامتين، نحسبهم متماسكين صابرين. . نمد لهم يد العزاء. . فإذا بهم يجهشون بالبكاء. . ذكرت لها أني حضرت أتسقط أخبارها. . فاستفسرت عما إذا كنت قد جئت من قبلك. . .
جاستون - وأجبتها؟. .
شنسيريل - إجابة غامضة. .
جاستون - عندئذ؟
شنسيريل - شاهدت وجهها الصغير المعتم تتناهبه سمات التفكير والألم والعزم. . ثم قامت فخطت لك هذا الخطاب
جاستون - (يتناول الخطاب في لهفة وقد بدا عليه التأثر لكنه يقلبه بين يديه دون أن يجسر على فضه)
شنسيريل - يا صديقي لو تسمح لي نصحتك بإرجاء قراءة هذا الخطاب إلى غداة يوم زواجك (يجفل جاستون) لأنك صممت على الزواج
جاستون - بالتأكيد. بما أني قطعت كل علاقة لي بعشيقتي السابقة مع ذلك لكم أجبتها جانين!. . لقد كانت نعم الصديقة الحنون، النموذج الكامل لشريكة الحياة القانعة المحبة. الودود. .
شنسيريل (في ابتسامة) التي تغني بمحاسنها شعراء الشباب والربيع!
جاستون - نعم يا عزيزي روجيه، عشنا معاً قبل الحرب سنتين مترعتين بأجمل ذكريات حياتي!. .
شنسيريل - (ساخراً) أحمد الله على أنك الوحيد الذي يخرج من دنيا الغرام بذكريات سعيدة!
جاستون - غير أن هذه العاطفة الوهاجة. . لم تكن لتدوم إلى الأبد. . جانين التي تعرف دقة مركزي لم تكن لتجهل أن علاقتنا لابد آيلة إلى تلك النهاية المنطقية: الزواج، نعم الزواج الذي كان قد بات حتماً على، وقد أصبحت مضطراً أن أهجر مسكني هذا لألتجئ إلى برج العائلة، هناك في مقاطعة بريتانيا أعيش من أرضي دون إسراف. كان ذلك منذ ثلاث سنين. . إذ كنت أعتزم البعد عن باريس وعن جانين بالطبع، عندما وقعت الكارثة
شنسيريل - أية كارثة؟
جاستون - الحرب الكبرى!
شنسيريل - آه! عفواً! كدت أنسى أننا نصلاها! بالاختصار؟
جاستون - بالاختصار رغماً عن رتبة الضابط التي وصلت إليها ونياشيه الشرف الحربية التي أحملها وجراحي الباهرة التي حصدتها في المعارك لم يكن مركزي المادي قد تحسن عندما. . ساق إلي القدر العطوف. .
شنسيريل - اللؤلؤة النادرة. . . داخل علبتها الذهبية!
جاستون - لا تمزح. . . فالمدموازيل دي شاليني فتاة نبيلة جديرة بكل إخلاص ومحبة
وأقر أني أحببتها في الحال تقريباً. . .
شنسيريل - بهذه السرعة؟
جاستون - نعم في الحال. . . أحببتها. . . لا كما أحببت جانين التي عبدتها عبادة. . . بل كما أتصور أن يحب الإنسان المرأة التي اصطفاها ليجعل منها رفيقة العمر، الشريكة التي يعقد وإياها ضد الحياة وللأبد معاهدة هجومية دفاعية. . . فهذا الحب يختلف عن الآخر كل الاختلاف. . . ربما كان أقل مرحاً وظرفاً وتوثباً. . . لكنه أثبت وأعمق وأبقى!
شنسيريل - يا للجحود!
جاستون - تخطئ يا صاحبي! لم أنس شيئاً. صورة جانين مازالت مطبوعة في خاطري، ومازلت أشعر نحوها. . . بعطف ممزوج بعرفان الجميل وإني لمصمم على رعايتها وتهوين مصاعب حياتها المعيشية. . .
شنسيريل - (ساخراً) لا شك أنها تعتمد عليك في ذلك كل الاعتماد!
جاستون - أؤكد لك أنني معذب لعذابها! حاولت كثيراً تخفيف وقع الخبر عليها وتوطين قلبها لتلقى هذه الصدمة القاسية فلم أقطع صلتي بها إلا عندما أصبح الأمر محتماً. . . البارحة فقط بعد بضع ساعات من تبادلنا خاتم الخطوبة أنا ومرجريت. . . عندها وجدتني مضطراً أن أصارح جانين بحقيقة موقفي وأن أقطع كل علاقة لي بها خصوصاً وقد كاشفتني خطيبتي البارحة برغبتها الملحة في أن تراني داخل إطار مسكني. . عش العزوبة كما تسميه مداعبة. فتصورها يا صديقي وقد جاءتني صحبة مربيتها واتفق وجود. . . الأخرى! أية مأساة!
شنسيريل - فعلاً!
جاستون - تلقاء هذه الزيارة المهددة لم أتمالك من أن أبوح لجانين بكل شيء! هكذا ودعنا بعضنا وداعاً مؤثراً أظهرت خلاله رباطة جأش نادرة، حتى لقد استفهمت مني عما إذا كانت خطيبتي شقراء. . .
شنسيريل - (متشككاً) سيجارة!
جاستون - (رافضاً) شكراً (يفض خطاب جانين الذي كان يقلبه بعصبية بين يديه حتى هذه اللحظة)
شنسيريل - أما زلت مصراً على قراءة هذا الخطاب؟
المشهد الثالث
فرنسيس - فريسة اضطراب شديد) سيدي!
جاستون - ماذا تريد؟
فرنسيس - جاءت مدموازيل دي شاليني. . . مع مربيتها. . .
جاستون (إلى شنسيريل) وقع ما كنت أخشاه! (إلى فرنسيس) أدخلها (بعد خروج الخادم) لا مفر من استقبالها!
المشهد الرابع
جاستون - شنسيريل - مرجريت
جاستون - أنت مرجريت؟ (يقبل يدها)
مرجريت - (مبتهجة) نعم أنا. . . تذكر! أخطرتك أني سوف أزورك صحبة مربيتي. . . (تلمح شنسيريل) أوه! صباح الخير يا سيدي!
جستون - (مقدماً) أعز أصدقائي، روجيه شنسيريل، خطيبتي، مدموزيل دي شاليني
مرجريت - (في ظرف) نأمل أن نحظى برؤيتك قريباً في قصرنا يا مسيو شيسيريل. على شريطة ألا تبوح برؤيتك إياي هنا (تضحك) لأني أجد زيارتي هذه ولو بصحبة مربيتي الإنكليزية بعيدة عن كل لياقة.
شنسيريل - ثقي مدموازيل بتكتمي التام (منسحباً) يا صديقي العزيز. . .
جاستون - (متضايقاً) تنسحب؟
مرجريت - (لشنسيريل) بل ابق يا سيدي لن أطيل المكوث. . . مربيتي إنسانة ظريفة لكنها عصبية المزاج وأراهن أن معين صبرها قد فرغ. . .
جاستون - ما أظرف الخاطرة التي دفعت بك إلى هذه المفاجأة السارة. . . (يختلس نظرة قلقة إلى الساعة)
مرجريت - نعم الخاطرة التي جعلتني. . . أخاطر بسمعتي لأراك. . . بل نعم. . . لا تعترض. زيارتي اليوم شاذة ولا يبعد أن تثير تقولات عديدة. غير أن روح المخاطرة
تغلبت على العقل وتركتني عزلاء عن مقاومة رغبتي الحادة في رؤية خطيبي داخل مسكنه الخاص وسط الأشياء التي اعتادها في ساعة من ساعات حياته اليومية. . لكن. . . ما حل لك؟ أراك مأخوذاً مشرد الفكر. . حتى لقد سهوت عن تقديم مقعد لجلوسي. . .
