الأحد، 17 مايو 2015

نظرات سريعة لمفاهيم خاطئة عند كثير من المسلمين اليوم


نظرات سريعة لمفاهيم خاطئة عند كثير من المسلمين اليوم

-----------------------

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أنزل الله هذا الكتاب هدى ورحمة للمؤمنين. وفصله لنا أحسن تفصيل وبينه أحسن بيان، وجعله جل وعلا ميزان حق، وحكم عدل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يأمرنا فيه بما فيه صلاحنا، وينهانا عما فيه ضررنا وفسادنا. بلا اختلاف ولا تعارض ولا تناقض، فأمره حق، ونهيه حق.

في هذا الكتاب شؤون ديننا صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها. وفيه كذلك شئون حياتنا في دنيانا، يهدينا للخير ويدلنا عليه، وينهانا عن الشر ويحذرنا منه، ميزان قسط وعدل من لدن حكيم خبير، من حكم به فقد عدل، ومن أمر به فقد نصح، ومن دل عليه فقد هدى، ومن قام به فقد نجا، ومن وزن به فقد أقسط.

 إن الله جل وعلا قد أنزل لنا هذا الكتاب ليكون منهج حياة وحكم عدل وميزان قسط. لذا فإن الواجب على كل مسلم أن يزن الأمور بهذا الميزان وأن يرضى به ميزاناً لشئون حياته كلها. ذلك بالطبع مع الأخذ بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم مع هذا الكتاب لأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة هي المصدر الثاني للتشريع، وهي حكم الله كذلك قال تعالى: فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65].

 أن من رحمة الله بنا أن أنزل لنا هذا الميزان الحق وهذا الحكم العدل لكي نزن به أمورنا وشئون حياتنا ونحكم به فيما اختلفنا فيه، ولو ترك لنا هذا الأمر لتخبطنا في كل واد ولتقاذفتنا الأهواء والفتن، ولما استطاع أحد من البشر أن يضع منهجاً أو قوانين تناسب الناس كلهم في عصورهم كلها. وإن أردت الدليل على ذلك فتأمل حال دول الكفر اليوم، وهم الذين يحكمون بقوانين من وضع البشر كيف تاهوا وضلوا وشقوا أيما شقاء بتلك القوانين، وهم فوق ذلك بحاجة لإعادة النظر والتغيير في هذه الأنظمة والقوانين لما يحصل فيها من الاختلاف والتناقض مع متغيرات الزمن وصدق الله إذ يقول: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً [النساء:82].

 نقول هذا ونحن نعيش اليوم عصراً انعكست فيه المفاهيم وانقلبت الموازين وحكم كثير من الناس أهواءهم في شئون حياتهم، بل وحتى في كثير من شئون دينهم التي كانت أولى بالبعد عن تحكيم الهوى فيها، أصبحت المفاهيم دنيوية محضة ولم يبق ممن يزن بميزان الله إلا القليل، أصبحت عقول الناس تحكم في كل شيء وأصبح من نال قسطاً من تعليم دنيوي ونال شهادة عالية يخول لنفسه ويفوضها للخوض في مسائل الدين كلها دقيقها وجليلها وللحكم فيها بما يراه عقله وفكره ظناً منه أن حصوله على الشهادات العليا في التخصصات الدنيوية يؤهله للخوض في مثل هذه المسائل، بل والحكم فيها والجدال أيضاً. وقد نسي أمثال هؤلاء أو تناسوا أنه كما أن لعلم الطب رجاله ولعلم الهندسة رجاله فلعلم الشريعة رجاله من أهل العلم الموثوقين.

وليت أن الأمر وقف عند هذا الحد بل إن الأمر قد تعدى إلى درجة أنه لو جلس عوام الناس في مجلس وطرحت مسألة شرعية في ذلك المجلس قام كل واحد من الجالسين يدلي بدلوه في المسألة ويفتي، ولو كان ذلك بغير علم مسبق من سماع أو اطلاع، بل كل ذلك يتم وبضاعتهم في ذلك النقاش هي (أظن وأرى وأعتقد) وليس عندهم من قول الله ولا قول رسوله شيء يدعمون به أقوالهم.

وتكبر المصيبة وتعظم عندما يكون النقاش مبنياً على فهم خاطئ لمعنى آية أو حديث، ويرى المتحدث حينها أنه قد حكم في المسألة بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم. في حين أنه لم يقرأ معنى تلك الآية وتفسيرها في كتاب من كتب التفسير ولم يقرأ شرحاً لذلك الحديث الذي يحتج به في كتاب من كتب الحديث. وإنما بنى حكمه وعلمه على فهمه الخاص وعقله المجرد دون الرجوع لعلماء الإسلام وأقوالهم في معاني الآيات والأحاديث.

وكم سمعنا ونسمع من احتجاج بآيات وأحاديث صحيحة مبنية على فهم خاطئ لأنه لم يؤخذ من أهل العلم أو كتبهم.

 بناءاً على تلك المقدمتين وهما:

1- عدم الوزن بميزان الشرع والاحتكام إلى العقل المجرد عن العلم الشرعي.

2- الفهم الخاطئ لنصوص الشرع المبني أيضاً على العقل المجرد من نور العلم الشرعي.

أقول بناءاً على هاتين المقدمتين انتشرت مفاهيم خاطئة وموازين مقلوبة عند كثير من المسلمين كانت سبباً للبلاء والشقاء الذي حل بالمسلمين عموماً وبهذه الفئة خصوصاً. وإن نظرة سريعة إلى بعض المفاهيم الخاطئة والموازين المقلوبة الموجودة اليوم عند المسلمين لكافية للاقتناع بأننا بحاجة إلى تصحيح هذه المفاهيم والرجوع إلى ميزان الحق والعدل الشرعي.

وتأمل مثلاً اليوم في حال المسلمين في كثير من البلاد الإسلامية مع مفهوم الولاية. فمن هو الولي؟ وماذا للولي عند الله؟ وابحث في كتاب الله عن إجابة لهذا السؤال ثم انظر في حال كثير من المسلمين لترى جوابهم.

أما في كتاب الله فيقول الله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. إذا المؤمن التقي هو الولي. وأما ماله عند الله فله الأمن والفرح يوم القيامة وفي الدنيا.

وأما عند القبوريين فالولي هو الذي يشفع وينفع ويعطي ويمنع، يسألونه الرزق والولد وكشف الضر، ويخافونه كخوفهم من الله بل أشد عند بعضهم، يرون أنه يملك التصرف في الكون وينزل المطر وينبت الزرع وغير ذلك كثير نعوذ بالله من الشرك والضلال. ولو سألتهم من أين لكم هذا؟ قالوا لك: قد ذكر الله الأولياء في كتابه. فنقول: لقد ذكر أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فمن قال بأنهم يملكون النفع والضر والتصرف في الكون وغير ذلك؟ إنه لا حجة لهم إلا عقول مسخها الشيطان أو أهواء تقذف بصاحبها في النار.

فهذا مثال آخر مما انقلبت فيه الموازين وانعكست فيه المفاهيم حول أمر عظيم قد ذكره الله في كتابه وجعل خيرية هذه الأمة بسببه ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]. هذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القرآن. إنه سبب الخيرية والفلاح إنه القطب الذي دارت حوله كل الرسالات السماوية فما من شريعة إلا جاءت بالأمر بالتوحيد وهو أعرف المعروف، وما من شريعة إلا وجاءت بالنهي عن الشرك وهو أعظم المنكرات قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطَّاغُوتَ [النحل:36]. هذا هو مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتاب الله، وأما في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيقول عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) [الترمذي].

ثم ما هو مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند كثير من الناس اليوم؟ إنه كما يقولون: تدخل فيما لا يعنيك، وحجر على الحريات الشخصية، وتشكيك في الناس، وإيذاء لهم. وغير ذلك في قائمة طويلة من الأوصاف السيئة لهذه الشعيرة العظيمة والعبادة الجليلة من قبل كثير من المسلمين هداهم الله، وكل ذلك احتجاجاً ببعض الأخطاء القليلة التي تحصل أحياناً من بعض الأفراد، فتضخم وتكبر وتهمل المنافع والإيجابيات الكثيرة لهذه العبادة مقابل تلك الأخطاء التي لا يسلم منها بشر.

وكذلك لو نظرت إلى مفهوم التشدد والذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم (الغلو) وهذا هو الاسم الشرعي للخروج عن تعاليم الدين. فما هو الغلو في الدين؟ وما هو الغلو (التشدد) عند كثير من المسلمين اليوم؟

يقول جل وعلا في سورة المائدة: يأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ [النساء:171]. قال ابن كثيررحمه الله في تفسيرها: أي لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق. انتهى كلامه رحمه الله. وهذا يعني أن التشدد الذي هو الغلو هو الخروج عن الحق وليس التمسك بالحق بقوة. روى النسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته: ((القط لي حصى، فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول: أمثال هؤلاء فارموا ثم قال: يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)).

فبالتأمل في الحديث يفهم أن الغلو والذي يسميه الناس اليوم التشدد والتزمت هو الخروج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم تأمل مفهوم التشدد عند كثير من المسلمين اليوم، تجد أنهم يرمون كل من تمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وطبقها وحافظ عليها وحرص على معرفتها والعمل بها بأنه متشدد، خلافاً لمفهوم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. فمن ترك الربا والتعامل مع البنوك سموه متشدداً. ومن رفض الاختلاط الحاصل اليوم بين الأسر من دخول على زوجة الأخ وأخت الزوجة وبنت العم وبنت الخال وغير ذلك سموه متشدداً. ومن ترك استماع الغناء المحرم والنظر إلى النساء الكاسيات العاريات في أجهزة التلفاز أو على أغلفة المجلات سموه متشدداً. ومن أطلق لحيته لأنه يرى وجوب إطلاقها سموه متشدداً، وهم يقولون بأنها سنة ويسمون من أطلقها متشدداً فيا للعجب!!.

 فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق