الأحد، 10 مايو 2015

الحرص على صلاة الفجر في وقتها


الحرص على صلاة الفجر في وقتها

-----------------------

ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

بعد ظلمات الليل الحالك يتنفس الصبح بضيائه ويرسل إلى الكون خيوط الصباح الأولى مؤذناً ببدء يوم جديد بهيج.

وكأنما تمتد خيوط النور هذه فتهدهد الأطيار في أوكارها فإذا هي تتغنى فرحاً وتشدو بأعذب ألحانها.

ويشهد الكون في تلك اللحظات المهيبة صراع النور والظلمة واعتراك الليل والنهار ، ويبصر ميلاد يوم جديد.

ويقبل الفجر في زهوه وبهائه يتهادى اختيالاً، ملء عينيه أسرار وأخبار.

بادر الفجر واشتمل بإزاره…وتمتع بالحسن في أغواره

ودع الهيكل الترابي حينا…واسر بالروح في مدى مضماره

وتأمل فيض الجمال على الوا…دي نضيراً يشع في أسحاره

سترى غرة ليوم جديد…كان في الغيب وانبرى من ستاره

وفي هذا الوقت البديع المبارك يدوي في سماء الكون النداء الخالد، نداء الأذان … فتهتف الأرض كلها: الله أكبر الله أكبر.

وتكون صلاة الفجر فاتحة اليوم في حياة المسلم، لكأنما يعلم الإسلام أهله أن يبدأوا كل أمر بطاعة الله والإقبال عليه والإنابة إليه، وكأنما هي شكر لله على نعمة الإصباح بعد الإظلام.

ويبدأ وقت صلاة الفجر من ظهور الفجر الصادق الذي هو عبارة عن بياض ممتد من الشمال إلى الجنوب إلى طلوع الشمس، والسنة فيها التعجيل فيصليها بغلس قبل الإسفار. [الممتع:2/112ـ115].

ما من جديد سآتي به عن صلاة الفجر، وربما سمع أكثركم مني أو من غيري حديثاً يشبه هذا أو يقاربه، غير أن خطر الأمر وجلاله دفع بي إلى الإلحاح عليه والتنبيه إليه، فنحن نعيش أيام الصيف حيث يقصر الليل ويطول النهار، وحيث يتمتع قطاع عريض من مجتمعنا بإجازة لا عمل فيها، فيكثر السهر ومن ثم يكثر النوم عن صلاة الفجر.

وإنه لو وازنت بين عدد المصلين هذه الأيام في صلاة الفجر وفي غيرها من الصلوات لرأيت عجباً! هل لي أن أطالب نفسي وإياكم بأن يحصي كل فرد مقدار ما فاته من صلاته الفجر في جماعة في شهره الفائت؟ هل حاولت إحصاء ذلك؟ كيف كانت النتيجة؟ أليست محزنة؟ وإذا كنت أدركت الفجر جماعة فهل لي أن أسأل عن سنتها القبلية؟

لقد أجريت مرة استفتاء محدوداً شمل عدداً ممن نحسبهم راغبين في الخير فكانت النتيجة مرعبة، ستة عشر في المئة فقط هم الذين لم تفتهم صلاة الفجر خلال أسبوعين!

فهل يسوغ لنا ويقبل منا مثل هذا التفريط؟

لقد سمى الله هذه الصلاة العظيمة قُرْءانَ الْفَجْرِ [الإسراء:78]. فقال سبحانه: أَقِمِ الصلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء]. قال ابن كثير: يعني صلاة الفجر [تفسير ابن كثير:3/53]. وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح. يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم وَقُرْءانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [البخاري:4717].

وفي حديث آخر عند البخاري بيان أوفى لهذه الشهادة العظيمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم يصلون وأتيناهم يصلون)) [البخاري:3223].

وهكذا تكون صلاة الفجر مجتمعاً للملائكة ومحفلاً من محافل الخير والطاعة والعبادة. لا يحضره إلا كل طاهر مطهر من الأبرار يستحق أن يكون في ضيافة الرحمن، فعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من توضأ ثم أتى المسجد فصلى ركعتين قبل الفجر، ثم جلس حتى يصلي الفجر كتبت صلاته يومئذ في صلاة الأبرار وكتب في وفد الرحمن)) [رواه الطبراني بسند حسن، الترغيب والترهيب:595]. بل قد صح في الحديث عند أبي نعيم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اسمه ميثم أنه قال: بلغني أن الملك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخل بها منزله، وإن الشيطان ليغدو برايته إلى السوق مع أول من يغدو فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخلها منزله [الترغيب والترهيب:601]. وهذا موقوف له حكم المرفوع.

وليست هذه فضيلة صلاة الفجر الوحيدة، بل قد تكاثرت النصوص بما لهذه الصلاة من فضائل.

فصلاة الفجر تعدل قيام الليل، روى مسلم في صحيحه عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله)) [مسلم:656].

وروى مالك بسند صحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سليمان بن أبي حثْمة في صلاة الصبح … فمر على الشِّفاء أم سليمان فقال لها: لم أر سليمان في الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه. فقال عمر: (لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة). [موطأ مالك:1/131، الترغيب والترهيب:601].

وصلاة الفجر وصية النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده لأمة الإسلام، فعن رجل من النخع قال: سمعت أبا الدرداء حين حضرته الوفاة قال: أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((… ومن استطاع منكم أن يشهد الصلاتين: العشاء والصبح ولو حبواً فليفعل)) [رواه الطبراني في الكبير، وهو حديث حسن/الترغيب والترهيب:1/344].

وصلاة الفجر نور لصاحبها يوم القيامة، عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)) [ابن ماجه:870 بسند حسن، وابن خزيمة، الترغيب والترهيب:603]. وعند الطبراني بإسناد حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد لقي الله عز وجل بنور يوم القيامة)) [الترغيب والترهيب:602].

وصلاة الفجر أمان وحفظ من الله، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عيه وسلم قال: ((من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله تعالى)) [ابن ماجه:3946، بسند صحيح].

وصلاة الفجر ضمان للجنة، عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى البردين دخل الجنة)) [البخاري:574، مسلم:635]. والبردان: هما الصبح والعصر. قال الخطابي: سميتا بردين لأنها تصليان في بردي النهار وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر. [فتح الباري:2/53].

وصلاة الفجر حاجز عن النار، عن أبي زهير عمارة بن رويبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)) يعني الفجر والعصر [مسلم:634].

ولما كانت صلاة الفجر بهذه المنزلة العظيمة كان التفريط فيها جرماً كبيراً، وغفلة غير يسيرة.

قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن. [البزار والطبراني وابن خزيمة. الترغيب والترهيب:591].

وعن أبي بن كعب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: ((أشاهد فلان؟)) قالوا: لا. قال: ((أشاهد فلان؟)) قالوا: لا. قال: ((إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموها ولو حبوا على الركب)) [أحمد وأبو داود بسند حسن، وقد جزم ابن معين والذهبي بصحة هذا الحديث، الترغيب والترهيب:340، 596].

ولقد تعلقت قلوب السلف رضي الله عنهم بهذه الصلاة لما علموا من جليل فضلها وسوء عاقبة التخلف عنها، فكانوا أحرص الناس عليها، حتى لقد قال عبد الله بن مسعود: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. ولقد كان الرجل يؤتى به يتهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف).

وهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي الأمة وهاديها يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر، يقول: ((الصلاة يا أهل البيت إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب:33])) [الترمذي:3206]. إنه يربي ابنته على الحرص على صلاة الفجر في وقتها.

وكان علي بن أبي طالب يمر في الطريق منادياً: الصلاة الصلاة يوقظ الناس لصلاة الفجر وكان يفعل ذلك كل يوم. [صلاح الأمة:2/367].

وحين اشتكى الإمام سعيد بن المسيب عينه قالوا له: لو خرجت إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة لوجدت لذلك خفة! يدعونه للتنزه في ضواحي المدينة حيث الخضرة والجو الطليق، فقال لهم: فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح؟ [نزهة الفضلاء:1/376].

وتزوج الحارث بن حسان رضي الله عنه في ليلة من الليالي فحضر صلاة الفجر مع الجماعة، فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك الليلة؟ فقال: والله إن امرأة تمنعني من صلاة الغداة في جمع لامرأة سوء! [صلاح الأمة:2/362].

وقام عبد الرحمن بن مهدي ليلة حتى جهد فلما طلع الفجر رمى بنفسه على الفراش فنام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فقال: هذا مما جنى علي الفراش، فجعل على نفسه ألا يجعل بينه وبين الأرض شيئاً شهرين. [صلاح الأمة:2/416].

ومكث الإمام مدين بن أحمد الحميري دهراً إلى حين وفاته لا تفوته التكبيرة الأولى من صلاة الصبح ويمكث في مصلاه وهو على طهارة إلى أن يركع الضحى وربما جلس بعد ذلك [المختار المصون:1/576].

وبقي الشيخ الحفار الغرناطي نحواً من عامين أو أزيد يخرج للصلوات الخمس يهادى بين رجلين لشيء كان برجله حتى كان بعض أصحابه يقول: الحفار حجة الله على من لم يحضر الجماعة. [المختار المصون:1/206].

وكانوا يرون فوت صلاة الفجر في الجماعة خطباً جللاً يستحق العزاء. قال حاتم الأصم: فاتتني صلاة الجماعة، فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف، لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا! [صلاح الأمة:2/420].

وبلغ من منزلة صلاة الفجر أن خصت راتبتها القبلية دون سائر الرواتب بالمحافظة عليها حضراً وسفراً قال ابن القيم: وكان في السفر يواظب عل سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن، ولم ينقل عنه في السفر أنه صلى سنة راتبة غيرها، وكان ابن تيمية رحمه الله يقول: سنة الفجر تجري مجرى بداية العمل والوتر خاتمته. [زاد المعاد:1/315، 316]. بل وصفها عليه الصلاة والسلام بأنها خير من الدنيا وما فيها. [مسلم:725]. وبأنها أحب إليه من الدنيا جميعاً. [مسلم:725]. ولم يكن صلى الله عليه وسلم إلى شيء من النوافل أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر. [مسلم:724]. هذه منزلة النافلة فكيف بالفريضة؟

وسنة الفجر هذه تختص بأمور منها:

1ـ أنه يسن تخفيفها بشرط أن لا يخل المصلي بواجب، قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني أقول: هل قرأ فيهما بأم القرآن؟ [مسلم:724].

2ـ أنه يقرأ في الركعة الأولى منها بـ قُلْ ياأَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]. وفي الثانية بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]. [مسلم:726]. أو في الأولى يقرأ بـ: قُولُواْ ءامَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136]. وفي الثانية: تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] [مسلم:727].

3ـ أنه يسن بعدها الاضطجاع على الجنب الأيمن. [البخاري في التطوع ومسلم:736]. ولا سيما لمن كان يقوم الليل لأنه يحتاج إلى أن يستريح إلا إن كان ممن إذا وضع جنبه على الأرض نام ولم يستيقظ فهذا لا يسن له الاضطجاع. وكذا لا ينبغي الاضطجاع في المسجد أمام الناس، وكان ابن عمر يحصب من يراه يضطجع على يمينه. [زاد المعاد:1/319]. وإنما إذا استن الإنسان في بيته وبدا له أن يضطجع دقائق وأمن عينيه أن تناما فحسن.

وليس للمرء أن يصلي الركعتين إذا قامت الصلاة، فعند الإقامة لا صلاة إلا المكتوبة، وقد مر صلى الله عليه وسلم على رجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح فكلمه بشيء فلما انصرف أحاط به الناس ليسألوه عما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: قال لي: ((يوشك أحدكم أن يصلي الفجر أربعاً)) [ابن ماجه:1150].

وإذا لم يتمكن الإنسان من أداء راتبة الفجر قبلها فإنه يقضيها بعدها باتفاق، إلا أن الإمام أحمد اختار أن يقضيها من الضحى ورأى غيره أن يقضيها بعض الصلاة، وفي المسألة نزاع .. قال ابن قدامة: وإذا كان الأمر هكذا كان تأخيرها إلى وقت الضحى أحسن، لنخرج من الخلاف، ولا نخالف عموم الحديث، وإن فعلها فهو جائز لأن هذا الخبر لا يقصر عن الدلالة على الجواز. [المغني:2/532، وانظر رأياً للعثيمين في الشرح الممتع:4/102].

وأداء هذه الراتبة أعني ركعتي الفجر مشروع حتى لمن فاته وقت الصلاة لنوم ونحوه، فلو أن امرءاً غلبه النوم فلم يقم إلا بعد طلوع الشمس فإنه يصلي ركعتي النافلة ثم الفريضة، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أخذته عيناه في السفر فلم يستيقظ هو وصحبه إلا بعدما ضربتهم الشمس أمر بلالاً فأذن فصلى ركعتي الفجر ثم الفجر [أبو داود:437]. بل جاء في رواية أخرى لأبي داود: فركع ركعتين غير عجل ثم قال لبلال: ((أقم الصلاة)) ثم صلى الفرض وهو غير عجل [أبو داود:444]. أما إذا قام النائم وبينه وبين خروج الوقت دقائق لا تسع إلا لفرضه فإنه يبدأ به.

ومن خصائص هذه الصلاة المباركة فضيلة الجلوس بعدها إلى أن تطلع الشمس .. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسنا [مسلم:670]. وفضائل هذا الجلوس عظيمة مباركة، فهو يعدل حجة وعمرة تامة تامة تامة، وهو أحب من النبي صلى الله عليه وسلم من عتق أربعة من ولد إسماعيل، وهو إلى ذلك كفارة للذنوب ماح لها بإذن الغفور الرحيم.

ـ روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة)) [الترمذي:586، وقال حسن غريب].

ـ وصح عنه عليه الصلاة والسلام قوله: ((لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من بعد صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل)) [أبو داود:3667، وإسناده حسن].

ـ وعند أبي يعلى بسند حسن عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صلى الفجر فقعد في مقعده فلم يلغ بشيء من أمر الدنيا ويذكر الله حتى يصلي الضحى أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب له)) [الترغيب:1/370].

فإن من الظواهر الخطيرة التي شاعت في مجتمعنا حتى في أوساط طلبة العلم وأهل الخير التخلفَ عن صلاة الفجر في المسجد مع الجماعة، وقضاءَها بعد فوات وقتها، وإنك لترى المسجد في الحي المزدحم يمتلئ في الصلوات كلها حتى إذا جئته صلاة الفجر ألفيته شبه خاو ليس فيه إلا صفوف قليلة! وهذه والله بلية يعجب لها المرء.

كيف يفوت المسلم على نفسه هذا الخير العظيم؟

كيف يهنأ بالنوم والناس في المساجد مع قرآن الفجر يعيشون، وإلى لذيذ خطاب الله يستمعون، وفي ربيع جناته يتقلبون، "كأنما محيت الدنيا التي في الخارج من المسجد وبطل باطلها فلم يبق على الأرض إلا الإنسانية الطاهرة ومكان العبادة" [وحي القلم:3/31]؟

كيف يطيب له الفراش وأرباب العمل قد صفوا أقدامهم في المساجد، بين سجود وركوع، وخشوع ودموع؟

كيف يحرم نفسه بركات الفجر المتنزلة، وخيراته المتواترة؟

بل كيف يرضى المسلم أن يتلاعب به الشيطان فييول في أذنه؟ عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنهم قال ذكر عند النبي صلى اللهم عليه وسلم رجل، فقيل: ما زال نائماً حتى أصبح ما قام إلى الصلاة فقال: ((بال الشيطان في أذنه)) [البخاري:1144]. قال ابن حجر: واختلف في بول الشيطان فقيل هو على حقيقته، وقيل: هو كناية عن سد الشيطان أذن الذي ينام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر. وقيل: معناه ملأ سمعه بالأباطيل. وقيل هو كناية عن ازدراء الشيطان به. وقيل: معناه أن الشيطان استولى عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول … وخص البول لأنه أسهل مدخلاً في التجاويف وأسرع نفوذا في العروق فيورث الكسل في جميع الأعضاء. [فتح الباري:3/28-29]. وهذه معان كيفما قلبتها وجدت بعضها شراً من بعض.

ترى هل أدرك المتخلف عن صلاة الفجر متعمداً أن فعلته أشنع من السرقة والزنا والقتل وغيرها من الموبقات؟ قال ابن حزم رحمه الله: لا ذنب بعد الكفر أعظم من تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها ومن قتل امرئ مسلم بغير حق.

وهل علم هذا النائم عن صلاته أن من ترك صلاة واحدة عمداً حتى يخرج وقتها فقد كفر عند جمع من أهل العلم؟

وهل غفل هذا المضيع لجماعة الفجر عن قوله تعالى: فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ؟ وويل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الأرض لذابت من شدة حرارته وهل نسي قوله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاةَ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً [مريم:59]. وإضاعتها تأخيرها عن وقتها.

أين هو من ذلك الحديث العظيم الرهيب الذي رواه البخاري في صحيحه والذي أخبر فيه أنه أتاه آتيان فانطلقا به ((فمروا على رجل مضطجع وآخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى)) فلما سأل عليه الصلاة والسلام الملكين عن خبره قالا: ((أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة)) [البخاري:7047].

وبعض الناس يتعمد ضبط المنبه على وقت العمل ولو كان وقت العمل في السابعة أو الثامنة ولا يصلي الفجر إلا في هذا الوقت، وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن ذلك فقال: من يتعمد تركيب الساعة إلى ما بعد طلوع الشمس حتى لا يصلي فريضة الفجر في وقتها هذا قد تعمد تركها وهو كافر بهذا عند جمع من أهل العلم لتعمده ترك الصلاة … وقد أتى منكراً عظيماً عند جميع العلماء، لكن هل يكفر أو لا يكفر فهذا فيه خلاف بين العلماء … وأيضا ترك صلاة الجماعة منكر لا يجوز، والواجب عليه أن يصلي في المسجد [أربح البضاعة:26]. وقال الشيخ العثيمين في هذا: صلاته هذه غير مقبولة ولا تبرأ بها ذمته وسوف يحاسب عنها.

وبعد هذا كله كيف نحمي أنفسنا من هذا الوعيد؟ وكيف نمنع الشيطان من البول في آذاننا؟

لعل أول خطوة في طريق العلاج استشعار أهمية هذه الصلاة وإدراك قيمتها، فلو شعر الإنسان بذلك وأدرك أن يفوته بفوتها خير كثير لتحركت همته وانبعثت عزيمته، كما تتحرك وتنبعث لكل محبوب لديه.

ولابد بعد ذلك من اتخاذ الأسباب المعينة من نوم باكر وضبط للمنبهات واستعانة بالأقارب والإخوان وتقليل الأكل والشرب وإبعاد للفرش المغرية بمزيد من النوم، ومبادرة للوضوء عند الاستيقاظ وعدم التسويف.

وثمة أمور إيمانية مجربة تعين المرء على القيام لصلاة الفجر، منها الحرص على أذكار النوم، ودعاء الله في الوتر أن يوفق للقيام، ومنها البعد عن المعاصي جملة فإن المعاصي تقيد المرء عن الطاعة، ومنها عمارة القلب بالإيمان والطاعة فإن ذلك يدفع إلى الخير دفعاً.

وعلينا أن نعود أبناءنا على أداء الصلاة في المسجد منذ سن باكرة، ليألفوا هذا ويعتادوه، وليحذر الأب كل الحذر من التساهل الشائع في إيقاظ الأبناء بحجة صغر سنهم، فيتراخى الابن ويعتاد النوم فإذا جاء أبوه يقومه من بعد وجد ذلك عسراً شديداً.

وبعد … فما غرك بربك وألهاك عن صلاة فجرك؟

أهو السهر أمام القنوات الفضائية؟ أم على الأرصفة؟ أم في الشواطئ والمنتزهات؟

ترى أي خير فاتك؟ وأي موت للقلب ابتليت به؟

هل لك من عودة؟ هل لك من رجوع؟ المسجد يفتح أبوابه وداعي الرحمن يدعوك فأقبل تكن من الفائزين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق