‏إظهار الرسائل ذات التسميات اسلاميات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات اسلاميات. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 17 مايو 2015

نظرات سريعة لمفاهيم خاطئة عند كثير من المسلمين اليوم


نظرات سريعة لمفاهيم خاطئة عند كثير من المسلمين اليوم

-----------------------

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أنزل الله هذا الكتاب هدى ورحمة للمؤمنين. وفصله لنا أحسن تفصيل وبينه أحسن بيان، وجعله جل وعلا ميزان حق، وحكم عدل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يأمرنا فيه بما فيه صلاحنا، وينهانا عما فيه ضررنا وفسادنا. بلا اختلاف ولا تعارض ولا تناقض، فأمره حق، ونهيه حق.

في هذا الكتاب شؤون ديننا صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها. وفيه كذلك شئون حياتنا في دنيانا، يهدينا للخير ويدلنا عليه، وينهانا عن الشر ويحذرنا منه، ميزان قسط وعدل من لدن حكيم خبير، من حكم به فقد عدل، ومن أمر به فقد نصح، ومن دل عليه فقد هدى، ومن قام به فقد نجا، ومن وزن به فقد أقسط.

 إن الله جل وعلا قد أنزل لنا هذا الكتاب ليكون منهج حياة وحكم عدل وميزان قسط. لذا فإن الواجب على كل مسلم أن يزن الأمور بهذا الميزان وأن يرضى به ميزاناً لشئون حياته كلها. ذلك بالطبع مع الأخذ بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم مع هذا الكتاب لأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة هي المصدر الثاني للتشريع، وهي حكم الله كذلك قال تعالى: فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65].

 أن من رحمة الله بنا أن أنزل لنا هذا الميزان الحق وهذا الحكم العدل لكي نزن به أمورنا وشئون حياتنا ونحكم به فيما اختلفنا فيه، ولو ترك لنا هذا الأمر لتخبطنا في كل واد ولتقاذفتنا الأهواء والفتن، ولما استطاع أحد من البشر أن يضع منهجاً أو قوانين تناسب الناس كلهم في عصورهم كلها. وإن أردت الدليل على ذلك فتأمل حال دول الكفر اليوم، وهم الذين يحكمون بقوانين من وضع البشر كيف تاهوا وضلوا وشقوا أيما شقاء بتلك القوانين، وهم فوق ذلك بحاجة لإعادة النظر والتغيير في هذه الأنظمة والقوانين لما يحصل فيها من الاختلاف والتناقض مع متغيرات الزمن وصدق الله إذ يقول: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً [النساء:82].

 نقول هذا ونحن نعيش اليوم عصراً انعكست فيه المفاهيم وانقلبت الموازين وحكم كثير من الناس أهواءهم في شئون حياتهم، بل وحتى في كثير من شئون دينهم التي كانت أولى بالبعد عن تحكيم الهوى فيها، أصبحت المفاهيم دنيوية محضة ولم يبق ممن يزن بميزان الله إلا القليل، أصبحت عقول الناس تحكم في كل شيء وأصبح من نال قسطاً من تعليم دنيوي ونال شهادة عالية يخول لنفسه ويفوضها للخوض في مسائل الدين كلها دقيقها وجليلها وللحكم فيها بما يراه عقله وفكره ظناً منه أن حصوله على الشهادات العليا في التخصصات الدنيوية يؤهله للخوض في مثل هذه المسائل، بل والحكم فيها والجدال أيضاً. وقد نسي أمثال هؤلاء أو تناسوا أنه كما أن لعلم الطب رجاله ولعلم الهندسة رجاله فلعلم الشريعة رجاله من أهل العلم الموثوقين.

وليت أن الأمر وقف عند هذا الحد بل إن الأمر قد تعدى إلى درجة أنه لو جلس عوام الناس في مجلس وطرحت مسألة شرعية في ذلك المجلس قام كل واحد من الجالسين يدلي بدلوه في المسألة ويفتي، ولو كان ذلك بغير علم مسبق من سماع أو اطلاع، بل كل ذلك يتم وبضاعتهم في ذلك النقاش هي (أظن وأرى وأعتقد) وليس عندهم من قول الله ولا قول رسوله شيء يدعمون به أقوالهم.

وتكبر المصيبة وتعظم عندما يكون النقاش مبنياً على فهم خاطئ لمعنى آية أو حديث، ويرى المتحدث حينها أنه قد حكم في المسألة بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم. في حين أنه لم يقرأ معنى تلك الآية وتفسيرها في كتاب من كتب التفسير ولم يقرأ شرحاً لذلك الحديث الذي يحتج به في كتاب من كتب الحديث. وإنما بنى حكمه وعلمه على فهمه الخاص وعقله المجرد دون الرجوع لعلماء الإسلام وأقوالهم في معاني الآيات والأحاديث.

وكم سمعنا ونسمع من احتجاج بآيات وأحاديث صحيحة مبنية على فهم خاطئ لأنه لم يؤخذ من أهل العلم أو كتبهم.

 بناءاً على تلك المقدمتين وهما:

1- عدم الوزن بميزان الشرع والاحتكام إلى العقل المجرد عن العلم الشرعي.

2- الفهم الخاطئ لنصوص الشرع المبني أيضاً على العقل المجرد من نور العلم الشرعي.

أقول بناءاً على هاتين المقدمتين انتشرت مفاهيم خاطئة وموازين مقلوبة عند كثير من المسلمين كانت سبباً للبلاء والشقاء الذي حل بالمسلمين عموماً وبهذه الفئة خصوصاً. وإن نظرة سريعة إلى بعض المفاهيم الخاطئة والموازين المقلوبة الموجودة اليوم عند المسلمين لكافية للاقتناع بأننا بحاجة إلى تصحيح هذه المفاهيم والرجوع إلى ميزان الحق والعدل الشرعي.

وتأمل مثلاً اليوم في حال المسلمين في كثير من البلاد الإسلامية مع مفهوم الولاية. فمن هو الولي؟ وماذا للولي عند الله؟ وابحث في كتاب الله عن إجابة لهذا السؤال ثم انظر في حال كثير من المسلمين لترى جوابهم.

أما في كتاب الله فيقول الله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. إذا المؤمن التقي هو الولي. وأما ماله عند الله فله الأمن والفرح يوم القيامة وفي الدنيا.

وأما عند القبوريين فالولي هو الذي يشفع وينفع ويعطي ويمنع، يسألونه الرزق والولد وكشف الضر، ويخافونه كخوفهم من الله بل أشد عند بعضهم، يرون أنه يملك التصرف في الكون وينزل المطر وينبت الزرع وغير ذلك كثير نعوذ بالله من الشرك والضلال. ولو سألتهم من أين لكم هذا؟ قالوا لك: قد ذكر الله الأولياء في كتابه. فنقول: لقد ذكر أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فمن قال بأنهم يملكون النفع والضر والتصرف في الكون وغير ذلك؟ إنه لا حجة لهم إلا عقول مسخها الشيطان أو أهواء تقذف بصاحبها في النار.

فهذا مثال آخر مما انقلبت فيه الموازين وانعكست فيه المفاهيم حول أمر عظيم قد ذكره الله في كتابه وجعل خيرية هذه الأمة بسببه ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]. هذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القرآن. إنه سبب الخيرية والفلاح إنه القطب الذي دارت حوله كل الرسالات السماوية فما من شريعة إلا جاءت بالأمر بالتوحيد وهو أعرف المعروف، وما من شريعة إلا وجاءت بالنهي عن الشرك وهو أعظم المنكرات قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطَّاغُوتَ [النحل:36]. هذا هو مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كتاب الله، وأما في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيقول عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) [الترمذي].

ثم ما هو مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند كثير من الناس اليوم؟ إنه كما يقولون: تدخل فيما لا يعنيك، وحجر على الحريات الشخصية، وتشكيك في الناس، وإيذاء لهم. وغير ذلك في قائمة طويلة من الأوصاف السيئة لهذه الشعيرة العظيمة والعبادة الجليلة من قبل كثير من المسلمين هداهم الله، وكل ذلك احتجاجاً ببعض الأخطاء القليلة التي تحصل أحياناً من بعض الأفراد، فتضخم وتكبر وتهمل المنافع والإيجابيات الكثيرة لهذه العبادة مقابل تلك الأخطاء التي لا يسلم منها بشر.

وكذلك لو نظرت إلى مفهوم التشدد والذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم (الغلو) وهذا هو الاسم الشرعي للخروج عن تعاليم الدين. فما هو الغلو في الدين؟ وما هو الغلو (التشدد) عند كثير من المسلمين اليوم؟

يقول جل وعلا في سورة المائدة: يأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ [النساء:171]. قال ابن كثيررحمه الله في تفسيرها: أي لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق. انتهى كلامه رحمه الله. وهذا يعني أن التشدد الذي هو الغلو هو الخروج عن الحق وليس التمسك بالحق بقوة. روى النسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته: ((القط لي حصى، فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول: أمثال هؤلاء فارموا ثم قال: يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)).

فبالتأمل في الحديث يفهم أن الغلو والذي يسميه الناس اليوم التشدد والتزمت هو الخروج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم تأمل مفهوم التشدد عند كثير من المسلمين اليوم، تجد أنهم يرمون كل من تمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وطبقها وحافظ عليها وحرص على معرفتها والعمل بها بأنه متشدد، خلافاً لمفهوم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. فمن ترك الربا والتعامل مع البنوك سموه متشدداً. ومن رفض الاختلاط الحاصل اليوم بين الأسر من دخول على زوجة الأخ وأخت الزوجة وبنت العم وبنت الخال وغير ذلك سموه متشدداً. ومن ترك استماع الغناء المحرم والنظر إلى النساء الكاسيات العاريات في أجهزة التلفاز أو على أغلفة المجلات سموه متشدداً. ومن أطلق لحيته لأنه يرى وجوب إطلاقها سموه متشدداً، وهم يقولون بأنها سنة ويسمون من أطلقها متشدداً فيا للعجب!!.

 فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

أعداء الإسلام


أعداء الإسلام

-----------------------

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والحمد لله على ما قدره بحكمته من دقيق الأمر وجله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.

فمنذ أن بعث الله نبي هذه الأمة محمداً صلى الله عليه وسلم للعالمين قامت طائفة من المناوئين لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحاربة هذا الدين, بداية بكفار قريش وعلى رأسهم أبو جهل وأبو لهب وأمية بن خلف وغيرهم، ومروراً بعد ذلك بالمنافقين الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر والنفاق، وكذلك كل من لم يكرمه الله بإتباع هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، كل أولئك قد نذروا أوقاتهم وجهدهم ومالهم لمحاربة هذا النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الدين الذي جاء به. ودارت المعارك الكثيرة ونصر الله دينه وأعز جنده وأعلى كلمته، وهزم أعداء الله وأعداء رسوله وظهر دين الله ودخل الناس في دين الله أفواجاً.

وعرف أعداء هذا الدين أنهم غير قادرين على مواجهة هذا الدين مواجهة عسكرية ولا محاربته بالسيف والرمح فلجؤوا إلى الحرب الفكرية العقائدية، وذلك عن طريق نشر الأفكار المنحرفة والعقائد الفاسدة بين المسلمين حتى يفسدوا على المسلمين دينهم. فأخذوا ينشرون الفتن بين المسلمين ويؤلفون الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت الحرب العسكرية بالسيف والرمح أقل خطراً، وكانت الحرب الفكرية العقائدية أشد خطراً وأعظم أثراً في المسلمين.

وحصل أعداء الدين على بعض ما كانوا يريدون من خلال الحرب الفكرية، وذلك ما لم يحلموا بالحصول عليه من خلال السيف.

نعم عباد الله، إن أعداء الدين اليوم يعلمون ذلك تماماً ويعونه، بل ويعملون على استمرار تلك الحرب وتطويرها، حيث أصبحت اليوم مدروسة مبحوثة يخطط لها وتبذل من أجلها الأموال الطائلة، كل ذلك حرباً لهذا الدين الذي جاء به رسول الهدى صلى الله عليه وسلم. وقد جعلوا نصيباً لكل مسلم من هذه الحرب، فهناك خطط موجهة لكل فرد في المجتمع المسلم فهناك مثلاً حرب موجهة:

1- للشاب المسلم.

2- للطفل المسلم.

3- للمسلم المثقف.

4- للمسلم العامي غير المتعلم.

5- للمرأة المسلمة.

6- للمسلم العربي.

7- للمسلم غير العربي.

8- للمسلم الغني.

9- للمسلم الفقير.

فلم يتركوا طبقة من طبقات المجتمع إلا وكان لها نصيب من هذه الحرب الفكرية. وقد استخدموا في هذه الحرب كل الوسائل المتوفرة، فاستخدموا:

1- الوسيلة المقروءة.

2- الوسيلة المسموعة.

3- الوسيلة المرئية.

وأنفقوا أموالاً لا تعد ولا تحصى من أجل حرب هذا الدين، ومع علمنا بأن أعداء الله قد نجحوا في بعض الأمور التي يريدونها إلا أننا نؤمن أنهم لن ينالوا ما يحلمون به، وهو القضاء على الإسلام والمسلمين، ونؤمن يقيناً أن الله ناصر دينه ومعل كلمته، وأن الدائرة ستكون على أعداء هذا الدين، وهذا ما أخبرنا به ربنا ولا نشك فيه أبداً، وأن هذه الأموال التي ينفقونها للصد عن سبيل الله ستضيع ويخسرونها وتكون هباء منثوراً قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36].

نعم هكذا يخبرنا ربنا تبارك وتعالى أنهم سينفقون الأموال للصد عن سبيل الله والتشكيك في دين الله وقلب المفاهيم والطعن في الأحكام، لكن النتيجة لن تكون كما يريد أعداء الله، بل ستكون هذه الأموال عليهم حسرة لأنهم أنفقوها بلا فائدة بل وسيغلبون ويهزمون ثم يحشرهم الله عز وجل إلى جهنم وساءت مصيراً.

فليعلم أعداء هذا الدين أنهم لا يحاربون طائفة من الناس أو فكرة من الأفكار البشرية بل يحاربون ديناً سماوياً نزل به الأمين جبريل عليه السلام على خير البشر صلى الله عليه وسلم. وأن أمة الإسلام تمرض وتضعف لكنها لا تموت. وليعلموا أنهم يحاربون رب السماوات والأرض وما بينهما، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. وليعلم المسلمون أن حفظ هذا الدين قد أوكله الله إلى نفسه ولم يكله إلى أحد من البشر قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. ولو كان حفظ هذا الدين موكولاً إلى غير الله لضاع منذ زمن طويل، لكنه لما كان الحافظ له هو الله لا زال حتى يومنا هذا صامداً أمام الهجمات الشرسة من أعداء الدين مع ضعف أهله وقلة حيلتهم، وذلك أن الله عز وجل قد تكفل بحفظه. وذلك ليطمئن كل مسلم غيور على دينه ولا يقنط من رحمة الله ولا يظنن أن النصر لأعداء الله، فإن دولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة.

وإن مما ينبغي أن يعلم مع علمنا بأن النصر لهذا الدين، أنه لا بد من أن يقوم أهل هذا الدين بالدفاع عنه قياماً بالأسباب ولا يتكلوا على ما ذكرنا من حفظ الله لدينه ونصرته لعباده المؤمنين، فإن النصرة لا تكون إلا لمن قام بأسبابها، وإن لم نقم بأسبابها فإن الله قادر على الإتيان بقوم آخرين يؤمنون بذلك ويعملون لتحقيقه قال تعالى: أُوْلَائكَ الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ [الأنعام:89]. وقال تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحياةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِى الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء قَدِيرٌ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:38-40]. وهكذا نعلم أننا مطالبون بنصرة دين الله والعمل به ولا يجوز لنا التواكل وترك العمل.

إن أعداء هذا الدين قد جعلوا من أهدافهم الرئيسة لحرب هذا الدين المرأة المسلمة، وقد علموا أن المرأة لها دور كبير وتأثير عظيم على المجتمع, فبصلاحها يصلح المجتمع، وبفسادها يفسد المجتمع، فهي مربية الأجيال وصانعة الرجال ومهد الحضارات. فصبوا الهجمات تلو الهجمات على الإسلام من جانب المرأة فقالوا: إن الإسلام قد ظلم المرأة في كثير من حقوقها، وقالوا: إن الإسلام قد حبس المرأة وسلط الرجل عليها، وقالوا: إن الإسلام ينظر للمرأة نظرة احتقار, وقالوا: إن المرأة والرجل متساويان، والإسلام قد فضل الرجل على المرأة. وحاربوا حجاب المرأة المسلمة وشككوا فيه، كما حاربوا تعدد الزوجات وشككوا فيه. وشككوا في أحكام المواريث بالنسبة للمرأة، والدية، وغير تلك الشبه الكثيرة التي أثاروها حول قضايا المرأة في الإسلام.

للحديث عن المرأة في الإسلام وبيان مكانتها والرد على تلك الشبه التي يثيرها أعداء الله من الكافرين والمنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ويحاربون الله ورسوله ويستهزئون ويلمزون. وإننا إن شاء الله سنتحدث عن قضايا المرأة وكيف أن الإسلام كرمها وأعزها وحفظها من كل ما يشينها أو يسيء إليها، وكيف أن أعداء الإسلام استطاعوا أن يقلبوا مفاهيم بعض النساء بل والرجال أيضاً ويجعلوهم يقولون مثلهم بأن الإسلام قد قيد حرية المرأة.

 وليس معنى أنها عن المرأة يعني أنها لا تصلح إلا للنساء بل ربما نقول أن المعني بها أولاً هو الرجل لأنه هو المسؤول عن تغيير تلك المفاهيم وإصلاح النساء من بنات وزوجات وأخوات. لذلك فمن المهم جداً أن نفهم ذلك وأن نعلم نساءنا، فإننا مسؤولون عنهن أمام الله عز وجل. وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والسداد.

مكانة الخشوع في الصلاة


مكانة الخشوع في الصلاة

-----------------------

الحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يحمد، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمد، وعلى آله وصحبه ومن تعبد…

إن من أركان الإيمان الستة الإيمان بكتب الله المنزلة الذي كان آخرها وخاتمها والمهيمن عليها القرآن الكريم والإيمان بالقرآن يعني التصديق بما فيه جملة وتفصيلاً مع العمل بما وجب العمل به في القرآن. وكذلك من أركان الإيمان الستة الإيمان بالرسل الذين كان خاتمهم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم. والإيمان بهذا الرسول الكريم يعني طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر.

وقد جاءنا القرآن وجاءتنا السنة بأخبار كثيرة كلها صدق وحق.

لكن  قد لا تبدو بعض الأمور واضحة جلية عند بعض الناس ممن لم يحصل قدراً من الإيمان يحصنه من الوقوع في براثن الشيطان فتكون الحصيلة شكاً أو تكذيباً في بعض الأخبار القرآنية أو الأحاديث النبوية فيقع صاحب ذلك الإيمان المزعزع في الكفر عياذاً بالله مكذباً ببعض تلك الأخبار أو شاكاً مشككاً فيها.

أما المؤمنون الموحدون الذين يصدقون ويؤمنون بكل ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنهم يقولون: ءامَنَّا بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا [آل عمران:7]. يؤمنون بأخباره ويعملون بأحكامه ويسلموا تسليماً. لا شك ولا اعتراض بل يقين وتسليم أولئك هم المؤمنون حقاً.

وبعد  فهذا خبر من أخبار الكتاب الكريم يقول الله تعالى فيه كما في سورة العنكبوت: اتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصلاةَ إِنَّ الصلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].

 تنزيل هذه الآية على حال كثير من المصلين اليوم يُظْهِر لنا العجب العجاب .. والحال يغني عن المقال.

وعندها يطرح السؤال نفسه بين أيدينا: لماذا لم تنه الصلاة كثيراً من المصلين عن الفحشاء والمنكر؟! أليس هذا قول ربنا؟!!

فكيف إذا وجد مصل يقع في أمور شركية تنقض التوحيد؟ وكيف ترى مصل يفعل البدع ويروج لها ويحارب من حارب البدع؟ وكيف وجد مصل يكذب ويغش ويخادع؟ وكيف وجد مصل يأكل الربى ويرابي؟ وكيف وجد مصل يمشي بالنميمة بين الناس؟ وكيف وجد مصل يغتاب المسلمين وينهش في أعراضهم ويأكل لحومهم؟ وكيف وجد مصل يأكل أموال الناس بالباطل ولا يعطي أصحاب الحقوق حقوقهم؟ وكيف وجد مصل ينظر إلى ما حرم الله من نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات؟ وكيف وجد مصل يؤذي نساء المسلمين في الأسواق وغيرها؟ وكيف.. وكيف. كم هائل من المنكرات التي يصعب حصرها قد وقع فيها بعض من هم من أهل الصلاة.

إنه السؤال العظيم: كيف حدث هذا والله يقول: إِنَّ الصلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ فلماذا لم تنه هؤلاء صلاتهم عن هذه المنكرات؟! ونحن نؤمن إيماناً يقينياً لا يخالطه شك أن ما قاله ربنا عز وجل حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

 إن الجواب على هذا قد ذكره علماؤنا وبينوا رحمهم الله كل شيء. قال أهل العلم: الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر إذا أداها العبد كما أمر الله وكما أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل الصلاة على حقيقتها وأداؤها بواجباتها وأركانها وسننها وحضور القلب فيها يجعل العبد يشعر بمعناها وأنها صلة بينه وبين الله فيرجع بعدها مرتفع الإيمان مستحضراً لنظر الله إليه واطلاعه على سره وجهره، فيطهر العبد عند ذلك ظاهره وباطنه حياء من الله أن يطلع على شيء لا يرضاه منه. يستشعر العبد أنه يلتقي ربه في كل يوم وليلة خمس مرات على أقل تقدير، يقوم بين يديه يخاطبه ويناجيه. إنه الله العظيم الكريم، يجالسه ذلك العبد الفقير الذليل ويخاطبه ويسأله كل ما يريد من حوائج دنياه وآخرته. فيستحي بعد ذلك أن يعصي له أمراً. يقول صلى الله عليه وسلم منكراً ومنبهاً للمصلين: ((إذا قام أحدكم في صلاته يقبل الله عليه بوجهه فلا يبزقن أحدكم في قبلته ولا يبزقن عن يمينه)).

إن استشعار هذا اللقاء العظيم وهذا الموقف الجليل له ما له في نفس المؤمن. فإنه يكون له رادع وزاجر عن كثير من المنكرات، كلما همت نفسه بشيء منها تذكر اللقاء القادم مع الله فاستحيا من ربه. ولذلك ورد في المسند وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فلاناً يقوم الليل وإذا أصبح سرق فقال عليه الصلاة والسلام: ((ستنهاه صلاته)).

إذاً فالصلاة تنهى صاحبها عن فعل المنكرات، ولو وقع ذلك منه أحياناً. الصلاة ترد صاحبها إلى الحق ولو زاغ عنه أحياناً. فما بال كثير من المسلمين اليوم لم تردهم صلاتهم إلى الحق بعد أن زاغوا عنه؟! ما بال كثير من المسلمين اليوم يخرج من بيت الله بعد أن صلى ينوي فعل ما حرم الله وقد عزم على ذلك قبل الصلاة؟!

أيها المصلون: إن هذه العبادة العظيمة لها جلالة ومكانة عند الله، فقد فرضت من دون سائر الفرائض في السماء. في أعلى مكان وصل إليه بشر منذ أن خلق الله آدم. ومن حب الله لها فرضها أولاً خمسين صلاة ثم خفف الأمر إلى خمس صلوات في اليوم والليلة.

واعلم أن للعبد من الإسلام بقدر ما له من الصلاة. يقول الإمام أحمد رحمه الله: "إنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة". فاعرف نفسك ياعبدالله، احذر أن تلقى الله عز وجل ولا قدر للإسلام عندك، فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك.

وقال أيضاً رحمه الله: "واعلموا أنه لو أن رجلا أحسن الصلاة، فأتمها وأحكمها، ثم نظر إلى من أساء في صلاته وضيعها، وسبق الإمام فيها، فسكت عنه، ولم يعلمه إساءته في صلاته ومسابقته الإمام فيها، ولم ينهه عن ذلك، ولم ينصحه، شاركه في وزرها وعارها. فالمحسن في صلاته، شريك المسيء في إساءته، إذا لم ينهه ولم ينصحه".

اعلموا أن الصلاة بمنزلة الهدية التي يتقرب بها الناس إلى ملوكهم وكبرائهم، فليس من عمد إلى أفضل ما يقدر عليه، فزينه وحسنه ما استطاع، ثم تقرب به إلى من يرجوه ويخافه، كمن عمد إلى أسقط ما عنده وأهون ما عنده، فيستريح منه، ويبعثه إلى من لا يقع عنده موقعاً حسناً. وليس من كانت الصلاة ربيعاً لقلبه وحياة له، وراحة وقرة لعينه، وجلاء لحزنه، وذهاباً لغمه وهمه، ومفزعاً له في نوائبه ونوازله، كمن هي سحت لقلبه، وقيد لجوارحه، وتكليف له، وثقل عليه، فهي كبيرة على هذا النوع من الناس، وقرة عين وراحة للنوع الأول. قال تعالى: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ s الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا رَبّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ [البقرة:45-46]. فإنما كبرت الصلاة على أناس لخلو قلوبهم من محبة الله تعالى وتعظيمه والخشوع له وقلة رغبتهم فيه، فإن حضور العبد في الصلاة وخشوعه فيها، وتكميله لها، واستفراغ وسعه في إقامتها وإتمامها على قدر رغبته في الله.

وقد كانت الصلاة قرة عين رسول الله . عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة)) [رواه النسائي].

هكذا كانت حال النبي مع الصلاة، وكذلك كانت حال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين رحمهم الله، فأين نحن من هؤلاء؟ ترى ما هو قدر الصلاة عندنا؟

إن الإجابة عن هذا السؤال تجعلنا نعرف السبب الذي جعل أثر الصلاة - الذي ذكره الله في كتابه - لا يظهر على الكثير منا.

اسأل نفسك كم من صلاتك تخشع فيه؟ أنصفها؟ أو ربعها؟ أو خمسها؟ أو سدسها؟ أو سبعها؟ أو عشرها؟

عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: ((إن الرجل ليصلي، و لعله ألا يكون له من صلاته إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها حتى انتهى إلى آخر العدد)) [رواه النسائي وابن حبان].

وقد كانت الصلاة راحة باله ، حتى لقد كان يقول لبلال رضي الله عنه: ((يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)) [رواه أبو داود].

وكذلك كان السلف والتابعون لهم بإحسان يتمتعون بالصلاة وذكر الله كما يتمتع اليوم أصحاب الأموال بأموالهم وكما يتمتع أصحاب الملذات بملذاتهم بل إن متعة أصحاب الذكر أعظم بكثير من متعة أصحاب الدنيا. ورد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه بكى عند موته وقال: (إنما أبكي على ظمأ الهواجر -يعني الصيام- وقيام الليل ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر). وقال أحد السلف رحمه الله: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله ومعرفته وذكره".

إن الصلاة التي تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر وتقوده إلى الله وترفعه وتنفعه في الدنيا والآخرة، هي تلك الصلاة التي أشار إليها رسول الله في الأحاديث السابقة، والتي أشار إليها السلف ومن بعدهم في أقوالهم السابقة الذكر.

ثم استمع بعد ذلك إلى هذه الكلمات في وصف تلك الصلاة من ابن القيم رحمه الله وهو يقول: "فإذا حضر وقت الصلاة بادر إلى التطهر والسعي إلى الصف الأول من المسجد فأدى فريضته كما أمر، مكملاً لها بشرائطها وأركانها، وسننها وحقائقها الباطنة من الخشوع والمراقبة والحضور بين يدي الله، فينصرف من الصلاة وقد أثرت في قلبه وبدنه وجوارحه وسائر أحواله آثاراً تبدو على وجهه ولسانه وجوارحه ويجد ثمرتها في قلبه من الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور، وقلة التكالب والحرص على الدنيا وعاجلها، قد نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر، وحببت إليه لقاء الله، ونفرته عن كل قاطع يقطعه عن الله، فهو مهموم مغموم كأنه في سجن حتى تحضر الصلاة، فإذا حضرت الصلاة قام إلى نعيمه وسروره وقرة عينه وحياة قلبه، فهو لا تطيب له الحياة إلا بالصلاة وهذا دأبه في كل فريضة" ا.هـ.

فتأمل حالك  وقارن حتى تعرف مكانك وموقعك من هذا الوصف. رزقنا الله وإياك الخشوع في الصلاة إنه ولي ذلك والقادر عليه.

السبت، 16 مايو 2015

مقام العلماء


مقام العلماء


-----------------------

الحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يحمد، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمد، وعلى آله وصحبه ومن تعبد.

روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله فقال عمر: إنه من حيث علمتم فدعاه ذات يوم، فأدخله معهم فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم قال: ما تقولون في قول الله تعالى: إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]. فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا.

قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال: فإذا جاء نصر الله والفتح وذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول.

وهذا الحديث عباد الله يحكي قصة هذا الشاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن عباس رضي الله عنهما ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان عمر رضي الله عنه وهو خليفة على المسلمين يدخله مع كبار الصحابة للمشاورة وأخذ الرأي رغم صغر سنه، والقوم من أهل بدر أي من الذين حضروا معركة بدر وقاتلوا فيها، وقد كان لأهل بدر مكانة خاصة فقد قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: ((لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم)) [رواه البخاري ومسلم].

لذلك فقد كان الصحابة كلهم يعظمون أهل بدر فلما رأى أهل بدر أن عمر رضي الله عنه يدخل معهم هذا الشاب الصغير في السن قالوا: إن لنا أبناء مثل هذا الشاب فلماذا لا يدخلهم معنا؟!

فأراد عمر رضي الله عنه أن يريهم لماذا كان يدخل ابن عباس رضي الله عنهما فاستدعاه يوماً واستدعاهم فلما حضروا وجلسوا سألهم عن تفسير سورة النصر وهي قوله تعالى: إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوبَا [سورة النصر]. فبعضهم قال: إن الله يأمرنا إذا نصرنا الله وفتح علينا أن نسبحه ونحمده. وسكت بعضهم عن الكلام. وليعلموا عند ذلك مكانة ابن عباس رضي الله عنه وجه عمر رضي الله عنه السؤال نفسه إلى ابن عباس رضي الله عنهما، فقال ابن عباس: هذه السورة هي التي أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله حيث جعل الله علامة أجل الرسول صلى الله عليه وسلم فتح مكة وأمره بالإكثار من التسبيح والاستغفار لأن أجله قد اقترب. فقال عند ذلك عمر: وأنا ما أعلم من هذه السورة إلا ما تعلم.

عندها تبينت مكانة ابن عباس وعرفها القوم فسكتوا ولم يعترضوا لعلمهم بأن الذي أهّله لحضور هذا المجلس الذي لا يحضره إلا كبار القوم هو العلم، وهذا هو سر إدخال عمر له مع أشياخ بدر في هذا المجلس.

 هذا الحديث يبين لنا فضل العلم الشرعي وشرفه ومكانة العلماء وقدرهم.

إن للعلم الشرعي في هذا الدين مكانة عظيمة ودرجة عالية. فهو ميراث النبوة فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا هذا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر. ولولا العلم الشرعي لأصبح الناس كالبهائم ولكن الله بعث إليهم الرسل بالعلم الشرعي وكرمهم ورفعهم عن بقية مخلوقاته قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطَّيّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإٍسراء:70].

والعلماء هم ورثة الأنبياء لذلك كانت لهم تلك المكانة العالية في النفوس والمنزلة الرفيعة في الحياة.

العلماء أيها المؤمنون هم الهداة للبشرية الذين يوجهونها لخيري الدنيا والآخرة. العلماء أيها الموحدون أنفع من الآباء والأمهات.

فالآباء والأمهات نفعهم محصور على أبنائهم، أما العلماء فنفعهم للأمة كلها بل للعالم أجمع. قد يستغرب البعض هذا الكلام لكنه الحقيقة فالوالدان يربيان أبناءهما والعلماء يربون الأمة بأكملها.

 قد فرق الله في كتابه بين العلماء وغيرهم وبيّن أنهم ليسوا سواسية فقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الاْلْبَابِ [الزمر:9]. نعم لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم كما لا يستوي الحي والميت والسميع والأصم والبصير والأعمى. أليس هناك فرق؟! العلم نور يهتدي به الإنسان ويخرج به من الظلمات إلى النور، يرفع الله به من يشاء من عباده درجات، وسيلة العبد لعبادة الله على بصيرة وطريقه إلى كسب رضوان ربه، كل ما يكتسبه الإنسان في هذه الحياة يفنى إلا العلم فإنه يبقى بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إلا أن يشاء الله.

تأمل رعاك الله حال أبي هريرة رضي الله عنه كان فقيراً يجوع حتى يغشى عليه من الجوع، كم يجري ذكره اليوم بين المسلمين، وكم من مترحم عليه مترض عليه. رضي الله عنه وأرضاه، وما ذلك إلا لأنه حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي العلم الشرعي.

استشهد الله أهل العلم على وحدانيته سبحانه وتعالى بعد ملائكته فقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا اله إِلاَّ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمَاً بِالْقِسْطِ [آل عمران:18]. ولم يقل: وأولو المال! ولا قال وأولو الشرف! ولا قال وأولو السلطان! بل قال: وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ.

من أراد الله به خيراً رزقه هذا العلم يقول : ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) [البخاري ومسلم].

هو مقياس محبة الله لعباده وليست الدنيا والأموال والأولاد هي المقياس، فالله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب. ليس لأحد أن يغبط أحداً على شيء إلا على العلم والعمل به قال صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) [رواه البخاري ومسلم].

العلم الشرعي- إخوتي في الله- طريق الجنة المأمون قال صلى الله عليه وسلم: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة)) [رواه مسلم]. ولذلك كله فقد كان للعلماء مكانة عظيمة عند المسلمين، ويجب أن تبقى إن كنا نريد النصر والعزة والرفعة في الدنيا والآخرة، ولقد كان سلفنا رحمة الله عليهم يعظمون العلماء ويجلونهم.

دخل الخليفة عبدالملك بن مروان المسجد الحرام يطوف بالبيت هو وابنيه ثم جاء ليسأل عالم مكة وهو عطاء بن أبي رباح، فجلس بين يديه يسأله وهو يجيب. ثم لما انصرف الخليفة قال لولديه: يا بني تعلموا العلم، فوالله لا أنسى جلوسي بين يدي عطاء بن أبي رباح.

وعطاء رحمه الله كان عبداً أسود أفطس مفلفل الشعر، كان أبوه عبداً من العبيد، ولكن رفع الله عطاء بهذا العلم حتى صار الخليفة يأتي إليه ويجلس بين يديه يستفتيه. وهكذا يرفع الله بالعلم أقواماً ويضع آخرين.

 إن الأمة اليوم مطالبة أكثر من ذي قبل بالرجوع إلى علمائها المخلصين الصادقين وسؤالهم وأخذ رأيهم والوقوف عند أقوالهم وعدم مخالفتها ما دامت مستندة إلى الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

إن علينا جميعاً كأفراد الرجوع إلى علمائنا وسؤالهم عن ما يشكل علينا في أمور ديننا ودنيانا والاستنارة بآرائهم في شئوننا الدنيوية فإنهم ينظرون بنور الله، فلا عجب أن تكون أقوالهم موفقة في أمور الدنيا التي يستطيعون الخوض فيها.

إن علينا أن نقدمهم حيث قدمهم الله ونرفعهم حيث رفعهم الله.

ومما يجب علينا كذلك عدم التعرض لهم بقدح أو غيبة أو استهزاء كما يفعل بعض السفهاء. بل الواجب علينا الذب عن أعراضهم والدفاع عنهم والرد على من ينتقصهم أو يغتابهم، فغيبتهم أعظم من غيبة غيرهم من عوام الناس.

يقول ابن الجوزي رحمه الله: (من أراد أن يعرف رتبة العلماء على الزهاد، فلينظر في رتبة جبريل وميكائيل، ومن خص من الملائكة بولاية تتعلق بالخلق، وباقي الملائكة قيام للتعبد في مراتب الرهبان في الصوامع.

وقد حظي أولئك بالتقريب على مقادير علمهم بالله تعالى. فإذا مر أحدهم بالوحي انزعج أهل السماء، حتى يخبرهم بالخبر حَتَّى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الْحَقَّ [سبأ:23].

كما إذا انزعج الزاهد من حديث يسمعه سأل العلماء عن صحته ومعناه.

فسبحان من خص فريقاً بخصائص قد شرفوا بها على جنسهم. ولا خصيصة أشرف من العلم. بزيادته صار آدم مسجوداً له، وبنقصانه صارت الملائكة ساجدة.

فأقرب الخلق من الله العلماء، وليس العلم بمجرد صورته هو النافع، بل معناه، وإنما ينال معناه من تعلمه للعمل به. فكلما دله على فضل اجتهد في نيله، وكلما نهاه عن نقص بالغ في مباعدته. فحينئذ يكشف العلم له سره، ويسهل عليه طريقه، فيصير كمجتذب يحث الجاذب، فإذا حركه عجل في سيره. والذي لا يعمل بالعلم لا يطلعه العلم على غروره، ولا يكشف له عن سره)ا.هـ.

فهذا : مقام العلماء عند ربهم. فيجب عندئذ أن نعطيهم حقهم من التبجيل والتوقير. وأن نجعلهم أئمة لنا ليقودونا إلى بر الأمان بإذن الله. وأن نلتف حولهم وتجتمع كلمتنا عليهم ولا نصدر إلا عن رأيهم، ولا نعمل إلا بمشورتهم.

 وينبغي أن يعلم أن كلامنا هذا مقيد بطاعة العلماء في طاعة الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. يقول تعالى: أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاْمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]. قال المفسرون: أولي الأمر هم الأمراء والعلماء.

فعلى هذا تكون طاعتهم طاعة لله وقربة لله. نسأل الله أن يرزقنا العلماء العاملين الناصحين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أشراط الساعة



أشراط الساعة

-----------------------


الحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يحمد. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمد، وعلى آله وصحبه ومن تعبد.

 الحديث عن أشراط الساعة لا يقصد به المتعة والتسلية وإنما المراد منه العبرة والعظة، والحذر في الوقوع في ما يسخط الله ويغضبه ومعرفة مآل من فعل ذلك. ونحن اليوم سنذكر بعضاً من أشراط الساعة الصغرى. فنسأل الله أن يعصمنا وإياكم من الفتن.

 من أشراط الساعة الصغرى.. استفاضة المال وكثرته والاستغناء عن الصدقة، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبله منه صدقته ويدعى إليه الرجل فيقول: لا أرب لي فيه)) [رواه البخاري].

وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال: ((يا عدي هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها)). قال: ((فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله)). قال عدي: قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين ذعار طيء الذين قد سعروا البلاد؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى. قلت: كسرى بن هرمز؟! قال: كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملئ كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه)) قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج ملئ كفه.

وقد تحقق كثير مما أخبرنا به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فكثر المال في عهد الصحابة رضي الله عنهم بسبب ما وقع من الفتوح واقتسموا أموال الفرس والروم ثم فاض المال في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله فكان الرجل يعرض المال للصدقة فلا يجد من يقبله.

وسيكثر المال في آخر الزمان حتى يعرض الرجل ماله فيقول الذي يعرض عليه: لا حاجة لي فيه.

وكذلك من أشراط الساعة ظهور الفتن: والفتن هي جمع فتنة، وهي الابتلاء والامتحان والاختبار ثم كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه ثم أطلقت على كل مكروه أو آيل إليه كالإثم والكفر والقتل والتحريف وغير ذلك من الأمور المكروهة.

وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن من أشراط الساعة ظهور الفتن العظيمة التي يلتبس فيها الحق بالباطل، فتزلزل الإيمان حتى يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، كلما ظهرت فتنة قال المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف ويظهر غيرها فيقول: هذه هذه، ولا تزال الفتن تظهر في الناس إلى أن تقوم الساعة.

وقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، فاجتمعنا فقال رسول الله: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر)) [رواه مسلم].

وأحاديث الفتن كثيرة جداً، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الفتن وأمر بالتعوذ منها وأخبر أن آخر هذه الأمة سيصيبها بلاء وفتن عظيمة، وليس هناك عاصم منها إلا الإيمان بالله واليوم الآخر ولزوم جماعة المسلمين، وهم أهل السنة وإن قلّوا، والابتعاد عن الفتن والتعوذ منها فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)) [رواه مسلم].

وهانحن نرى الفتنة تلو الفتنة تحل بالأمة، والأمة تقع فيها واحدة تلو الأخرى إلا من رحم الله، وكلما جاءت فتنة جديدة رأينا أن التي كانت قبلها أهون منها.

واعلموا رحمني الله وإياكم أن من أكابر الفتن التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم اتباع سنن الأمم الماضية وهم اليهود والنصارى، وقد قلّد بعض المسلمين في أيامنا هذه الكفار وتشبهوا بهم وتخلّقوا بأخلاقهم وأعجبوا بهم، وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع. فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: "ومن الناس إلا أولئك)) [رواه البخاري]. وفي رواية عن أبي سعيد الخدري قلنا يا رسول الله! اليهود والنصارى، قال: ((فمن؟!)) [رواه البخاري ومسلم].




ومن علامات الساعة الصغرى كذلك ظهور من يدعي النبوة من الكذابين وهم قريب من ثلاثين كذاباً، وقد خرج بعضهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة ولا يزالون يظهرون ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله))، وليس التحديد في الأحاديث بثلاثين مراداً به كل من ادعى النبوة مطلقاً فإنهم كثير لا يحصون، وإنما المراد من قامت له شوكة وكثر أتباعه واشتهر بين الناس وممن ظهر من هؤلاء الثلاثين مسيلمة الكذاب والأسود العنسي والمختار بن أبي عبيد الثقفي.

وظهر في العصر الحديث مرزا أحمد القادياني بالهند وادعى النبوة، وأنه المسيح المنتظر، وأن عيسى ليس بحي في السماء إلى غير ذلك من الادعاءات الباطلة وصار له أتباع وأنصار وانبرى له كثير من العلماء فردوا عليه وبينوا أنه أحد الدجالين، ولا يزال خروج هؤلاء الكذابين واحداً بعد الآخر حتى يظهر آخرهم الأعور الدجال فقد روى الإمام أحمد عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم كسفت الشمس على عهده: ((وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً آخرهم الأعور الدجال)).

وكذلك من علامات الساعة الصغرى ضياع الأمانة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)).

وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم كيف ترفع الأمانة من القلوب وأنه لا يبقى منها في القلب إلا أثرها. روى حذيفة رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها قال: ((ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت -الوكت: الأثر في الشيء كالنقطة من غير لونه- ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل -الخشونة التي تصيب الكف- كجمر دحرجته على رجلك فنفط -أثر الحرق الذي ينتفخ ويمتلئ ماء- فتراه منتبراً -أي متورماً- وليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً. ويقال للرجل: ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ولقد أتى علي زمان و ما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلماً رده الإسلام، وإن كان نصرانياً رده علي ساعيه، فأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً)) [رواه البخاري].

ففي هذا الحديث بيان أن الأمانة سترفع من القلوب حتى يصير الرجل خائناً بعد أن كان أميناً، وهذا إنما يقع لمن ذهب خوفه من الله وضعف إيمانه وخالط أهل الخيانة فيصير خائناً.

ومع الأسف كثر الغش والخيانة عند بعض المسلمين هداهم الله، ففي التجارة مثلاً ظهر الغش والخيانة، وفي الصناعة، والزراعة، وتعامل الناس مع بعضهم البعض إلا من رحم الله. نسأل الله تعالى أن يصلح الحال.

الاثنين، 11 مايو 2015

بدع رجب


بدع رجب

-----------------------


الحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يحمد، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمد وعلى آله وصحبه ومن تعبد.

فإن لله تبارك وتعالى منح وعطايا ومواهب يمنحها لعباده ويهبها لهم في كل حين. يمحو بها الخطايا ويكفر بها السيئات ويرفع الدرجات ويقيل العثرات. فقد شرع لنا جل وعلا شهراً نصوم فيه، وشهراً نحج فيه، ويوماً أو يومين من بعض الشهور نصومها, وشرع كذلك قيام الليل وصلاة الوتر والأضحية والعقيقة وغير ذلك من أنواع العبادات المختلفة المتنوعة كل ذلك منه جل وعلا تنويعاً لسبل الخير والطاعات وتنشيطاً للنفس عندما تنتقل من نوع من الطاعات إلى نوع آخر فلا يمل الإنسان ولا يكل من طاعة الله، وتلك نعمة من نعم الله علينا وذلك فضله سبحانه وتعالى. فمن ذلك أنه شرع لنا صيام رمضان وقيامه ووعدنا بالمغفرة والأجر العظيم فقال صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) [متفق عليه].

وشرع لنا الحج في أشهر الحج: شوال وذي القعدة وذي الحجة، ووعد من حج كما أمره الله بالمغفرة والجنة فقال صلى الله عليه وسلم: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) [رواه مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) [متفق عليه].

وشرع صوم يوم عرفة وصوم يوم عاشوراء ويوماً قبله أو يوماً بعده وقال: ((صوم يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وصوم يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)) [رواه مسلم].

وشرع الأضحية في يوم النحر، وقد وردت الأحاديث أنه ضحى عن نفسه وعن فقراء أمته وعن نسائه في البخاري ومسلم والسنن. وشرع العقيقة وهي التي تذبح عن المولود، عن الذكر شاتان، وعن الأنثى شاة، وقد وردت أحاديثها في السنن أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فأخبرنا بها.

وهكذا تجدون أنه ما من عبادة تقرب من الله إلا وقد أخبرنا الله بها في كتابه أو أخبرنا بها نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته.

لكن الخطأ أن بعض المسلمين يريد التقرب إلى الله عز وجل ويريد الأجر والثواب فيذهب للبحث عن ذلك في غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن هنا يحدث الانحراف عن المنهج الحق.

ولقد ذم الله تعالى في كتابه الكريم العرب الجاهليين عندما تدخلوا في شرع الله وأخذوا يحرمون ويحللون ويستحبون ما لم يأذن به الله. فمثلاً كان العرب يتلاعبون بالأشهر الحرم ويستطيلون مدة ثلاثة أشهر حرم متتالية، فأخروا واحداً منها وغيروا مكانه، فذمهم الله تعالى في قوله: إِنَّمَا النَّسِىء زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا [التوبة:37]. قال ابن كثير رحمه الله: "هذا مما ذم الله به المشركين من تصرفهم في شرع الله بآرائهم الفاسدة وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الباردة وتحليلهم ما حرم الله وتحريمهم ما أحل الله".

وكذلك ذم الله المشركين الجاهليين عندما حرموا من الإبل ما لم يأذن به الله فقال تعالى: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَاكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [المائدة:103]. وقد كان العرب قد حرموا ذبح أنواع من الإبل وحرموا ركوب أنواع من الإبل بقوانين وضعوها من عند أنفسهم لم يشرعها لهم الله فذمهم بذلك.

ومن هنا تعلم أن عبادة الله أمر لا يجوز إلا بما شرعه الله لك أو شرعه لك رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أراد أن يتقرب إلى الله وينال ثوابه وحبه ورضاه بغير ذلك فسوف يحصل له عكس مقصوده وخلاف مراده، فإن الله لا يرضى إلا بما شرعه من العبادات.

 وفي هذا الشهر شهر رجب الذي هو أحد الأشهر الحرم يحصل من بعض المسلمين هداهم الله بعض المخالفات حيث يريد هؤلاء التقرب إلى الله ومغفرة الذنوب وحب الله ورضاه بعبادات لم يشرعها الله لهم ولم يأذن بها، هم يريدون الخير طبعاً ولكن...كم من مريد للخير لم يدركه؟

والعبرة  ليست فقط بالنية الحسنة بل يجب مع النية الحسنة أن يكون العمل مشروعاً، وإلا فإن العمل مردود على صاحبه غير مقبول منه. ولكن من هذا الذي يجرؤ أن يقول: إن العمل غير مقبول عند الله؟ ومن يدريه أن العمل غير مقبول؟ نقول: إن الذي أخبر بهذا هو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ففي الحديث: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد)) [متفق عليه]. وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) فكل عمل ليس بأمر الشارع فهو مردود على صاحبه غير مقبول منه.

ومما يفعل في شهر رجب الذبائح، وقد كانوا في الجاهلية يذبحون ذبيحة يسمونها العتيرة، وقال أهل العلم: إن الإسلام قد أبطلها لحديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا فرع ولا عتيرة)).




فكذلك مما أُحْدِثَ في رجب الصلاة التي لم يأذن بها الله ولا رسوله، وهي ما يسمونه بصلاة الرغائب، قال العلماء: لم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به. والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب كذب وباطل لا تصح. وقال بعض أهل العلم: إنها صلاة أُحْدِثَتْ بعد المائة الرابعة ولم تعرف قبل ذلك. كذلك لم يتكلم عنها علماء القرون المفضلة.

وكذلك مما يخص به بعض الناس شهر رجب دون غيره الصيام، ولم يصح في صوم شهر رجب بخصوصه حديث، ولكن من كان له عادة صوم يصومها فليفعل. بل لم يكن صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً كاملاً سوى رمضان كما روت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان) [متفق عليه]. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يضرب أكف الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام ويقول: ما رجب؟ إن رجباً كان يعظمه أهل الجاهلية فلما كان الإسلام ترك. وفي رواية كره أن يكون صيامه سُنَّة. وعن أبي بكرة رضي الله عنه أنه رأى أهله يتهيئون لصيام رجب فقال لهم: أجعلتم رجباً كرمضان، وألقى السلال وكسر الكيزان.

وكذلك مما أحدث في رجب العمرة، ويسمونها الرجبية، وهذا أيضاً من الخطأ فإنه لم يرد حديث في فضل العمرة في شهر من الشهور إلا في شهر رمضان، فقد ورد في الصحيح أن ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) وفي رواية: ((حجة معي)) ولذلك فإن من اعتمر في هذا الشهر قاصداً ألشهر فقد أخطأ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب أبداً مع أنه اعتمر أربع مرات.

 فإن المسلم الطالب للخير والثواب يبحث عنه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: ((وإني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً كتاب الله)) وفي القرآن قوله تعالى: وَمَا ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ [الحشر:7].

وليعلم العبد المسلم أنه والله لو أراد الخير والتمسك بالطاعات فإنها كثيرة فلا داعي للزيادة على ما علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنقم بما أمرنا به ومن فعل ذلك فقد ضمن له الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة يقول ابن مسعود: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق). فعلينا إذا ألا نزيد في دين الله ما ليس منه، وعلينا أن نتمسك بسنة رسول الله قال بعض أهل العلم: السنة سفينة نوح من تمسك بها نجا. فماذا يريد المسلم إلا النجاة؟.

الأحد، 10 مايو 2015

الحرص على صلاة الفجر في وقتها


الحرص على صلاة الفجر في وقتها

-----------------------

ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

بعد ظلمات الليل الحالك يتنفس الصبح بضيائه ويرسل إلى الكون خيوط الصباح الأولى مؤذناً ببدء يوم جديد بهيج.

وكأنما تمتد خيوط النور هذه فتهدهد الأطيار في أوكارها فإذا هي تتغنى فرحاً وتشدو بأعذب ألحانها.

ويشهد الكون في تلك اللحظات المهيبة صراع النور والظلمة واعتراك الليل والنهار ، ويبصر ميلاد يوم جديد.

ويقبل الفجر في زهوه وبهائه يتهادى اختيالاً، ملء عينيه أسرار وأخبار.

بادر الفجر واشتمل بإزاره…وتمتع بالحسن في أغواره

ودع الهيكل الترابي حينا…واسر بالروح في مدى مضماره

وتأمل فيض الجمال على الوا…دي نضيراً يشع في أسحاره

سترى غرة ليوم جديد…كان في الغيب وانبرى من ستاره

وفي هذا الوقت البديع المبارك يدوي في سماء الكون النداء الخالد، نداء الأذان … فتهتف الأرض كلها: الله أكبر الله أكبر.

وتكون صلاة الفجر فاتحة اليوم في حياة المسلم، لكأنما يعلم الإسلام أهله أن يبدأوا كل أمر بطاعة الله والإقبال عليه والإنابة إليه، وكأنما هي شكر لله على نعمة الإصباح بعد الإظلام.

ويبدأ وقت صلاة الفجر من ظهور الفجر الصادق الذي هو عبارة عن بياض ممتد من الشمال إلى الجنوب إلى طلوع الشمس، والسنة فيها التعجيل فيصليها بغلس قبل الإسفار. [الممتع:2/112ـ115].

ما من جديد سآتي به عن صلاة الفجر، وربما سمع أكثركم مني أو من غيري حديثاً يشبه هذا أو يقاربه، غير أن خطر الأمر وجلاله دفع بي إلى الإلحاح عليه والتنبيه إليه، فنحن نعيش أيام الصيف حيث يقصر الليل ويطول النهار، وحيث يتمتع قطاع عريض من مجتمعنا بإجازة لا عمل فيها، فيكثر السهر ومن ثم يكثر النوم عن صلاة الفجر.

وإنه لو وازنت بين عدد المصلين هذه الأيام في صلاة الفجر وفي غيرها من الصلوات لرأيت عجباً! هل لي أن أطالب نفسي وإياكم بأن يحصي كل فرد مقدار ما فاته من صلاته الفجر في جماعة في شهره الفائت؟ هل حاولت إحصاء ذلك؟ كيف كانت النتيجة؟ أليست محزنة؟ وإذا كنت أدركت الفجر جماعة فهل لي أن أسأل عن سنتها القبلية؟

لقد أجريت مرة استفتاء محدوداً شمل عدداً ممن نحسبهم راغبين في الخير فكانت النتيجة مرعبة، ستة عشر في المئة فقط هم الذين لم تفتهم صلاة الفجر خلال أسبوعين!

فهل يسوغ لنا ويقبل منا مثل هذا التفريط؟

لقد سمى الله هذه الصلاة العظيمة قُرْءانَ الْفَجْرِ [الإسراء:78]. فقال سبحانه: أَقِمِ الصلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْءانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء]. قال ابن كثير: يعني صلاة الفجر [تفسير ابن كثير:3/53]. وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح. يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم وَقُرْءانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [البخاري:4717].

وفي حديث آخر عند البخاري بيان أوفى لهذه الشهادة العظيمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم يصلون وأتيناهم يصلون)) [البخاري:3223].

وهكذا تكون صلاة الفجر مجتمعاً للملائكة ومحفلاً من محافل الخير والطاعة والعبادة. لا يحضره إلا كل طاهر مطهر من الأبرار يستحق أن يكون في ضيافة الرحمن، فعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من توضأ ثم أتى المسجد فصلى ركعتين قبل الفجر، ثم جلس حتى يصلي الفجر كتبت صلاته يومئذ في صلاة الأبرار وكتب في وفد الرحمن)) [رواه الطبراني بسند حسن، الترغيب والترهيب:595]. بل قد صح في الحديث عند أبي نعيم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اسمه ميثم أنه قال: بلغني أن الملك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخل بها منزله، وإن الشيطان ليغدو برايته إلى السوق مع أول من يغدو فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخلها منزله [الترغيب والترهيب:601]. وهذا موقوف له حكم المرفوع.

وليست هذه فضيلة صلاة الفجر الوحيدة، بل قد تكاثرت النصوص بما لهذه الصلاة من فضائل.

فصلاة الفجر تعدل قيام الليل، روى مسلم في صحيحه عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله)) [مسلم:656].

وروى مالك بسند صحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سليمان بن أبي حثْمة في صلاة الصبح … فمر على الشِّفاء أم سليمان فقال لها: لم أر سليمان في الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه. فقال عمر: (لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة). [موطأ مالك:1/131، الترغيب والترهيب:601].

وصلاة الفجر وصية النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده لأمة الإسلام، فعن رجل من النخع قال: سمعت أبا الدرداء حين حضرته الوفاة قال: أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((… ومن استطاع منكم أن يشهد الصلاتين: العشاء والصبح ولو حبواً فليفعل)) [رواه الطبراني في الكبير، وهو حديث حسن/الترغيب والترهيب:1/344].

وصلاة الفجر نور لصاحبها يوم القيامة، عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)) [ابن ماجه:870 بسند حسن، وابن خزيمة، الترغيب والترهيب:603]. وعند الطبراني بإسناد حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد لقي الله عز وجل بنور يوم القيامة)) [الترغيب والترهيب:602].

وصلاة الفجر أمان وحفظ من الله، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عيه وسلم قال: ((من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله تعالى)) [ابن ماجه:3946، بسند صحيح].

وصلاة الفجر ضمان للجنة، عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى البردين دخل الجنة)) [البخاري:574، مسلم:635]. والبردان: هما الصبح والعصر. قال الخطابي: سميتا بردين لأنها تصليان في بردي النهار وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر. [فتح الباري:2/53].

وصلاة الفجر حاجز عن النار، عن أبي زهير عمارة بن رويبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)) يعني الفجر والعصر [مسلم:634].

ولما كانت صلاة الفجر بهذه المنزلة العظيمة كان التفريط فيها جرماً كبيراً، وغفلة غير يسيرة.

قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن. [البزار والطبراني وابن خزيمة. الترغيب والترهيب:591].

وعن أبي بن كعب قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: ((أشاهد فلان؟)) قالوا: لا. قال: ((أشاهد فلان؟)) قالوا: لا. قال: ((إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموها ولو حبوا على الركب)) [أحمد وأبو داود بسند حسن، وقد جزم ابن معين والذهبي بصحة هذا الحديث، الترغيب والترهيب:340، 596].

ولقد تعلقت قلوب السلف رضي الله عنهم بهذه الصلاة لما علموا من جليل فضلها وسوء عاقبة التخلف عنها، فكانوا أحرص الناس عليها، حتى لقد قال عبد الله بن مسعود: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. ولقد كان الرجل يؤتى به يتهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف).

وهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي الأمة وهاديها يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر، يقول: ((الصلاة يا أهل البيت إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب:33])) [الترمذي:3206]. إنه يربي ابنته على الحرص على صلاة الفجر في وقتها.

وكان علي بن أبي طالب يمر في الطريق منادياً: الصلاة الصلاة يوقظ الناس لصلاة الفجر وكان يفعل ذلك كل يوم. [صلاح الأمة:2/367].

وحين اشتكى الإمام سعيد بن المسيب عينه قالوا له: لو خرجت إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة لوجدت لذلك خفة! يدعونه للتنزه في ضواحي المدينة حيث الخضرة والجو الطليق، فقال لهم: فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح؟ [نزهة الفضلاء:1/376].

وتزوج الحارث بن حسان رضي الله عنه في ليلة من الليالي فحضر صلاة الفجر مع الجماعة، فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك الليلة؟ فقال: والله إن امرأة تمنعني من صلاة الغداة في جمع لامرأة سوء! [صلاح الأمة:2/362].

وقام عبد الرحمن بن مهدي ليلة حتى جهد فلما طلع الفجر رمى بنفسه على الفراش فنام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فقال: هذا مما جنى علي الفراش، فجعل على نفسه ألا يجعل بينه وبين الأرض شيئاً شهرين. [صلاح الأمة:2/416].

ومكث الإمام مدين بن أحمد الحميري دهراً إلى حين وفاته لا تفوته التكبيرة الأولى من صلاة الصبح ويمكث في مصلاه وهو على طهارة إلى أن يركع الضحى وربما جلس بعد ذلك [المختار المصون:1/576].

وبقي الشيخ الحفار الغرناطي نحواً من عامين أو أزيد يخرج للصلوات الخمس يهادى بين رجلين لشيء كان برجله حتى كان بعض أصحابه يقول: الحفار حجة الله على من لم يحضر الجماعة. [المختار المصون:1/206].

وكانوا يرون فوت صلاة الفجر في الجماعة خطباً جللاً يستحق العزاء. قال حاتم الأصم: فاتتني صلاة الجماعة، فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف، لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا! [صلاح الأمة:2/420].

وبلغ من منزلة صلاة الفجر أن خصت راتبتها القبلية دون سائر الرواتب بالمحافظة عليها حضراً وسفراً قال ابن القيم: وكان في السفر يواظب عل سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن، ولم ينقل عنه في السفر أنه صلى سنة راتبة غيرها، وكان ابن تيمية رحمه الله يقول: سنة الفجر تجري مجرى بداية العمل والوتر خاتمته. [زاد المعاد:1/315، 316]. بل وصفها عليه الصلاة والسلام بأنها خير من الدنيا وما فيها. [مسلم:725]. وبأنها أحب إليه من الدنيا جميعاً. [مسلم:725]. ولم يكن صلى الله عليه وسلم إلى شيء من النوافل أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر. [مسلم:724]. هذه منزلة النافلة فكيف بالفريضة؟

وسنة الفجر هذه تختص بأمور منها:

1ـ أنه يسن تخفيفها بشرط أن لا يخل المصلي بواجب، قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني أقول: هل قرأ فيهما بأم القرآن؟ [مسلم:724].

2ـ أنه يقرأ في الركعة الأولى منها بـ قُلْ ياأَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]. وفي الثانية بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]. [مسلم:726]. أو في الأولى يقرأ بـ: قُولُواْ ءامَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136]. وفي الثانية: تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] [مسلم:727].

3ـ أنه يسن بعدها الاضطجاع على الجنب الأيمن. [البخاري في التطوع ومسلم:736]. ولا سيما لمن كان يقوم الليل لأنه يحتاج إلى أن يستريح إلا إن كان ممن إذا وضع جنبه على الأرض نام ولم يستيقظ فهذا لا يسن له الاضطجاع. وكذا لا ينبغي الاضطجاع في المسجد أمام الناس، وكان ابن عمر يحصب من يراه يضطجع على يمينه. [زاد المعاد:1/319]. وإنما إذا استن الإنسان في بيته وبدا له أن يضطجع دقائق وأمن عينيه أن تناما فحسن.

وليس للمرء أن يصلي الركعتين إذا قامت الصلاة، فعند الإقامة لا صلاة إلا المكتوبة، وقد مر صلى الله عليه وسلم على رجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح فكلمه بشيء فلما انصرف أحاط به الناس ليسألوه عما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: قال لي: ((يوشك أحدكم أن يصلي الفجر أربعاً)) [ابن ماجه:1150].

وإذا لم يتمكن الإنسان من أداء راتبة الفجر قبلها فإنه يقضيها بعدها باتفاق، إلا أن الإمام أحمد اختار أن يقضيها من الضحى ورأى غيره أن يقضيها بعض الصلاة، وفي المسألة نزاع .. قال ابن قدامة: وإذا كان الأمر هكذا كان تأخيرها إلى وقت الضحى أحسن، لنخرج من الخلاف، ولا نخالف عموم الحديث، وإن فعلها فهو جائز لأن هذا الخبر لا يقصر عن الدلالة على الجواز. [المغني:2/532، وانظر رأياً للعثيمين في الشرح الممتع:4/102].

وأداء هذه الراتبة أعني ركعتي الفجر مشروع حتى لمن فاته وقت الصلاة لنوم ونحوه، فلو أن امرءاً غلبه النوم فلم يقم إلا بعد طلوع الشمس فإنه يصلي ركعتي النافلة ثم الفريضة، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أخذته عيناه في السفر فلم يستيقظ هو وصحبه إلا بعدما ضربتهم الشمس أمر بلالاً فأذن فصلى ركعتي الفجر ثم الفجر [أبو داود:437]. بل جاء في رواية أخرى لأبي داود: فركع ركعتين غير عجل ثم قال لبلال: ((أقم الصلاة)) ثم صلى الفرض وهو غير عجل [أبو داود:444]. أما إذا قام النائم وبينه وبين خروج الوقت دقائق لا تسع إلا لفرضه فإنه يبدأ به.

ومن خصائص هذه الصلاة المباركة فضيلة الجلوس بعدها إلى أن تطلع الشمس .. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسنا [مسلم:670]. وفضائل هذا الجلوس عظيمة مباركة، فهو يعدل حجة وعمرة تامة تامة تامة، وهو أحب من النبي صلى الله عليه وسلم من عتق أربعة من ولد إسماعيل، وهو إلى ذلك كفارة للذنوب ماح لها بإذن الغفور الرحيم.

ـ روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة)) [الترمذي:586، وقال حسن غريب].

ـ وصح عنه عليه الصلاة والسلام قوله: ((لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من بعد صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل)) [أبو داود:3667، وإسناده حسن].

ـ وعند أبي يعلى بسند حسن عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صلى الفجر فقعد في مقعده فلم يلغ بشيء من أمر الدنيا ويذكر الله حتى يصلي الضحى أربع ركعات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب له)) [الترغيب:1/370].

فإن من الظواهر الخطيرة التي شاعت في مجتمعنا حتى في أوساط طلبة العلم وأهل الخير التخلفَ عن صلاة الفجر في المسجد مع الجماعة، وقضاءَها بعد فوات وقتها، وإنك لترى المسجد في الحي المزدحم يمتلئ في الصلوات كلها حتى إذا جئته صلاة الفجر ألفيته شبه خاو ليس فيه إلا صفوف قليلة! وهذه والله بلية يعجب لها المرء.

كيف يفوت المسلم على نفسه هذا الخير العظيم؟

كيف يهنأ بالنوم والناس في المساجد مع قرآن الفجر يعيشون، وإلى لذيذ خطاب الله يستمعون، وفي ربيع جناته يتقلبون، "كأنما محيت الدنيا التي في الخارج من المسجد وبطل باطلها فلم يبق على الأرض إلا الإنسانية الطاهرة ومكان العبادة" [وحي القلم:3/31]؟

كيف يطيب له الفراش وأرباب العمل قد صفوا أقدامهم في المساجد، بين سجود وركوع، وخشوع ودموع؟

كيف يحرم نفسه بركات الفجر المتنزلة، وخيراته المتواترة؟

بل كيف يرضى المسلم أن يتلاعب به الشيطان فييول في أذنه؟ عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنهم قال ذكر عند النبي صلى اللهم عليه وسلم رجل، فقيل: ما زال نائماً حتى أصبح ما قام إلى الصلاة فقال: ((بال الشيطان في أذنه)) [البخاري:1144]. قال ابن حجر: واختلف في بول الشيطان فقيل هو على حقيقته، وقيل: هو كناية عن سد الشيطان أذن الذي ينام عن الصلاة حتى لا يسمع الذكر. وقيل: معناه ملأ سمعه بالأباطيل. وقيل هو كناية عن ازدراء الشيطان به. وقيل: معناه أن الشيطان استولى عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول … وخص البول لأنه أسهل مدخلاً في التجاويف وأسرع نفوذا في العروق فيورث الكسل في جميع الأعضاء. [فتح الباري:3/28-29]. وهذه معان كيفما قلبتها وجدت بعضها شراً من بعض.

ترى هل أدرك المتخلف عن صلاة الفجر متعمداً أن فعلته أشنع من السرقة والزنا والقتل وغيرها من الموبقات؟ قال ابن حزم رحمه الله: لا ذنب بعد الكفر أعظم من تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها ومن قتل امرئ مسلم بغير حق.

وهل علم هذا النائم عن صلاته أن من ترك صلاة واحدة عمداً حتى يخرج وقتها فقد كفر عند جمع من أهل العلم؟

وهل غفل هذا المضيع لجماعة الفجر عن قوله تعالى: فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ؟ وويل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الأرض لذابت من شدة حرارته وهل نسي قوله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاةَ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً [مريم:59]. وإضاعتها تأخيرها عن وقتها.

أين هو من ذلك الحديث العظيم الرهيب الذي رواه البخاري في صحيحه والذي أخبر فيه أنه أتاه آتيان فانطلقا به ((فمروا على رجل مضطجع وآخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتهدهد الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى)) فلما سأل عليه الصلاة والسلام الملكين عن خبره قالا: ((أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة)) [البخاري:7047].

وبعض الناس يتعمد ضبط المنبه على وقت العمل ولو كان وقت العمل في السابعة أو الثامنة ولا يصلي الفجر إلا في هذا الوقت، وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن ذلك فقال: من يتعمد تركيب الساعة إلى ما بعد طلوع الشمس حتى لا يصلي فريضة الفجر في وقتها هذا قد تعمد تركها وهو كافر بهذا عند جمع من أهل العلم لتعمده ترك الصلاة … وقد أتى منكراً عظيماً عند جميع العلماء، لكن هل يكفر أو لا يكفر فهذا فيه خلاف بين العلماء … وأيضا ترك صلاة الجماعة منكر لا يجوز، والواجب عليه أن يصلي في المسجد [أربح البضاعة:26]. وقال الشيخ العثيمين في هذا: صلاته هذه غير مقبولة ولا تبرأ بها ذمته وسوف يحاسب عنها.

وبعد هذا كله كيف نحمي أنفسنا من هذا الوعيد؟ وكيف نمنع الشيطان من البول في آذاننا؟

لعل أول خطوة في طريق العلاج استشعار أهمية هذه الصلاة وإدراك قيمتها، فلو شعر الإنسان بذلك وأدرك أن يفوته بفوتها خير كثير لتحركت همته وانبعثت عزيمته، كما تتحرك وتنبعث لكل محبوب لديه.

ولابد بعد ذلك من اتخاذ الأسباب المعينة من نوم باكر وضبط للمنبهات واستعانة بالأقارب والإخوان وتقليل الأكل والشرب وإبعاد للفرش المغرية بمزيد من النوم، ومبادرة للوضوء عند الاستيقاظ وعدم التسويف.

وثمة أمور إيمانية مجربة تعين المرء على القيام لصلاة الفجر، منها الحرص على أذكار النوم، ودعاء الله في الوتر أن يوفق للقيام، ومنها البعد عن المعاصي جملة فإن المعاصي تقيد المرء عن الطاعة، ومنها عمارة القلب بالإيمان والطاعة فإن ذلك يدفع إلى الخير دفعاً.

وعلينا أن نعود أبناءنا على أداء الصلاة في المسجد منذ سن باكرة، ليألفوا هذا ويعتادوه، وليحذر الأب كل الحذر من التساهل الشائع في إيقاظ الأبناء بحجة صغر سنهم، فيتراخى الابن ويعتاد النوم فإذا جاء أبوه يقومه من بعد وجد ذلك عسراً شديداً.

وبعد … فما غرك بربك وألهاك عن صلاة فجرك؟

أهو السهر أمام القنوات الفضائية؟ أم على الأرصفة؟ أم في الشواطئ والمنتزهات؟

ترى أي خير فاتك؟ وأي موت للقلب ابتليت به؟

هل لك من عودة؟ هل لك من رجوع؟ المسجد يفتح أبوابه وداعي الرحمن يدعوك فأقبل تكن من الفائزين.