‏إظهار الرسائل ذات التسميات اسلاميات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات اسلاميات. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 18 مايو 2015

بين العدل والإحسان في الحياة الزوجية


بين العدل والإحسان في الحياة الزوجية

الحمد لله (وله الحمد في السماوات والأرض وعشياً وحين تُظهرون)1 ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون)2 ، ونشهد أن سيدنا محمداً عبد الله

ورسوله (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون)3.

 (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعبٌ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون)4 ؛ فإن أصدق الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكلَّ بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.

وإن من كلام الله تعالى قولَه (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)5 ، والنعم العظيمة قد تخفى لشدة قربها ، وكم من نعمة يمرون عليها وهم عنها غافلون ، وكم من خائض فيما يجهل لو أنصف لاعتبر فتعلم.

إن ابن آدم لا يصل إلى الحق حتى يخلع حجاب الخلق عن نفسه ؛ فإن وقف على نفسه بالحق فعندها تحصل التذكرة ؛ قال تعالى : (وفي أنفسكم أفلا تبصرون)6 ، وإن وقف على نفسه بالباطل هلك ؛ قال تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلههُ هواه)7 ، وقال تعالى:(ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)8

وفي الأسرة المسلمة تحصل اختلالات سببها بدايات مغلوطة ، ومن صحت بدايته صحت نهايته ، ومن فسدت بدايته لم تسلم نهايته ، وأول البدايات المغلوطة الفهم الخاطئ لتركيب الأسرة ، فقليلو الفقه والعلم يتصورونها ساحة معركة بين الزوج وزوجته ، كل منهما يعمل لفرض إرادته على الآخر ، ووراء كل منهما حشد من الأقارب والأنصار ، والكل يحدثك عن الحقوق ، والكثيرون ينسون الواجبات ، ولو ذهبنا إلى قوله تعالى : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظم لعلكم تذكرون)9 لوجدنا أن بعض مفاهيم تلك الآية يكاد يغيب في حياة الأسرة ، وقد روى ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله :"إن أجمع آية في القرآن لخيرٍ وشرٍ هذه الآية! الآية تأمر بالعدل ولكن لماذا التعقيب وراءه بالأمر بالإحسان ؟ ... لسبب في غاية الأهمية : وهو نسبية العدل! فكل أحد ربما يتوهم العدل في جانب ، وإذا كانت هناك حرفية في طلبه استحالت الحياة إلى معركة ضارية ، ولكن خلق الإيمان يمتد ليطالب أهل الاستقامة بالإحسان ، وهو التفضل بأن يقابل الخير بأكثر منه .. وعندها فإن النفوس تبقى في بحبوحة ؛ كائنة ما كانت المشاكل المحيطة.

أنتم تجلسون في المسجد وقد امتلأ بكم ؛ فإذا طلب منكم إمامكم أن تقاربوا بين صفوفكم بذل كل واحد منكم شيئاً يسيراً من مكانه لإخوانه ؛ فإذا بالمسجد يزداد اتساعاً ، وما زاد فيه باع ولا ذراع من الأرض ؛ ولكن النفوس هي التي اتسعت ، ولو ضاقت الأرض بواحد من الناس لما وسعته كلها مع عدو له!

رحب الفلاة مع الأعداء ضيقةٌ سَمُّ الِخياط مع الأحباب ميدان

إن مفهوم الإحسان من أكد الأمور في الأسرة ، فإن الإحسان يعطي العدل بحبوحة والنفوس استقراراً ... وكم من أصحاب طيش صدعوا أسرهم في لحظات اتقاد الغضب ، ولو بذل كل من الزوجين شيئاً من السماحة مع الإغضاء عن الهفوات في لحظات اتقاد الآخر منهما لسهلت الحياة .. والملاحظ أن البعض يكون مثل قذيفة متفجرة فيستقبله الآخر بلغم ناسف فتتصدع الأسرة!

ويشير حديث شريف تتعدى فائدته حدود الأسرة إلى كل جنبات المجتمع ؛ إلى أمر في غاية الأهمية ؛ إذ يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحُسن الخلق)10.

إن الدنيا ليست بدار عدل أبداً ، ومهما يكن فيها منه فهو نسبي ، وإنما يعيش الناس مع بعضهم بالإحسان الذي لا يكون العدل المطلوب معه سيفاً يذبح ، ولا سوء خلق يفضح ؛ بل صبراً وسماحة وإغضاء عن العثرات ، وكريم خُلق يُمدح ، ويلاحظ أن السنوات الأولى من الحياة الزوجية تكون فيها بعض النتوءات والمشاكل ، وهذا أمر طبيعي ؛ فإن كلا من الزوج والزوجة يختلفان في الطباع والنفسيات ، وكل منهما صياغة بيئة معينة .. والمرحلة الأولى هي مرحلة تفاهم وانصهار لتحصل التركيبة الجديدة ؛ التي هي خلاصة ومحصلة بيئتين مختلفتين ، وكل مايلزم هو التحلي بالصبر والخلق الجميل من الطرفين ، ومحاولة فهم الآخر ، وقبوله من خلال أحسن ماعنده ، والتنبيه الرفيق لترك ماعنده من أغلاط ، وعدم الوقوف على مالا ضرر منه ؛ مع الإغضاء عن الهفوات والعثرات ؛ وفي الحديث الصحيح ( لا يفرَك [أي لايبغض] مؤمن مؤمنة ؛ إن كره منها خلقا رضي آخر)11، وفي حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يُسأل الرجل عن أهل بيته)12؛ فإذا وجدت مكارم الأخلاق في البيت من الطرفين كلاهما ؛ فما هي إلا شهور تنقضي فيعتاد الرجل على زوجته ، وتعتاد الزوجة على زوجها ، وتصبح حياتهما خيراً وبركة وسعادة ورحمة .

وأسوأ الأمور أن يطالب الفرد بحقه وينسى واجباته ، فيشتعل البيت مشاكلاً ، وبعض الأسر لا تصطلح حتى تكاد نار الخصومة تتلف كل شيء ، وقد قدم القرآن الكريم حلولاً وقائية لدرء الخصومة ؛ ولعلاجها ؛ فقال تعالى : (وإن خفتم شِقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفقِ الله بينهما إن الله كان عليماً خبيرا) 13 ؛ وقد نقل القاسمي عن الحاكم أن في الآية دلالة على أن كل من خاف فُرقة وفتنة جاز له بعث الحكمين .. والأمر للوقاية قبل وقوع المحذور .. فربما اشتبهت أمور على الزوج أو الزوجة وبذلا ما في وسعهما لإبعاد مظان الخلاف ؛ فلم يصلا إلى نتيجة ؛ وعندها ينتدب كل منهما حكما من أهله .

قال الإمام القاسمي: "فإن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للإصلاح فيلزمهما أن يَخلوا ويستكشفا حقيقة الحال". ولابد من الإشارة إلى أدب شرعي في غاية الأهمية ، وهو أن يقتصر الأمر على أضيق نطاق حفظاً للأسرة وصيانة لأسرارها الخاصة ، ومنعاً لإرجاف الناس في الموضوع ، وقد ورد في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (إن من أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)14 ولا يقتصر الأمر على المنع من الحديث عن الإفضاء والميثاق الغليظ ؛ بل إن أصحاب المروءات ، ما كانوا ليذكروا لغير الحكمين شيئاً من قليل أوكثير ، وقد روي عن أحد السلف أنه حصل نزاع بينه وبين زوجه ؛ فتدخل أحد الفضوليين سائلاً عن المشكلة؟ فقال الرجل : العاقل لايفضح نفسه ، ويبدو أن الدروب كانت مسدودة فانفصل الرجل عن زوجه فعاد الفضولي يسأل : ماذا كان سبب الانفصال؟ فقال الرجل: لاأحل لنفسي الكلام على امرأة ليس لي عليها حق!

إن بعث الحكمين غايته أولاً توضيح بعض الأمور الخافية على أحد الزوجين أوكليهما من ناحية الحقوق والواجبات ؛ فقد يتصور الرجل أن له مثلاً حق ضرب زوجته فيضربها ؛ غافلاً عن السنة الفعلية والفقه النبوي في ذلك ؛ فما ضرب النبي عليه الصلاة امرأة ولا خادماً قط15 ، وينسى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نصح صحابية كريمة بألا تتزوج بفلان من الناس لأنه لايضع العصا عن عاتقه 16، وينسى أن بعض الفقهاء قالوا عن الضرب أنه بالمنديل ونحوه مما هو إشعار بغلط وتنبيه نفسي إن لم يفقهه الرجل وتعسف في فهمه نبهه الحكمان إلى حدوده فيه.

وكذلك المرأة : فإن فيهن مسترجلات يعشن ردود أفعال لقصص سمعوها ، فترى الواحدة منهن تتصور الزوج أرضاً يجب احتلالها بالسلاح الأبيض لتطهير قلب الرجل من كل برٍ له بأمه وأبيه واخوته ؛ بدل إعانته على الإحسان لأهله ومن حوله! فيشرح لها الحكمان غلط نظرتها ، والوجوب الشرعي لبر الرجل بأمه وما إلى ذلك ؛ وقد يكون عمل الحكمين : التوعية بتجارب حياتية ما من أسرة إلا وتمر بها في أول إنشائها ، ويلفتان أنظار الزوجين إلى الأسلوب الأمثل في حل المشاكل وتلافي الصعاب.

وق يكون عمل الحكمين إعادة ملئ القلوب بالحكمة والإيمان ، والتذكير بالله ، وإزالة صدأ القلوب ، وتقوية جسور الألفة وإعادة النفس إلى الأدب الإيماني والخلق النبوي الكريم ، وصدق تعالى (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما)17 فيتساندان في طلب الوفاق حتى يحصل الغرضُ ويتم المراد .. وكم من سوء فهم حصل بين أصحاب قلوب سليمة ؛ إما لجهل أمور شرعية ، أو نقص خبرات حياتية ، أوصدأ قلوبٍ قارَفَهُ ملل وضيق صدر .. وما من نيةٍ لواحدهما في انفصال أو افتراق .. فهؤلاء (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) .

أحد الطروحات العجيبة في فقه الأسرة أسئلة وجدتها في صندوق الرسائل منذ مدة 18 ، ولم أجب عليها إلى أن أتت مناسبتها ، وخلاصتها أن مدرسة فاضلة قالت لتلميذاتها : : إذا قال زوج الواحدة منكن لها لا تذهبي إلى المكان الفلاني فلا تستجيبي لطلبه! وإذا طلب منها أمراً فلتعرض عنه! ودعمت هذه الأستاذة رأيها بأن أول كلمة يتعلمها المسلم هي أن يقول: لا ، وعنت بذلك قوله : لا إله إلا الله ، وذكرت أكثر من رسالة أن خلافات عائلية كادت تحصل بسبب تلك النظريات المحفوفة بغيبوبة هائلة فقهية وتربوية وحياتية!

ابتداءً أقول: أنه ربما كانت هناك إساءة في النقل أو الفهم مما لا تتحمل تلك المُدرسة وزره ، ولكن ما فهمه البعض يحتاج إلى تصحيح أكيد! .. والذي يؤكد عليه القرآن الكريم شيء آخر تماماً إذ يقول تعالى : (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) 19 ، وكل فكر يحيل البيت إلى حلبة صراعٍ فمرفوض سواء بحق الرجل أو المرأة .. والأمر الثاني أن الإنسان لا يمكن له أن يعيش في أسرة تنتزع فيها الحقوق انتزاعاً .. والأرض تميد بالخلافات ، وفرض الآراء هو الغاية من دون هدى ولا تبصر ، والأمر الثالث : أن التعامل بتلك الطريقة من شأنه تجفيف كل أسباب التراحم والتواد وإحالة الحياة إلى مهام ثقيلة ، ومادية قاتلة تحطم السعادة والاستقرار ، وبالتالي فإن الزواج كله إذا فقد معناه الأساسي وجوَّهُ القائم على المودة والرحمة تحول إلى لقاء بهيمي حسي غليظ ، وهذا من أحد أسباب دمار الأسرة وتلاشيها في مجتمعات عديدة وخصوصاً الغربية منها.

إذا أصبح سبب اللقاء هو المتعة الجنسية فقط [ولو رافقته هالات من الود بعضها حقيقي وأكثرها زائف] فإن الارتواء يؤدي إلى الملل ، ثم تشتاق النفس إلى التغيير [وتبدأ انحرافات عديدة ثم تفتح أبواب الشذوذ] ومن ثم تتحطم الأسرة ، وتفقد كل وشائج المودة ؛ لأنها قامت على جسر شديد الضيق ؛ تهوى هوياً بخرابه وسقوطه!

وما تزايد حالات الطلاق ومهما كان لها من أسباب اقتصادية أو اجتماعية فإن غياب جسور التواد النفسي والتراحم الإنساني في الأسرة هو الذي يصدعها ، وفي العدد الأول من نشرة السكان والتنمية التي أصدرتها وزارة الإعلام بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان ، واليونسكو ، والصادرة في نيسان من هذا العام :

أرقام مقلقة جديرة بالتأمل والتفكير الطويل.

تقول النشرة : في الولايات المتحدة نصف النساء مطلقات ، وربعهن أرامل ، وسبع عشرة بالمائة من النساء هرب أزواجهن منهن بسبب شراستهن! ومالا يقل عن 15% من الفتيات الصغيرات (دون سن الثالثة عشرة) حاملات أو أمهات! يذهبن إلى المدارس الابتدائية ومعهن أطفالهن !!!

مسكين الإسلام ! لأنه نظام عملي واقعي تُشن عليه ألف حرب .. ذنبه أن نظرته للحياة تقوم على أنها مثل مركبة لابد لها من سائق مهما كان نوعها ، وجعل الإسلام الرجل هو السائق ؛ قال تعالى : (الرجال قوامون على النساء) 20 لا لمصادرة حياة النساء بل رحمة بهن ورفقا ، وكم من سائق يتعب وفي مقصورته أمير مرتاح ؛ فإن تعب السائق من القيادة أعانه الأمير ولا ضير ، ويبقى كل منهما في موقعه [أما وجهة السير فلا يحددها الأمير ولا السائق بل تحددها الشريعة ، والتفاصيل الخاصة تتم بالاتفاق] أما إذا تصارعا فحدث عن سقوط للمركبة وشيك .

ذنب الإسلام أنه واقعي وله منظومته الخاصة عقيدة وشريعة ونظاما اجتماعياً .. وغيره في منظومته ألف إسفين وثغرة لا يستنفر لها في قليل ولا كثير ... الإنسان الذي لايُبنى على التراحم والود لا خير فيه ، ومامن شيء يقيده ، ومن لم يصدق فليسأل عن الملايين من البنات البريئات يوأدن في الصين كل عام ، وليسأل عن مئات الألوف يُقدن إلى البغاء وسوق الفجور ، وليسأل عن عشرات الملايين منهن يبعن للعمل المجهد القاسي .. بدل أحضان أم حانية شفوقة! وليسأل عن الشركات المتخصصة بالمتاجرة بالأطفال وسرقتهم .. ولينظر بعدها إلى فلسفة الحياة الجاهلية حول المرأة من أنها لحم عار وأداة دعاية وإعلام ، وفراش رخيص ووسيلة متعة ، ورحمك الله يا شافعي إذ تقول : "من جهل شيئاً عاداه" ومن جهل إسلامه استبدل بالعذب الفرات سواقي مالحة ..

الأمر الرابع : أن الغلط من أي طرف ليس علاجه بغلط مضادٍ وإساءة مماثلة ، وإلا تحولت الحياة إلى ما يشبه جهنم . أما بين المؤمنين فالخلق المطلوب (فليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم)21.

الأمر الخامس : أن بناء الشخصية السليمة شيء ، وزرع روح الشقاق شيء آخر ، ولنفترض أن هناك إساءات تلحق بالمرأة فالحل ليس بأسلوب المُدرسة الفاضلة : قولي له : لا .. فإن هناك شيئاً فات أهل التنظير وهو قول الكواكبي: "إن الاستبداد بكل صوره وأشكاله لا يحارب بالقوة بل يحارب بالذكاء ، وكم من امرأة لبقة ذكية كسبت زوجها بكلمة طيبة ، لم تكلفها إلا صبراً قليلاً ، وكم من مسترجلة لم تحصد إلا خراباً.

الأمر السادس : وهو من الأعاجيب أيها الاخوة ! فبعض المتحدثين يضعون الأمور في غير موضعها ، وكلنا يعلم وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( لا تغضب )22 ؛ أهذه الوصية في كل حال أم إنها لرجل غضوب جموح؟ وهل يقال لمستباح الحمى ، مهدر الكرامة ؛ ذليل النفس: لا تغضب! إنما يقال له ما روي من أن : ( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله )23 و ( من أعطى الذلة من نفسه طائعاً غير مكره فليس منا )24..

ثم يأتيك فيلسوف أو فيلسوفة فوق جمع من نساءٍ ما ينقصهن حق ولا ضاع لهن مطلب ، ولا حُرمن مما أحل الله لهن .. فإذا ببغائية عجيبة تنطلق في بعض الرؤوس ، وإذا بمن يحتاج بعض الرجال إلى تخليص من بين يدي أمثالهن ؛ يقمن صائحات نادباتٍ حقوقهن الضائعة !!!

أما المرأة المضطهدة فعلاً ؛ المدمرة حقاً ؛ المسلوبة الحقوق واقعاً وعملاً فلا نصل إليها .. إذ تركناها في براثن الجاهلية تدفع كل ضريبتها المُذلة : إما أمَةً مستذلةًً في الحقول ، وزوجها يطقطق بالمسبحة بين يديه ؛ لا يعرف من الحياة إلا اللغو وجمع المال ونكاح النساء ، أو تركناهن أعراضاً مستباحةً لتجار اللحوم ، أو ضائعات مشتتات حائرات ؛ ما عدن وصلن إلى إسلامٍ صافٍ ؛ بعدما صففنا في طريقهن ألف راية خادعة لاتمت إلى الإسلام بصلة ، وإنما هي تذويب ومركسة [ من الماركسية ] وتشريق أو تغريب ؛ ورحم الله من قال : فاقد الشيء لا يعطيه ، وإن علاقة المرأة بالرجل في الإسلام علاقة تكامل وتكافل وتراحم .. وتحرير المرأة لا يكون إلا بعد تحرير الرجل ؛ أي عندما يسيران معاً في ظلال الهداية والإيمان ، وللحديث بقية.

من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم تُرجعون.

الإحالات :

1- الروم 18.

2-الروم 20.

3-العنكبوت 51.

4-العنكبوت 64.

5- الروم 21.

6-الذاريات 21.

7-الجاثية 23.

8-المؤمنون 71.

9-النحل 90.

10- للحديث روايات ضعيفة وواهية ، ولكن أخرجه البزار بسند قال عنه الحافظ في الفتح إنه حسن ، ورواه أبو يعلى بسند قال عنه العلائي : حسن ، وأقر المنذري بحسن الاسنادين . وذكر العراقي في تخريج الإحياء ، كتاب رياضة النفس ، أن الطبراني رواه أيضاً في مكارم الأخلاق وأن بعض طرق البزار رواته ثقات.

11- مسلم ، الرضاع 1469.

12- الأصل في الصحيح ، أما هذه الرواية فقال في فيض القدير 1745، أخرجه ابن عدي والطبراني ، قال ابن حجر: بسند حسن.

13- النساء 35.

14- مسلم ، النكاح 1437.

15- مسلم ، الفضائل 2328.

16- مسلم ، الطلاق 1480.

17- مرت : في النساء 35.

18- صندوق الرسائل : صندوق ننصح كل خطيب أن يوجده في المسجد حيث يودع الناس فيه نصائحهم للخطيب ورأيهم في خطبته ، وربما خجلوا من التصريح له ، كما يكتبون فيه اقتراحاتهم ويبثون همومهم ، ويطلع منه الخطيب على كثير مما يدور بين الناس أو في المجتمع ، ولكن ليحذر الخطيب الاندفاع في سياق عاطفي يُزج فيه بلا بصيرة ؛ كواقعة مؤثرة يندفع فيها ومامن دليل ، أو اتهام لأحدٍ لاسند له إلا تلك الرسائل الغُفل من الأسماء ، وكذلك فليحذر من إهانة أحد بسبب رسالة أو سؤال ، وما لايجده منسباً فليعرض عنه.

19- الروم 21.

20- النساء 34.

21- النور 22.

22- البخاري ، الأدب 6116.

23- في مجمع الزوائد ، الإيمان 306 : رواه أحمد وفيه ليث بن أبي سليم وضعفه الأكثر.

24- في مجمع الزوائد ، الزهد 17818 : رواه الطبراني وفيه متروك.

الوحي والقرآن


النوع الأول: الوحي والقرآن

-1الوحي

أ - تعريفه:

لغة: الإعلام في خفاء بسرعة، تقول: أوحيت إلى فلان إذا كلمته خفاء .

ومن معناه اللغوي

-1 الإلهام الفطري للإنسان، كالوحي إلى أم موسى. قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}[اقصص:7]

-2 الإلهام الغريزي للحيوان، كالوحي إلى النَّحل . قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: 68].

-3 الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيحاء. قال تعالى عن زكريا: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11].

-4 وسوسة الشيطان وتزيينه الشرَّ في نفس الإنسان. قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [ الأنعام: 121].

-5 أمر الله إلى الملائكة في قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [ الأنفال: 12].

شرعاً:هو كلام الله المنزل على نبي من أنبيائه بطريقة خفية سريعة، غير معتادة للبشر.

ب- كيفية وحي الله إلى رسله

-1بواسطة جبريل عليه السلام

-2بغير واسطة

أ-مثل الرؤيا الصالحة في المنام. عن عائشة رضي الله عنها قالت أول ما بدىء به صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. (فتح الباري شرح صحيح البخاري، رقم : 3 ).

ب- التكليم الإلهي من وراء حجاب يقظة . قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].

جـ- التكليم ليلة الإسراء والمعراج مباشرة بلا واسطة [ فتح الباري 1/19].

-3 الدليل للحالة (أ) و (ب): {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51].

جـ- كيفية نزول جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم.

الحالة الأولى: يأتيه مثل صلصلة الجرس (1)، وهو أشده على الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن هذه الحالة: انسلاخ من البشرية الجسمانية واتصال بالملكية الروحانية.

الحالة الثانية: أن يتمثل له الملك رجلاً، ويأتيه في صورة بشر (2) وهذه الحالة أخف على الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنها عكس الحالة الأولى، فهي الملك من الروحانية المحضة إلى البشرية الجسمانية

_______________________

-1هو في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ، ثم أطلق على كل صوت له طنين [ فتح الباري 1/20 ]

-2 فإن جبريل عليه السلام قد تمثل في صور كثيرة ، منها : في صورة دِحية الكلبي ، وصورة أعرابي . [ فتح الباري 1/19 بتصرف ].

دليل الحالتين: روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليَّ فَيَفْصم عني (1) وقد وعيت عنه ما قال، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول. [فتح الباري شرح صحيح البخاري رقم: 2] .

الحالة الثالثة: النفث في الرُّوْع (2). ودليل هذا ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم:

" أن روح القدس نفث في رُوْعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجَلها، وتستوعب رزقها …"

الحالة الرابعة: دوي النَّحْل(3). ودليل هذا ما قاله سيدنا عمر بن الخطاب: كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحيُ يُسمَع عند وجهه دويٌ كدوي النَّحْل …

د- آثار الوحي ومظاهره على النبي صلى الله عليه وسلم .

عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:

{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [ القيامة: 16]

قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة وكان يحرك شفتيه… فأنزل الله عز وجل: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16-17] قال: جمعه لك في صدرك. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع ، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما كان قرأ.

ومن آثار الوحي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي سُمع عند وجهه دويٌّ كدوي النحل.

[انظر الحالة الرابعة من القسم السابق ].

ومنها أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي ثقل جسمه حتى يكاد يرضّ فخذه فخذ الجالس إلى جنبه.

عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه:

{لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [ النساء: 95].

فجاء ابن مكتوم وهو يُمِلُّها عليّ، قال: يا رسول الله. والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت-وكان أعمى

_________________________

-1 أي يقطع ويتجلى ما يغشاني .

-2 أي الإلقاء في القلب والخاطر.

-3 صوت النحل .

فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي، فثقلت عليَّ حتى

خفت أن ترضّ فخذي، ثم سُرِّيَ عنه فأنزل الله: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء: 95 ].

ومنها أنه صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي بركت به راحلته. عن عائشة رضي الله

عنها قالت:إن كان يوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب، بِجِرانها(1).

-2 القرآن

أ- تعريفه:

لغة: على أصح الآراء مصدر على وزن فُعلان، كالغُفران، بمعنى القراءة. قال تعالى:

{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [ القيامة: 17- 18 ].

اصطلاحاً: هو كلام الله القديم (2) المعجز (3) المُنَزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، المكتوب بالمصاحف، المنقول بالتواتر (4)، المُُتعَّبد بتلاوته (5) .

______________________________

-1 الجِران : باطن عنق الناقة .

-2 كلام الله القديم (العقيدة )

-3 القرآن معجز بجملته ، كما أنه معجز بأي سورة منه ، ولو كانت أقصر سورة منه ، ولو عُرِّف القرآن بهذه الصفة " الكلام المعجز " لكفى ذلك لتمييزه والتعريف به .

قال تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} [ الإسراء : 88 ] .

-4 التواتر (مصطلح الحديث).

-5 أي أن مجرد تلاوة القرآن عبادة يثاب عليها المؤمن.

ب- أسماؤه وأوصافه:

-1القرآن:إشارة إلى حفظه في الصدر: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].

-2 الكتاب: إشارة إلى كتابته في السطور: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ}

[البقرة:1-2 ].

-3الذكر: في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [ الحجر: 9 ].

-4 الفرقان: إشارة إلى أنه يفرق بين الحق والباطل: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [ الفرقان: 1].

أما أوصافه:

-1هدى: في قوله تعالى: {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [ لقمان: 3 ].

-2نور: في قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [ النساء: 174 ].

-3شفاء: في قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [ الإسراء: 82].

-4حكمة: في قوله تعالى: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} [ القمر : 5] .

-5موعظة: في قوله تعالى: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [ يونس: 57] .

-6وحي: في قوله تعالى: {إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} [ الأنبياء : 45] .

وهناك خمس وخمسون اسماً للقرآن .راجع: البرهان في علوم القرآن " للزركشي"

جـ- تنزلات القرآن:

التنزل الأول: نزوله إلى اللوح المحفوظ (1) بطريقة ووقت لا يعلمها إلا الله ومن أطلعه على غيبه، وكان جملة لا مفرقاً، وذلك ظاهر من قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21-22] .

التنزل الثاني : النزول من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ويظهر من خلال الآيات القرآنية التي يستدل بها على هذا النزول ما يفيد بأن القرآن نزل في ليلة واحدة إلى السماء الدنيا. ووصفها القرآن: بمباركة، وسماها تارة ليلة القدر، وهي في رمضان ونزل جملة واحدة .

_____________________________

(1) عالم علوي عظيم جعله الله تعالى من أعظم المظاهر الدالة على عظمة علمه تعالى وحكمته وقدرته النافذة في الأكوان، ويختص اللوح المحفوظ بكونه مشتملاً على تسجيل ما قضى الله وقدر، وما كان وما سيكون .

الآيات:

قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [ القدر: 1] .

وقال عز وجل {إِنَّاأَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3]. وقال سبحانه {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ} [ البقرة: 185].

التنزل الثالث: النزول من السماء الدنيا من بيت العزة على قلب خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي المرحلة الأخيرة التي شعّ منها النور على البشرية جمعاء . نزل به جبريل على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم منجماً (1) في ثلاث وعشرين سنة حسب الحوادث والطوارىء، وما يتدرج من تشريع .

الدليل: قوله تعالى: { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ(2) * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرين * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [ الشعراء: 193-195 ] .

ولقد نسب الله القرآن إلى نفسه في عدة آيات منها:{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [ النمل: 6]. وقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدُُ مِّنَ الْمُشْرِكيَن اسْتَجَارِكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله} [التوبة :6].

حكمة نزول القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا.

أ- تفخيم أمر القرآن وأمر من نزل عليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم.

ب- سر يرجع لإعجاز القرآن، في ترتيب القرآن في النزول، ثم ترتيبه في المصحف، حيث ينظره جبريل في سماء الدنيا وهو على ترتيب المصحف، ثم ينزل بآياته تباعاً على حسب الحوادث، فتوضع كل آية مكانها في المصحف وفق الترتيب في اللوح المحفوظ .

______________________________

-1 أي مفرقاً بحسب المناسبات، واقتضاء الحال .

-2 أي سيدنا جبريل عليه السلام.

حكمة نزول القرآن منجماً من السماء الدنيا:

أ- تثبت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم وتقوية قلبه: كما قال تعالى:

{كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} . [ الفرقان: 32] .

فقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في قوم جفاة، شديدة عداوتهم، كما قال تعالى: {وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمَاً لُّدّاً} [ مريم: 97]. وكانوا لا يكادون ينتهون من حملة أو مكيدة حتى يشرعوا في تدبير أخرى مثلها أو أشد منها، فكانت تنزلات القرآن بين الفينة والأخرى تواسيه وتسليه، وتشد أزره وعزيمته على تحمل الشدائد والمكارة .

ب- مواجهة ما يطرأ من أمور أو حوادث تمس الدعوة: كما قال تعالى:{وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [ الفرقان: 33] وهذه حكمة جليلة لها أثرها البالغ في نجاح الدعوة، لمواجهة الوحي نفسه للطوارىء والملمات، ومن أهم ذلك ما يثيره المبطلون من الاعتراضات أو الشبهات، وهو الأصل الذي صرحت به الآية الكريمة : أي لا يأتونك بسؤال عجيب أو شبهة يعارضون بها القرآن بباطلهم العجيب إلا جئناهم بما هو الحق في نفس الأمر الدامغ لباطلهم، وهو أحسن بياناً وأوضح، وأحسن كشفاً لما بعثت له.

جـ- تعهد هذه الأمة التي أنزل عليها القرآن: وذلك لصياغتها على النهج الإسلامي القرآني علماً وعملاً، وفكراً واعتقاداً وسلوكاً، تخلقاً وعرفاً.

كما قال تعالى:{وَقُرءاناً فَرَقنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [ الإسراء: 106].

ومن مظاهر هذا الجانب أنهم كانوا قوماً أميين لا يحسنون القراءة والكتابة، فكانت الذاكرة عمدتهم الرئيسية، فلو نزل القرآن جملة واحدة لعجزوا عن حفظه.

د- التحدي والإعجاز.

هـ- تربية للرسول صلى الله عليه وسلم وتصبيره على أذى المشركين، وتثبيت قلوب المؤمنين وتسليحهم بعزيمة الصبر واليقين.

الدعاة الصامتون

الدعاة الصامتون

مدخل :-

قد يتبادر إلى ذهن من يسمع هذا العنوان أننا نعني بالحديث عن الدعاة الصامتين أولئك الذين صمتوا عن بيان كلمة الحق و أولئك الذين قعدوا عن سبيل الدعوة إلى الله.

و هؤلاء إنما هم شياطين خرس ليسوا جديرين بوصف الدعوة. إن الذين يسكتون عن الحق حين يجب بيانه والذين يقعدون عن نصرة هذا الدين خاصةً في هذا العصر الذي تكالب فيه الأعداء على هذه الأمة و كشروا عن أنيابهم و أعلنوها حرباً ضروساً ضد الإسلام و على كل من دعا إلى سبيل الله عز وجل - إن أولئك الذين يقفون على الحياد في هذه المعركة التي تعيشها الأمة ليسوا جديرين بأن يوصفوا بأنهم دعاة صامتون ، إنما هم شياطين خرس فالساكت عن الحق شيطان أخرس.

لكننا نعني بالدعاة الصامتين أولئك الذين يدعون إلى الله عز وجل بأحوالهم ، أولئك الذين تبلغ أحوالهم عن دعوتهم ؛ فهم يدعون الناس بأفعالهم وسيرهم وأحوالهم ، إنهم لم يتكلموا ولم ينطقوا وربما كانت أحوالهم وسيرهم أبلغ من أي كلمة و أي بيان.

وقفة مع نصوص القرآن الكريم:

أولاً: أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالتأسي بمن سبقه من الأنبياء و الاقتداء بهديهم يقول تبارك و تعالى عن إبراهيم: ((ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسى و هارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاً فضلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم * ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده و لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون* أولئك الذين آتيناهم الكتاب و الحكم و النبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسو بها بكافرين * أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين )).

إن الله تعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهدى أولئك الذين قص عليه سيرهم أنباءهم في هذا الكتاب ، و هذا الخطاب ليس للنبي صلى الله عليه وسلم وحده بل هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم و لأمته من بعده.

ثانياً: أمر الله نبيه و أمته من بعده أن يتأسى بإبراهيم عليه السلام و من معه ((قد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم و الذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم)) و قال ((لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة)).

ثالثاً: أمر الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالتأسي به فقال: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيراً)).

رابعاً: نهى تبارك و تعالى عن التناقض بين القول و العمل و ذم ذلك المسلك و عابه ((يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)) ،وعاب تبارك وتعالى على بني إسرائيل أنهم نسوا أنفسهم إذ يأمرون بالبر غيرهم ((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب)). و تتوالى الآيات في الكتاب التي تدعو المؤمنين إلى أن يكون العمل مصداقاً للقول و ما يدعو إليه الإنسان ((و من أحسن قولاً ممن دعا إلى الله و عمل صالحاً و قال إنني من المسلمين)) و قد استنبط بعض المفسرين من هذه الآية أن فيها الأمر بأن يعمل الداعية بما يقول وبما يدعو إليه.

خامساً: قص القرآن قصص بعض الصالحين و السابقين فيما مضى و يقول تبارك و تعالى: ((أم حسبت أن أصحاب الكهف و الرقيم كانوا من آياتنا عجباً *إذ أوى الفتية إلى الكهف…)) الآيات وهي آيات يقرأها المسلم كل أسبوع يوم الجمعة، يقرأ قصة هؤلاء الفتية من أهل الكهف ، ويقرأ في القرآن الكريم قصة أصحاب الأخدود ، و قصة سحرة فرعون حينما آمنوا بموسى و قالوا لفرعون (فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا).

ويذكر الله تعالى في القرآن أحوال بعض الذين عاصروا التنزيل فأثنى الله عز وجل على مواقفهم أبقاها خالدة تتجاوز حدود الزمان و المكان الذي كانت فيه لتبقى منارة للأجيال من بعدهم ((من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً)).

سادساً: أخبر تبارك وتعالى أنه تاب على النبي و المهاجرين و الأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كان يزيغ قلوب فريق منهم, ثم قال تعالى:((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين)) و قال في موضع آخر: ((للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلاً من الله و رضواناً و ينصرون الله و رسوله أولئك هم الصادقون* والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة))، و هي آيات كثيرة تقرأها في كتاب الله عز وجل في الثناء على تلك المواقف التي وقفها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

إنها صور يخلدها لنا القرآن من هذه النماذج من أتباع الأنبياء السابقين أو من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم.

و يقص علينا النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً قصصاً أخرى من مواقف هؤلاء الصابرين ، و من مواقف الذين دعوا إلى الله عز و جل و بذلوا أرواحهم و أنفسهم و أموالهم في سبيل الله عز و جل, إننا نقرأ في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم سيرة شاب آمن بالله و دعا قومه و ضحى بنفسه في سبيل الله حتى آمن أهل قرية و هم يرون هذا الموقف من هذا الشاب و قد جاد بنفسه في سبيل الله فتنادى الناس جميعاً آمنا بالله رب الغلام ، لتنطلق هذه الكلمة سهماً آخر يتجه إلى صدور الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات بعد أن أحرقهم و قطع أحشاءهم ذلك السهم الذي انطلق من قلب هذا الغلام الصادق الذي ضحى بنفسه في سبيل الله عز و جل، و ظن أولئك المفسدون المجرمون أنهم حين يقتلون هذا الغلام سيقتلون الدعوة التي دعا إليها وأنهم سيدفنون هذا الدين الذي آمن به و دعا له فإذا بهم يسمعون الناس يتنادون: آمنا بالله رب الغلام. إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قص علينا هذه القصة ، أو حين قص علينا قصة نفر آواهم المبيت إلى الغار فدعوا الله عز و جل بصالح أعمالهم, أو حين قص علينا قصة تمثل نموذج الشاكر لله عز وجل و نموذج المعرض عن شكر هذه النعمة في قصة الأعمى و الأقرع والأبرص و غيرها التي تملأ دواوين السنة ، إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قص علينا هذه النماذج إنما يعرضها أمام أمته لتكون قدوة لمن يقرأ هذه الأخبار ولمن جاء بعدهم ويصبح أولئك الماضون دعاة صامتين لدين الله عز و جل.

سابعاً: أمر الله تبارك و تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلو على المؤمنين سيرة ابني آدم بالحق إذ قتل أحدهما أخاه ظلماً و عدوانا فصار من الدعاة الصامتين للجريمة و القتل، فما من نفس تقتل ظلماً إلا صار على ابن آدم الأول كفل منها إذ هو أول من سن القتل ، كل ذلك تأصيل للقدوة و الأسوة الحسنة ، و دعوة للدعاة إلى الله على منهج النبوة أن يترسموا معالمها ، و هو أيضاً تأصيل لمبدأ التأثير بالسلوك والعمل وامتداد ميدان الدعوة والمخاطبة لتتجاوز الكلمة المجردة فتمتد عبر ميدان فسيح لتصبح الكلمة وسيلة من الوسائل وأسلوباً من الأساليب لا أن تحصر الدعوة في الكلمة وحدها.

الداعية الأول و الدعوة الصامتة:

إن الدعاة إلى الله سبحانه و تعالى مهما علا شأن قضية الدعوة لديهم ومهما ابتكروا من الأساليب و الوسائل فهم رهن منهج الداعية الأول و الإمام الأوحد صلى الله عليه وسلم، و التحرر من ذلك يعني التحرر من المنهج والعدوان على السنة المتبعة وولوج الطريق المبتدعة ، لذا فنحن نطالب و ندعو أن تأخذ الدعوة بعداً شمولياً لدى أصحابها, أن تأخذ هذا البعد الذي يتجاوز الجمود على الأساليب التقليدية التي يرثونها ، فنحن أيضاً مع ذلك ندعو أن تحاط الدعوة إلى الله عز وجل سياج اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، و أن لا يكون ذلك مدعاةً لتجاوز هديه ، لهذا كان كل داع إلى الله عز وجل أحوج ما يكون إلى أن يحشد النصوص ويحشد الآثار التي تؤيد هذا المنهج الذي يدعو إليه، والتي تعلن للناس أنه لم يأت ببدعه من القول.

في الحديبية دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس بأن ينحروا بدنهم و أن يحلقوا رؤوسهم فلم يستجب أحد للنبي صلى الله عليه وسلم و قد أصاب الناس ما أصابهم ذلك أنهم جاءوا إلى هذا المكان وهم قد سمعوا الوعد منه صلى الله عليه وسلم أن يدخلوا البيت الحرام و أن يطوفوا بالبيت آمنين محلقين رؤوسهم و مقصرين لا يخافون، فحين أمرهم بهذا الأمر وحين رأوا مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم لقريش وشدهم ذلك الموقف رأوا أبا جندل يرسف في قيوده فيعيده النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ،لم يطق ذلك المؤمنون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يستجب أحد لأمره فيأتي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة رضي الله عنها فتشير عليه بأن يخرج و لا يكلم أحدا فيدعو بالحلاق فيحلق رأسه، ثم ينحر بدنه فيخرج صلى الله عليه وسلم فيفعل ذلك فيجتمع الناس حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً.

وكان صدق حاله صلى الله عليه وسلم من أعظم ما استدل به بعض من آمن على صدق رسالته صلى الله عليه وسلم و من هؤلاء عبدالله بن سلام رضي الله عنه إذ قال بعد أن رآه قال: فعرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. لقد كانت حال النبي صلى الله عليه وسلم ناطقة بصدقه و أنه لم يكن ينطق عن الهوى ، و أنه كان يؤتي الوحي من الله تبارك و تعالى، و أنه كان يأتيهم بخبر من السماء , لذلك كانت حاله وحدها كافية في دعوة الكثيرين إلى الإسلام فمن رآه صلى الله عليه وسلم عرف الصدق في وجهه. و منهم من دخل في الإسلام و آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم لموقف أبصره أو مشهد رآه ، و السيرة تزخر بالكثير من هذه المواقف التي دخل فيها فئام من الناس الإسلام لما رأوه من المواقف ، واختار الله له أن يكون في مبدأ حياته أميناً صادقاً ليكون ذلك مرآة على صدقه، و ليقرأ في سيرته وهديه من سمع بدعوته ؛ الصدق وسمو المنهج ، لقد كان صلى الله عليه وسلم يلقب بالصادق الأمين ، لقد عاش صلى الله عليه وسلم مع قومه أربعين سنة عرفوا منه الصدق والإحسان إلى الناس و الأمانة ، عرفوا منه صلى الله عليه وسلم حسن الخلق ولم يكن يجاريهم في مجونهم ولهوهم ، إن تلك الحال التي كان يعيشها صلى الله عليه وسلم كانت دعوة صامتة وإشارة إلى أولئك الجادين في معرفة الحق أن هذا الرجل الذي عرفوا مدخله و مخرجه ، وعرفوا سيرته لم يكن ليكذب على الله بعد أن كان يتحاشى الكذب على الناس.

وهو أمر لم يختص به النبي صلى الله عليه وسلم بل يحكي الله تبارك و تعالى عن قوم صالح أنهم قالوا ((قد كنت فينا مرجواً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا))، فقد كانت سيرة صالح في قومه كسيرة محمد صلى الله عليه وسلم و سائر الأنبياء و قد كانوا يرجون فيه الخير ، فلما دعاهم إلى الله تعالى خاب ظن أولئك الظالمين بنبيهم صالح.

أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يترسمون معالم المنهج :

لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يترسمون منهجاً اختطه لهم النبي صلى الله عليه وسلم لكي تعيش الدعوة حيةً في قلوبهم و ضمائرهم ، فيقرأ ذلك من يطلع على سيرهم قبل أن يسمع أقوالهم ، حين دعا النبي الناس للصدقة و قد جاء قوم وجتاب النمار فرقَّ صلى الله عليه وسلم و هو صاحب القلب الرحيم لحالهم فتألم وخطب الناس دعاهم بأن يتصدقوا بما يملكون من درهمهم و دنانيرهم ، من صاع برهم وتمرهم ، فلم يتصدق أحد فجاء رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع صرة كادت يده أن تعجز عنها بل عجزت فألقاها بين يدي النبي فتتابع الناس بعد ذلك فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم فصار هذا الرجل داعية صامتاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة , ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة".

وحين استنفر النبي الناس ليغزو الروم ولم يعذر أحداً في ذلك جاء أقوام لا يجدون ما يحملهم يسألون النبي أن يحملهم فلم يجد صلى الله عليه وسلم ما يحملهم فتولوا يبكون لأنهم لم يجدوا ما ينفقون ، ولم يستطيعوا أن يجاهدوا في سبيل الله ، فخلّد القرآن ذكرتهم و سيرتهم ليكون هذا الموقف دعوة لمن جاء بعدهم أن يعيش كما كان يعيش أولئك. إن من لم يفتح له الميدان للجهاد لا يعذر إلا أن يعيش معهم بقلبه وحاله ، وأن ينصح لله ورسوله.

هاهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبعثون رسالة إلى عروة بن مسعود يرجع مشدوهاً لأصحابه يحدثهم بما رأى وقد أدرك أنه أمام جيل آخر دون أن يكون منهم تعبير باللسان.

وهاهي سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تبقى صورة للأجيال ناطقة إذا أراد ، فما أن يتحدث متحدث أو يتكلم متكلم إلا يضطر أن يزين مقالته بمواقف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله وتعلم العلم وغيره من الميادين ؛ ليبقى ذلك الجيل داعية إلى سائر الأجيال في كل صور الدعوة بميدان الجهاد والعلم والعبادة وغيرها.

مزايا الدعوة الصامتة :

إننا حين ندعو إلى أن نكون دعاة لدين الله تبارك و تعالى صامتين بأحوالنا و مواقفنا وسيرنا ونستشهد بذلك بسيرة المصطفى وسيرة أصحابه ومواقف سلف الأمة من بعدهم، نجمع مع إدراك فضيلة التأسي والاقتداء تحصيل مزايا تمتاز بها هذه الدعوة الصامتة ، ومنها :

أولاً: أن الدعوة بالأحوال أبلغ من الدعوة بالقول ؛ فالمرء يستطيع أن يدبج المقال ، و يستطيع أن يحسن الحديث ، وأن يتفوه بما لا يعتقد ، لكن أن يكون ذلك المقال مصداقه حال ذلك الرجل وفعله فهي صورة أخرى وحالة أخرى. لقد أمر النبي الناس أن يحلقوا رؤوسهم وأن ينحروا بدنهم ، وما كان الذين أمرهم النبي من الذين يتلكؤون بالاستجابة وهم أسرع الناس مبادرة للاستجابة إلى أمره صلى الله عليه وسلم و طاعته ، لكن ذلك الأمر القولي أبلغ من حاله حين خرج وحلق ونحر ؛ فكان ذلك الفعل رسالة إلى الناس للاستجابة له صلى الله عليه وسلم ، و لهذا لما أرسل له صلى الله عليه وسلم يوم عرفة بقدح لبن شربه أمام الناس فكان أبلغ دلالة على أنه لم يكن صائماً.

ثانياً: الدعوة الصامتة تدرك من جميع الطبقات ؛ فالكلمة المسموعة أو المقروءة قد يفوق تأثيرها اختلاف المستويات أو مدارك الناس ، والذي يتحدث أمام من ينصت له ، أو يكتب لمن يقرأ له بجد نفسه بين خيارين ، إن حسَّن المقال و ارتفعت لغته فيكون هناك من لا يدرك هذا الكلام أو من لا يفهمه ، وإن كان مقاله دون ذلك شعر المخاطَب أن هذا نزولاً بالكلمة عما تليق بها. أما الذي يدعو الناس بحاله فهو يدعو بدعوة يدركها الجميع و يفهمون مغزاها.

ثالثاً: إن الكلام له أثر عظيم على النفوس ، وكم تترك الكلمة الصادقة من أثر ؟ بل كم تصنع من مواقف ؟ لكن الكلمة الصادقة مهما كانت تبقى عرضة للنسيان ، إنها تبقى فترة ثم تزول ، أما الموقف فإنه يبقى في الذاكرة لا يزول أبداً ، إن النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم كان مع أصحابه فرأى جارية من السبي تأتي لرضيعها و تضمه و ترضعه ؛ فيثيره الموقف صلى الله عليه وسلم وهو الرجل الذي كانت قضية الدعوة وقضية التعليم قضية حية في ضميره صلى الله عليه وسلم فيخاطب أصحابه قائلاً لهم : "أترون هذه طارحة ولدها في النار"؟ فيقول أصحابه : لا ، فيقول صلى الله عليه وسلم :"لله أرحم بعبده من هذه بولدها" فيمضي هذا الموقف ، إن الذين سمعوا الكلمة من النبي صلى الله عليه وسلم ربما ينسون حديثاً منه صلى الله عليه وسلم أما إذا رأوا امرأة ترضع ابنها فإنهم يتذكرون ذلك الموقف الذي سمعوا فيه تلك الكلمة منه صلى الله عليه وسلم.

رابعاً: إن الكلمة أيضاً تترك أثراً على الناس و تدعوهم إلى العمل والسلك ، لكن ربما يظن البعض من الناس أن هذه الصور التي يتحدث عنها المتحدث أنها صورة مثالية يصعب تطبيقها ، و إذا أمكن تطبيقها فهي في هذا الزمان الذي مرجت فيه العهود وفسد فيه الناس تستعصي على التطبيق ، أما حين تكون دعوة في الحال و موقفاً يراه الناس فإنها دعوة لكل من يرى هذا الموقف أن هذه الصورة يمكن أن تحدث ، إن الذي يسمع عن مواقف الاستشهاد في سبيل الله ربما يهزه هذا الموقف لكنه قد يشعر أن النفوس البشرية لا تطيق هذا القدر من التضحية ، أما حين يرى هذه النماذج أمام عينه فسيدرك أن هذه القضية ترقى إلى ميدان الواقع ، إنه حين يسمع عن الإنفاق في سبيل الله فيرى من يجود بماله، سيترك أثراً في نفسه أقوى بكثير من أثر الكلمة مهما عظمت فصاحتها.

و لهذا اختار الله تعالى أن يكون أنبياؤه من البشر يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق ليكونوا قدوة وأسوة للناس.

خامساً: الدعوة الصامتة أعظم إجابة على سبل المضلين والمفسدين ، إن الصراع لا يمكن أن يقف بين أهل الحق و الباطل و ما يلبث أهل الباطل أن يثيروا الشبهات أمام دعاة الحق فيتهمونهم بأبشع التهم ، وهي تهم ورثوها من فرعون حين قال: ((ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو يظهر في الأرض الفساد)), لقد كانوا يتهمون الأنبياء بأنهم سحرة و مجانين وأن أتباعهم ضعفاء ، و اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم أنه صابئ و أنه مجنون و ساحر ، و أنه يفرق بين المرء وزوجه ، وما يزال المفسدون الأفاكون الظالمون يثيرون الشبه والتهم على من يتبع سنة الأنبياء ويسير على طريقتهم ؛ فحين تكون حال هؤلاء حالاً صادقة للناس يصبح ذلك أعظم إجابة على كذب هؤلاء وإفكهم.

ما هي مجالات الدعوة الصامتة ؟

القدوة والأسوة الحسنة وقد مر بنا نماذج كثيرة تغني عن الاستطراد.

التفوق في مجالات الحياة المختلفة ؛ فحين يكون الصالحون والدعاة إلى الله عز وجل هم المتفوقون في مجالات الحياة المختلفة ، فهم المتفوقون في دراستهم و في ميادين العمل ، وهم العاملون الصادقون الذين إذا دخلوا إلى مجال فهم المتفوقون دوماً ، فإن هذا يعطي دلالة على أن هؤلاء صادقون ، وهذا يثبت للناس بطلان ما يسعى إليه الأعداء حين يحاولون أن يفسروا هذه الصحوة بأنها إفراز لحالة نفسية و اقتصادية.

الإحسان إلى الناس وتقديم البر لهم والخدمة، لقد كان صلى الله عليه وسلم كما حكت عنه زوجه : يكرم الضيف، ويعين على نوائب الحق، وكان يشفع للناس ويحسن حتى إلى الحيوان، فعندما رأى جملاً قد احدودب ظهره زرفت عينا الجمل إذ رأى في قلبه الرحمة والإحسان فيأتي إليه صلى الله عليه وسلم فيسأل :"أين صاحب هذا الجمل ؟" فيقول: أنا. فيقول: "اتق الله؛ فإنه شكى إلي أنك تجيعه و تتعبه". إن النبي صلى الله عليه وسلم يرسم لنا الأسوة والقدوة في أن نحسن إلى الناس، وأن نسعى إلى تبني قضاياهم وهو من قبله، فهاهو يوسف عليه السلام يقول له أصحابه ((نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين)), فقد رأيا فيه الإحسان إليهما، فالإحسان باب من أبواب الخير، و طريق للتعرف على الناس فيعرف الناس بأن هؤلاء صادقون وأنهم مخلصون.

كظم الغيظ و التنازل عن الحقوق الشخصية يقول تعالى :((و لا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم)). ويقول تعالى: ((والكاظمين الغيظ و العافين عن الناس)) ،حين يعرف الناس عنا أنا نتنازل عن الحقوق الشخصية ونعفو عمن ظلمنا بل نحسن إليه سيترك ذلك أثره فيهم. حين فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة وتمكن من أعدائه الذين فعلوا معه ما فعلوا وآذوه و أخرجوه، وكانوا يظنون أن هذا الموقف سيكون فيه حتفهم فأطلقهم صلى الله عليه وسلم وعفا عنهم، وكان ذلك من أعظم الأسباب في دخول كثير منهم في الإسلام؛ لأنهم عرفوا منه الصدق والأمانة والعفو والإحسان قبل أن ينبَّأ، و عرفوا منه ذلك بعد أن نُبَّيءَ وأرسل. وعرفوا منه ذلك بعد أن عادوه و آذوه، وهاهو أحد الصحابة يقول كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء آذوه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه و يقول :((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)).

الصدق في الدعوة ورفع شعار الخير والصلاح، في صلح الحديبية جاء رجل من بني كنانة موفداً من قريش، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له" فبعثت له؛ فاستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: "سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، ورجع من فوره دون أن يسمع كلمة واحدة من النبي صلى الله عليه وسلم.

العاطفة الصادقة المتوقدة في النفس الداعية، وهي إفراز لمشاعر صادقة تكمن في نفسه ما تلبث أن تبدو على أرض الواقع، وعلى سلوكه وفي قسمات وجهه؛ فيقرأها كل من يراه لتترك أثراً يفوق ألف خطبة و ألف محاضرة، ويشعر الناس الذين يتعاملون مع هذا الصنف من الناس بما يحركهم ويدفعهم من الداخل، وما نزال نسمع الكثير ممن يتحدث عن العاطفة حديث الذم و النقد، حتى صار من مراتب الجرح والتنقص أن يقال عن شخص إنه عاطفي متحمس، وهذا الذم لهذا الصنف صار مهرباً لبعض من قد تبلد حسه تجاه المنكرات ومصائب الأمة، فصار حين يطلب منه التفاعل أو تُشتكى إليه الحال يتنهد قائلاً إن الأمور لا تحل بالعواطف ولا تعالج بالحماس، نعم إن الإغراق في العواطف مرفوض، والانطلاق وراء الحماس وحده تهور، لكن الدعوة إلى إلغاء ذلك كله تطرف هو الآخر، ولعل سائل يتساءل هل خلق الله تعالى هذه العواطف عند الناس عبثاً، لم يعد يقبل أهل الطب اليوم أن يكون هناك عضو لا يؤدي دوراً فكيف يقبل أن تكون هذه المشاعر المشتركة لدى العامة من الناس ـ والتي تمثل وقوداً للأعمال و مواقف شتى يقوم بها المرء ـ عبثاً لا فائدة منه و يذم المرء حين يتصف به. إننا حين نذم أولئك الذين يتهورون والذين لا يدفعهم إلا الحماس غير المنتظم، إن هذا لا يقودنا أبداً إلى أن نعذر أولئك المثبطين القاعدين الذين قد تبلد حسهم وماتت أرواحهم، وهم يرون الأمة تُنحر، فهم قد ارتكبوا منكراً آخر قد يكون أشد من منكر أولئك ألا وهو السكوت والقعود عن الحق.

المواقف المتميزة التي تشكل صدى لدى معاصريها و معايشيها، وتمتد بعد ذلك عبر أفق الزمن لتخترق حواجزه وتصبح منارة للأجيال، إنك لو تصفحت سير الصحابة فستجد عبارات بالأمر بالصبر و الوصاة به بالأمر بالثبات على المبدأ، لكن ذلك لم يكن مثل المواقف التي سطروها رضوان الله عليهم بالصبر على البلاء و المضايقة، فلا يزال في ذاكرة المسلمين أجمع وما يفتأ الخطباء والمتحدثون يرددون صوراً من صبر بلال وعمار، وتضحية ياسر وسمية، لا يزال هؤلاء يتذكرون تلك الصور، وتترك في نفوسهم أثرا لا تقاربه الأقوال والعبارات.وهكذا تبقى المواقف الصادقة منارة للجيل يقرأها المعاصرون فيكون هؤلاء الذين وقفوا هذه المواقف دعاة للأمة بمواقفهم، ثم يبقون بعد ذلك دعاة للجيل من بعدهم.

هذا و صلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

الزكاة ركن من أركان الإسلام


الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة يكفر من أنكر فرضيتها ، و يفسق من تكاسل عن دفعها . أما عقاب مانع الزكاة في الآخرة ، فقد قال تعالى : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم .ٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } [ التوبة : 34 \ 35 ] وقال صلى الله عليه وسلم : { من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مُثّل له ماله شجاعا – ثعبانا – أقرع له زبيبتان – نقطتاه سوداوان – يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه – شدقيه ( جانبي فمه ) ، ثم يقول : أنا مالك أنا كنزك ، ثم تلا : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ...} [ آل عمران : 180 ] رواه البخاري و مسلم .

شروط وجوب الزكاة :

1 ـ الإسلام 2 ـ البلوغ و العقل ، و هما شرطان عند الحنفية ، فلا زكاة على الصبي و المجنون في مالهما . و قال الشافعية : لا يشترطان ، و تجب الزكاة في مالهما 3 ـ كون المال نصابا ، أو مقدرا بقيمة النصاب ، و نصاب الذهب عند الحنفية ( 100 غ ) ، و عند الجمهور ( الشافعية و المالكية و الحنابلة ) ( 72 غ ) . و نصاب الفضة ( 700 غ ) عند الحنفية و ( 504 غ ) عند الجمهور . أما الورق النقدي فيقدر على نصاب الذهب و الفضة ، و لكن الأفضل هو: الأخذ بنصاب الفضة رعاية لجانب الإحتياط ، و رحمة بالفقراء . 4 ـ أن يملك النصاب ملكا تاما ، و هو أن يكون المال مملوكا في اليد قادرا على التصرف فيه ، فارغا عنه الدين ، فلا تجب الزكاة على المدين الذي في يده مال غيره ، و إنما زكاة هذا المال على المالك الأصلي ، لكن لا تجب في دين أنكره المديون سنين ، و لا بينة للدائن يثبت بها حقه عليه ، و هذا عند الحنفية . و قال الشافعية : على المدين زكاته إذا حال عليه الحول ( سنة قمرية ) ، و هو في ملكه . 5 ـ أن يحول الحول القمري مع تمام النصاب ( و الحول القمري ينقص عن السنة الشمسية 11 يوم تقريبا ) قال الحنفية : يشترط كون النصاب كاملا في طرفي الحول ، سواء بقي في أثنائه كاملا أم لا . و قال الشافعية : يشترط مضي حول كامل متوال في نصاب الذهب أو الفضة و الأوراق النقدية ، فلو نقص النصاب في أثناء الحول ، و لو لحظة لم تجب الزكاة ، و عندما يبلغ النصاب يبتدىء الحول من جديد . و لعل الأنفع للمستحقين ، و الأورع للمالكين أن يأخذوا بالمذهب الحنفي . أما بالنسبة للسلع التجارية عند الشافعية ، فالعبرة ببلوغها نصابا آخر العام منذ البدء بالمتاجرة ، فلا يشترط بلوغها نصابا عند بدء التجارة ، ولا بقاؤها كذلك خلال الحول . 6 ـ كون المال مما تجب فيه الزكاة ، وهو خمسة أصناف : أ ـ النقود : ذهب \ فضة \ ورق نقدي ب ـ عروض التجارة و تشمل كل البضائع ، أو الحوائج المعدة للربح و التجارة ، و يشترط لوجوب الزكاة فيها نية التجارة ج ـ الأنعام : الإبل \ البقر \ الجاموس\الغنم \ الماعز د . الزروع و الثمار هـ المعادن 7 ـ عدم الدين ، وهو شرط عند الحنفية ، و ليس بشرط عند الشافعية . فلو استغرق الدين عند الشافعية أموال الزكاة ، أو انقص النصاب ، فإن ذلك لا يمنع وجوب الزكاة .

زكاة حلي النساء : قال الحنفية : تجب زكاته إذا بلغ ( 100 غ ) فما فوق في بداية الحول و آخره ، و يعتبر في زكاته الوزن لا القيمة . و قال الجمهور : لا تجب الزكاة فيه إلا إذا اتخذ كنزا ، أو كان فيه سرف ظاهر ، و مجاوزة للمعتاد . و لا زكاة في الجواهر و اللألىء و المعادن _ إن لم يقصد بها التجارة ـ غير الذهب و الفضة ، و السيارة الخاصة ، و العقارات غير المعدة للتجارة ، و الأمتعة ، و آلات الصناعة ، و أجهزة المعامل . و إنما تجب الزكاة فيما تنتجه المعامل ، و في المواد الأولية للتصنيع .

شروط صحة أداء الزكاة : 1 ـ النية المقارنة للأداء للفقير حقيقة ، كأن ينوي عند الدفع للفقير ، أو حكما كأن يدفع الزكاة للفقير بدون نية ، ثم ينوي بعد الدفع ، و المال لم يتصرف به الفقير بعد . أو النية المقارنة لعزل الزكاة ليوزع منها شيئا فشيئا ولا يشترط علم الفقير بأنها زكاة 2 ـ التمليك ، فلا يكفي فيها الإباحة ، أو الإطعام للفقير .

وقت أداء الزكاة : 1 ـ زكاة الأموال من الذهب و الفضة و عروض التجارة و السوائم ـ التي تُرعى أكثر السنة من المراعي العامة المباحة ـ تدفع زكاتها مرة واحدة في العام ، و لا يجوز تأخيرها للعام القادم عند الحنفية . أما عند الشافعية ، فتجب زكاتها فورا بعد انتهاء الحول إذا تمكن من إخراجها ، و ذلك بأن يكون المال حاضرا عنده ، فإن كان غائبا عن المكان الذي هو فيه ، بأن كان في بلدة أخرى ، أو كان دينا في ذمة بعض الناس ، لم يكلف بإخراج الزكاة عنه فور ا ، و أن توفر تحت يده المبلغ الذي يجب إخراجه عن المال المشغول بالدين ، و جب إخراجه فورا 2 ـ زكاة الزروع و الثمار ، و تدفع زكاتها من غلاتها ، وتتكرر بتكرر الإنتاج .

كيف يحسب التاجر أو المنتج زكاة أمواله عند المذهب الحنفي :

1 ـ يحسب قيمة ما يملك من البضائع ، و العقارات المعد ة للتجارة ، و الموزاد المعدة للتجارة أو التصنيع ، و يقدر قيمتها بالنسية لأمثالها : إن كان منتجا ، فيقدر قيمتها بكلفتها كمنتج ، و إن كان تاجرجملة فيقدر قيمتها كما لنفسه و أمثاله من بائعي الجملة ، و إن كان تاجر مفرقات فإنه يقدر قيمتها كما لو كان يشتريها بالجملة ، و يقدر قيمة هذه البضائع بالأسعار التي تستحقها اليوم ، سواء أكان ذلك أقل من سعر التكلفة أو الشراء أم أكثر . 2 ـ يضيف إلى قيمة هذه البضائع ما عنده من النقود و الذهب و الفضة ، و يضيف لها ماله ديون على الناس 3 ـ يحسب ما عليه من الديون ، و يطرحها من مجموع ما يملك ، فيكون المبلغ الصافي خالص رأسماله الحالي الذي تجب فيه الزكاة ، و يخرج الزكاة عن جميع هذا المبلغ سواء أكان أقل من رأسمال العام الفائت ، أم أكثر بكثير 4 ـ يقدر الزكاة بنسبة 2,5 % إذا كان حولا قمريا . أما إذا كان شمسيا فهو 2,6 % .

القاعدة الذهبية في حساب الزكاة عند الحنفية ( آخر الحول ) = ذهب + فضة + نقود + قيمة البضائع + الأشياء المعدة للتجارة + الديون الدائنة = مجموع هذه الأملاك – الديون المدينة = المبلغ الصافي x 2,5 % = قيمة الزكاة .

مصارف الزكاة : 1ـ الفقراء 2 ـ المساكين 3 ـ العاملون عليها ( وهم الذين يجمعون الزكاة تحت إشراف الدولة ) 4 ـ المؤلفة قلوبهم ، و هم مسلمو حديثو عهد بالإسلام ، يتوقع بإعطائهم أن يقوى إسلامهم ، أو غير مسلمين ذوو وجاهة ومكانة في قومهم ، يتوقع بإعطائهم إسلام أمثالهم ، أو هم مسلمون يقومون على الثغور يحمون المسلمين من هجمات الكفار و شر البغاة ـ أو يقومون بجبي الزكاة من قوم يتعذر إرسال عمال إليهم ، و هؤلاء يعطون من الزكاة عند الشافعية إذا كان المسلمون في حاجة إليهم . ولا يعطون من الزكاة عند الحنفية لانتشار الإسلام و غلبته 5 ـ الرقاب ( فك أسر العبيد ) و بما أن الرق قد حرّم فلا وجود لهذا الصنف حاليا 6 ـ الغارمين ، و الغارم هو : من عليه دين ، ولا يملك نصابا فاضلا عن دينه ، و هذا عند الحنفية . و عند الشافعية هم الذين أثقلتهم الديون ، وعجزوا عن وفائها . فيعطى هؤلاء ما يقدرون به على وفاء ديونهم التي حلت آجالها مع ما يكفيهم مطعما و ملبسا و مسكنا 7 ـ سبيل الله ( الغزاة المجاهدون ) 8 ـ ابن السبيل ( المسافر الذي لايجد في سفره ما لا يوصله لبلده ) .

و لا يجوز أن يدفع الزكاة إلى 1 ـ غير المسلم 2 ـ المساجد و تكفين الموتى و قضاء دين الميت ، و كل ما تمليك فيه 3 ـ الأصول ( الأب و الجد و إن علا ) و الفروع الأولاد و إن سفلوا . و يجوز عند الشافعية دفع الزكاة إلى الأولاد إن كانوا بالغين عاقلين غير مرضى بمرض مزمن ، و غير قادرين على الكسب من عمل يليق بهم و يكفل لهم ما يكفيهم أما باقي الأقارب فالدفع لهم أفضل عند الحنفية و الشافعية 4 ـ الزوجات 5 ـ الغني الذي يملك قدر النصاب

ملاحظات : 1 ـ قال الجمهور : لا يجزىء إخراج القيمة في شيء من الزكاة ، و يجوز إخراج القيمة في زكاة التجارة عند الشافعية . و قال الحنفية : يجوز دفع القيمة في الزكاة ( و يجوز تقليده ) 2 ـ الضريبة لا تقوم مقام الزكاة 3 ـ يكره نقل الزكاة لبلد آخر عند الحنفية و لا يجوز عند الشافعية 4 ـ يحرم التحايل لإسقاط الزكاة كأن يهب المال لفقير ثم يشتريه منه 5 ـ يحرم دفع الزكاة لمن يصرفها في معصية إذا علم المزكي ذلك 6 ـ لا يجوز أن يعطى الفقير ما يزيد على قيمة النصاب ، و يجوز عند الشافعية أن يدفع له ما تزول حاجته ، أو كفايته من أداة يعمل بها إن كان فيه قوة .

المراجع : الفقه الإسلامي و أدلته للزحيلي \ الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري \ الفقه المنهجي للبغا و آخرين \ الفقه الإسلامي للسلقيني \ تنوير القلوب للكردي \ المفصل في الفقه الحنفي لماجد عتر