الخميس، 26 فبراير 2015

كيف يغرق من بيده طوق النجاة؟


كيف يغرق من بيده طوق النجاة؟

الْحَمْدُ للهِ رب العالمين، الملك الوهاب، يتوب على من تاب، ويقبل عودة من عاد إليه وأناب، أحمده سبحانه بما هو له أهل من الحمد واثني عليه، وأومن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، غفَّار الذنوب وعلاَّم العيوب، ومقلب القلوب، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُه وَرَسُولُهُ، وصفيُّه من خلقه، ومصطفاه وحبيبه، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير والبشير النذير اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وَعَلَى آلِهِ وَأصَحْابِهِ، ومن سلك نهجهم و اهْتَدَى بِهَدْيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أيُّهَا المُسْلِمُونَ: اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعلموا أن التوبة الصادقة النصوح، هي باب رحب مفتوح، يدعونا القرآن الكريم إلى وُلُوجِهِ، ويَحُثُّنَا على دخوله يقول الله تبارك وتَعَالَى: , يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً - ، إن المؤمن قد تنزلق قدمه فيعصي الله وهو سائر إلى الله، إنه وهو يؤدي ما عليه من واجبات يُفاجأ بسقطة في المعصية، فلا يواصل السقطات بل يدهش مما حدث، ويخجل مما وقع، ويتوب فورا إلى الله فيتوب الله عليه لأنه تاب من قريب، والله بفضله ورحمته ضمن قبول توبته يقول الله تَعَالَى: , إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً - ، إن في الإنسان مادتان مادة طينيه، ونفخة إلهية، يمثل مادته الطينية جسده المكوَّن من لحم وشحم ودم وعظم وغير ذلك، ويمثل النفخة الإلهية روحه،فهو أحيانا يخلد إلى الطين فيسقط ويزل، فعفو الله يتسع لهذه السقطات إذا تاب إلى الله وأناب دون إبطاء وتسويف يقول الله تَعَالَى: , الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الاِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ - ، وعلَّل الله هذا العفو فقال: , هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ - ، إن التوبة تصحيح سريع لكل خطأ ومتابعة مستمرة لكل سيئة وهي إذا كانت صادقة نصوحا محت الخطايا وعاد بها التائب كما ولدته أمه كأنه أُنشئ نشأة أخرى.

يقول الرسولe : ((إذا تاب العبد من ذنوبه أنسى الله عز وجل حفظته ذنوبه وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض حتى يلقى الله يوم القيامة وليس عليه شاهد من الله بذنب)) ، بل إن البشرى تُزَفُّ إلى التائبين الصادقين في توبتهم بما هو أكثر من محو الذنوب وذلك بتبديل السيئات حسنات يقول الله تَعَالَى: , إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً - ، وقد قيل: ((التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيئ الإخوان)) ، وإذا كانت التوبة من ذنب لا حقَّ لآدمي فيه فلا بُدَّ من توافر ثلاثة شروط فيها: أحدها الإقلاع عن المعصية ، وثانيها الندم على ما مضى، وثالثها العزم على عدم العود إلى الذنب، فإن تعلق بالذنب حق آدمي بريء من حق صاحبه، فإن كان مالا ردَّه، وإن كان قذفا مَكَّنَ المقذوف من نفسه أو طلب العفو منه، وإن كانت غيبة استحلَّه منها.

عِبَادَ اللهِ :

لا تستعظموا أمام عفو الله وسعة رحمته ذنبا من الذنوب فمهما كان الذنب عظيما، والجرم جسيما فعفو الله أعظم واحذروا القنوط واليأس فإنه سلاح من أسلحة إبليس، يظل يوسوس للمذنب بأنَّ ذنبه أكبر وأعظم مِنْ أن يكون له توبة، حتى يتمادى المذنب في ارتكاب الذنب وما هو أخطر منه وأعظم، ولهذا حذَّر الله من اليأس وجعله سبيل الكافـرين يقـول الله تَعَالَى: , إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ - ، وحذَّر من القنوط وجعله طريق الضالين يقول الله تَعَالَى: , وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ - ، ويقول: , قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ - ، إن الذي يظن أن تخويف الناس وترهيبهم أحق وأولى وأصلح من تبشيرهم وفتح باب الأمل أمامهم رَكِبَ أعظم الشطط، وغلط أقبح الغلط، فالقرآن الكريم فيه البشارة والنذارة، يقول الله تَعَالَى: , نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ - ، وقد قدَّم الله المغفرة والرحمة على العذاب، وذكر الرحمة والمغفرة بأبلغ التأكيدات على أنهما صفتان له سبحانه فقال: , إني أنا الغفور الرحيم - ، وحين ذكر العذاب لم يقل أنا المعذب كل هذا وغيره في القرآن الكريم يفتح أمام العبد أبواب الأمل، فيعود إلى الله على عجل، لأن التسويف هلاك يقول الرسول e : ((هلك المسوفون))، ويقول: ((احذروا التسويف فإن الموت يأتي بغتة ولا يغترن أحدكم بحلم الله عز وجل فإن الجنة والنار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ثم قرأ: , فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ - ، ويقول تَعَالَى: , وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً - ، إن الذي ينكب على المعاصي باستمرار مستهينا بمن عصاه ، غير عابئ بمراقبة الله قد تحاصر المعاصي إيمانه حتى تخنقه يقول الرسول e: ((إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي قال الله :كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )).

فاتقوا الله ـ عِبَادَ اللهِ : ـ واحذروا المعاصي والإصرار عليها، واتقوا إِلْفَهَا والركون إليها، فإذا زللتم ووقعتم فيها فأسرعوا بالتوبة إلى العزيز الغفار، واحذروا التسويف والإصرار فإنه لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع التوبة النصوح وكثرة الاستغفار.


*** *** ***


إن التوبة هي طوق النجاة للمذنبين، فكيف يغرق من بيده طوق النجاة؟ وكيف يضل في كل اتجاه؟ إن الطريق أمامكم مرسوم والسبيل إلى إصلاح الخلل معلوم، ليس العيب في حدوث الأخطاء فكل بني آدم خطَّاء، إنما العيب كل العيب في الإصرار على الخطأ والاستمرار عليه، لقد أوضح القرآن الكريم والرسول الكريم أمامكم السبيل ونصبا الهادي والدليل فلا تركنوا إلى الضلال وتَدَعُوا الهدى وإلا ضاعت حياتكم وأخراكم سدى، واعلموا أن من أحسن فيما بقى له من عمر ليس كمن أساء فيه يقول الرسولe : ((من أحسن فيما بقى غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقى أخذ بما مضى وما بقى)) ، عليكم أن تخافوا الله وترجو رحمته فبالخوف والرجاء يأمن المسلم من الهلاك وينجو، لقد دخل رسول الله e على شاب وهو في الموت فقال: ((كيف تجدك ، قال: أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله e : لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف)).

وحسِّنوا ظنكم بالله فإن حسن الظن من حسن العبادة فعن جابر ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَ ـ أنه سمع النبي e قبل موته بثلاثة أيام يقول: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل)).

0 التعليقات:

إرسال تعليق