جاستون - أرجو العفو يا مرجريت. . .
مرجريت - على أني في غير حاجة إلى مقعدك. فليس أمامي من الوقت متسع. . . أولى لك أن تضع جانباً هذه الورقة التي تجعدها أصابعك وتقف على خاطرك الحائر. . (يجفل جاستون لقولها، يتردد لحظة ثم يخفي الخطاب في جيبه. تلقي مرجريت نظرة جائلة حواليها) ما أبدع مجموعة السلاح التي تملكها! (تجلس في خفة على ذراع مقعد)
جاستون - هذه أسلحة أسرتي يا مرجريت
مرجريت - (في اهتمام) ويرجع تاريخها إلى أي العهود؟
جاستون - إلى عهود مختلفة، فهذا الحسام الثقيل. قاتل في سبيل الملك لويس الثالث عشر وقضى في مبارزة على أحد أعوان الكردينال الأحمر: ريشيليو، فتسبب موته في ترحيل جدي الأكبر إلى غيابة الباستيل، أما هذا الرمح فقد كافح في معركة رينان ليحمي زمار الملك. الشمس ويبقي على العرش مجد ذريته. وقد وجد بعد المعركة على ما يظهر بجوار جثة صاحبه!
مرجريت - يروقني أن أضم إلى صدري هذه الذخيرة المقدسة!
جاستون - أما هذا السيف الرقيق الناعم، سيف البلاط المزركش فلكم تخطر على ساق صاحبه وسط حفلات الملكة غير المتوجة مدام لابومبادور في رحبات القصر الملكي! (لا يتمالك نفسه عن اختلاس نظرة عجل إلى الساعة)
مرجريت - والأسلحة الأخرى؟
جاستون - هذا الصارم البتار ناضل تحت أمره القائد روشامبو في سبيل استقلال الأميريكيين، ثم دافع عن الملك التعس (لويس السادس عشر) لكنه رفض المهاجرة إلى خارج فرنسا وقاد الصفوف في معركة واترلو. أما هذا الرمح الدقيق الصنع فقد قاتل أبهر قتال في حروب أفريقيا
مرجريت - (أثناء الحوار الأخير تقدمت من المكتب، وعبثت ببعض ما عليه من الكتب.
تلمح الورود الحمراء فتنحني عليها) يا للأزهار الجميلة!
جاستون - (جافلاً) مرجريت!
مرجريت - (تهم بقطف) تسمح؟ (يشير جاستون بالنفي) لا؟
جاستون - لا
مرجريت - لمه؟
جاستون - (بالغ التأثر) لأن هذه الزهور. . . قاربت الذبول ولم تعد تصلح للزينة. . .
مرجريت - ليكن. أتخلي لك عن زهورك، لكن ما الذي دهاك فجأة؟ أأكون قد أغضبتك، عفو الخاطر؟
جاستون - مرجريت. . لا تعتقدي. . .
مرجريت - كأني بك مللت رؤيتي! أأكون تمطفلة؟ (ينظر جاستون إلى الساعة) والبرهان أنك تخالس الساعة النظر. . . (في حزن) الوداع إذن. أخطأت في مجيئي، أعذروني أيها السادة. سألحق بمربيتي (تخرج)
المشهد الخامس
جاستون - (يتنفس الصعداء) أوف! هذا الخطاب كان يلهب أصابعي!
شنسيريل - لا تتردد إذن. . . وأقرأه (يقرأ جاستون الخطاب واضطرابه يزداد فقرة بعد فقرة ثم يناوله لصديقه)
شنسيريل - (بعد قراءته) فهمت الآن سبب اضطرابك! يا للمخبولة! تريد أن تراك للمرة الأخير، وإذا لم تلمح الساعة الخامسة الإشارة المعتادة، هذه الباقة من الورود الحمراء التي اعتدت أن تضعها عند النافذة أيام كنت تنتظرها. . .
جاستون - سوف تطيع وساوس اليأس!
شنسيريل - وعلام عولت؟
جاستون - لو أنك مكاني ما الذي كنت تفعل، أنت؟
شنسيريل - أنا لا أؤمن بالانتحار العاطفي على أني لو خيرت بين أهون الشرين لفضلت أن أستقبلها. . .
جاستون - أخشى أن تكون هذه المواجهة مشئومة العاقبة. لا أذكر لنا (أنا وجانين) إساءة
تبادلناها طوال مدة علاقتنا ويحضرني أني أبكيتها يوماً. فإذا شاء القدر أن يرينيها تتألم هنا بين سمعي وبصري. . فما يدريني إذا ظللت وقتها متمالكاً نفسي؟. . .
شنسيريل - إذاً لا تستقبلها
جاستون - وإن كانت قد صممت حقيقة على الانتحار. . . (فزعاً) أوه! عندها يلازمني تقريع ضميري مدى الحياة!
شنسيريل - إذاً استقبلها وعجل فالوقت يمر (يخف جاستون إلى باقة الورود لكن ما إن يتناولها حتى يسمع نقراً خفيفاً على الباب ثم تدخل مرجريت فجأة متبوعة بفرنسيس)
المشهد السادس
مرجريت - معذرة أيها السادة أرجوكم. . . نسيت قفازي! يالي من طائشة! يا عزيزي جاستون أخشى أن تكون في نفسك فككرة سيئة عن امرأتك المقبلة! (تنظر يمنة ويسرة وفجأة وقد وجدت ما تبحث عنه) هاهو! (تلاحظ مظهر القلق البادي على جاستون) أوه! جاستون - ما بك؟ أراك تخفي عني شجناً ما.
شنسيريل - هذه المرة انسحب. تسمحين يا آنسة؟
مرجريت - تفضل يا سيدي
جاستون - (لشانسيريل وقد أوشك على الخروج) أيها الخائن أتتخلى عني وأنا في أشد المواقف حاجة إليك؟
شنسيريل - يا صديقي سوف أعود (يخرج)
مردجريت - والآن. . حدثني لا تنكر. أراك في حالة اضطراب شديد ومن غير المعقول أن يكون وجودي هو الذي يصعب عليك إلى هذا الحد
جاستون - أوه!
مرجريت - (ملحة) خبرني. إني أكاد أكون زوجتك. . إن كنت تعاني ألماً أو تقوم في نفسك رهبة مرتقبة فلي الحق أن أطالبك بنصيبي
جاستون (متأثراً) مرجريت!
مرجريت - يخيل لي أن شيئاً تبدل في عينيك وفي قلبك
جاستون - فضلت أنك لم تجيئيني اليوم!
مرجريت - إذاً لأدعك لنفسك
جاستون (في لهفة) تحسنين صنعاً
مرجريت - ألا تقتضيني أكثر من ذلك، لتستعيد صفاء نفسك لا تكذبني الحقيقة. جاستون. عهدي بك أجهر صراحة وأخلص نية. (لا يجيب) صدقني. تشرف حبنا لو أنك تفضي إلي بما يعذب قلبك
جاستون - أنت على حق. . لكن يساورني وسواس أسود إذ أعتزم أن أفتح بين يديك مغاليق روحي الحائر. مع ذلك أقسم لك أني ما تصورت يوماً موقفاً مثل هذا ممكناً وأن تتزاحم الظروف أو تترى. . . دافعة بي إلى موقف التردد بين واجبين
مرجريت - واجبين؟ ماذا تعني يا صديقي؟
جاستون - لا تحمليني على أكثر مما قلت
مرجريت - قلت أكثر مما يجب كي لا تتم. . . إن القلق الذي يساورك خف إلى قلبي وليس من مصلحة مستقبلنا أن تدعني أتخبط فيه. تكلم!
جاستون - (تعد أن يلقي نظرة محمومة إلى الساعة يخرج من جيبه الخطاب ويدفعه إليها بعد تردد قصير) إذن، إقرأي!. .
مرجريت - (تقرأ مرتعشة وقد تهالك جاستون على مقعد ثم تقول في صوت أبح) هذا هو السر!
جاستون - (متأثراً) عفواً (تكاد مرجريت تهوي إعياء فيحاول أن يسندها) مرجريت
مرجريت - (تدفعها عنها في رفق) لم يصبني أذى. . أرجو العفو. . . لكني أحس ألماً ممضاً. . .
جاستون -! مرجريت أخطت إذ بحت لك. . .
مرجريت - (مقاطعة) بالمرة، جاستون. لي سؤال واحد: هذه الإنسانة، مدموازيل. . . (تعود إلى الخطاب) جانين له هي جديرة حقاً بالـ. . . بالاهتمام الذي حملته لها مدى عامين؟
جاستون - نعم يا مرجريت
مرجريت - آه! (تندفع إلى باقة الورود وتضعها على منضدة أمام النافذة.)
جاستون - (في لهفة) ماذا تصنعين؟
مرجريت - أعطي الإشارة
جاستون - كيف؟ تجيزين لي استقبالها؟
مرجريت - أنت؟ لا. . بل أستقبلها أنا
جاستون - أنت؟ لكن هذا محال. .
مرجريت - لم؟ أتخشى على حياتي؟
جاستون - كلا، أخاف عليك مما ينتظرك من عميق التأثيرات. . .
مرجريت - أعنف التأثرات شعرت بها وأنا أقرأ هذا. . (تشير إلى الخطاب) والآن دعني أعم ما يتراءى لي
جاستون - لكن. .
مرجريت - لا تعاند (يسمع رنين الجرس ويدخل فرنسيس على الأثر) أدخل السيدة، فرنسيس (يدهش الخادم لكنه ينحني ويختفي) إن مقاديرنا الساعة في كفتي ميزان. صدقني جاستون. يجب أن أواجه الآن هذه الفتاة. . أحس حاجة ملحة في أن أستوضح أشياء. . دعنا أرجوك، سوف أرجوك، سوف أدعوك في الوقت المناسب
جاستون - (يحاول إقناعها وهي تقوده إلى الباب) مرجريت. . لا أحتمل أن أتصورك أنت خطيبتي. . زوجتي. .
مرجريت - خطيبتك نعم!. . أما زوجتك، فلم أصرها بعد. ينسحب جاستون منهزماً (تبقى مرجريت وحيدة فريسة اضطراب بالغ وقد لفت وجهها تجاه الباب متكئة بيد إلى المكتب)
المشهد السابع
مرجريت - جانين
جانين - (تدخل مندفعة) آه! عفواً. مدام. . أبحث عن جاستون (مستدركة) لكن. . . من أنت؟ آه!. . . حزرت من تكونين!. . . ووجدت من نفسك الشجاعة على اقتحام باب عشيقي؟! (تندفع نحو الباب فتهزه في عنف جنوني)
مرجريت - (صارخة) ابقي!. . (تلتفت جانين إليها، دهشة فتقول لها في لهجة أرق) أتوسل إليك!. . .
جانين - (دهشة) تتوسلين إلي؟
مرجريت - نعم، إن دعى الحال. . . لأستبقيك.
جانين - والداعي؟
مرجريت - لأعلم إذا كان الخطاب الذي وجهته إلى. . . المسيو كيرولون.
جانين - (ثائرة) وأطلعك عليه؟. . .
مرجريت - لم يطلعني عليه بدافع عاطفة الزهو التي تتصورين.
جانين - قبل أن نخوض غمار هذا الحديث الشاذ، خبريني. . ماذا تصنعين في هذا البيت، أنت ما من ليس مكانك هنا؟
مرجريت - أتعرفينني؟
جانين - حدثني عنك بما فيه الكفاية!
مرجريت - إلى هذا الحد؟
جانين - لقد تابعت خيالك الممقوت في نظراته الشاردة، في فترات صمته الحالم بل وفي كل همسة وحركة. . . . آه! لكم عذب قلبي وأضناه (تلتفت حواليها) ألهذا السبب بات الآن يخشى مقابلتي؟
مرجريت - تخطئين، مدموازيل. . لك أن تقابليه إن رغبت. . . على أني شئت قبلها أن أحادثك وبما أن الصدف الأليمة تسوق بين يدي هذه الفرصة السانحة
جانين - لا أطمع في شفقتك، مدموازيل!
مرجريت - وأنا لا أسمح لنفسي بها. . ولكن ألا يمكنني أن أحاول تهوين وقع. . .
جانين - مصابي؟ وكيف؟ أتعشم أن لا يكون ذلك بتقديم. . ما في مكنة الوارثات السريات أمثالك أن تقدميه من مال. . . ما أهون الثمن!
مرجريت - أسفاه
جانين - لا تشتكي، فلولا مهرك لما فزت بالزواج من جاستون
مرجريت - هل ألقى جاستون في روعك أنه يقترن بي طمعاً في ثروتي؟
جانين - (هازة كتفيها) لو أنه صارحني بذلك لما صدقته. .
مرجريت - إذن؟. . . آه!. . فهمت ما يجول بخاطرك وهو أسمى مما نطقت به؛
تتصورين أن مالي سيساعد بلاستول في جهوده المقبلة، لكنك تتناسين، أنه في مقابل ذلك يحمل إلي كنزاً لا يقوم بثمن من التقاليد المجيدة والأفكار المبتكرة التي تفوق في قيمتها جميع أموال العالمين. واتفقت معي من برهة على أن جاستون يشعر نحوي بعض العطف وأنا، من جهتي. . لا لا. عفواً:
جانين - أنت تحبينه، حزرت ذلك
مرجريت - إذن. . ألا تجدين ارتياطنا طبيعياً؟
جانينن - لو أنني أملك ثروتك لفكرت مثلك، على أنك محقة في النهاية، خذي إذن جاستون، امضي، وثقي أنه أسعد منك حظاً: سوف تكونين ملكاً له بكليتك. أما هو فلن ينالك منه أكثر مما تركت لك من فضلات. .
مرجريت - لم توجهين إلي هذه العبارات القاسية؟
جانين - إنني أحمل في قلبي سنتين من أجمل سني شبابه بما فيهما من فتوة حارة. . . ونشوة فياضة. . .
مرجريت - أوه! صمتي!
جانين - (متهالكة على المقعد) أضحي بالحزن يعميني حتى ليدفع بي إلى الشر والأذى
مرجريت - مدموازيل. . .
جانين - دعيني وشأني.
مرجريت - جانين، هل لك أن تجيبيني على سؤال أخير يجمع تذكاراتك الحية، يجمع قلبك المعذب في صراحة تامة؟
جانين - وهل أملك من الجهد ما أجيبك به على سؤالك؟
مرجريت - قد يبدل ردك حظوظنا نحن الثلاثة. أتفهمين؟ إذن أجيبي. هل وعدك جاستون يوماً ما. . بالزواج؟
جانين - وعدني بالزواج؟. . كلا لم يعدني بشيء!
مرجريت - (تتنفس) و. . سامحيني إن كنت لح، لكني في أشد الحاجة إلى استيضاح الحقيقة كاملة. . ألم يحاول جاستون أن يعللك بيوم مقبل تصبحين فيه زوجته دون أن يقطع على نفسه عهداً صريحاً بالزواج؟ أقسم لك بأعز من أحب لو أنه بذر في قلبك مثل هذه
الفكرة لأكونن على استعداد تما للابتعاد عنه إلى الأبد دون أمل في الرجوع. . (ترفع جانين رأسها في بطء) وتطيل النظر لحظة إلى مرجريت ثم تطرق من جديد) لم لا تجيبين؟
جانين - وما الفائدة؟. . ألا تحسين أني ما عدت آمل شيئاً؟
كلا لم أحب جاستون إلا حباً خالصاً لا يداخله وعد ولا أمل. . إني لم أكن اجسر على المجيء إلى هنا إلا عندما كنت المح من الشارع قرب النافذة هذه الباقة من الورود الحمراء. . . فهل كان في مكنتي أن أحلم بمشاركته يوماً في حياته النبيلة، أن أحيا بقرب هذه المجموعة من الأسلحة الأثرية , , أمام هذه الصور العائلية التي يطالعني منها الأشراف والقواد العظام، أنا ابنة الشعب البائسة؟ صدقيني يا مدموازيل. . مثل هذا الحلم الباهر لم يقم بخاطري. . على أني لا أملك نفسي عن الشعور بأن كل شيء قد انتهى. . (تنكي)
مرجريت - (في تأثر بالغ) وهل أنا التي أهجت في قلبك هذا الألم الممزق؟. . آه عفواً! يا صغيرتي جانين
جانين - ليس في مقدورنا الآن أن نبدل شيئاً!
مرجريت - من يدري؟
جانين - لو أنك شئت إعادة جاستون إلي لما استطعت. . لن يعود بعد اليوم. . . انتهى. . . على أني أفضل الآن وقد عرفتك أن تكوني أنت التي تمضين به لا امرأة أخرى. . . لكن عفوا!. . . عيوني مازالت تغص بالدموع. . . مدموازيل! اغفري لي أقوالي الطائشة التي فهمت بها منذ لحظة. . . كنت مجنونة. . . لم أك أتوقع رؤيتك هنا. . . أسأت إليك، فعفواً! والآن، وداعاً!
مرجريت - ألا تفضلين رؤيته قبل الرحيل؟
جانين - (بسرعة) كلا.
مرجريت - إذن، قبيل أن نفترق، يا جانين، عديني بأن ما ورد في خطابك قد تبخر. . . أتسمحين لي أن تكوني جد شجاعة؟ (تسير جانين) مهما تصورتني بعيدة عنك فثقي أن لك في صديقة حبيبة. . .
جانين - الوداع يا مدموازيل (تجيل بصرها في أنحاء الججرة) أبحث عن تذكار. . . هذه الورود. . . (تنزع الزهور في لهفة من الآنية) إنها ملكي هذه الورود! كل ما أملك من متاع العالم! (في يأس دامع) على أن الزمن العاتي سينويها عن قريب! (تضم باقة الورد إلى قلبها وتختفي) (تتابعها مرجريت في نظرة أليمة ثم تسقط باكية على مقعد أمام المكتب)
المشهد الثامن
مرجريت - جاستون
جاستون - (مقبلاً) أأنت وحدك؟
مرجريت - (ترفع رأسها دون أن تنظر إليه) فضلت ألا تراك، على أنها وعدني ألا تستسلم إلى اليأس
جاستون - مرجريت
مرجريت - يا للصغيرة المسكينة لن تبرح خاطري صورتها وهي تمضي إلى حال سبيلها، وحيدة، باكية
وقد ضمت إلى صدرها تلك الباقة من الورود الحمراء. . التي تشبه قلبها الدامي.
جاستون - مرجريت! كأني بك لم تعودي تحبينني. أتجدينني مذنباً
مرجريت - لا يا جستون. إني لا أتهمك. لقد دفعت عنك جانين لم تكن تلك خطيئتك، بل خطيئة المقادير، خطيئة الحياة، الحياة التي تجعلنا بالرغم منا قساة إلى هذا الحد