الاثنين، 4 مايو 2015

الله عز وجل


 

 

الله عز وجل

-----------------------

قال تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]. وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبّ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ أَشَدُّ حُبّا لِلَّهِ [البقرة:165]. وقال: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:31]. قال أبو سليمان الداراني: لما ادعت القلوب محبة الله، أنزل الله لها محنة قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:31].

وشأن عظيم أن تحب مولاك، وأعظم منه أن يحبك مولاك ولا يحصل هذا إلا بالاتباع، وذكر الله حسرة أهل النار وقولهم لآلهتهم قال تعالى: تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:98]. ومعلوم أنهم لم يسووهم برب العالمين في الخلق، وإنما سووهم به في المحبة والتعظيم، وهذا أيضاً هو العدل المذكور في قوله تعالى: ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1]. أي يعدلون به غيره في العبادة التي هي المحبة والتعظيم.

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال ..........الحديث)) والأحاديث في هذا كثير.

نقول: إنه لا يحب لذاته إلا الله تبارك وتعالى، وكل محبة وجدت فهي تبع لمحبة الله ومن أجله سبحانه، أما هو سبحانه فيحب لذاته لما له من جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال، ولنعمه الباطنة والظاهرة والتي لا تنقطع بمعاصي خلقه، وإذا طلعت شمس التوحيد وباشرت جوانبها الأرواح، ونورها البصائر تجلت بها ظلمات النفس والطبع، وتحركت بها الأرواح في طلب من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا تزال شواهد الصفات قائمة بقلبه توقظه إذا رقد، وتذكره إذا غفل، وتحدو به إذا أساء، وتقيمه إذا قعد، إن قام بقلبه شاهد من الربوبية والقيومية ما رأى منه أن مولاه له الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، ليس لأحد معه من الأمر شيء مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ياأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ لاَ اله إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:2-3].

حين تستقر هذا الصورة التي تحملها هذه الآية الكريمة في قلب بشر يتم فيه تحول كامل في تصوراته ومشاعره واتجاهاته وموازينه وقيمه في هذه الحياة جميعها، إنها تقطعه عن شبهة كل قوة في السماوات والأرض، وتصله بقوة، ولا ضيق مع رحمة الله، إنما الضيق في إمساكها دون سواه، لا ضيق لو كان صاحبها في غياهب السجن، أو في جحيم العذاب، ولا سعة مع إمساكها ولو تقلب الإنسان في أعطاف النعيم وفي مراتع الرخاء، إنها رحمة الله .

المال والولد والصحة والقوة والجاه والسلطان تصبح مصادر قلق ونكد وجهد إذا أمسكت عنها رحمة الله، فإذا فتح الله أبواب رحمته كان فيها السكن والراحة والسعادة والاطمئنان، يبسط الله الرزق – مع رحمته- فإذا هو متاع طيب ورخاء، وإذا هو رغد في الدنيا وزاد إلى الآخرة، ويمسك رحمته فإذا هو مثار قلق وخوف، وإذا هو مثار حسد وبغض، وقد يكون معه الحرمان ببخل أو مرض، وقد يكون معه التلف بإفراط أو استهتار، ويمنح الله الذرية مع رحمته فإذا هو زينة في الحياة ومصدر فرح واستمتاع، ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح الذي يذكر الله، ويمسك رحمته فإذا الذرية وباء ونكد وعنت وشقاء وسهر بالليل وتعب النهار، يعطيك الله رحمته ويهب الله الصحة والقوة مع رحمته، فإذا هي نعمة وحياة طيبة والتذاذ بالحياة، ويمسك رحمته فإذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي، فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسد ويفسد الروح ويدخر السوء ليوم الحساب، ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان، ولا في أي حال، وجدها إبراهيم عليه السلام في النار، ووجدها يوسف عليه السلام في الجب، كما وجدها في السجن، وجدها يونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث، وجدها موسى عليه السلام في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة ،كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه، وجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور فقال بعضهم لبعض فَأْوُواْ إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مّن رَّحْمَتِهِ [الكهف:16]. ووجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار، ووجدها شيخ الإسلام ابن تيمية حين أدخل السجن فقال بعزة واستعلاء فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13]. ووجدها كل من آوى إليها يآئساً من كل ما سواها، منقطعاً عن كل شبهة وقوة، وعن كل مظنة في رحمة، قاصداً باب الله وحده دون الأبواب، فاللهم رحمتك يا أرحم الراحمين، وإذا عرجت يا بوادي المحبة تلوح لك نعوت الجمال لمولاك، فتشاهد ببصائر الإيمان صفات الكمال لمولاك، حتى كأنك تنظر إلى عرش الرحمن بارزاً وإلى استوائه على عرشه، يدبر أمر الممالك يأمر وينهى، ويخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل، ويقلب الليل والنهار قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَمَاواتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54]. وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِى يُحىِ وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [المؤمنون:80]. وقال تعالى: قُل لّمَن مَّا فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام:12].

أحاط بكل شيء علماً، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماوات ولا في قرار البحار ولا تحت أطباق الجبال، قال تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام:59]. وقال تعالى: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الاْرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَىْء عِندَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ سَوَاء مّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ [الرعد:8-10]. وقال تعالى: عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَاواتِ وَلاَ فِى الأرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ [سبأ:3].

وهو العليم أحاط علماً بالذي……في الكون من سر ومن إعلان

وكذاك يعلم ما يكون غداً وما……قد كان والموجود في ذا الآن

وكذاك علم لم يكن لو كان ……كيف يكون ذا إمكان

أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، ووسع كل شيء رحمة وحكمة، وسع سمعه الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، لا تختلف عليه ولا تشتبه عليه، بل يسمع ضجيجها، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل ولا يتبرم بإلحاح ذوي الحاجات، وسواء عنده من أسر القول ومن جهر به، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النحل:19]. قال تعالى: وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السّرَّ وَأَخْفَى [طه:7]. يعلم السر وأخفى من السر، فالسر ما انطوى عليه ضمير العبد وخطر بقلبه ولم تتحرك به شفتاه، وأخفى منه ما لم يخطر بعد فيعلم أنه سيخطر بقلبه كذا وكذا في وقت كذا وكذا، تقول الصديقة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلها: إن امرأة تناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمع بعض كلامها ويخفى علي بعض، إذا أنزل الله عز وجل: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا [المجادلة:1]. ولله در ابن القيم حين يقول:

وهو السميع يرى ويسمع كل ما……في الكون من سر ومن إعلان

ولكل صوت منه سمع حاضر……فالسر والإعلان مستويان

والسمع منه واسع الأصوات ……لا يخفى عليه بعيدها والداني

وأحاط بصره بجميع المرئيات فيرى دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء، يرى عروقها ومخها ولحمها وحركتها يرى من البعوض حركتها في ظلمة الليل.

يا من يرى مد البعوض جناحها…في ظلمة الليل البهيم الأليل

ويرى نياط عروقها في نحرها…والمخ في تلك العظام النحل

يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاْعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ [غافر:19]. له الخلق والأمر، وله الملك والحمد، وله الدنيا والآخرة وله النعمة والفضل وله الثناء الحسن، له الملك كله، وله الحمد كله وبيده الخير كله شملت قدرته كل شيء ووسعت رحمته كل شيء.

وهو الحميد فكل حمد واقع أو …كان مفروضاً مدى الأزمان

ملأ الوجود جميعه ونظيره……من غير ما عم ولا حسبان

هو أهله سبحانه وبحمده……كل المحامد وصف ذي الإحسان

يرفع أقواماً ويخفض آخرين، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) قال صلى الله عليه وسلم: ((أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد))، ((أطت السماء ويحق لها أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلا وفيه جبهة ملك ساجد يسبح الله بحمده)) لو أن أهل سماواته وأهل أرضه وأول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئاً، ولو أن خلقه أولهم وآخرهم إنسهم وجنهم كانوا على أفجر قلب رجل منهم ما نقص ذلك من ملكه شيئاً.

أ لو أن أشجار الأرض كلها من حين وجدت إلى أن تنقضي الدنيا أقلام، والبحر وراءه سبعة أبحر تمده من بعده بالمداد، فكتب بتلك الأقلام، وذلك المداد لفنيت الأقلام ونفد المداد ولم تنفد كلمات الخالق تبارك وتعالى: لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ وَلَوْ أَنَّمَا فِى الأرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان:26-27].

هو الأول ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، كل شيء هالك إلا وجهه، كل ملك زائل إلا ملكه لن يطاع إلا بإذنه ورحمته، ولن يعصى إلا بعلمه وحكمته، يطاع فيشكر، ويعصى فيتجاوز ويغفر، كل نقمة منه عدل وكل نعمة منه فضل، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حال دون النفوس وأخذ بالنواصي، وسجل الآثار وكتب الآجال، فالقلوب له مفضية، عطاؤه كلام، وعذابه كلام إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون أحق من ذُكر، وأحق من عبد، وأحق من حمد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، أجود من سئل، وأكرم من قصد، أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء وأعز من كل شيء سبحانه وبحمده.

ا

أما عن السبب الثاني الذي من أجله يحب المولى عز وجل وهي نعماؤه الواصلة إلى الإنسان آناء الليل وأطراف النهار، فتدبرها جيداً، فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها ولا أحد أعظم إحساناً من الله، فإن إحسانه على عبده في كل نفس ولحظة قال تعالى: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]. يقول تعالى: يَسْأَلُهُ مَن فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ [الرحمن:29]. يغفر ذنباً، ويفرج هماً، ويكشف كرباً ،ويجبر كسيراً، ويغني فقيراً، ويعلم جاهلاً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيران، ويغيث لهفاناً، ويفك عانياً، ويشبع جائعاً، ويشفي مريضاَ، ويعافي مبتلى، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً وينصر مظلوماً، ويقصم جباراً ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويؤمن روعة، هذا باب واسع، والمقام مقام اختصار.

لذا فإني أعرج سريعاً على رحمته بعباده وكرمه يقول صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد)) [رواه البخاري ومسلم].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض، وأخرّ تسعاً وتسعين، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة)) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى لما خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله رحيم، حيي كريم يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه ثم لا يضع فيهما خيراً)).

أما نعمة الظاهرة على خلقه فتأمل معي قول الحق تبارك وتعالى: وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِى أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [فصلت:39]. وقال: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِى سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالاْبْصَارِ [النور:43]. وقال: وَهُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ [الأعراف:57]. هذه النعمة التي لا تقدر معشر العطاش إلى رحمة ربكم، نعمة الري للأرض والإنسان،هذه الأرض الظامئة إلى الماء إن جفت ينابيعه وغاصت آباره من يأتي بالماء سوى الله: قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ [الملك:30]. أَفَرَءيْتُمُ الْمَاء الَّذِى تَشْرَبُونَ أَءنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ [المعارج:68-70].

والذي نفسي بيده ما أدينا حق الشكر لمولانا على الماء الذي نشربه وتتوالى النعم التي لا تحصى في سور القرآن في الأنعام والنحل والنبأ والمرسلات ويس والروم وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا [إبراهيم:34].

كيف لا تحب من أنست به قلوب العارفين، وولهت من محبته أفئدة المشتاقين، كيف لا تحب من أنت به وبقاؤك منه، وتدبيرك بيده، ورجوعك إليه، وكل مستحسن في الوجود هو حسنه وصنعه وزينه وعطف النفوس إليه.

من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف غدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأعجب من هذا علمك أن لا بد لك منه وأنك أحوج شيء إليه، وأنت عنه معرض، وفيما يبعدك عنه راغب، فيا معرضاً عن حياته الدائمة، ونعيمه المقيم ويا بائعاً سعادته العظمى بالعذاب المقيم، ويا مسخطاً من حياته وراحته وفوزه في رضاه، إنما هي لذة فانية وشهوة منقضية تذهب لذاتها وتبقى تبعاتها، أٌقبل على مولاك - يا أخي - يقبل الله عليك، فإن الله إذا أقبل على عبد استنارت جهاته وأشرقت ساحاته وتنورت ظلماته وظهرت عليه آثار إقباله، وتوجه إليه الملأ الأعلى بالمحبة والموالاة فإنهم تبع لمولاهم، وناهيك بمن يتوجه إليه مالك الملك ذو الجلال والإكرام بمحبته ويقبل عليه بكرامته، فبادر طي صحيفتك واجعل الهم واحداً واجعله في الله، دع عنك غيره، واجعل نبضات قلبك وقفاً على مولاك، ودع عنك الكسل والتوان،ي واسأله الإعانة والتوفيق.

فحيا هلا إن كنت ذا همة فقد……حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا

وقل للمنادي حبهم ورضاهم……إذا ما دعا لبيك ألفاً كواملا

وخذ قبساً من نورهم ثم سر به……فنورهم يهديك ليس المشاعلا

وإذا أردت باباً أقرب إلى الله وأوسع ولا مزاحم فيه فادخل من باب الذل والافتقار، فإن لانكسار القلب تأثير عجيب في المحبة لا يعبر عنه، الذل والانكسار والخضوع والافتقار للرب جل جلاله غاية شمر إليها السالكون وأمّها القاصدون كيف لا، والعبد يشهد في كل ذرة من ذراته الباطنة والظاهرة ضرورة تامة، وافتقار تاماً إلى ربه ووليه ومن بيده صلاحه وفلاحه، وهداه وسعادته.

فما أٌقرب الجبر من هذا القلب المكسور، وما أدنى الرحمة والنصر والرزق منه، وما أنفع هذا الذل له وأجداه عليه، وذرة من هذا ونفس منه أحب إلى الله من طاعات أمثال الجبال من المدلين المعجبين بأعمالهم وعلومهم وأحوالهم، فلله ما أحلى قوله وهو يتملق ربه خاضعاً له ذليلاً مستعطفاً له يقول: يا رب يا رب ارحم من لا راحم له سواك، ولا ناصر له سواك، وله مأوى له سواك، ولا مغيث له سواك، مسكينك وفقيرك وسائلك ومؤملك ومرجيك، لا ملجاً ولا منجا له منك إلى إليك، فما الظن بمن هو أرحم بعبده من الوالد بولده، ومن الوالدة بولدها، إذا فر عبده إليه وهرب من عدوه إليه وألقى بنفسه طريحاً ببابه يمرغ خده في ثرى أعتابه باكياً بين يديه.

Wise Video Converter PRO v1.42.47 Multilingual

Wise Video Converter PRO v1.42.47 Multilingual

Wise Video Converter PRO هي سهلة الاستخدام والتي يمكن تحويل جميع الصيغ من أشرطة الفيديو فقط بنقرة واحدة أو السحب. فإنه يساعد على جعل التبديل بين الأجهزة أكثر مرونة.

سهلة وسريعة انقر أو اسحب الملفات ويبدأ التحويل  بسرعةعالية

.

تحويل جميع الصيغ من أشرطة الفيديو لجميع العلامات التجارية من الهواتف المحمولة، ومنصات وأجهزة الكمبيوتر.

تحويل ملفات الفيديو بنقرة واحدة فقط.

التغييرات:

- تحسين جودة الفيديو المحولة

-تحديث ترجمة .

- تحسينات واجهة المستخدم الرسومية بسيطة.

لنظام التشغيل Windows XP، ويندوز فيستا، Win7 و/ 8 (سواء 32 بت و 64 بت)

الصفحة الرئيسية:

http://www.wisevideosuite.com/wisevideoconverter.html

تثبيت ملاحظات:

- تثبيت التطبيق

- المحتوى نسخة من مجلد الكراك لتثبيت الدليل

- استمتع بهذا الإصدار !!

 

 

Wise Video Converter est un logiciel facile à utiliser qui peut convertir tous les formats de vidéos juste avec un clic ou glisser. Il contribue à rendre votre commutateur entre des dispositifs plus souples.

Facile et rapide
Il suffit de cliquer ou de faire glisser les fichiers et la conversion commence à grande vitesse.

Tous les périphériques compatibles
Convertir tous les formats de vidéos pour toutes les marques de téléphones cellulaires, Pads et PC.

Conversion par lot pris en charge
Convertir un lot de vidéos en un seul clic.

changements:
- Amélioration de la qualité vidéo converti
- Mise à jour des traductions.
- Améliorations de l'interface mineures.

Pour Windows XP, Vista, Win7 / 8 (32 bits et 64 bits)

Page d'accueil:
http://www.wisevideosuite.com/wisevideoconverter.html

Notes d'installation:

- Installez l'application
- Copier le contenu du dossier Crack d'installer Directory
- Profitez de cette version !!

 

   


لتحميل البرنامج

http://www.gulfup.com/?PRmXZB

 

الورع



 

الورع

-----------------------

الورع لغةً:

الورع: التَّـقْوَى، والتَّحَرُّج، والكَفُّ عن المحارِم. من وَرِعَ الرَّجُلُ، كوَرِثَ، والورِع، بكسر الرَّاءِ: الرجلُ التَّقِي المتَحَرِّج، والورَعُ في الأصل: الكَفُّ عن المحارِم والتحَرُّج منه، ثم اسْتعِير للكفِّ عن المباح والحلالِ .

وَرَّعَ بينهما : حجَزَ .
و وَرَّعَ فلاناً عن الشيء : كَفَّه .
وفي حديث عمر : حديث شريف وَرِّعْ عنِّي في الدِّرهم والدرهمين //.
أَي كُفَّ عنِّي الخصومَ .
بأَن تقضيَ بينهم وتنوبَ عنِّي في ذلك .
و وَرَّعَ الإِبلَ عن الماء : رَدَّها .
و وَرَّعَ الفارِسُ الفرسَ : حَبَسَه بلجامه .
ويقال : ما وَرَّع أَن فَعَلَ كذا : أَي ما كذَّب .

 

 

الورع اصطلاحًا:

الورع: هو اجتناب الشبهات؛ خوفًا من الوقوع في المحرمات

وعرفه القرافي بقوله: (ترك ما لا بأس به؛ حذرًا مما به البأس)

وقال الكفوي: (الورع: الاجتناب عن الشبهات سواء كان تحصيلًا أو غير تحصيل) .

 

فريضة طلب الحلال من بين سائر الفرائض، أعصاها على العقول فهماً، وأثقلها على الجوارح فعلاً، ولذلك اندرست بالكلية علماً وعملاً، وصار غموض علمها سبباً لاندارس العمل بها، قال تعالى: ياأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51]. أمر بالأكل من الطيبات قبل العمل.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كن ورعاً تكن أعبد الناس)). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع))، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة، هو الورع). وقال إبراهيم بن أدهم: ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل جوفه.

وعن معاوية بن قرة: دخلت على الحسن وهو متكئ على سريره، فقلت: يأبا سعيد: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة في جوف الليل والناس نيام. قلت: فأي الصوم أفضل؟ قال: في يوم صائف. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمناً. قلت: فما تقول في الورع؟ قال: ذاك رأس الأمر كله.

إذا علم ذلك أيها الأحبة، فما هو الورع الذي هو رأس الأمر كله. قيل في تعريفه: هو النظر في المطعم واللباس، وترك ما به بأس، وقيل: تجنب الشبهات ومراقبة الخطرات. وقيل: هو ترك ما لا بأس به حذاراً مما به بأس.

وقال ابن القيم رحمه الله: الورع: هو ترك ما يخشى ضرره في الآخرة.

يا أهل الإيمان يا من تؤمنون بالله وبلقائه استمعوا إلى هذا الحديث النبوي وفتش عن هذه الصفات في نفسك وحاسب نفسك ….. عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمه))، فأبشر ثم أبشر يا من تتورع عن الشبهات والحرام، فوالله ما فاتك ما يجمعون من الحرام، والله هو الموعد وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26].

عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة)).

وهذه بشارة ثانية عظيمة جد عظيمة يعقلها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، عن أبي قتادة وأبي الدهماء رضي الله عنهما قالا: أتينا على رجل من أهل البادية فقلنا: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً؟ قال: نعم سمعته يقول: ((إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل. إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه)). وفي رواية: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله تبارك وتعالى وقال: ((إنك لن تدع شيئاً اتقاء لله عز وجل، إلا أعطاك الله خيراً منه)).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اشترى رجل من رجل عقاراً له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض ولم ابتع منك الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا)).

وتأمل يا رعاك الله وحفظك في العقوبة العظيمة لمن ترك الورع ويا لها من عقوبة يستشعرها من في قلبه حياة وما لجرح بميت إيلام. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ياأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيّبَاتِ وَاعْمَلُواْ صَالِحاً إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51]. وقال: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام و ملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟)) أي كيف يستجاب له.

رحماك يا رب رحماك، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك.

وهذه بشارة عظيمة وكرامة نفيسة لمن صبروا قليلاً واستراحوا طويلاً رضي الله عنهم وأرضاهم ولمن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين. فاللهم اسلك بنا سبيلهم واحشرنا في زمرتهم.

عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده: ((طوبى للغرباء. فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: أناس صالحون، في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم)).

قال: وكنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً آخر حين طلعت الشمس، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيأتي أناس من أمتي يوم القيامة نورهم كضوء الشمس، قلنا من أولئك يا رسول الله؟ فقال: فقراء المهاجرين، والذين تتقى بهم المكاره، يموت أحدهم وحاجته في صدره، يحشرون من أقطار الأرض)).

أيها المسلمون: ولله در ذلك المسؤول الذي أحسبه -والله حسيبه- من أولئك الورعين الغرباء الممدوحين المغبوطين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. الذي لا يرضى من موظفيه والعمال التابعين لإدارته أن يوصلوا الماء الحلو إلى بيته ذلك أنه لا يرضى أبدا باستخدام السيارة في غير العمل والدوام.

وعلى العموم فابك على الورع وأهله، فإننا نرى اليوم أمراً مهولاً مخيفاً من شدة الجرأة، والحرص على الحرام واستمرائه، بل والشبع منه فويل لهم مما يكسبون.

عن طريف أبي تميمة قال: شهدت صفوان وجندباً وأصحابه هو يوصيهم فقالوا: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً؟ قال سمعته يقول: ((من سمع سمع الله به يوم القيامة)) قال: ((ومن شاق شق الله عليه يوم القيامة)) فقالوا: أوصنا: فقال: ((إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع ألا يأكل إلا طيباً فليفعل)).

وإليك نماذج سريعة تطبيقية من حال سيد الورعين صلى الله عليه وسلم ومن حياة صاحبيه رضي الله عنهما.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الحسن بن علي رضي الله عنهما: أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية: ((كخ كخ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة)).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأنقلب على أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي ثم أرفعها لآكلها. ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها)).

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان لأبي بكر غلام يخرج به الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أنني خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه. فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه). الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. إنه الصديق وكفى.

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف في أربعة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة. فقيل له: هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟ فقال: إنما هاجر به أبواه، يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه. فلله دره ورضي الله عن أبا حفص وأرضاه وما كان أشد ورعه عن مال المسلمين.

ويحضرني ذلك الموقف العجيب عندما ما حمل لعمر الفاروق في المدينة إيوان كسرى.

فمن يجاري أبا حفص وسيرته…أمن يحاول للفاروق تشبيها

إذا اشتهت زوجته الحلوى فقال لها …من أين لي ثمن الحلوى فأشريها

ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به…أولى فقومي لبيت المال رديها

وهذه نماذج عطرة من كلمات وأفعال من أعلى الله منارهم ورفع ذكرهم ونشر علمهم من حملة ميراث النبوة من علماء السلف الصادقين الورعين.

قال سفيان الثوري رحمه الله: عليك بالورع يخفف الله حسابك، ودع ما يريبك إلى ما يريبك، وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك.

وعن قتيبة بن سعيد قال: لولا سفيان لمات الورع.

قال حبيب: (يعني ابن أبي ثابت رحمه الله): لا يعجبكم كثرة صلاة امرئ ولا صيامه، ولكن انظروا إلى ورعه، فإن كان ورعاً مع lما رزقه الله من العبادة فهو عبد لله حقاً.

وقال أبو حامد الغزالي: "لن يعدم المتورع عن الحرام فتوحاً من الحلال".

وعن طاووس رحمه الله تعالى أنه قال: "مثل الإسلام كمثل شجرة، فأصلها الشهادة، وساقها كذا وكذا، وورقها كذا ـ ( شيء سماه ) وثمرها الورع، لا خير في شجرة لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع له".

قال الحسن البصري رحمه الله: "أفضل العلم الورع والتوكل".

قال الحسن بن عرفة: "قال لي ابن المبارك: استعرت قلماً بأرض الشام. فذهبت على أن أرده، فلما قدمت مرو، نظرت فإذا هو معي فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه".

قال أبو بكر المروزي: "سمعت أبا عبدالله ـ أحمد بن حنبل ـ وذكر ورع ابن المبارك فقال: إنما رفعه الله بمثل هذا".

فالله الله بالتمسك بأخلاق هؤلاء فإنما هي أيام قلائل فلا تغتر بكثر الهالكين. فإنك اليوم تسمع أخباراً مؤلمة مخيفة عن ضياع الأمانة وكثرة الخونة الذي يرتعون في أموال المسلمين دون حسيب ولا رقيب، فإلي الله وحده المشتكى، والله الموعد، وإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، وحسبك وصف القرآن والسنة لهؤلاء بالخيانة والسرقة، وعند الله تجتمع الخصوم.

فعليك يا أخي الحبيب بالصبر والمصابرة وسؤال أهل العلم عما أشكل، وضع نصب عينيك هذا الحديث العظيم الذي هو أصل من أصول الدين.

عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله. ألا وهي القلب)).

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس: اتقوا الله وأجملوا في الطلب. فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها. وإن أبطأ عنها. فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم)).

الأحد، 3 مايو 2015

رأس الفلاح وأس النجاح* الدعاء *


 

رأس الفلاح وأس النجاح* الدعاء *

-----------------------

اعلم يا أخي أن الله جعل من الدعاء عبادة وقربى، أمر عباده المؤمنين بالتوجه إليه لينالوا عنده منزلة رفيعة وزلفى، أمر بالدعاء وجعله وسيلة الرجاء، فكل من خلقه يفزع في حاجته إليه ويعول عند الحوادث والكوارث عليه.

شأن الدعاء عظيم وحقيقته إظهار الافتقار إلى الرب الجليل والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله، وإضافة الجود والكرم إليه قال عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [غافر:60]. وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]. أية رقة وأي انعطاف، وأية شفافية وأي إيناس فوق هذا، ألفاظ رفافة شفافة تنير، آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة والود المؤنس والرضا المطمئن والثقة واليقين، يعيش منها المؤمن في جناب رضى وقربى ندية وملاذ أمين وقرار مكين وهو يدعو ملك الملوك الذي لا مثل له ولا نظير، ولو لم يكن في الدعاء إلا رقة القلب لكفى، قال تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَاكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ [الأنعام:43]. ولو لم يكن في فضله إلا هذه الآية لكفى قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ [الفرقان:77].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل العبادة الدعاء)) فالدعاء تذلل وخضوع وإخبات وانطراح على سدة الكريم قال صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة)) قال الخطابي: "معناه، أنه معظم العبادة، أو أفضل العبادة" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء)) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام)) فأضعف الناس رأياً وأدناهم همة وأعماهم بصيرة من عجز عن الدعاء، ذلك أن الدعاء لا يضره أبداً بل ينفعه، وبالدعاء تكبر النفس وتشرف وتعلو الهمة وتتسامى، ذلك أن الداعي يأوي إلى ركن شديد، ينزل به حاجته ويستعين به في كافة أموره، وبهذا يقطع الطمع مما في أيدي الخلق فيتخلص من أسرهم ويتحرر من رقهم ويسلم من منتهم، فالمنة تصدع قناة العزة وتنال نيلها الهمة وبالدعاء يسلم من ذلك كله، فيظل مهيب الجناح موفور الكرامة وهذا رأس الفلاح وأس النجاح، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وكلما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته لقضاء حاجته ودفع ضرورته قويت عبوديته له وحريته مما سواه، فكما أن طمعه في المخلوق يوجب عبوديته له فيأسه منه يوجب عنى قلبه عنه".

وثمرة الدعاء مضمونه بإذن الله، فإذا أتى الداعي بشرائط الإجابة فإنه سيحصل على الخير وسينال نصيباً وافراً من ثمرات الدعاء ولا بد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مؤمن ينصب وجهه إلى الله يسأل مسألة إلا أعطاه إياها، إما عجلها له في الدنيا وإما يدخرها له في الآخرة ما لم يعجل، قالوا: يا رسول الله وما عجلته؟ قال: يقول: دعوت دعوت، ولا أراه يستجاب لي)) قال ابن حجر رحمه الله:" كل داع يستجاب له لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه "

وسارية لم تسر في الأرض تبتغي…محلاً ولم يقطع بها البيد قاطع

سرت حيث لم تسر الركاب ولم تنخ…لورد ولم يقصر لها القيد مانع

تحل وراء الليل والليل ساقط…بأوراقه فيه سمير وهاجع

تفتح أبواب السماء ودونها…إذا قرع الأبواب منهن قارع

إذا أوفدت لم يردد الله وفدها…على أهلها والله راء وسامع

وإني لأرجو الله حتى كأنني…أرى بجميل الظن ما الله صانع

ومن الآداب المهمة في الدعاء الجزم فيه واليقين على الله بالإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)).

قال يحيى بن معاذ رحمه الله: من جمع الله قلبه في الدعاء لم يرده .

قال ابن القيم رحمه الله: "قلت: إذا اجتمع عليه قلبه وصدقت ضرورته وفاقته وقوي رجاؤه فلا يكاد يرد دعاؤه". وصدق رحمه الله أليس أرحم الراحمين هو القائل: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاء الأرْضِ أَءلَاهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].

قال صلى الله عليه وسلم: ((إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين)) الله أكبر، فما نعدم والله خيراً من رب حيي كريم بل الخير كل بيديه لا تأتي ذرة من الخير فما فوقها إلا بإذنه وفضله وعلمه، وهو الذي بيده خزائن السماوات والأرض فسبحان من عظم جوده وكرمه أن يحيط به الخلائق، فارفع يديك يا عبد الله آناء الليل وأطراف النهار، والزم قرع باب الملك الوهاب، فما خاب والله من أمله، وما خاب من أنزل به حوائجه وصدق في الطلب وألح في السؤال، وتمسكن بين يديه وأظهر فقرك وحاجتك إلى ربك، فباب الذل والانكسار أوسع الأبواب، ولا مزاحم فيه وهو ثمرة العبودية، فلله ما أحلى قول العبد وهو يناجي سيده بذل وانكسار وحاجة وفقر: اللهم إني أسألك بعزك وذلي إليك إلا رحمتني، يا من لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، هذه ناصيتي الخاطئة الكاذبة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي سيد سواك، أدعوك دعاء الخائف الضرير، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، أدعوك دعاء من ذلت لك رقبته ورغم لك أنفه وفاضت لك عيناه، اللهم ارحم من لا راحم له سواك، ولا مؤوي له سواك، ولا مغيث له سواك، فما الظن يا عباد الله بمن هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها.

إذا انكسر العبد بين يديه وبكى وتذلل وأشهد الله فقره إلى ربه في كل ذراته الظاهرة والباطنة عندها فليبشر بنفحات ونفحات من فضل الله ورحمته وجوده وكرمه.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك إنك ربي سميع مجيب.

أيها الناس: الدعاء من صفات عباد الله المتقين قال جل شأنه عن أنبيائه عليهم السلام: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ [الأنبياء:90].

وقال عن عباد الرحمن الصادقين: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْواجِنَا وَذُرّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74].

ولا تنس أخي المسلم أمرين مهمين هما من شروط إجابة الدعاء:

أولهما: إطابة المأكل، قال تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]. وكما في الحديث الذي رواه مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)).

والأمر الثاني: هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا من أعظم أسباب إجابة الدعاء لأنه من أعظم الأعمال الصالحة ولأن تركه موجب لرد الدعاء وعدم الإجابة، فعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرن ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه فتدعونه فلا يستجاب لكم)).

فيا للهول إنه بقدر حبك لله وغيرتك على شرعه وغضبك لمحارمه إذا انتهكت بقدر قبوله لك ورضاه عنك وإجابته لدعوتك.

سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجلت أيها المصلي)) ثم علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادع تجب، وسل تعط)).

فمن الآداب المهمة في الدعاء أن يبدأ بالثناء على الله وتمجيده ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم داعياً ربك بأسمائه الحسنى فما أقرب الإجابة ممن اتبع هذه الآداب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى لله عليه وسلم).

قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: "من أراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يرد بينهما".

إن أمة الإسلام اليوم في كرب شديد وضائقة عظيمة وشدة كبيرة تمر بأصعب مراحلها وأشق أيامها تكالبت عليها الأمم وتداعت عليها الدول وتآمر عليها الأعداء، تزرع لأبنائها الشهوات وتصدر لهم الشبهات وتقدم لهم المغريات، أجمعوا كيدهم وأمرهم عليها، إن الكرب في ازدياد والخطر في اشتعال والمكر في اجتهاد، وليس لها من دون الله كاشفة، وإن من أمضى الأسلحة وأقوى الأسباب الدفاع وأحدّ السيوف الفتك هو الدعاء، فليس لنا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه، فيجب علينا كثرة الدعاء واللجوء إلى الله تعالى مع البعد عن موانع الإجابة.

ولنعلم أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وإذا كان الله معنا فلو اجتمعت أمم الأرض بأمضى أسلحتها وأحدث آلاتها فإن النصر حليفنا والتوفيق نصيبنا إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِى يَنصُرُكُم مّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160].

إن أمة الإسلام اليوم في حالة الاضطرار ولا يجيب المضطر إلا الله جل وعلا ويا عجباً لهذه الأمة ألم يأن لها أن تخشع وتدع التنكر لأسباب نصرها وأسرار عزها ودروب مجدها!!

لقد جربت النصرة من عند غير الله واللجوء إلى سوى الله فلم تزدد إلا ذلاً، ولم تقطف إلا نكداً، ولم تشرب إلا علقماً، فهل آن لها أن تلجأ إلى حصن حصين وركن شديد فتجني ثمار العزة وتتذوق حلاوة النصر وتتربع على عرش الدنيا، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

إذا علم ذلك فإن الدعاء سبب للثبات والنصر على الأعداء قال تعالى عن طالوت وجنوده لما برزوا لجالوت وجنوده قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:250]. فماذا كانت النتيجة فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ [البقرة:251].

واقرؤوا تاريخ الأمة المجيد لتروا العجب العجاب من أثر الدعاء وأنه سبب رئيس للنصر والتمكين، فعله صلى الله عليه وسلم ليلة معركة بدر، ترى ذلك في قيامه وتضرعه وابتهاله إلى ربه، وهو أمر معروف مشهور.

وهذا العلاء الحضرمي رضي الله عنه يدعو ربه فيسير بجيش المسلمين بأكمله على صفحة الماء، ولما عطشوا ولم يجدوا ماءً لوضوئهم دعا ربه فهطلت السماء كأفواه القرب ثم دعا ربه النصر للمسلمين وأن يخفي عليهم مكان قبره واستجاب الله لدعائه فرضي الله عنه وأرضاه.

وهذا البراء بن مالك يسأل ربه النصر للمسلمين ولنفسه الشهادة وكان مجاب الدعوة فيستجيب الله له "لقي البراء المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا له: يا براء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنك لو أقسمت على الله لأبرك)) فأقسم على ربك، قال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك، فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيداً ".

وفي يوم نهاوند قال النعمان بن مقرن رضي الله عنه: (اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام وذل يذل به الكفار ثم اقبضني إليك بعد ذلك على الشهادة قال: أمّنوا رحمكم الله قال جبير: فأمّنا وبكينا ثم حمل فكان أول صريع).

فرحمك الله ورضي عنك من قائد جيش، وهذا باب يطول استقصاؤه. فما أشد حاجة الأمة اليوم إلى الدعاء خاصة للمجاهدين المرابطين على الثغور .... ففي فلسطين الجريحة وحول الأقصى السليب يواجه أبناء المسلمين عدواً شرساً حقوداً تمده حبائل الغرب الصليبي الحاقد بكل ما يريد من عتاد وسلاح.

وفي الأيام القادمة بالذات ربما والعلم عند الله أن تكون من أشد الأوقات والأيام عليهم، فالله الله أن تلحوا بالدعاء وتتحروا أوقات الإجابة بالدعاء لهم والدعاء على عدوهم، فشأن الدعاء عجيب وعظيم، وهذا أقل ما نقدمه لإخواننا أن نواسيهم بدعائنا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

...

مطلب يستحق المنافسة أفق تستحق السباق وغاية تستحق الغلاب


 

 

مطلب يستحق المنافسة أفق تستحق السباق وغاية تستحق الغلاب

-----------------------

قال تعالى: وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]. مطلب يستحق المنافسة، أفق تستحق السباق، وغاية تستحق الغلاب، الذين يتنافسون في شيء من أشياء الأرض، مهما كبر وجل وارتفع وعظم، إنما يتنافسون في شيء حقير فان قريب، والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة هزيلة زهيدة، فهون من شأنها وارفع نفسك عنها..... لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر، ليس السباق إلى إحراز اللهو واللعب والتفاخر والتكاثر بسباق يليق بمن شبوا على الطوق، وتركوا عالم اللهو واللعب للأطفال والصغار، فما السباق إلى ذلك الأفق، وإلى ذلك الهدف، وإنما إلى ذلك الملك العريض، إلى جنة عرضها كعرض السماء والأرض.

إن الحياة للأرض حياة تليق بالديدان والزواحف، والحشرات الهوام والوحوش والأنعام، وأما الحياة الآخرة فهي الحياة اللائقة بذلك الإنسان الكريم على الله، الذي خلقه فسواه وأودع روحه الإيمان الذي ينزع به إلى السماء، وإن استقرت على الأرض قدماه، من شاء التفاوت الحق والتفاضل الضخم فهناك في الآخرة، هنالك في الرفعة الفسيحة، والآماد المتطاولة التي لا يعلم حدودها إلا الله، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، لا في متاع الدنيا القليل الهزيل.

الآخرة ثقيلة في ميزان الله: التنافس في أمر الآخرة يرتفع بأرواح المتنافسين جميعاً، بينما التنافس إلى أمر الدنيا ينحط بهم جميعاً، التنافس في الآخرة يرفع الأرواح إلى آفاق أرفع وأطهر من المستنقع الآسن، إن مستوى النعيم في هذه الدنيا معروف، ومستوى النعيم هناك يليق بالخلود، أين مجال من مجال، وأين غاية من غاية.

ألا إن السباق هناك: فهلم إلى الدخول على الله ومجاورته في دار السلام، بلا نصب ولا تعب ولا عناد، بل من أقرب الطرق وأسهلها، ذلك أنك في وقت بين وقتين، هو في الحقيقة عمرك، وهو وقتك الحاضر بين ماضي ومستقبل، فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم، وهو عمل قلب، وما يستقبل تصلحه بالعزم والتوبة، إن مفاوز الدنيا بالأقدام ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب.

أخي: إياك أن تكون ممن قال فيهم يحيى بن معاذ الرازي: عمل لسراب قلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب، ثم تطمع في الكواعب الأتراب، هيهات، أنت سكران بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلّك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو خالفت هواك يا هذا، لقد أعظمت المهر وأسأت الخطبة.

إنها الجنة، التي دندن حولها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. إنها الجنة بأنفاسها الرضية الندية، تتجلى عليها طلعة الرحمن الجلية البهية.

إخواني: وقد آثرت أن أذكر نماذج من علو همة السلف في طلب الجنة، إنها الجنة التي اشتاق إليها الصالحون من هذه الأمة:

فهذا عمير بن الحمام: الصحابي الجليل، في يوم بدر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض! يقول عمير: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟)) قال: نعم، قال: بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يحملك على قول: بخ بخ؟)) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال: ((فإنك من أهلها))، قال: فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى ما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل رحمه الله.

وذكر ابن جرير أن عميراً قاتل وهو يقول رضي الله عنه:

ركضاً إلى الله بغير زاد …إلا التقى وعمل المعاد

هذا سيد بني سلمة -عمرو بن الجموح- رضي الله عنه لما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قوموا إلى الجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)) فقام وهو أعرج، فقال: والله لأقحزن عليها في الجنة، فقاتل حتى قتل.

إنها الجنة: فسلوا عنها السيد الشهيد جعفر الطيار رضي الله عنه: الذي قال شوقاً إليها في يوم مؤتة:

يا حبذا الجنة واقترابها ……طيبة وبارد شرابها

إنها الجنة: التي غرس غراسها الرحمن بيده، فرحم الله أقواماً عظموا من غرسها وقدروا قدر الغرس في الحديث الصحيح: ((قال: يا رب أخبرني بأعلاهم منزلة، قال: أولئك الذين أردت وسوف أخبرك، غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر))، فقد أخبر أنه غرس جنتهم بيده سبحانه.

إنها الجنة: التي لا يسأل بوجه الله العظيم غيرها لكرامتها على الله إنها الجنة، فسلوا عنها أنس بن النضر رضي الله عنه يقول لسعد بن معاذ: (واهاً لريح الجنة .. أجده دون أحد).

في أسد الغابة: (أي سعد، هذه الجنة ورب أنس، أجد ريحها دون أُحد).

إيهٍ يا ابن النضر، طال شوقكم إلى الجنة، وطهرت منكم الأقوال والأعمال والأجساد، فشممتم عبير الجنة، ونحن زكمت أنوفنا بالمعاصي والآثام بجيف الدنيا فلم تجد الجنة فيها موضعاً.

إنها الجنة: دار كرامة الرحمن، فهل من مشمر لها، إنها الجنة: فاعمل لها بقدر مقامك فيها، إنها الجنة فاعمل لها بقدر شوقك إليها، يقول ابن القيم رحمه الله: لما علم الموفقون ما خلقوا له وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤوسهم، فإذا علم الجنة قد رفع فشمروا إليه، وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه، ورأوا من أعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، في أبد لا يزول ولا ينفد بصبابة عيش، إنما هو كأضغاث أحلام: أو كطيف زار في المنام، مشوب بأنغاص ممزوج بالغصص، إن أضحك قليلاً أبكى كثيراً، وإن أسر يوماً أحزن شهوراً، آلامه تزيد على لذاته، وأحزانه أضعاف مسراته، فيا عجباً من سفيه في صورة حليم، ومعتوه في مسلاخ عاقل، آثر الحظ الفاني على الحظ الباقي النفيس، وباع جنة عرضها الأرض والسماوات بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات، ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار، وأبكاراً عرباً أتراباً كأنهن الياقوت والمرجان بقذرات دنسات سيئات الأخلاق مسافحات أو متخذات أخدان، وحوراً مقصورات في الخيام بخبيثات سيبات بين الأنام، وأنهاراً من خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل، مفسد للدنيا والدين، ولذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم، بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم، وسماع الخطاب من الرحمان بسماع المعازف والغناء والألحان، والجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت والزبرجد يوم المزيد بجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد، ونداء المنادي: يا أهل الجنة، إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا: وتحيوا فلا تموتوا، وتقيموا فلا تظعنوا، و تشبوا ولا تهرموا، وإنما يظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة، وإنما يتبين سفه بايعه يوم الحسرة والندامة، إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفداً وسيق المجرمون إلى جهنم ورداً، ونادى المنادي على رؤوس الأشهاد ليعلمن أهل الموقف من أولى بالكرم من بين العباد، فلو توهم المتخلف عن الرفقة ما أعد الله لهم من الإكرام وادخر لهم من الفضل والإنعام ما أخفى لهم من قرة أعين لم يقع على مثلها بصر ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر ليعلم أي بضاعة أضاع، وأنه لا خير له في حياته وهو مغرور من سقط المتاع، وعلم أن القوم قد توسطوا ملكاً كبيراً لا تعتريه الآفات لا يلحقه الزوال، وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال، فهم في روضات الجنات يتقلبون، وعلى أسرتها تحت الحجال يجلسون، وعلى الفرش التي بطائنها من إستبرق يتكئون، وبالحور العين يتنعمون، وبأنواع الثمار يتفكهون وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ [الطور:24]. يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الاْنْفُسُ وَتَلَذُّ الاْعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71].

تالله لقد نودي عليها في الكساد، فما قلّب ولا استام إلا أفراد من العباد، فوا عجباً لها كيف نام طالبها؟ وكيف لم يسمع بمهرها خاطبها؟ وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها؟ وكيف قر للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها؟ وكيف قرت دونها أعين المشتاقين؟ وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين؟ وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين؟ وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة().

وفي الصحيح أن الله عز وجل يقول لآدم عليه السلام: ((يا آدم اذهب فأخرج بعث ذريتك إلى النار، فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين)).

يا سلعة الرحمن، هل ينالك في علاك إلا كل عالي الهمة غير مخلد إلى الأرض والحطام الفاني:

يا سلعة الرحمن لست رخيصة……بل أنت غالية على الكسلان

يا سلعة الرحمن ليس ينالها…في الألف إلى واحد لا اثنان

يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها…إلا أولو التقوى مع الإيمان

يا سلعة الرحمن سوقك كاسد……بين الأراذل سفلة الحيوان

يا سلعة الرحمن أين المشتري…فلقد عرضت بأيسر الأثمان

يا سلعة الرحمن هل من خاطب…فالمهر قبل الموت ذوو إمكان

يا سلعة الرحمن كيف تصبر……الخطاب عنك وهم ذوو إيمان

يا سلعة الرحمن لولا أنها……حجبت بكل مكاره الإنسان

ما كان عنها قط من متخلف……وتعطلت دار الجزاء الثاني

لكنها حجبت بكل كريهة……ليصد عنها المبطل المتواني

وتنالها الهمم التي تسمو إلى……رب العلى بمشيئة الرحمن

اتعب ليوم معادك الأدنى تجد ……راحاته يوم المعاد الثاني

إنها الجنة: لله قوم نهضت بهم عز الهمم نحو الجنة فساروا إليها مدلجين لم ينزلوا بشيء من منازل الطريق مستريحين، ولكنهم واصلوا السير إلى غايتهم معرضين عن هذا الخزف الخسيس، مؤثرين عليه الذهب النفيس، ساروا إليها تحدوهم أشواقهم قاصدين إليها غير متعثرين ولا معوجين ولا متخلفين حتى وصلوا إلى غايتهم سالمين، ما ضرهم في الدنيا ما أصابهم، جبر الله لهم بالجنة كل مصيبة.

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعلم خير آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة، رجلاً يخرج من النار حبواً، فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملآى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملآى، فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا عشرة أمثالها، فيقول: أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، فكان يقول: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة)) [متفق عليه].

إنها الجنة: دار الموقنين بوعد الله

تسعى بهم أعمالهم سوقاً إلى ……الدارين سوق الخيل بالركبان

صبروا قليلاً فاستراحوا……دائماً يا عزة التوفيق للإنسان

حمدوا التقى عند الممات كذا السرى …عند الصباح فحبذا الحمدان

وحدت بهم عزماتهم نحو العلا ……وسروا فما نزلوا إلى نعمان

باعوا الذي يفنى من الخزف الخسيس ……بدائم من خالص القيعان

رفعت لهم في السير أعلام ……السعادة والهدى يا ذلة الحيران

فتسابق الأقوام وابتدروا لها ……كتسابق الفرسان يوم رهان

وأخو الهوينة في الديار مخلف ……مع شكله يا خيبة الكسلان

إنها الجنة فسلوا عنها الصحابي الجليل حرام بن ملحان رضي الله عنه:

عن أنس بن مالك قال: لما طعن حرام بن ملحان – وكان خال أنس بن مالك – قال: (فزت ورب الكعبة) [رواه البخاري]. وفي رواية أنه نثر الدم على رأسه وقال: (فزت ورب الكعبة).

إنها الجنة: فسلوا عنها الصحابي الجليل عامربن فهيرة التميمي.

لما طعن جبر بن سلمى عامر بن فهيرة يوم بئر معونة، فقال عامر: (فزت ورب الكعبة، ورفع من رمحه فلم توجد جثته، فأسلم جبار لذلك وحسن إسلامه).

قال الزهري: (بلغني أنهم التمسوا جسد عامر بن فهيرة فلم يقدروا عليه) أي لم يجدوا له أثراً.

إنها الجنة: فسلوا عنها سعد بن خيثمة بن الحارث رضي الله عنه:

استهم يوم بدر خيثمة بن الحارث وابنه سعد، فخرج لهم سعد، فقال له أبوه: يا بني آثرني اليوم فقال له سعد: يا أبت لو كان غير الجنة فعلت فخرج سعد إلى بدر فقتل فيها، ومازال أبوه خيثمة يتطلع إلى الجنة حتى كان يوم أحد، فقتل يوم أحد.

إنها الجنة: فسلوا عنها عبد الله بن غالب رحمه الله:

رآه مالك بن دينار في إحدى المعارك وسمعه يقول وقد تلاحمت الصفوف إني أرى ما ليس عليه صبر.... روحوا بنا إلى الجنة ..ثم كسر جفن سيفه وتقدم فقاتل حتى قتل.

إنها الجنة: فيها جوار الرحمن وأنبيائه:

لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]. انظر إلى من كملت من النساء، آسية تقول: رَبّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ [التحريم:11]. قبل الدار طلبت الجار.

قالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز: البخيل كل البخيل من تبخل عن نفسه بالجنة.

وقال رجل لابن سماك عظني فقال: احذر أن تقدم على الجنة عرضها السماوات والأرض وليس لك فيها موضع قدم، ولنا إن شاء الله مع الحور العين وقفة، وكذلك مع أعظم ثواب أهل الجنة وهو يوم المزيد والتمتع برؤية العزيز الحميد الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.