الجمعة، 8 مايو 2015

فلسطين جراح تتجدد


فلسطين جراح تتجدد

-----------------------

ظل العالم الإسلامي بأسره مئات الأعوام وهو متجانسٌ متماسك، يشد بعضه أزر بعض، ويأرِز إلى عقيدته الجامعة كلما هدد كيانه خطر، أو أولهم عليه خطبٌ، منذ فقدان الأندلس، ومن ثَم ضعف وسقوط الخلافة العثمانية أخذت أرض الإسلام تنتقص من أطرافها، ففُقِدت أقطار وأمم، وانتهكت محارم ومقدساتها، ودارت رحى الحرب على المسلمين، وتداعت عليهم الأمم والشعوب، وصدق صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنت يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)) [أخرجه أحمد وأبو داود].

نعم إخوتي إنه الوهن!! إنه الوهن!! وهو سر الضعف الأصيل حين يعيش الناس عبيداً لدنياهمـ عشاقاً لأوضاعهم الرتيبة، تحركهم الشهوات وتموج بهم وتسيرهم الرغائب المادية، إنه الوهن حين يكره المسلمون الموت، ويؤثرون حياة ذليلة على موت كريم، ويؤثرون حياة يموتون معها كل يوم موتات، على موت يحيون بعده حياة سرمدية، جبن في النفوس والقلوب، وانفعالية في الإرادة والتصرفات، وغرامٌ بالمتع الرخيصة في أدق الساعات وأحلك الأيام، وافتتان بالملاهي والرياضة والمعازف، وجبن عن المغامرة والإقدام، وشرع الحكم الإسلامي بالتراجع ومرتكزاته العلمية بالتداعي، فحلت البدع محل الإبداع، والتقليد محل التجديد، وزاحمت ظلمات الخرافة بدور التوحيد، وقامت رايات القومية العربية أو الاشتراكية أو الناصرية أو البعثية، تلكم باختصار إخوتي وصف لحال أمتنا العربية الإسلامية التي تبلّد حسّها بالرغم من كثرة مصائبها التي طالت شعوبها وأراضيها، بل وحتى مقدساتها، وتغيّب الأمة عن قضاياها لتفقد الخلق والإرادة، وتباع الأمة وحقها بمنافع شخصية سلطوية، وتزعزع روح التدين والأخلاق، فكيف كانت النتيجة؟ نعم كيف كانت النتيجة؟ لقد أصبحت الشعوب العربية والإسلامية غثاءً وركاماً لا يملكون حولاً ولا طولاً ولا قوة في مواجهة أعدائه، هذا إن عرف عدوّه حق المعرفة، ترى ما أسباب تبلد الشعور العربي، أحداث مأساوية، ودماء وأشلاء، أطفال تقتل في مهدها، ونساءٌ تنتهك حرماتها، وبيوت تهدم ليلاً فوق أهلها، أشجار الزيتون تقتلع من أرضها، بل أعظم من كل ذلك مقدسات على وشك الهدم بل دُنست، وأما سبيل المقاومة أمام المدرعة والدبابة والجند المدججين فهو الحجر، نعم لم يملك المسلمون سوى الحجر، إنها فلسطين حيث صور الدمار والدماء والجثث التي لا تملك وأنت تطالعها أو تسمع عنها إلا أن تتساءل ترى أين غابت نخوة المسلمين؟! أو نخوة العرب؟! أين غابت الثروات؟! هل تبلد الشعور في نفوسنا؟! ترى هل أمتنا غير تلك الأمة التي نطالع مجدها ونقرأ تاريخها الحامل بالانتصارات؟! إنها أسئلة بلا إجابة.

أمتي هل لك بين الأمم…منبرٌ للسيف أو للقلم

أتلقاك وطره في مطرق …خجلا من أمسك المنصرم

كيف أغضيت على الذل ولم …تنفضي عنك غبار التهم

رب وامعتصماه انطلقت …ملئ أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعهم لكنها…لم تلامس نخوة المعتصم

أمتي كم صنم مجدته …لم يكن يعرف طهر الصنم

لا يُلام الذئب في عدوانه …إن يك الراعي عدو الغنم

إنها نكبة النكبات، إنها فلسطين في زمن التخاذلات، فلسطين، التي يدمى جرحها كل يوم فماذا فعلنا لها، ماذا قدمنا من تضحيات؟ وماذا فعلنا وحققنا بالتنازلات ؟ حتى عواطفنا تجاه إخواننا هناك ما لبثت أن انكمشت كنار سعفةٍ شبت ثم انطفأت، ثلاث وخمسون سنة من تاريخ صراعنا مع اليهود مع نكبة فلسطين، ثلاث وخمسون سنة وفلسطين ومقدساتها تحت نير احتلال الصهاينة اليهود، ثلاث وخمسون سنة وأمتنا العربية من نكبة إلى نكسة إلى تشرذم إلى خلافات، ثلاث وخمسون سنة وأمتنا الإسلامية تنهش من أطرافها وأوساطها ويستغيث بنا المسلمون ولا مجيب.

ثلاث وخمسون سنة وإعلامنا العربي منشغل عن قضاياه المصيرية بالفن والرياضة ومسلسلات العهر والفجور، والاستهزاء بمسلمات ديننا الإسلامي، ثلاث وخمسون سنة وكل راية رفعت إلا راية الإسلام والجهاد في سبيل الله، ثلاث وخمسون سنة وأبناء فلسطين في رباط دائم، ثلاثة وخمسون عاماً وبلدٌ إسلامي في الأرض المباركة [فلسطين] يعيش آلاماً وجراحاً، يعيش نكبات لم ينكب مثلها المسلمون منذ قرون، يعيش طرداً وحشياً لشعب آمن في أرضه وعمرانه، يعيش جريمة دولية تسمح لعصابات يهود أن تمارس القتل والتشريد بلا تمييز، ثلاث وخمسون سنة تعرت فيها الفدائيات المهترئة والمنظمات المتخاذلة وانكشفت فيها أكذوبة السلام وخداع أوسلو ومدريد، وكل اللقاءات والمؤتمرات واللجان والمبعوثين ورعاة السلام المزعومين، ثلاث وخمسون عاماً والحكاية ما تزال في بدايتها، غربٌ متآمر جوارٌ متخاذل، وأموال تتدفق على المعتدي الصهيوني.

ثلاثة وخمسون عاماً والبرابرة اليهود مع الخونة، والمتخاذلين من أعوانهم ينفذون نكبات جديدة من دير ياسين إلى دير البلح، وكفر قاسم وإحراق المسجد الأقصى ومذبحة صبرا وشاتيلا وعناقيد الغضب في كانا، إنه حاضرٌ يرتد إلى الماضي فكيف بدأت القصة؟!

أيها المسلمون: كان اليهود شراذم وأقليات في بقاعٍ شتى من العالم فعزموا على إعادة بناء أنفسهم بجدية، فأنشأو حركة صهيونية تعمل وفق خطة مدروسة واضحة المعالم بوصاية بريطانية وبدعم من قادتهم واجتمع هدف اليهود والنصارى اللذين لم ينسوا الأحزاب وخيبر وبلاط الشهداء وحطين [كهرتزل ونوردو ووايز مان]، استطاعوا في مفصل تاريخي أن يعقدوا مؤتمر بازل قبل حوالي مائة سنة الذي انبثقت عنه المنظمة الصهيونية التي نجحت بالتحالف من الغرب بعد أن سيطرت على غالب ثرواته وتحكمت في إعلامية بأن كثفت الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومن ثم استصدار وعد وزير خارجية بريطانيا بلفور عام سبعة عشر وتسعمائة وألف ميلادية بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين المستعمرة حينذاك من بريطانيا، هذا الوعد بأرض مستعمرة في فلسطين لتجمع شتات اليهود، وزادت المصيبة وعظمت حين أسقطت دولة الخلافة الإسلامية في عام أربعة وعشرين وتسعمائة وألف ميلادية.

وفي نهاية المطاف نجحت الصهيونية ليعلن بن غوريون إنشاء كيان دولة يهودية في فلسطين عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين ميلادية، تسيطر على ثمانية وسبعين بالمائة من أرض فلسطين، هذه الدولة النشاز التي سارع إلى الاعتراف بها عدد من دول العالم الكافرة بمنظماته وهيئاته، وفي الوقت نفسه الذي يجتمع فيه اليهود شُرّد من مسلمي فلسطين حينذاك حوالي سبعمائة وخمسين ألفاً الذين ما زال معظمهم يعيشون في مخيمات بائسة بعد أن أصبح تعدادهم ثلاثة ملايين ونصف لاجئ، وفي سنة سبع وستين وتسعمائة وألف ميلادية استكمل الصهاينة احتلال باقي فلسطين مع عدد من الأراضي العربية.

ثم أصبحت إسرائيل دولة اعترف بها حتى بعض دول العالم الإسلامي وتعاملوا معها وتبادلوا معها السفراء والمكاتب التجارية في نفس الوقت الذي يقتل فيه المسلمون داخل فلسطين، تلكم هي قصة ثلاثة وخمسين عاماً من الصراع مع يهود، كان عدد اليهود في بدايته قليلاً وكان مشروعهم صغيراً، بإمكان المسلمين حينذاك القضاء عليه في مهده لو انتبهوا له وما انشغلوا عنه، لكن المشروع توسّع ولعله من قدر الله جل وعلا أن يضع هذه المنطقة في أكون الصراع لتجاهد في سبيل الله وتخرج العدو من الأراض المباركة، لقد استنجد أهل فلسطين في بدايات صراعهم مع اليهود بإخوانهم العرب والمسلمين وقامت التجارب الجهادية لأمة لا زال فيها عرق ينبض ورجال لا يقبلون الضيم، واشترك علماء وشباب ضحوا بأنفسهم في سبيل الله لمقاومة دولة يهودية، ودفاعاً عن المقدسات لكنها أُجهضت وحوربت من القريب قبل البعيد، وكان مسلمو فلسطين يصرخون ويستغيثون ويبيِّنون المؤامرة تلو المؤامرة فعقدت المؤتمرات الكثيرة وناقشوا القضية فتمخّض الدعم بالمال فقط إن وُجِد، واستجاب العالم العربي بدوله ومنظماته للجانٍ تأتي وتذهب ولا تستطيع أن تفعل شيئاً، لجانٌ ومندوبون برعاية كافرة من هيئة الأمم أو مجلس الأمن، وكانوا يصدرون القرارات ويعدونه ويحاورون ويناورون، ويَعِدُون العرب ولا يفون، والعرب لا يزالون ينتظرون، واليهود يماطلون بل استفادوا تسليحاً وتدريباً ونحن في غفلة ضائعون، وفي الوقت ذاته الذي كان يزداد فيه العرب ضعفاً وتخاذلاً فإن اليهود الصهاينة يزدادون قوة وتمكيناً، وضعفت المقاومة تجاه اليهود بل أصبحت الشعوب العربية ممنوعة حتى من الهتاف ضد إسرائيل، وتقمع لذلك.

ذلكم هو تاريخ القضية التي ما زالت تتنقل من نكبةٍ إلى نكبة.

أيها الأخوة المؤمنون: إنها دعوة للتأمل ودراسة الحال بحثاً عن العلاج، فإن المتأمل في مسيرة هذا الصراع تصدمه حقائق كبيرة يراد تصغيرها، ومعالم خطيرة يراد تحقيرها، منها أن الكيان الصهيوني الذي جعل الدين ركيزتها تنطلق منها السياسة، ظل يتنقل خلال مراحل الصراع من إنجازٍ إلى إنجازٍ ومن قوةٍ وانتشار، إلى مزيد من القوة والانتشار، في الوقت الذي ظلت فيه أكثر الكيانات العلمانية التي تصدرت للمعركة تتخبط في سيرها متنقلة من فشلٍ إلى فشل، ومن تنازل وخسارة إلى مزيد من التنازل والخسارة.

إن اليهود رفعوا منذ بدأت معركتهم رايةً واحدة هي راية التوراة، واندفعوا وراء غاية واحدة، هي أرض الميعاد، فأسمحوا دولتهم باسم نبي هو يعقوب عليه السلام أو [إسرائيل]، وجعلوا دستور دولتهم التوراة، وخاضوا معاركهم خلف الأحبار والحاخامات، وجعلوا لدولتهم بكل توجهاتها شعاراً واحداً هو نجمة داود وقبلتهم هيكل سليمان الذي يريدون بناءه مكان المسجد الأقصى كما يزعمون، إنها ثلاثةٌ وخمسون عاماً على قيام دولة يهودية أثبتت كل الشواهد خلالها الفشل الذريع، والهزائم المنكرة، والتراجع المذهل للاتجاه العلماني بأثوابه المتعددة من اشتراكيةٍ وقومية وتقدمية أو بعثية أو رافضية، إنّ الذي هُزم وتراجع أمام اليهودية ليس هو الإسلام، بل مسميات أخرى بعيدة عنه مشوّهة له، والذي ألقى السلاح وطلب الاستسلام ليس هو الإسلام بل العلمانية، الإسلام الذي لم يمكّن حتى الآن من التصدي لتلك المعركة العقائدية مع اليهود.

أيها الأخوة المؤمنون: بعد كل ذلك هل نستفيد من التاريخ؟! هل نرجع إلى الماضي لنقوّم الحاضر؟! هل لليل فلسطين من آخر؟ وهل لفجرها من موعدٍ؟! إن اليهود بما يملكون من قوى سياسيةٍ أو عسكرية أو اقتصادية أو إعلامية أو نظام مؤسسات هم أضعف بكثير مما يتصورهم عدد من الناس، لكننا لا نستطيع مواجهتهم والوهن كامنٌ في نفوسنا، والمهابة منزوعة من صدور أعدائنا، وإعلامهم ونظامهم ينسج الحقيقة من وجهة نظرهم وحدهم.

إننا لا نستطيع مواجهتهم إلا بالإسلام، وبالإسلام وحده ننتصر بإذن الله، وبالإسلام يتصحّح الخلل وتستمد أسباب النصر، ومقومات الصمود، فليس الصراع مع اليهود صراعاً موسمياً، بل بدأ صراعنا معهم مذ نبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وجاهر بها أسلافهم بعد ذلك من بني قريظة وقينقاع وبني النضير وعبد الله بن سبأ وميمون بن ديصان القداح.

إن قضية فلسطين قضية إسلامية بالدرجة الأولى، وإن الصراع سيستمر، وهو صراع بين الإسلام والتحالف الغربي الصهيوني، والجهاد الذي بدأه الشيخ يوسف الجرار وعز الدين القسام وعبد القادر المظفر وفرحان السعدي سيستمر بإذن الله، ويجب أن يعلم المسلمون ألا ثقة بوعود الغرب وأمريكا راعية السلام المزعومة، وأنه من السذاجة وهزال الرؤية أن نستجدي الغرب ليساعدنا عند اليهود أو يوقفهم عن ارتكاب المجازر في حق شعب يعتبرونه [همجياً أو إرهابياً] وإن نكبة مثل فلسطين لا تسترد بالحلول السهلة أو بالمؤتمرات والخبط فقط أو بالجلوس مع يهود في مفاوضات سلامٍ لا تبحث إلا عن رضاء يهود ومصالح يهود، وإن البحث عن حل لهذا الواقع المتردّي هو أول الوسائل للنصر.

لقد هانت هذه الأمة حين ظهر فيها تفرق الكلمة، واختلاف الأغراض، وتجاذب الأهواء، لقد برزت فيها الأحقاد، شُغل بعضهم ببعض، انقسموا إلى قوميات، وتفرقوا في دويلات، لهم في عالم السياسات مذاهب، ولهم في الاقتصاديات مشارب، استولت عليهم الفرقة ووقعت عليهم الهزيمة، بل نهش بعضهم بعضاً وسلب بعضهم حقوق بعض، حتى صيح بهم من كل جانب، فانصرفوا عن قضاياهم الكبرى، واستغل الأعداء الأجواء، وفي هذه الأجواء المظلمة، والأحوال القاتمة يزداد الصهاينة في مقدساتنا عتواً وفساداً وتقتيلاً وتخريباً، يريدون في زعمهم أن يبنوا هيكلهم المزعوم على أنقاض ثالث المسجدين الشريفين، أو أن يجهضوا انتفاضة الحجر لأطفال فلسطين ورجالها ونسائها، ألا ساء ما يزعمون، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والذلة والصغار والمسكنة لمن وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ [المائدة:60].

أيها المسلمون: والله ثم والله لا عز لهذه الأمة ولا جامع لكلمتها إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس بغير دين الله معتصم، به العز والمنعة، وعليه وحده تجتمع الكلمة، ولن يكون لهذه الأمة ذكرٌ ومجدٌ إلا به.

لقد تبين لكل ذي لب أن النزاع مع هؤلاء الصهاينة نزاع هوية ومصير، وعقيدة ودين، وإن حقوق الأمة لن تنال بمثل هذا الخور، لقد أوضحت الانتفاضة كما أوضحت أفغانستان والبوسنة والشيشان، أن الجهاد في سبيل الله هو السبيل الأقوم والطريق الأمثل لأخذ الحق والاعتراف به، وأيقن المسلمون أن راية الدين إذا ارتفعت تصاغرت أمامها كل راية.

بالجهاد ترد عاديات الطغيان، ويكون الدين كله لله، ويبقى دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم مصدقاً لما بين يديه من الحق ومهيمناً عليه.

إن حقاً على أهل الإسلام أن تربيهم التجارب والوقائع، وتصقلهم الابتلاءات والمحن، وإن بلوى نكبة فلسطين وتكرار ذكرها ينبغي أن يكون دافعاً لنا لا محبطاً محركاً للجهود لا جالباً لليأس من عدم النصر فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.

ومن الابتلاء ما جلب عزاً، وخلّد ذكراً، وكتب أجراً، وحفظ حقاً، كيف تحلوا الحياة لمن يضيّع دياره، وإذا ضاع الحِمى فهل بعد ذلك من خسارة؟! ولتعلموا أن الكفاح في طريق مملوء بالعقبات الكئود عند أصحاب الحق والكرامة والصرامة ألذ وأجمل من القعود والتخلف من أجل راحة ذليلة وحياة حقيرة، لا تليق بهمم الرجال، وإن صاحب الحق لابد له من المدافعة عن حقه وتهيئة كل أسباب القوة لانتزاع حقه من أيدي الغاصبين، والانتصار لا يتحقق للضعفاء فلا حل إلا بالجهاد ولابد من الإعداد، وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْء فِى سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [الأنفال:60].

واعلموا أن الشدائد والنوازل التي أصيب بها المسلمون خلال ثلاثة وخمسين عاماً بل أكثر في فلسطين تستجيش مكنون القوى وكوامن الطاقات، وعندما تدلهم الخطوب والأحداث يتميز الغبش من الصفاء، والهلع من الصبر، والثقة من القنوط، وإن التساؤلات التي تفرض نفسها في حال فلسطين ونكبتها لتبين لنا كيف جبنت الهمم، وضعفت العزائم، وخارت القوى عن تقديم أبسط وسائل النصرة لشعب فلسطين الذي يقصف صباح مساء على أيدي الصهاينة اليهود، والعرب لا يتكلمون بل علّقوا آمالهم على سلام مهترئ يسمى زوراً وبهتاناً سلام الشجعان، أو على مبادرات تؤخر ولا تقدم، وتَعِدُ ولا تنجز، فأي سلام هذا الذي يهدم البيوت ويزرع المستوطنات، ويشرد من الديار ويحاصر الشعوب، ويقتل الآلاف وينتهك المقدسات، سلامٌ يلغي الكرامة ويولي مجرمي الحرب رؤساء ومفاوضين، إنها صورٌ مأساوية للبغي على شعب فلسطين يراها العالم بكل فئاته فلا يحرك ساكناً، حتى الحس العربي تبلّد فما أصبح له أثر، "محمد الدرة" "أمل الخطيب" وغيرهم في فلسطين هل تعلمون من هم؟ إنهم الإرهابيون المتوحشون كما يزعم شارون حين يقصفهم وجنوده في منازلهم وفي طرقاتهم وعلى أسرتهم بدعوى مقاومة الإرهاب، وإنما هم أطفال لم يحركوا ساكناً، والعالم صامت..! إيمان حجو ذات الأربعة أشهر يقصفها اليهود بقذيفة تشق صدرها بدعوى مقاومة الإرهاب في فلسطين بأي ذنب قتلت.

وهي بطفولتها البريئة في مهد جنازتها إنما ترينا جبننا وخورنا عن نصرة قضية فلسطين ونحن صامتون، إنها أسماء أطفال لم تحارب، حتى الحجر لم تقذفه بل ماتت بالسلاح الصهيوني الذي لا زال حتى الآن يهدم البيوت ويقصف الآمنين ونحن عابثون لا هون عن نصرتهم.

إن الله سائلنا ولا شك عما قدمناه من نصرة لهؤلاء الضعفاء الذين خذلهم القريب قبل البعيد، أين أبسط أدوار المناصرة التي نقدمها إلى فلسطين؟! إنه ليس من عذرٍ لأحد اليوم يرى مقدساته تنتهك، ويرى أطفالاً أبرياء يقتلون في أسرتهم، ويهود متسلطون، ثم لا يدعم إخوانه هناك، ولا يتأثر لمصابهم، بل قد يتلهى عنهم بالنزهات والأباطيل فأين أخوة الإسلام؟! بل أين نخوة عرب مصر وعدنان؟ ألم ترووا جنائز الشهداء؟ وتسمعوا بكاء النساء؟ إنه لا عذر لأحد اليومّّ، إنه لا عذر لأحد اليوم.

وفي المحيا سؤال حائر قلق ……أين الفداء وأين الحب في الدين

أين الرجولة والأحداث دامية ……أين الفتوح على أيدي الميامين

ألا نفوس إلى العلياء نافرة ……تواقة لجنان الحور والعين

يا غيرتي أين أنت أين معذرتي ……ما بال صوت المآسي ليس تشجيني

إن أبسط أدوار المناصرة هي الدعم بالمال للمسلمين في فلسطين، هذا الدعم الذي بدأه قادة هذه البلاد وشجعوه في حملة نصرة انتفاضة الأقصى المباركة، ونحن نسينا هذا الدعم وتغافلنا عنه، كذلك الشعور الدائم بالقضية عبر مقاطعة بضائع اليهود والنصارى التي تحمس لها المسلمون زمناً ثم تغافلوا عنها بالرغم من أثرها الكبير عليهم، ومع ذلك فقد نسيتها أكثر المسلمين، إن أشد ما يواجهه إخواننا في فلسطين من قصف وقتل هو هذه الأيام فهم أشد ما يكونون حاجة إلى نصرة إخوانهم، حتى الدعاء في القنوت الذي أمر به ولاة أمر هذه البلاد. . بخل به بعض الأئمة في مساجدهم، وتثاقله بعض الناس من المصلين، فأين الشعور بالجسد الواحد؟ لقد طالعت قبل قليل بعض صور الدماء والقتلى فلم يستثنوا أحداً، لا طفلاً ولا امرأة ولا عجوزاً، ولا بيتاً، إنها صور مؤثرة تبكي، وعجز الإنسان عن النصرة يقتل أكثر من هذه الصور التي يناشدوننا فيها بالنصرة ولا من مجيب، إن أملنا بالله عظيم في نصرة إخواننا في فلسطين، وأن يهيئ لهم النصر على سواعد الأبطال التي تقذف الحجارة.

إذا البغي يوماً طغى وانتشر ……فلابد من قذفه بالحجر

ولابد للظلم أن ينجلي ……ولابد للقهر أن يندحر

أيرضيك يا مبعث الأنبياء ……ومسرى الرسول الرحيم الأبر

نطأطئ ذلاً من الظالمين ……فمن ذلنا لا نطيق النظر

يعيث اليهود بأقدارنا ……ومن يغدرون عدو أشر

.

0 التعليقات:

إرسال تعليق