الثلاثاء، 5 مايو 2015
إفشاء السلام شعار أهل الإسلام
إفشاء السلام شعار أهل الإسلام
-----------------------
قال تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ اله إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ اله إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىء الْمُصَوّرُ لَهُ الاْسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:22-24].
قال ابن حجر رحمه الله (السلام من أسماء الله تعالى فقد جاء في حديث التشهد: ((فإن الله هو السلام)) وكذا في الآيات السابقة، ومعنى السلام: سالم من النقائص، وقيل: المسلم لعباده، وقيل المسلم على أوليائه.
قال ابن منظور: والسلام الله عز وجل، اسم من أسمائه لسلامته من النقص والفناء، وقيل معناه: أنه سلم مما يلحق الغير من آفات الغير الفناء، وأنه الباقي الدائم الذي تفنى الخلق ولا يفنى وهو على كل شيء قدير.
قال ابن حجر رحمه الله: "إفشاء السلام المراد نشره سراً أو جهراً وهو: نشر السلام بين الناس ليحيوا سنته صلى الله عليه وسلم".
صيغ السلام: هي أن يقال: السلام عليكم، وسلام عليكم، هذا إذا كان السلام لمن لقيك من المسلمين، فإن كان المرء مسلماً على الأموات فليقل: السلام على أهل الديار من المؤمنين، فإذا كان السلام موجهاً إلى من يرجى إسلامه، فإن صيغته هي: السلام على من اتبع الهدى.
فائدة (السلام في القرآن الكريم):
ذكر بعض المفسرين أن السلام في القرآن الكريم على أوجه:
أحدها: اسم من أسماء الله عز وجل ومنه قوله تعالى في سورة الحشر: الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ [الحشر:23].
والثاني: التحية المعروفة، ومنه قوله تعالى: فَسَلّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ [النور:61].
الثالث: السلامة من كل شر، ومنه قوله تعالى في سورة الواقعة: فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ [المعارج:91].
والرابع: الخير، ومنه قوله تعالى في سورة القدر: سَلَامٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:5]. قال ابن قتيبة: خير هي.
والخامس :الثناء الجميل، ومنه قوله تعالى في الصافات: سَلَامٌ عَلَى إِبْراهِيمَ [الصافات:109].
السادس: الجنة، ومنه قوله تعالى: لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبّهِمْ [الأنعام:127].
وتأملوا - أيها الأخوة الأعزاء- دينكم الحق، تأملوا هذه الأحاديث النبوية العظيمة التي تحث على إفشاء السلام، جعلنا الله وإياكم من أتباعه صلى الله عليه وسلم ومن المعظمين لسنته إنه جواد كريم.
عن جابر بن سليم رضي الله عنه قال: رأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه ولا يقول شيئاً إلا صدروا عنه، قلت: من هذا ؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: عليك السلام يا رسول الله – مرتين-، قال: ((لا تقل: عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك، قلت: أنت رسول الله ؟ قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر دعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفراء، أو فلاة، فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك.
قلت: اعهد إلي، قال: لا تسبن أحداً قال: فما سببت بعده حراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة قال: لا تحقرن من المعروف وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه)) [أخرجه أبو داود وقال الألباني: صحيح].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة)) [رواه أبو داود واللفظ له والترمذي وقال الألباني: حسن صحيح].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه)) [رواه أبو داود وقال الألباني: صحيح].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعجز الناس من عجز في الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام)) [رواه الطبراني في الأوسط وقال المنذري في الترغيب: إسناده جيد قوي].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم)) [رواه البخاري ومسلم].
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار المقسم. ونهى عن الشرب في الفضة ونهى عن تختم الذهب، وعن ركوب المياثر وعن لبس الحرير والديباج والقسي والإستبرق) [رواه البخاري ومسلم].
المياثر: هي أغشية الروح تتخذ من حرير، القسي: هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس، وهو موضع من بلاد مصر...
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام))، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: ((تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)) [متفق عليه].
استمع يا عبد الله إلى هذا الفضل العظيم من فيض الكريم المنان يسوقه لك رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المؤمن إذا لقي المؤمن سلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر)).
عن ربعي قال: حدثنا رجل من بني عامر: أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: ((اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم أأدخل؟)) فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل. [رواه أبو داود وقال الألباني صحيح].
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه فأفشوه بينكم، فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم، فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم فإن لم يرد عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب)) [رواه الطبراني والبزار بأسانيد رجالها رجال الصحيح].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم )) [رواه مسلم].
عن أنس رضي الله أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله) [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) [البخاري ومسلم].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك، فصلوات ربي وسلامه عليك ما ترك خيراً إلا دلنا عليه)).
ومن الآداب والفوائد المتعلقة بالسلام.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير)) [البخاري ومسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير)) [البخاري ومسلم].
عن قتادة رضي الله عنه قال: قلت لأنس: (أكانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم).
وعن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا)) [أبو داود وقال الألباني: صحيح].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله الرجل من يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: ((لا، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا، قال: أيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال: نعم)) [رواه الترمذي وقال: حديث حسن].
فائدة عظيمة: عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام، ثم جلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عشر، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس فقال: عشرون، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه السلام فجلس فقال: ثلاثون)) [أبو داود والترمذي وقال الألباني: صحيح].
انظر رحمك الله إلى تعظيم السلف للسنة ومسارعتهم لتطبيقها رحمهم الله، أولئك أتباع النبي وحزبه ولو لا هم ما كان في الأرض مسلم.
عن سيار قال: كنت مع ثابت البناني فمر بصبيان فسلم عليهم، وحدث ثابت، أنه كان يمشي مع أنس فمر بصبيان فسلم عليهم، وحدث أنس أنه كان يمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بصبيان فسلم عليهم. [البخاري ومسلم].
وتأمل في هذا المشهد للصديق الأكبر أبو بكر رضي الله عنه: عن الأغر أغر مزينة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لي بجزء من ثمر عند رجل من الأنصار، فمطلني به فكلمت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اغد معه يا أبا بكر فخذ له ثمره)).
فوعدني أبو بكر المسجد إذا صلينا الصبح، فوجدته حيث وعدني فانطلقنا: فكلما رأى أبا بكر رجل من بعيد سلم عليه، فقال أبو بكر: أما ترى ما يصيب القوم عليك من الفضل لا يسبقك إلى السلام أحد، فكنا إذا طلع الرجل بادرناه بالسلام قبل أن يسلم علينا. [قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح].
قال عمر رضي الله عنه: ثلاث يصفين لك ود أخيك: (أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه).
ومن الفوائد المتعلقة بالسلام: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (يجزي عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزي عن الجلوس أن يرد أحدهم). وهو أثر صحيح عن علي رضي الله عنه، ومثله لا يقال بالرأي، وقد جاء مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحسّن إسناده الحافظ ابن حجر بطرقه.
عن أنس رضي الله عنه قال: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا) [رواه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح].
وبعد أيها المسلمون يفهم مما مضى ما يأتي:
السلام من أسماء الله تعالى وهو المسلم لعباده المسلم على أوليائه.
والجنة دار السلام فهي دار السلامة من الآفات.
والسلام أمان الله في الأرض، وهو تحية المؤمنين في الجنة وتحية أهل الإسلام في الدنيا وهو طريق المحبة والتعارف بين المسلمين.
والبخل بالسلام أشد من البخل بالمال وفي المداومة عليه تمييز للمسلمين وكيد لأعداء الدين.
السلام كما مر معنا يزيل العداوة وينهي الخصومة ويسل سخيمة الصدور، وكلما زادت كلمات السلام زادت حسناته، وقد انتهى ما علمنا صلى الله عليه وسلم في كلمات السلام إلى ((وبركاته))، إنك لتعجب من غفلة بعض المسلمين من هذه الفضائل العظيمة إذ يبدؤون فيما بينهم بغير السلام كمساء الخير، أهلاً ومرحباً ونحو ذلك، وهذه كلها لا بأس بها بعد السلام فالله الله في تعظيم شعائر الإسلام ذالِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32].
وليعلم يا عبد الله أن من أشراط الساعة التي أخبرنا بها نبينا صلى الله عليه وسلم أن يكون السلام للمعرفة فقط، وهذا خلاف ما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة)) [رواه أحمد وقال العلامة أحمد شاكر: إسناده صحيح]. وفي رواية له: ((إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة)).
وهذا أمر مشاهد في هذا الزمن، فكثير من الناس لا يسلمون إلا على من يعرفون، وهذا خلاف السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على إفشاء السلام على من عرفت ومن لمن تعرف. والله المستعان.
وأخيراً فلا تنس كثرة السلام على نبيك الكريم صلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أحد يسلم علي ّ إلا رد الله علي ّ روحي حتى أرد عليه السلام)) [رواه أبو داود واللفظ له، وأحمد في المسند وقال الألباني: حديث حسن].
فاللهم صل وسلم عليه تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
الاتباع
الاتباع
-----------------------
الاتباع في اللغة: مصدر اتبع الشيء وتبعه إذا سار في أثره.
جاء في معجم مقاييس اللغة:
(" تبع " التاء والباء والعين أصل واحد لا يشذ عنه من الباب شيء، وهو التلو والقفو. يقال تبعت فلانا إذا تلوته واتبعته. وأتبعته إذا لحقته والأصل واحد غير أنهم فرقوا بين القفو واللحوق فغيروا البناء أدنى تغيير، قال تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 85] {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 89] فهذا معناه على هذه القراءة اللحوق ومن أهل العربية من يجعل المعنى فيهما واحدا) . .
والتبع. . . . هو الظل، وهو تابع أبدا للشخص. . . والتبيع ولد البقرة إذا تبع أمه. . والتبع قوائم الدابة وسميت بذلك لأنه يتبع بعضها بعضا. والتبع النصير، لأنه يتبعه نصره. والتبيع الذي لك عليه مال، فأنت تتبعه.
وفي الحديث: «مطل الغنى ظلم، وإذا اتبع أحدكم على ملئ فليتبع» يقول: إذا أحيل عليه فليحتل .
جاء في لسان العرب:
(. . . وتبعت الشيء وأتبعته ردفته وأردفته
سيتركز الحديث إن شاء الله تعالى على معنى شهادة أن محمداً رسول الله؟ فما معنى هذه الشهادة التي هي شطر الركن الأول من أركان الإسلام الخمسة.
هذه الشهادة العظيمة التي سيسأل عنها العبد في قبره فيأتيه ملكان فيسألانه: من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟.
هي أيضاً سيسأل عنها العبد يوم القيامة يقول ابن القيم رحمه الله: "كلمتان يسأل عنها الأولون والآخرون (ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟)"، سؤال الشطر الأول هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وجواب الشطر الثاني هو تحقيق أن محمداً رسول الله.
وقد فسر هذه الشهادة بقول جامع فقال: "هي تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع" وتأمل في هذه العبارة تأملاً جيداً.
((تصديقه فيما أخبر)) أي تصديقه صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به من الغيوب كما مضى، ومما سيأتي مما يكون في الآخرة ومما يكون في هذه الدنيا من الملاحم والفتن ومن أشراط الساعة ومن نصر هذا الدين وأهله المتمسكين به وغير ذلك، فكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فلابد من تصديقه والإيمان به. والاعتقاد الجازم بأن ما قاله عليه الصلاة والسلم حق وصدق.
((وطاعته فيما أمر)) كل ما أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه واجب التفيذ، وإذا كان الأمر بالاستحباب فهو مشروع. فيجب على المسلم أن ينفذ ما كان واجباً وأن ينفذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويستجيب له أن يعمل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الاستحباب.
((واجتناب ما نهى عنه وزجر)): اجتناب المحرمات والمكروهات التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
((وأن لا يعبد الله إلا بما شرع)): فلا يخترع الإنسان عبادات يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى، وهي لم ينزل الله بها سلطاناً ولم يأت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها مع أنه عليه الصلاة والسلام كان قادراً على ذلك.
إن من أعظم معاني شهادة أن محمداً رسول الله اتباع سنته صلى الله عليه وسلم وعدم التقدم عليه بقول أي إنسان كان، قال الله تعالى: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]. وقال تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران:31]. ولذلك أطلقت على هذه الآية الكريمة آية المحبة يقول أبو سليمان الداراني: لما ادعت القلوب محبة الله عز وجل أنزل الله هذه الآية محنة (أي اختباراً وامتحاناً للقلوب).
وهذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية بأنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، والمراد بـ يحبكم الله أنه يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهذا أعظم من الأول إذ ليس الشأن أن تُحب إنما الشأن أن تحَب.
وقال تعالى: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1]. فيقف المسلم عند السنة إذا بلغته ولا يقدم قولاً ولا رأياً ولا هوى ولا مذهباً ولا أي قول كان من أي قائل مهما جل قدره ومهما ارتفعت منزلته على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا وعضوا عليها بالنواجذ…)) الحديث. فيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى صديق الأماني، عن قريب ستندم فقد دنا الوقت الذي ليس بعده سوى جنة تنتظر أو نار تضرم.
وبالسنة الغراء كن متمسكا……هي العروة الوثقى التي ليس تفصم
تمسك بها مسك البخيل بماله……وعض عليها بالنواجذ تسلم
ودع عنك ما قد أحدث الناس بعدها……فمرتع هاتيك الحوادث أوخم
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن الاتباع: هو أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه.
إذا أردت أن تعرف قدر الرجل، فانظر أين همته من الاتباع ومجانبة الابتداع، فلا يعد الرجل رجلاً إلا إذا خالط حب القرآن والسنة والعمل بهما لحمه ودمه وآثرها على ما سواهما.
فقد بعث قيوم السماوات والأرضين رسوله صلى الله عليه وسلم بالكتاب المبين والنور للأرواح.
تأمل يا أخي الحبيب هذه النصوص الواردة في الاتباع: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه (أي قرئ عليه) النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: ((أمتهوكون فيّ يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء، فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني)).
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال: ((هذا سبيل الله)) ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: ((هذه سبل)).
قال يزيد: متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ: وَأَنَّ هَاذَا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]. (رواه أحمد وهو حديث صحيح).
عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا، وسألنا عمن تركنا من أهلنا فأخبرناه وكان رقيقاً رحيماً. فقال: ((ارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم)) [البخاري ومسلم].
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الفقر ونتخوفه فقال: ((آلفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه، وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء)). قال أبو الدرداء: صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم: تركنا والله على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء. [رواه ابن ماجه وقال الألباني: حديث حسن].
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: رأيت النبي صلىالله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول: ((لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أصبح بعد حجتي هذه)) [رواه مسلم].
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفه) [رواه أبو داود وقال الحافظ: إسناده حسن].
عن ابن أبي مليكة قال: (كاد الخيران أن يهلكا: أبو بكر وعمر، لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم. وفد بني تميم أشار أحدهما بالأقرع بن حابس التميمي الحنظلي أخي بني مجاشع، وأشار الآخر بغيره، فقال أبو بكر لعمر: إنما أردت خلافي. فقال عمر ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [الحجرات:2-3]).
قال ابن أبي مليكة: قال ابن الزبير: (فكان عمر بعد إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث حدثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه) [البخاري].
كيف نتلقى خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ نتلقاه بالتعظيم مع الطاعة مع الحب، بالتعظيم فلا يستهان به، وبالطاعة فلا يعصى، وبالحب فلا يكره مؤمن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الأحبة: إليكم نماذج من الحب والتعظيم لأمره صلى الله عليه وسلم: يقول عروة بن مسعود رضي الله عنه قبل إسلامه: أي قوم والله قد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت مليكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمداً ..... إلى أن قال: إذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني اتخذت خاتماً من ذهب)) فنبذه وقال: ((إني لن ألبسه أبداً)) فنبذ الناس خواتيمهم. [رواه البخاري].
عن عبدالله بن مغفل رضي الله عنهما: أنه رأى رجلاًً يخذف. فقال له: لا تخذف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف أو كان يكره الخذف.
وقال: ((إنه لا يصاد به صيد، ولا ينكأ به عدو، ولكنها قد تكسر السن وتفقأ العين)).
ثم رآه بعد ذلك يخذف، فقال له: (أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف، لا أكلمك كذا وكذا) [البخاري ومسلم].
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن. فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، إنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذه المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف).
رحماك يا إلهي فما أكثر المتخلفين عن صلاة الجماعة، وهذا ميزان الصحابة بوصف المتخلف أنه منافق معلوم النفاق.
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد كانوا أفضل هذه الأمة: أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً. اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على أثرهم وسيرتهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم).
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: السنة، والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي: الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سننهم حتى لقوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا.
قال الزهري رحمه الله: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، والعلم يقبض قبضاً، فعيش العلم ثبات الدين والدنيا، وفي ذهاب العلم ذهاب ذلك كله.
فعلى كل مسلم استشعار الهداية في اتباعه صلى الله عليه وسلم وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ [النور:54]. وإن الضلال والشقاوة والفتنة في مخالفته صلى الله عليه وسلم فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]. من ابتغى الدواء والشفاء من غيره صلى الله عليه وسلم فهذا ميؤوس من دوائه وعلاجه فَبِأَىّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [المرسلات:50]. كل ما جاء عنه صلى الله فمحله في قلوبنا التعظيم والتوقير والحفاوة والخضوع والحب.
إن ما تعانيه الأمة اليوم من الذلة والضعف والهوان على الأمم هو جزاؤها جزاء وفاقاً. حينما استهانت بهديه صلى الله عليه وسلم إما بمعصيته أو الاستنكاف عن طاعته صلى الله عليه وسلم، ولذا تسهل أن يقودها شياطين الأرض إلى الطرق الضالة، فوقعت في مضلات الفتن وما ربك بظلام للعبيد.
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36].
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا……كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
وإن نحن أضللنا الطريق ولم نجده……دليلاً كفانا نور وجهك حاديا
الحمد
الحمد
-----------------------
الحمد لله الكبير المتعال الكريم المنان واسع الفضل والعطاء، الحمد لله على جزيل العطاء، مسدي النعماء وكاشف الضراء معطي السواء، الحمد لله أبداً سرمداً ولا نشرك معه أحداً تبارك فرداً صمداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولا شريك له ولا عضداً.
لنا مع الحمد وقفة:
وهو الحميد فكل حمد واقع ……أو كان مفروضاً مدى الأزمان
ملأ الوجود جميعه ونظيره ……من غير ما عد و لا حسبان
هو أهله سبحانه وبحمده ……كل المحامد وصف ذي الإحسان
هو سبحانه أهل الثناء والمجد، له الخلق والأمر، وله الملك والحمد، وله الدنيا والآخرة، وله النعمة والفضل، وله الثناء الحسن، له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، شملت قدرته كل شيء ووسعت رحمته كل شيء، كل يوم هو في شأن، يرفع أقواماً ويخفض آخرين، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، قال صلى الله عليه وسلم: ((أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد)).
((أطت السماء ويحق لها أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلا وفيه جبهة ملك ساجد يسبح الله وبحمده)) لو أن أهل سماواته وأهل أرضه وأول خلقه وأخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئاً، ولو أن خلقه أولهم وآخرهم، إنسهم وجنهم كانوا على أفجر قلب رجل منهم ما نقص ذلك من ملكه شيئاً.
أخي: لو أن أشجار الأرض كلها من حين وجدت إلى أن تنقضي الدنيا أقلام والبحر وراءه سبعة أبحر تمده من بعده مداد فكتب بتلك الأقلام، وذلك المداد لفنيت الأقلام ونفد المداد ولم تنفد كلمات الخالق تبارك وتعالى: لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ وَلَوْ أَنَّمَا فِى الأرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان:26-27].
هو الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، كل شيء هالك إلا وجهه، وكل ملك زائل إلا ملكه، لن يطاع إلا بإذنه ورحمته، ولن يعصى إلا بعلمه وحكمته، يطاع فيشكر، ويعصى فيتجاوز ويغفر، كل نقمة منه عدل، وكل نعمة منه فضل، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وسجل الآثار، وكتب الآجال فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، عطاؤه كلام، وعذابه كلام إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس:82-83].
أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأحق من حمد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأكرم من قصد، أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وأعز من كل شيء سبحانه وبحمده.
أنت الذي أطعمتني وسقيتني
من غير كسب يد ولا دكان
أنت الذي آويتني وحبوتني
وهديتني من حيرة الخذلان
قال ابن القيم رحمه الله: "الحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه".
معنى اسم الله الحميد: قال ابن القيم رحمه الله في ذكر أسماء الألوهية والربوبية والرحمة والملك بعد الحمد: "ما يدل على إيتاء على مضمونها ومقتضاها أي أنه محمود في إلاهيته، محمود في ربوبيته، محمود في رحمانيته، محمود في ملكه، وأنه إله محمود، ورب محمود، ورحمن محمود، وملك محمود، فله بذلك جميع أقسام الكمال والجلال".
اسمع يا رعاك الله إلى هذه النصوص النبوية الواردة في الحمد: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت ....)) [رواه مسلم].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي. فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده ،فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي، فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد)).
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره)).
وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: إن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فانطلقت فلم تجده، ولقيت عائشة فأخبرتها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: ((على مكانكما ،فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري ثم قال: ألا أعلمكم خيراً مما سألتماه؟ إذا أخذتما مضاجعكما: أن تكبرا أربعاً وثلاثين وتسبحاه ثلاثاُ وثلاثين، وتحمداه ثلاثاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم)) وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها)) وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فليرد ما استطاع، فإذا قال: هاء ضحك الشيطان)) وعند مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((علمني كلاماً أقوله: قال: ((قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، سبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم)) فهؤلاء لربي فمالي؟ قال: ((قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني)).
فعن فضالة بن عبيد الأوسي رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجلت أيها المصلي)) ثم علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادع تجب، وسل تعط)).
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبت من قضاء الله عز وجل للمؤمن، إن أصابه خير حمد ربه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر، المؤمن من يوجد في كل شيء حتى اللقمة يدفعها إلى فيّ امرأته)). وروى البخاري في صحيحه عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: كنا يوماً نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم: فلما رفع رأسه من الركعة قال: ((سمع الله لمن حمده)) قال رجل: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف قال: ((من المتكلم)) قال: أنا، قال: ((رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول)).
وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، ورجل قائم يصلي، فلما ركع وسجد وتشهد دعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم إني أسألك ..فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: تدرون بم دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم: قال: ((والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى)).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام: وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)).
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد الله، إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ)).
عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، إلا عوفي من ذلك البلاء كائناً ما كان ما عاش)).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحب قال: ((الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى ما يكره قال: الحمد الله على كل حال)).
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
أغر عليه من النبوة خاتم……من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه……إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله……فذو العرش محمود وهذا محمد
وكان الحسن البصري رحمه الله إذا ابتدأ كلامه يقول: الحمد الله اللهم ربنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وعلمتنا وأنقذتنا وفرجت عنا، لك الحمد بالإسلام والقرآن ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبتّ عدونا وبسطت رزقنا وأظهرت أمننا وجمعت فرقتنا وأحسنت معافاتنا، ومن كل ماسألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك حمداً كثيراً ولك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث أو سر أو علانية أو خاصة أو عامة أو حي أو ميت، أو شاهد أو غائب، لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت.
رأى بكر بن عبد الله المزني رحمه الله تعالى حمالاً عليه حمله وهو يقول: الحمد لله، أستغفر الله، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره وقلت له: أما تحسن غير هذا؟ قال: بلى أحسن خيراً كثيراً: أقرأ كتاب الله غير أن العبد بين نعمة وذنب، فأحمد الله على نعمة السابغة وأستغفره لذنوبي فقال: الحمال أفقه من بكر.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: من عرف نعمة الله بقلبه وحمده بلسانه لم يستقيم حتى يرى الزيادة لقوله تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7].
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أحب أن يقدم المرء بين يدي خطبته وكل أمر طلبه حمد الله تعالى والثناء عليه سبحانه وتعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن زيد رحمه الله تعالى: "إنه ليكون في المجلس الرجل الواحد يحمد الله عز وجل فيقضى لذلك المجلس حوائجهم كلهم".
والخاتمة رزقنا الله حسنها: أن الحمد من أعلى مقامات الإيمان ويوجب محبة الله عز وجل ونصرته، وفي كثرة الحمد جلب النعم المفقودة والمحافظة على الموجودة، وفيه غفران الذنوب وستر العيوب، وفي مجاورة الحمادين سعادة لمن جاورهم وجالسهم، وفي كثرة الحمد انشغال بذكر الله عز وجل عن الغيبة والنميمة وعن كل ما يسخط الله عز وجل، وفيه قوة البدن وعافيته، وهو أفضل من عتق الرقاب والصدقة بحرّ المال وكثرة الحمد تجعل العبد مطمئناً لقضاء الله بل ويوصله لمقام الرضا والحمد الذي هو من أجل الصفات التي تحلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصى بها أمته.
الاثنين، 4 مايو 2015
Dr.Web Anti-virus 9 Vie lic 9.02.3