الجمعة، 8 مايو 2015

المخالفات الشرعية نكاح الشغار




المخالفات الشرعية نكاح الشغار

-----------------------

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد و على آله.

فلا يزال الحديث موصولاً بسابقه بما نراه مناسباً للوقت وإن كان لا يراه آخرون، ولكن نظراً لما نقرأ ونسمع من خلال الإذاعة والصحافة ولما يعيشه الناس في مثل هذا الوقت من كل سنة لبنيهم وبناتهم وإخوانهم وأخواتهم وأقاربهم وعشيرتهم من حيث مناسبات الزواج، ولما لهذا الموضوع من أهمية فيكثر الكلام سنوياً في المجالس قلّت أو كثرت وعبر الوسائل الإعلامية على اختلافها إما لغرض الإثارة، أو لقصد المعالجة الفعلية لما يفعله كثير من الناس من مخالفات للشريعة الإسلامية.

والحق أنه لا يمكن أن يعالج هذا الموضوع ولا غيره إلا وفق كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يزال المجتمع يصلى جحيم هذه المخالفات وغيرها حتى يستقيموا على شريعة الإسلام ويطبقوها ويعوا المقاصد الشرعية ويرضوا ويسلموا تسليماً لجميع أحكام الله تعالى، وفوق ذلك تصفو نفوسهم وتطهّر قلوبهم من أدنى ريب وشك في صلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان ولا يجدوا أدنى حرج في نفوسهم متى قضى الله ورسوله أي أمر من الأمور. قال تعالى: فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65]. وقال عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36].

ولعل من المناسب أن يكون الاستدلال بالآية الأخيرة موافقاً لما نحن بصدده من أمر الزواج لأنها نزلت في زواج زينب بنت جحش رضي الله عنها بزيدٍ رضي الله عنه، وإن كان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكما سبق القول فإن مجتمعات المسلمين لا تزال تتنكب الطريق المستقيم ما لم تسر على هدي الكتاب والسنة في جميع شؤون الحياة، وإن كانت هناك بوادر خير نسمع ونقرأ عنها في بعض البلاد تعالج أمور الزواج التي كثرت المشاكل الزوجية بسببها وشغلت المحاكم بها وامتلأت البيوت بالمطلقات والعوانس بسبب المخالفات الشرعية بدءاً من الغش والخداع وعدم الصدق والصراحة ومروراً بالخِطبة وما بعدها نظراً لما يكذب به الوسيط أو لما يظهره الطرفان أو طرف دون آخر، ثم ما إن تمضي أيام قلائل حتى تشب نار الفتن في بيوت المسلمين لما كان من الغش والكذب ابتداء ثم لما كان من تكاليف على الزوج والتي أثقلت كاهله بالديون وأصبح أسيراً لدائنيه، وصار ضحية بين نارين إما البقاء مع تلك الزوجة التي يعيش معها حياة النكد والتعاسة وإما أن يطلق وبذلك يكون أسير الديون ولا زوجة له.

والمخالفات الشرعية كثيرة والعقبات كذلك،ولكن من المناسب في هذه الأيام الحديث عن مخالفة شرعية كانت منحصرة في بعض مجتمعات المسلمين، ولا يكاد يعرف صورتها كثير منهم ولكنها انتشرت بسبب غلاء المهور وارتفاع التكاليف الأخرى في الزواج وبسبب التعقيدات الأخرى الكثيرة، لذلك هان أمرها وأصبحت شيئاً عادياً كغيرها من المحرمات التي ألفها الناس واستساغوها بسبب تبريرهم حرمتها بأمور تظهر أمام العامة بأنها حلال محض لا شبهة فيه مع الحرمة الواضحة، وهذا ينطبق على أمور عدة في مجتمعات المسلمين اليوم خاصة في المعاملات، وأصبح الشبه باليهود موجوداً في بعض المسلمين حيث ارتكبوا ما ارتكبت اليهود من المحرمات بأدنى الحيل كما ورد بذلك الخبر عن سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم.

والمخالفة الشرعية المنتشرة الآن هي نكاح الشغار .

فنكاح الشغار: هو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له الولاية عليها على أن يزوجه الآخر أو يزوج ابنه أو ابن أخيه ابنته أو أخته أو بنت أخيه أو نحو ذلك ممن له الولاية عليها، وهذا العقد على هذا الوجه فاسد سواء ذكر فيه مهر أم لم يذكر فيه المهر، وينبغي التنبه لهذا حيث دخل الشر على مجتمعات المسلمين من هذا الباب حيث اتخذوا التسمية حيلة أو دفع المهر نفسه أو الزيادة اليسيرة للتفريق بين المهرين، ولكنهم غفلوا ونسوا وتناسوا النية والقصد عند الطرفين كليهما أو أحدهما وهي المبادلة التي لولاها لما تم هذا الزواج، سواء تفاضلت المهور أو تساوت، وهذه النية الباطنة المتخذة حيلة ظاهرة أمام الناس لا تخفى على الله، وبسببها وقعت الفتن والشرور والخصومات والمشاكل بسبب هذه الزيجات الفاسدة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وحذر منها، وقد أمرنا الله عز وجل باتباعه والانتهاء عما نهانا عنه في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: وَمَا ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7]. وقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].

وكما ورد في الآيتين السابقتين في أول الخطبة وفي غيرهما من كتاب الله عز وجل. ورد في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله علي وسلم نهى عن الشغار)). وروى الإمام مسلم رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار)) قال: ((والشغار أن يقول الرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا شغار في الإسلام)).

فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على تحريم نكاح الشغار وفساده وأنه مخالف لشرع الله، ولم يفرق الرسول صلى الله عليه وسلم بين ما سمي فيه مهر وما لم يسمّ فيه شيء، وأما ما ورد في حديث ابن عمر من تفسير الشغار بأن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق، فهذا التفسير قد ذكر أهل العلم أنه من كلام نافع الراوي مولى ابن عمر، وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد فسره الرسول صلى الله عليه وسلم بما تقدم في حديث أبي هريرة السابق إيضاحه وبيانه. وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته، ولم يقل وليس بينهما صداق، فدل هذا على أن تسمية الصداق أو عدمها لا أثر له في ذلك.

وإنما المقتضي للفساد هو اشتراط المبادلة وفي ذلك فساد كبير لأنه يفضي إلى إجبار النساء على نكاح من لا يرغبن فيه إيثاراً لمصلحة الأولياء وتحقيقاً لمصالحهم الشخصية دون النظر في مصلحة النساء، وذلك منكر وظلم للنساء، وهو أيضاً يفضي إلى حرمان النساء من مهور أمثالهن كما هو الواقع بين الناس المتعاطين لهذا العقد المنكر حيث جعلوه امرأة بامرأة وفرجاً بفرج، وكثيراً ما يفضي هذا العمل إلى النزاع بعد الزواج، وذلك من العقوبات العاجلة لمن خالف الشرع، والواقع الذي عاشه ويعيشه أولئك الأزواج من الرجال والنساء واقع مؤلم وحياة تعيسة ومشاكل لا نهاية لها، وقد أدت إلى سفك دماء وإلى قطيعة أرحام، وإلى بغضاء وشحناء وحقد وعداوات متناهية بسبب الإقدام على نكاح الشغار الذي لم ينتبه ويتفكر ويمعن النظر في الحكمة من تحريمه كثير من المسلمين، ولم يفكروا في العواقب المؤلمة لكثير ممن أقدم عليه، فالحياة الزوجية عقدها يستمر مدى الحياة يجب التفكير فيها بكل أمانة وإخلاص والإقدام على بصيرة وتغليب مصلحة الزوجين.

روى الإمام أحمد وأبو داوود رحمهما الله تعالى بإسناد صحيح عن عبد الله بن هرمز أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وقد كانا جعلا صداقاً، فكتب أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إلى أمير المدينة مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهم، وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه الحادثة التي وقعت في عهد أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه توضّح معنى الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المتقدمة، وأن تسمية الصداق لا تصحح النكاح ولا تخرجه عن كونه شغاراً، لأن العباس بن عبد الله وعبد الرحمن بن الحكم قد سميا صداقاً، ولكن لم يلتفت معاوية رضي الله عنه إلى هذه التسمية بل أمر بالتفريق بين كل زوجين منهم، وقال: هذا هو الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعاوية رضي الله عنه أعلم باللغة العربية وبمعاني أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهم جميعاً.

وهذا الذي ينبغي التنبه إليه في مسألة الشغار الذي قد يخفى على كثير من المسلمين وضوح إشكاله من حيث القصد والنية فيه ومن حيث الحكمة في تحريمه أيضاً والتي هي خافية أيضاً على الغالبية العظمى.

فمن المسائل المنكرة في النكاح ما يفعله بعض الناس في إجبار ابنته أو أخته أو بنت أخيه أو من له ولاية عليها على الزواج ممن لا ترضى بنكاحه، وذلك منكر ظاهر وظلم للنساء، لا يجوز للأب ولا لغيره من الأولياء أن يفعله ويقدم عليه لما فيه من الظلم الواضح للنساء ومخالفة السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن تزويج النساء إلا بإذنهن، ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تنكح الأيِّم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن)). قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: ((أن تسكت)). وفي صحيح مسلم رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والبكر يستأذنها أبوها، وإذنها: صماتها)). والأحاديث في هذا المعنى متعددة، ويستثنى من هذا تزويج الأب فقط لابنته التي لم تبلغ تسع سنين بالكفء إذا رأى المصلحة لها في ذلك بغير إذنها لكونها لا تعرف مصالحها إذا كان ذلك فعلاً في مصلحتها، وليس ذلك لأحد ممن له ولاية عليها إلا للأب، مع أن بعض الآباء ممن لا يقدرون مصالح بناتهم ليس لهم تزويج بناتهم في هذه السن ولا في غيره بغير إذنهن حيث هم داخلون في عموم الأحاديث السابقة، أما الأب المقدِّرُ والمُحْتَرِمُ مصالحَ بناته فإن له ذلك بدليل تزويج الصديق رضي الله عنه ابنته عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم وهي دون تسع سنين - وقيل: سبع سنين - بغير إذنها ولم يدخل بها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد سنتين تقريباً من خطبتها.

ومن الأمور والمسائل المنكرة ما يفعله بعض الناس في الحاضرة والبادية من حجر ابنة العم ومنعها من التزويج بغيره والتهديد والوعيد بفعل كذا وكذا، وكذلك إجبار بعض الأولياء للنساء على الزواج ممن لا يرضين به من القرابة أو من غيرهم، وكذلك ظلم بعض الناس لبناتهم ومولياتهم حيث يمنعونهن من الزواج ممن يتقدم لهن من الأكفاء في الدين ويرغبن هن في الزواج منهم، يمنعونهن حقهن في ذلك بحجة الطبقية الجاهلية الممقوتة في الإسلام، وكل ذلك ظلم للنساء واضح يأثم به من يقدم عليه ويقوم به، وبذلك تقع الفتن والمشاكل والشحناء والخصومات وقطيعة الرحم بل قد تصل إلى سفك الدماء وغير ذلك، فالواجب على المسلم أن يخاف الله تعالى ويحذر بطشه ونقمته، وعليه أن يحذر من الوقوع في ذلك ويحذِّر أقاربه وغيرهم من المسلمين من عواقب مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأن يستأذنوا النساء عند تزويجهن ولا يزوجوهن إلا برضاهن، ويجب عليهم أن ينظروا في مصالح النساء وليس في مصالحهم، وأن لا يزوجوهن إلا بالأكفاء ديناً وخلقاً بعد إذنهن حتى تبرأ ذممهم ويسلموا من عواقب ذلك في الدنيا والآخرة، ومما ينبغي التنبيه إليه في نكاح الشغار هو عن حال ممن لم يقدم عليه أو أقدم ولكن لم يتم الزواج حتى الآن أو وقع فيه؟ أما من لم يقدم عليه أو أقدم ولكنه في مراحله الأولى قبل الزواج فإن عليه الابتعاد عن ذلك لما سبق ذكره والكلام عنه، وأما من وقع في الشغار وخاصة مع وجود الأولاد منهما أو من أحدهما، فإن عليهم أن يجددوا العقدين إذا رضيت كل منهما بذلك أو أحدهما رضيت والأخرى لم ترض فإنه يجدد لمن رضيت، ولا حاجة للمأذون الرسمي أو إثبات ذلك رسمياً بل متى حصل الولي والشاهدان والإيجاب بعد القبول من الزوجين والزوجتين أو رضيت إحدى الزوجتين بزوجها ولم ترض الأخرى وكذلك دفع المهر لكل منهما أو لمن رضيت منهما فمتى حصل ذلك واتفقوا على إلغاء الشروط الأولى، فمن رضيت فإنها تبقى مع زوجها، والتي لم ترض وظهر أنها مكرهة في العقد الأول ولا ترغب الاستمرار مع زوجها فلها الانفصال عنه حيث أن العقد الأول لاغٍ، ويجدّد العقد للتي رضيت، أما الأولاد فهم أولاد رشد ينسبون إلى آبائهم لأنهم ولدوا في نكاح اعتقد صحته الآباء والأولياء والشهود.

0 التعليقات:

إرسال تعليق