الجمعة، 6 مارس 2015

من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وقدرتنا محمد وعلى آله وصحبه.


وبعد, فماذا على الأحياء أن يفعلوا بعد فراغهم من دفن الميت؟ وما هو حكم زيارة القبور للرجال والنساء وما هو أثرها؟ وما هي الآداب؟ التي ينبغي مراعاتها عند الجلوس أو المشي بين القبور؟ وبماذا ينتفع الأموات من الأحياء بعد موتهم؟ وهل ينتفع الأحياء من الأموات بشيء؟ هذا هو آخر ما يمكن أن نختم به كلامنا عن الموت وتوابعه وقد طال كثيراً أو لنجعل ذلك آخر كلامنا على هذا الموضوع.
أما ماذا على الأحياء أن يفعلوا بعد فراغهم من دفن الميت، فلم يصح الحديث الذي شاع العمل به في الكثير من البلاد الإسلامية في التلقين. تلقين الموتى لم يصح ذلك والحديث فيه ضعيف لا يصح عن رسول الله نقلاً وكذلك عقلاً لا يصح لأن سؤال ملكي القبر فتنة وامتحان واختبار فكيف يمكن أن يتلقن من قصّر في حياته الجواب عن سؤال فتنة. بل الأمر على دربين: رجل ثبته الله تبارك وتعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا ويثبته الله تعالى به في الآخرة فهذا يجيب جواباً سديداً ولا يهال عند سؤال الملكين وعند رؤيتهما كما قال الله تعالى في الآية السابعة والعشرين من سورة إبراهيم: يُثَبّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ.
ورجل ـ والكلام عام قد يكون رجلاً أو امرأة أو فريق ـ أضله الله في الحياة الدنيا لأنه يُضل الظالمين فلا يستطيع جواباً ولا يملك رداً مهما لُقّن ومهما قيل له قل لا إله إلا الله، وسيأتيك ملكان فقل لهما وقل لهما. لا يجدي ذلك شيئاً لأن الله قال في نهاية هذه الآية: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء [إبراهيم:27].
أما الذي يُفعل فهو الاستغفار والدعاء بالتثبيت للميت مصداقاً لما رواه أبو داود عن عثمان بن عفان قال كان رسول الله إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: ((استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل)).
وأما حكم زيارة القبور؟ فالزيارة مستحبة للرجال دون النساء, وخرجت النساء من هذا الحكم بما رواه أصحاب السنن وحسّنه الترمذي عن ابن عباس ما قال: (لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسُرج). لعنهم رسول الله فعليهن أن يتجنبن أن تحيق بهن لعنته ولقد ثبت أيضاً في بعض السنن أنه لقي ابنته فاطمة ريحانته فسألها: ((ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟)) قالت: رحمت على أهل ذلك الميت ميتهم، فقال: ((فلعلك بلغت معهم الكُدى))، هل ذهبت إلى المقابر كما فسره ربيعة بن سيف أحد رواة هذا الحديث. ((هل بلغت الكدى؟)) قالت: معاذ الله وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر قال النبي : ((لو بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة حتى يراها جدُّ أبيكِ)).
ولا يعارض ذلك الأحاديث التي احتج بها بعض الفقهاء، منها حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي لما زار البقيع في ليلتها فتبعته ثم رجعت ثم عرف أنها تبعته وقال لها: ((أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله)) ثم فهمها أنه أمر بزيارة المقابر وأنه ما خرج من عندها ليظلمها، ثم قالت له بعد ذلك: ماذا أقول لهم: أي لأهل المقابر؟ قال: ((قولي السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين أو دار قوم مؤمنين يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون, يغفر الله لنا ولكم)). كما في بعض الروايات الآخرى.
فهذا لا يحتج به لأن عائشة ا حفظت كثيراً من رسول الله وبلغته للناس فلعل هذا مما ينتفع به بعد ذلك لتعلمه للناس، أو لتقوله إذا مرّت مروراً عابراً على المقابر ولم تقصده قصداً. وهذا ما حدث لما قدمت مكة حاجة وزارت قبر أخيها عبد الرحمن فلما سألها التابعي الجليل عبد الله بن أبي مليكة: يا أم المؤمنين أين كنت؟ قالت: زرت قبر أخي عبد الرحمن، قال لها: أليس كان النبي نهى عن زيارة القبور؟ قالت: بلى، لو شهدته ما زرته، لأنه كان قد مات بالحبشة ثم نقل إلى مكة، لو شهدته ما زرته، وفسّره العلماء من أمثال ابن القيم وشيخ الإسلام وغيرهما رحمهم الله: بأنها لم تقصد إليه قصداً بل كان في طريقها إلى الحج.
والزيارة للرجال: مستحبة بحديث مسلم وغيره عن أبي هريرة عن النبي : ((زوروا القبور، فإنها تذكر الموت)) وبحديث بريدة عند مسلم كذلك عن النبي : ((زوروا القبور, فإنها تذكر الآخرة)). زيارة القبور ترقق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة، فمن منا خصص لذلك الشأن يوماً في سنته أو شهره يحاول بهذا الأمر أن يرقق قلبه وأن يُعوِّد عينه الجامدة على أن تذرف الدمع. فكم رققت الدموع قلوباً لما سالت معبرةً عما في النفس من إحساس بالتقصير في حق الله تبارك وتعالى، ومن خوف ورهبة من يوم عصيب ينتظر المقصرين والفاجرين، الدموع إذا ذرفتها الأعين من هذا الباب يكون لها أكبر الأثر على القلوب ويكون لها أفضل الأثر على الجوارح وعلى الاستقامة.
زيارة القبور، زوروا القبور فإنها تذكر الموت وتذكر الآخرة ثم بعد ذلك أيها الأخوة الكرام ماذا من تحذير النبي من الأمور في شأن القبور من الأمور التي شاعت ولم يُنظر فيها إلى بيانه ، وكانت من آخر ما نبه عليه قبل مماته.
ما رواه [الشيخان] متفقين عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((قاتل الله اليهود ـ وفي رواية لمسلم: والنصارى ـ اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد)) أي: لعنهم الله اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وفي ذلك تحريم بناء المساجد على القبور، وإن عائشة لتقول في نفس الحديث في روايتها: (يحذر ما صنعوا).
أي قال ذلك قبل وفاته يحذر ما صنعوا، لأن المسلمين قد ورد في حقهم كما قال النبي أنهم سيتبعون اليهود والنصارى شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا حجر ضب لدخله المسلمون ورائهم, أي سيتبعونهم.
ولذلك حذر النبي ، قالت عائشة: (يحذر ما صنعوا).
فلا تُتخذ السرج، وهي جمع سراج للإضاءة والإنارة على القبور ولا تتخذ المساجد ولا يصلى على القبور ولا يُصلى إليها، ولا يستغاث بها ولا يلجأ إليها إلى غير ذلك من الأمور التي خولف بها رسول الله أشد وأعظم المخالفة، ثم على الناس إذا توجهوا إلى القبور لزيارتها أن يراعوا آداباً فإذا جلس الزائر بين القبور:
يُستحب له أن يستقبل القبلة لما أخرجه أبو داود عن البراء قال: خرجنا مع رسول الله في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد، فجلس رسول الله مستقبل القبلة وجلسنا معه. يجلس مستقبل القبلة.
ولا ينبغي أن يجلس الزائر على القبر لما أخرجه الجماعة إلا البخاري والترمذي، عن أبي هريرة عن النبي قال: ((لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر)) لأن ذلك يؤذي صاحب القبر، ولا ينبغي أن يستهان بذلك، ويقال هل يشعر بشيء إنه قد مات فنقول: خرج الإمام أحمد عن عمرو بن حزم قال: رآني رسول الله متكئاً على قبر فقال: ((لا تؤذِ صاحب هذا القبر, أو لا تؤذِهِ)) لا تتكئ.
وعليه كذلك السائر: أن يخلع نعليه لما أخرجه أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه، عن بشير ابن الخصاصيّة أن رسول الله رأى رجلاً يمشي بين القبور وعليه نعلان سِبْتِيَّتَانِ فقال: ((يا صاحب السِّبْتِيَّتَيْنِ ألقِ نعليك)) السِّبْتِيَّتَين: أي النعلين المصنوعة من جلود البقر وقد أزيل ما عليهما من شعر.
ثم نأتي إلى ما ينتفع به الأموات من الأحياء: بماذا ينتفع الذين ماتوا من أحيائهم وقراباتهم وإخوانهم في الله، فينتفعون منهم بما نص عليه حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره الصدقة الجارية والعمل النافع وبدعاء الولد الصالح وبدعاء غيره من الأخوة الصالحين وبالصيام وهذه بعض الأحاديث الواردة في انتفاع الأموات من الأحياء:
فقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو عنهما أن العاص بن وائل ـ وقد مات مشركاً وهو أبو عمرو وهشام ـ نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنه، وأن هشام بن العاص نحر حصته خمسين بدنه ـ لأنه لم يُخلّف إلا ولدين فنحر هشام خمسين ـ وأن عمرو سأل النبي عن ذلك فقال: ((أما أبوك فلو كان أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه لنفعه ذلك)). لو قال لا إله إلا الله, لو مات موحدا,ً ففي ذلك دليل على أن النجاة والخلاص بتوحيد الله تبارك وتعالى وسلامة الاعتقاد وعدم الالتجاء إلى غيره تبارك وتعالى, لو أقر أبوك بالتوحيد لنفعه ذلك أما الآن فلا، لا.
التوحيد أن يوحد الله تبارك وتعالى لأنه جدير بذلك وحري أنْ يوحَّد خالق السموات والأرض وما بينهما خالق الناس ورازقهم، وفي ذلك ما فيه مما ينبغي إلا يغفله مسلم َلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ موحدون إياكم وما يوقعكم في دائرة الشرك فتذهب أعمالكم سدىً وهباءً، لو أقر أبوك بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه لنفعه ذلك.
وروى أبو هريرة عن النبي أن رجلاً قال للنبي عليه الصلاة والسلام إن أبي مات ولم يوص أفينفعه أن أتصدق عنه قال: ((نعم)) [رواه أحمد والنسائي وابن ماجه].
وعلى النقيض من عدم نفع التوفية بالنذر والصوم وغير ذلك في حق المشرك، على النقيض من ذلك ينفع المسلم الموحد الصدقة عنه وغير ذلك من القرب المنصوص عليها.
الصدقة الجارية: ((إذا مات الإنسان إنقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)).
وعن عائشة ا أن رجلاً قال للنبي : (إن أمي افْتُلِتَتْ نفسها، ـ أي ماتت فجأة ـ وأظنها لو تكلمت تصدقت), أضنها لو عاينت ما في القبور قالت تصدقوا عني، نعم لإنه ليس المخبر كالمعاين، الكلام كثير وتستمعون إلى الكثير من الأخبار لكن ثقوا أن كل ذلك لا يساوي شيئاً عند معاينتكم ما نخبركم به اليوم، عند معاينة ما في القبور وما ينتظركم عند النشور بين يدي الله تبارك وتعالى, كل ما تستمعون إليه الآن لا يساوي شيئاً عند المعاينة، وأراها لو تكلمت تصدقت أراها لو أتيح لها الكلام لقالت تصدقوا عني, (فهل لها أجر إن تصدقت عنها)، قال: ((نعم)) [متفق عليه].
وعن ابن عباس ما أن رجلاً قال للنبي : (إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها)، قال: ((نعم)) قال: (فإن لي مخرفاً)، المخرف أو المخراف: هو الحديقة من النخل أو العنب أو غيرهما، (فإن لي مخرفاً فأنا أشهدك أني قد تصدقت به عنها).تصدقت بهذه الحديقة عن أمي. هكذا ينتفع الأموات من الأحياء بالصدقة والصيام خاصة إذا كان نذراً نذروه وهو الأولى. وبالعلم النافع الذي علّموه للناس وبالدعاء الصالح من الولد وغيره.
فمن الولد: فبما صح من الحديث.
ومن غيره: فالحديث الذي نص على أن أفضل الدعاء أن تدعو لأخيك بظهر الغيب، فإن لك ملكاً موكلاً كلما دعوت لأخيك بظهر الغيب فإنه يقول: ولك مثل ذلك.
وأما الأحياء: فهل ينتفعون من الأموات بشيء: لا، لا ينتفعون منهم بشيء وأما ما صار إليه كثير من الناس اليوم في لجئهم إلى الموتى وإلى أهل القبور واستغاثتهم بهم فذلك من الضلال والبعد عن الصراط وعن دين الله تعالى الحنيف المائل عن الشرك. بماذا ينتفع الأحياء ممن ماتوا، لقد روي عن مطرف بن عبد الله التابعي الجليل أنه ذهب لزيارة القبور ثم تنحى عن القبر وصلى ركعتين ونام فرأى ميتاً من أموات هذه المقبرة في منامه يقول له: أرأيت هاتين الركعتين اللتين خففتهما، ـ الركعتين اللتين صليتهما وخففتهما ـ ما نحن اليوم بحاجة إلى شيء مثل حاجتنا إلى هاتين الركعتين.
ركعتان خفيفتان الميت ينتفع بمثلهما هل تتنفع أنت منه بشيء، المسلم المؤمن الموحد يحتاج اليوم لركعتين خفيفتين من اللتين خففتها أنت، نعم، فلقد قال ابن المبارك لرجل قام يسأله في جنازه سؤالاً فقهياً علمياً فقال له: "يا هذا اشتغل بالتسبيح فإن الذي على السرير حيل بينه وبين التسبيح". الذي نحمله الآن على أعناقنا حيل بينه وبين التسبيح, فأراد له أن يمشي في صمت في الجنازة لأن هذا هو الذي عليه الأمر بعد رسول الله ، الصمت في الجنازة لا كما يفعل الناس اليوم وحدوا وأشهدوا وما إلى ذلك, والذين يمشون في الجنازة يتكلمون مع بعضهم البعض في الدنيا وأحوالها وغلائها وأسعارها. لا, يريد أن يلفته إلى الصحيح، اشتغل بالتسبيح، ليس هذا أوان السؤال، هكذا الميت في حاجة ماسة إلى ما يثقل ميزانه، فنلجأ إليه! ونستغيث به! لماذا؟! والله تعالى في الآية السادسة والثمانين بعد المائة من سورة البقرة قال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.
وكل الأسئلة أو معظمها في القرآن يقول الله لنبيه فقل: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفاً [طه:105].
لم يرد الله أن يكون بينه وبين عباده واسطة ولو كانت كلمة [قل] كما في هذه الآية، لم يقل فقل إني قريب، ليس هناك واسطة ولو حتى كلمة [قل]، بخلاف بقية الأسئلة، وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]. وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220]. يَسْئَلُونَكَ عَنِ الاهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ [البقرة:189]. إلى غير ذلك.
أما هناوَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ.
والأموات يحتاجون ولو إلى ركعتين لأنه يوم القيامة سيدعى الذين امتنعوا عن الصلاة إلى السجود فلا يستيطعون وسيندمون ندماً ليس بنافع وليس بمُجْدٍ كما قال الله تعالى في الآيتين الثانية والأربعين والثالثة والأربعين من سورة القلم: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ وهم معافون وهم طيبون أصحاء: اسجدوا, صلوا، أطيعوا. لكنهم رفضووا. حتى لو أرادوا أن يسجدوا فلن يستطيعوا تصلبت الظهور، تصلبت الأعضاء وعصت أصحابها؛ لأنهم لم يستعملوها في الدنيا للسجود وللطاعة.
اللهم اغفر لأموات المسلمين والمؤمنين جميعاً وارحمهم، اللهم عافهم جميعاً واعف عنهم، اللهم تجاوز عن سيئاتهم وارحمهم، اللهم جازهم بالإحسان إحساناً وبالسيئات عفوا وغفراناً، اللهم ارحمنا إذا صرنا لما صاروا إليه تحت التراب وحدنا.





هذا الحديث الذي طال عليكم كثيراً في أمر الموت وتوابعه ما أجد لي ولكم نصيحة إلا ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ما عن النبي قال: ((من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)) من أحب الزحزحة عن النار يوم القيامة ودخول الجنة, ماذا تنصح من أحب ذلك يا رسول الله؟ فلتدركه منيته, ساعته وأجله, وهو على حال اليقين بالله واليوم الآخر وهو ما ننشدكم إياه ونطالبكم وأنفسنا به؛ أن نستيقن, فإن الذين حُدثوا عن الآخرة وعما ينتظرهم لقاء جحودهم ومعاصيهم كانوا يقولون: إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية:32].

آفة الناس وسبب بعدهم عدم استيقانهم، لا يستيقنون الإيمان بالله واليوم الآخر، ماذا يقتضيه الإيمان بالله واليوم الآخر؟ يقتضيك أن ترى الله في عملك, مطلعاً عليك قريباً منك، ترى الجنة إذا عملت عملاً صالحاً لتحرص على أدائه على أكمل وجه مخلصاً مصيباً في أدائه، وأن ترى النار إذا سولت لك نفسك أن تعصى الله.

اليقين بالله واليوم الآخر، اليقين هو دواؤنا جميعاً، أن نستحضر قرب الله منا وإطلاعه علينا.

فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر, وماذا أيضا؟ وليأت للناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ليتعامل مع الناس على الوجه الذي يحب أن يُتعامل معه.

هكذا السبيل هكذا النصيحة التي نصحنا بها النبي . ومن أراد بعد هذا الحديث الطويل عن الموت أن يتعظ ويتذكر فلينتصح بنصيحة رسوله ونبيه الخاتم ليؤمن بالله واليوم الآخر إيماناً يدفعه إلى العمل، لا إيماناً كإيمان المرجئة الذين يقولون الرب رب قلوب وينصرفون عن الأعمال ويقولون لا يضر مع الإيمان شيء، أبداً أبداً فإن الله تبارك وتعالى يقول في غير ما آية: الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ.

لا يتخلف العمل عن الإيمان ثمرته فاستيقنوا بالله واليوم الآخر، فلقد قال ابن مسعود فيما رواه عنه الإمام أحمد: (الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله).


0 التعليقات:

إرسال تعليق