السبت، 16 مايو 2015

أشراط الساعة



أشراط الساعة

-----------------------


الحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يحمد. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمد، وعلى آله وصحبه ومن تعبد.

 الحديث عن أشراط الساعة لا يقصد به المتعة والتسلية وإنما المراد منه العبرة والعظة، والحذر في الوقوع في ما يسخط الله ويغضبه ومعرفة مآل من فعل ذلك. ونحن اليوم سنذكر بعضاً من أشراط الساعة الصغرى. فنسأل الله أن يعصمنا وإياكم من الفتن.

 من أشراط الساعة الصغرى.. استفاضة المال وكثرته والاستغناء عن الصدقة، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبله منه صدقته ويدعى إليه الرجل فيقول: لا أرب لي فيه)) [رواه البخاري].

وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال: ((يا عدي هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها)). قال: ((فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله)). قال عدي: قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين ذعار طيء الذين قد سعروا البلاد؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى. قلت: كسرى بن هرمز؟! قال: كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملئ كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه)) قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج ملئ كفه.

وقد تحقق كثير مما أخبرنا به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فكثر المال في عهد الصحابة رضي الله عنهم بسبب ما وقع من الفتوح واقتسموا أموال الفرس والروم ثم فاض المال في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله فكان الرجل يعرض المال للصدقة فلا يجد من يقبله.

وسيكثر المال في آخر الزمان حتى يعرض الرجل ماله فيقول الذي يعرض عليه: لا حاجة لي فيه.

وكذلك من أشراط الساعة ظهور الفتن: والفتن هي جمع فتنة، وهي الابتلاء والامتحان والاختبار ثم كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه ثم أطلقت على كل مكروه أو آيل إليه كالإثم والكفر والقتل والتحريف وغير ذلك من الأمور المكروهة.

وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن من أشراط الساعة ظهور الفتن العظيمة التي يلتبس فيها الحق بالباطل، فتزلزل الإيمان حتى يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، كلما ظهرت فتنة قال المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف ويظهر غيرها فيقول: هذه هذه، ولا تزال الفتن تظهر في الناس إلى أن تقوم الساعة.

وقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، فاجتمعنا فقال رسول الله: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر)) [رواه مسلم].

وأحاديث الفتن كثيرة جداً، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الفتن وأمر بالتعوذ منها وأخبر أن آخر هذه الأمة سيصيبها بلاء وفتن عظيمة، وليس هناك عاصم منها إلا الإيمان بالله واليوم الآخر ولزوم جماعة المسلمين، وهم أهل السنة وإن قلّوا، والابتعاد عن الفتن والتعوذ منها فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)) [رواه مسلم].

وهانحن نرى الفتنة تلو الفتنة تحل بالأمة، والأمة تقع فيها واحدة تلو الأخرى إلا من رحم الله، وكلما جاءت فتنة جديدة رأينا أن التي كانت قبلها أهون منها.

واعلموا رحمني الله وإياكم أن من أكابر الفتن التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم اتباع سنن الأمم الماضية وهم اليهود والنصارى، وقد قلّد بعض المسلمين في أيامنا هذه الكفار وتشبهوا بهم وتخلّقوا بأخلاقهم وأعجبوا بهم، وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع. فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: "ومن الناس إلا أولئك)) [رواه البخاري]. وفي رواية عن أبي سعيد الخدري قلنا يا رسول الله! اليهود والنصارى، قال: ((فمن؟!)) [رواه البخاري ومسلم].




ومن علامات الساعة الصغرى كذلك ظهور من يدعي النبوة من الكذابين وهم قريب من ثلاثين كذاباً، وقد خرج بعضهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة ولا يزالون يظهرون ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله))، وليس التحديد في الأحاديث بثلاثين مراداً به كل من ادعى النبوة مطلقاً فإنهم كثير لا يحصون، وإنما المراد من قامت له شوكة وكثر أتباعه واشتهر بين الناس وممن ظهر من هؤلاء الثلاثين مسيلمة الكذاب والأسود العنسي والمختار بن أبي عبيد الثقفي.

وظهر في العصر الحديث مرزا أحمد القادياني بالهند وادعى النبوة، وأنه المسيح المنتظر، وأن عيسى ليس بحي في السماء إلى غير ذلك من الادعاءات الباطلة وصار له أتباع وأنصار وانبرى له كثير من العلماء فردوا عليه وبينوا أنه أحد الدجالين، ولا يزال خروج هؤلاء الكذابين واحداً بعد الآخر حتى يظهر آخرهم الأعور الدجال فقد روى الإمام أحمد عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم كسفت الشمس على عهده: ((وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً آخرهم الأعور الدجال)).

وكذلك من علامات الساعة الصغرى ضياع الأمانة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)).

وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم كيف ترفع الأمانة من القلوب وأنه لا يبقى منها في القلب إلا أثرها. روى حذيفة رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها قال: ((ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت -الوكت: الأثر في الشيء كالنقطة من غير لونه- ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل -الخشونة التي تصيب الكف- كجمر دحرجته على رجلك فنفط -أثر الحرق الذي ينتفخ ويمتلئ ماء- فتراه منتبراً -أي متورماً- وليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً. ويقال للرجل: ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ولقد أتى علي زمان و ما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلماً رده الإسلام، وإن كان نصرانياً رده علي ساعيه، فأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً)) [رواه البخاري].

ففي هذا الحديث بيان أن الأمانة سترفع من القلوب حتى يصير الرجل خائناً بعد أن كان أميناً، وهذا إنما يقع لمن ذهب خوفه من الله وضعف إيمانه وخالط أهل الخيانة فيصير خائناً.

ومع الأسف كثر الغش والخيانة عند بعض المسلمين هداهم الله، ففي التجارة مثلاً ظهر الغش والخيانة، وفي الصناعة، والزراعة، وتعامل الناس مع بعضهم البعض إلا من رحم الله. نسأل الله تعالى أن يصلح الحال.

0 التعليقات:

إرسال تعليق