الأحد، 17 مايو 2015

مكانة الخشوع في الصلاة


مكانة الخشوع في الصلاة

-----------------------

الحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يحمد، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمد، وعلى آله وصحبه ومن تعبد…

إن من أركان الإيمان الستة الإيمان بكتب الله المنزلة الذي كان آخرها وخاتمها والمهيمن عليها القرآن الكريم والإيمان بالقرآن يعني التصديق بما فيه جملة وتفصيلاً مع العمل بما وجب العمل به في القرآن. وكذلك من أركان الإيمان الستة الإيمان بالرسل الذين كان خاتمهم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم. والإيمان بهذا الرسول الكريم يعني طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر.

وقد جاءنا القرآن وجاءتنا السنة بأخبار كثيرة كلها صدق وحق.

لكن  قد لا تبدو بعض الأمور واضحة جلية عند بعض الناس ممن لم يحصل قدراً من الإيمان يحصنه من الوقوع في براثن الشيطان فتكون الحصيلة شكاً أو تكذيباً في بعض الأخبار القرآنية أو الأحاديث النبوية فيقع صاحب ذلك الإيمان المزعزع في الكفر عياذاً بالله مكذباً ببعض تلك الأخبار أو شاكاً مشككاً فيها.

أما المؤمنون الموحدون الذين يصدقون ويؤمنون بكل ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنهم يقولون: ءامَنَّا بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا [آل عمران:7]. يؤمنون بأخباره ويعملون بأحكامه ويسلموا تسليماً. لا شك ولا اعتراض بل يقين وتسليم أولئك هم المؤمنون حقاً.

وبعد  فهذا خبر من أخبار الكتاب الكريم يقول الله تعالى فيه كما في سورة العنكبوت: اتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصلاةَ إِنَّ الصلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].

 تنزيل هذه الآية على حال كثير من المصلين اليوم يُظْهِر لنا العجب العجاب .. والحال يغني عن المقال.

وعندها يطرح السؤال نفسه بين أيدينا: لماذا لم تنه الصلاة كثيراً من المصلين عن الفحشاء والمنكر؟! أليس هذا قول ربنا؟!!

فكيف إذا وجد مصل يقع في أمور شركية تنقض التوحيد؟ وكيف ترى مصل يفعل البدع ويروج لها ويحارب من حارب البدع؟ وكيف وجد مصل يكذب ويغش ويخادع؟ وكيف وجد مصل يأكل الربى ويرابي؟ وكيف وجد مصل يمشي بالنميمة بين الناس؟ وكيف وجد مصل يغتاب المسلمين وينهش في أعراضهم ويأكل لحومهم؟ وكيف وجد مصل يأكل أموال الناس بالباطل ولا يعطي أصحاب الحقوق حقوقهم؟ وكيف وجد مصل ينظر إلى ما حرم الله من نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات؟ وكيف وجد مصل يؤذي نساء المسلمين في الأسواق وغيرها؟ وكيف.. وكيف. كم هائل من المنكرات التي يصعب حصرها قد وقع فيها بعض من هم من أهل الصلاة.

إنه السؤال العظيم: كيف حدث هذا والله يقول: إِنَّ الصلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ فلماذا لم تنه هؤلاء صلاتهم عن هذه المنكرات؟! ونحن نؤمن إيماناً يقينياً لا يخالطه شك أن ما قاله ربنا عز وجل حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

 إن الجواب على هذا قد ذكره علماؤنا وبينوا رحمهم الله كل شيء. قال أهل العلم: الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر إذا أداها العبد كما أمر الله وكما أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل الصلاة على حقيقتها وأداؤها بواجباتها وأركانها وسننها وحضور القلب فيها يجعل العبد يشعر بمعناها وأنها صلة بينه وبين الله فيرجع بعدها مرتفع الإيمان مستحضراً لنظر الله إليه واطلاعه على سره وجهره، فيطهر العبد عند ذلك ظاهره وباطنه حياء من الله أن يطلع على شيء لا يرضاه منه. يستشعر العبد أنه يلتقي ربه في كل يوم وليلة خمس مرات على أقل تقدير، يقوم بين يديه يخاطبه ويناجيه. إنه الله العظيم الكريم، يجالسه ذلك العبد الفقير الذليل ويخاطبه ويسأله كل ما يريد من حوائج دنياه وآخرته. فيستحي بعد ذلك أن يعصي له أمراً. يقول صلى الله عليه وسلم منكراً ومنبهاً للمصلين: ((إذا قام أحدكم في صلاته يقبل الله عليه بوجهه فلا يبزقن أحدكم في قبلته ولا يبزقن عن يمينه)).

إن استشعار هذا اللقاء العظيم وهذا الموقف الجليل له ما له في نفس المؤمن. فإنه يكون له رادع وزاجر عن كثير من المنكرات، كلما همت نفسه بشيء منها تذكر اللقاء القادم مع الله فاستحيا من ربه. ولذلك ورد في المسند وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فلاناً يقوم الليل وإذا أصبح سرق فقال عليه الصلاة والسلام: ((ستنهاه صلاته)).

إذاً فالصلاة تنهى صاحبها عن فعل المنكرات، ولو وقع ذلك منه أحياناً. الصلاة ترد صاحبها إلى الحق ولو زاغ عنه أحياناً. فما بال كثير من المسلمين اليوم لم تردهم صلاتهم إلى الحق بعد أن زاغوا عنه؟! ما بال كثير من المسلمين اليوم يخرج من بيت الله بعد أن صلى ينوي فعل ما حرم الله وقد عزم على ذلك قبل الصلاة؟!

أيها المصلون: إن هذه العبادة العظيمة لها جلالة ومكانة عند الله، فقد فرضت من دون سائر الفرائض في السماء. في أعلى مكان وصل إليه بشر منذ أن خلق الله آدم. ومن حب الله لها فرضها أولاً خمسين صلاة ثم خفف الأمر إلى خمس صلوات في اليوم والليلة.

واعلم أن للعبد من الإسلام بقدر ما له من الصلاة. يقول الإمام أحمد رحمه الله: "إنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة". فاعرف نفسك ياعبدالله، احذر أن تلقى الله عز وجل ولا قدر للإسلام عندك، فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك.

وقال أيضاً رحمه الله: "واعلموا أنه لو أن رجلا أحسن الصلاة، فأتمها وأحكمها، ثم نظر إلى من أساء في صلاته وضيعها، وسبق الإمام فيها، فسكت عنه، ولم يعلمه إساءته في صلاته ومسابقته الإمام فيها، ولم ينهه عن ذلك، ولم ينصحه، شاركه في وزرها وعارها. فالمحسن في صلاته، شريك المسيء في إساءته، إذا لم ينهه ولم ينصحه".

اعلموا أن الصلاة بمنزلة الهدية التي يتقرب بها الناس إلى ملوكهم وكبرائهم، فليس من عمد إلى أفضل ما يقدر عليه، فزينه وحسنه ما استطاع، ثم تقرب به إلى من يرجوه ويخافه، كمن عمد إلى أسقط ما عنده وأهون ما عنده، فيستريح منه، ويبعثه إلى من لا يقع عنده موقعاً حسناً. وليس من كانت الصلاة ربيعاً لقلبه وحياة له، وراحة وقرة لعينه، وجلاء لحزنه، وذهاباً لغمه وهمه، ومفزعاً له في نوائبه ونوازله، كمن هي سحت لقلبه، وقيد لجوارحه، وتكليف له، وثقل عليه، فهي كبيرة على هذا النوع من الناس، وقرة عين وراحة للنوع الأول. قال تعالى: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ s الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا رَبّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ [البقرة:45-46]. فإنما كبرت الصلاة على أناس لخلو قلوبهم من محبة الله تعالى وتعظيمه والخشوع له وقلة رغبتهم فيه، فإن حضور العبد في الصلاة وخشوعه فيها، وتكميله لها، واستفراغ وسعه في إقامتها وإتمامها على قدر رغبته في الله.

وقد كانت الصلاة قرة عين رسول الله . عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة)) [رواه النسائي].

هكذا كانت حال النبي مع الصلاة، وكذلك كانت حال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله، فأين نحن من هؤلاء؟ ترى ما هو قدر الصلاة عندنا؟

إن الإجابة عن هذا السؤال تجعلنا نعرف السبب الذي جعل أثر الصلاة - الذي ذكره الله في كتابه - لا يظهر على الكثير منا.

اسأل نفسك كم من صلاتك تخشع فيه؟ أنصفها؟ أو ربعها؟ أو خمسها؟ أو سدسها؟ أو سبعها؟ أو عشرها؟

عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: ((إن الرجل ليصلي، و لعله ألا يكون له من صلاته إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها حتى انتهى إلى آخر العدد)) [رواه النسائي وابن حبان].

وقد كانت الصلاة راحة باله ، حتى لقد كان يقول لبلال رضي الله عنه: ((يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)) [رواه أبو داود].

وكذلك كان السلف والتابعون لهم بإحسان يتمتعون بالصلاة وذكر الله كما يتمتع اليوم أصحاب الأموال بأموالهم وكما يتمتع أصحاب الملذات بملذاتهم بل إن متعة أصحاب الذكر أعظم بكثير من متعة أصحاب الدنيا. ورد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه بكى عند موته وقال: (إنما أبكي على ظمأ الهواجر -يعني الصيام- وقيام الليل ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر). وقال أحد السلف رحمه الله: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله ومعرفته وذكره".

إن الصلاة التي تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر وتقوده إلى الله وترفعه وتنفعه في الدنيا والآخرة، هي تلك الصلاة التي أشار إليها رسول الله في الأحاديث السابقة، والتي أشار إليها السلف ومن بعدهم في أقوالهم السابقة الذكر.

ثم استمع بعد ذلك إلى هذه الكلمات في وصف تلك الصلاة من ابن القيم رحمه الله وهو يقول: "فإذا حضر وقت الصلاة بادر إلى التطهر والسعي إلى الصف الأول من المسجد فأدى فريضته كما أمر، مكملاً لها بشرائطها وأركانها، وسننها وحقائقها الباطنة من الخشوع والمراقبة والحضور بين يدي الله، فينصرف من الصلاة وقد أثرت في قلبه وبدنه وجوارحه وسائر أحواله آثاراً تبدو على وجهه ولسانه وجوارحه ويجد ثمرتها في قلبه من الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور، وقلة التكالب والحرص على الدنيا وعاجلها، قد نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر، وحببت إليه لقاء الله، ونفرته عن كل قاطع يقطعه عن الله، فهو مهموم مغموم كأنه في سجن حتى تحضر الصلاة، فإذا حضرت الصلاة قام إلى نعيمه وسروره وقرة عينه وحياة قلبه، فهو لا تطيب له الحياة إلا بالصلاة وهذا دأبه في كل فريضة" ا.هـ.

فتأمل حالك  وقارن حتى تعرف مكانك وموقعك من هذا الوصف. رزقنا الله وإياك الخشوع في الصلاة إنه ولي ذلك والقادر عليه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق