الثلاثاء، 5 مايو 2015

الاتباع

 

الاتباع

-----------------------


 الاتباع في اللغة: مصدر اتبع الشيء وتبعه إذا سار في أثره.

جاء في معجم مقاييس اللغة:

(" تبع " التاء والباء والعين أصل واحد لا يشذ عنه من الباب شيء، وهو التلو والقفو. يقال تبعت فلانا إذا تلوته واتبعته. وأتبعته إذا لحقته والأصل واحد غير أنهم فرقوا بين القفو واللحوق فغيروا البناء أدنى تغيير، قال تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 85]  {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 89]  فهذا معناه على هذه القراءة اللحوق ومن أهل العربية من يجعل المعنى فيهما واحدا) . .

والتبع. . . . هو الظل، وهو تابع أبدا للشخص. . . والتبيع ولد البقرة إذا تبع أمه. . والتبع قوائم الدابة وسميت بذلك لأنه يتبع بعضها بعضا. والتبع النصير، لأنه يتبعه نصره. والتبيع الذي لك عليه مال، فأنت تتبعه.

وفي الحديث: «مطل الغنى ظلم، وإذا اتبع أحدكم على ملئ فليتبع» يقول: إذا أحيل عليه فليحتل .

جاء في لسان العرب:

(. . . وتبعت الشيء وأتبعته ردفته وأردفته

سيتركز الحديث إن شاء الله تعالى على معنى شهادة أن محمداً رسول الله؟ فما معنى هذه الشهادة التي هي شطر الركن الأول من أركان الإسلام الخمسة.

هذه الشهادة العظيمة التي سيسأل عنها العبد في قبره فيأتيه ملكان فيسألانه: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟.

هي أيضاً سيسأل عنها العبد يوم القيامة يقول ابن القيم رحمه الله: "كلمتان يسأل عنها الأولون والآخرون (ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟)"، سؤال الشطر الأول هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وجواب الشطر الثاني هو تحقيق أن محمداً رسول الله.

وقد فسر هذه الشهادة بقول جامع فقال: "هي تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع" وتأمل في هذه العبارة تأملاً جيداً.

((تصديقه فيما أخبر)) أي تصديقه صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به من الغيوب كما مضى، ومما سيأتي مما يكون في الآخرة ومما يكون في هذه الدنيا من الملاحم والفتن ومن أشراط الساعة ومن نصر هذا الدين وأهله المتمسكين به وغير ذلك، فكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فلابد من تصديقه والإيمان به. والاعتقاد الجازم بأن ما قاله عليه الصلاة والسلم حق وصدق.

((وطاعته فيما أمر)) كل ما أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه واجب التفيذ، وإذا كان الأمر بالاستحباب فهو مشروع. فيجب على المسلم أن ينفذ ما كان واجباً وأن ينفذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويستجيب له أن يعمل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الاستحباب.

((واجتناب ما نهى عنه وزجر)): اجتناب المحرمات والمكروهات التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.

((وأن لا يعبد الله إلا بما شرع)): فلا يخترع الإنسان عبادات يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى، وهي لم ينزل الله بها سلطاناً ولم يأت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها مع أنه عليه الصلاة والسلام كان قادراً على ذلك.

 إن من أعظم معاني شهادة أن محمداً رسول الله اتباع سنته صلى الله عليه وسلم وعدم التقدم عليه بقول أي إنسان كان، قال الله تعالى: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]. وقال تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:31]. ولذلك أطلقت على هذه الآية الكريمة آية المحبة يقول أبو سليمان الداراني: لما ادعت القلوب محبة الله عز وجل أنزل الله هذه الآية محنة (أي اختباراً وامتحاناً للقلوب).

وهذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية بأنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، والمراد بـ يحبكم الله أنه يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهذا أعظم من الأول إذ ليس الشأن أن تُحب إنما الشأن أن تحَب.

وقال تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1]. فيقف المسلم عند السنة إذا بلغته ولا يقدم قولاً ولا رأياً ولا هوى ولا مذهباً ولا أي قول كان من أي قائل مهما جل قدره ومهما ارتفعت منزلته على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا وعضوا عليها بالنواجذ…)) الحديث. فيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى صديق الأماني، عن قريب ستندم فقد دنا الوقت الذي ليس بعده سوى جنة تنتظر أو نار تضرم.

وبالسنة الغراء كن متمسكا……هي العروة الوثقى التي ليس تفصم

تمسك بها مسك البخيل بماله……وعض عليها بالنواجذ تسلم

ودع عنك ما قد أحدث الناس بعدها……فمرتع هاتيك الحوادث أوخم

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن الاتباع: هو أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه.

إذا أردت أن تعرف قدر الرجل، فانظر أين همته من الاتباع ومجانبة الابتداع، فلا يعد الرجل رجلاً إلا إذا خالط حب القرآن والسنة والعمل بهما لحمه ودمه وآثرها على ما سواهما.

فقد بعث قيوم السماوات والأرضين رسوله صلى الله عليه وسلم بالكتاب المبين والنور للأرواح.

تأمل يا أخي الحبيب هذه النصوص الواردة في الاتباع: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه (أي قرئ عليه) النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: ((أمتهوكون فيّ يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء، فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني)).

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال: ((هذا سبيل الله)) ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: ((هذه سبل)).

قال يزيد: متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ: وَأَنَّ هَاذَا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]. (رواه أحمد وهو حديث صحيح).

عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا، وسألنا عمن تركنا من أهلنا فأخبرناه وكان رقيقاً رحيماً. فقال: ((ارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم)) [البخاري ومسلم].

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الفقر ونتخوفه فقال: ((آلفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه، وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء)). قال أبو الدرداء: صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم: تركنا والله على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء. [رواه ابن ماجه وقال الألباني: حديث حسن].

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلىالله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: ((لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أصبح بعد حجتي هذه)) [رواه مسلم].

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفه) [رواه أبو داود وقال الحافظ: إسناده حسن].

عن ابن أبي مليكة قال: (كاد الخيران أن يهلكا: أبو بكر وعمر، لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم. وفد بني تميم أشار أحدهما بالأقرع بن حابس التميمي الحنظلي أخي بني مجاشع، وأشار الآخر بغيره، فقال أبو بكر لعمر: إنما أردت خلافي. فقال عمر ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات:2-3]).

قال ابن أبي مليكة: قال ابن الزبير: (فكان عمر بعد إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه) [البخاري].

كيف نتلقى خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ نتلقاه بالتعظيم مع الطاعة مع الحب، بالتعظيم فلا يستهان به، وبالطاعة فلا يعصى، وبالحب فلا يكره مؤمن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أيها الأحبة: إليكم نماذج من الحب والتعظيم لأمره صلى الله عليه وسلم: يقول عروة بن مسعود رضي الله عنه قبل إسلامه: أي قوم والله قد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت مليكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمداً ..... إلى أن قال: إذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له.

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني اتخذت خاتماً من ذهب)) فنبذه وقال: ((إني لن ألبسه أبداً)) فنبذ الناس خواتيمهم. [رواه البخاري].

عن عبدالله بن مغفل رضي الله عنهما: أنه رأى رجلاًً يخذف. فقال له: لا تخذف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف أو كان يكره الخذف.

وقال: ((إنه لا يصاد به صيد، ولا ينكأ به عدو، ولكنها قد تكسر السن وتفقأ العين)).

ثم رآه بعد ذلك يخذف، فقال له: (أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف، لا أكلمك كذا وكذا) [البخاري ومسلم].

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن. فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، إنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذه المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف).

رحماك يا إلهي فما أكثر المتخلفين عن صلاة الجماعة، وهذا ميزان الصحابة بوصف المتخلف أنه منافق معلوم النفاق.

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد كانوا أفضل هذه الأمة: أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً. اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على أثرهم وسيرتهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم).

قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: السنة، والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي: الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سننهم حتى لقوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا.

قال الزهري رحمه الله: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، والعلم يقبض قبضاً، فعيش العلم ثبات الدين والدنيا، وفي ذهاب العلم ذهاب ذلك كله.

فعلى كل مسلم استشعار الهداية في اتباعه صلى الله عليه وسلم وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ [النور:54]. وإن الضلال والشقاوة والفتنة في مخالفته صلى الله عليه وسلم فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]. من ابتغى الدواء والشفاء من غيره صلى الله عليه وسلم فهذا ميؤوس من دوائه وعلاجه فَبِأَىّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [المرسلات:50]. كل ما جاء عنه صلى الله فمحله في قلوبنا التعظيم والتوقير والحفاوة والخضوع والحب.

إن ما تعانيه الأمة اليوم من الذلة والضعف والهوان على الأمم هو جزاؤها جزاء وفاقاً. حينما استهانت بهديه صلى الله عليه وسلم إما بمعصيته أو الاستنكاف عن طاعته صلى الله عليه وسلم، ولذا تسهل أن يقودها شياطين الأرض إلى الطرق الضالة، فوقعت في مضلات الفتن وما ربك بظلام للعبيد.

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36].

إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا……كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا

وإن نحن أضللنا الطريق ولم نجده……دليلاً كفانا نور وجهك حاديا


0 التعليقات:

إرسال تعليق