الجمعة، 8 مايو 2015

وجوب تحكيم الكتاب والسنة والتحاكم إليهما ونبذ ما خالفهما


وجوب تحكيم الكتاب والسنة والتحاكم إليهما ونبذ ما خالفهما

-----------------------

فمما يعلمه المسلمون جميعاً أن الله خلق الجن والإنس لعبادته سبحانه وتعالى، ويعلم كثير منهم تعريف العبادة بأنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ولكن الغالبية العظمى من المسلمين قد يجهلون أو يتجاهلون أن العبادة الحقة تشمل جميع مناحي الحياة دقيقها وجليلها صغيرها وكبيرها وتقتضي الانقياد التام لله تعالى أمراً ونهياً اعتقاداً وقولاً وعملاً، وأن تكون حياة المرء قائمة على شريعة الله بحيث يحل ما أحل الله ورسوله ويحرم ما حرم الله ورسوله، ويخضع في سلوكه وأعماله وتصرفاته كلها لشرع الله متجرداً من حظوظ نفسه ونوازع هواه، ويستوي في ذلك الانقياد والخضوع والسلوك والالتزام يستوي فيه الفرد والجماعة والرجل والمرأة، فلا يكون عابداً لله من يخضع لربه في بعض جوانب الحياة ويخضع للمخلوقين في جوانب أخرى، ولا يتم إيمان المسلم إلا إذا آمن بالله ورضي بحكمه في القليل والكثير وتحاكم إلى شريعته وحدها في كل شأن من شئون حياته في الأنفس والأموال والأعراض وإلا كان عابداً لغير الله تعالى.

قال سبحانه: فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)). فمن خضع لله تعالى وأطاعه وتحاكم إلى شرعه فهو العابد له، ومن خضع إلى غير الله وتحاكم إلى غير شرعه فقد عبد الطاغوت وانقاد له، والعبودية لله وحده والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن التحاكم إلى الطواغيت والرؤساء والقوانين الوضعية التي يتحاكم إليها الناس اليوم حتى الدول التي تتحاكم فيما بينها إلى غير القرآن والسنة فالتحاكم إليها ينافي الإيمان بالله عز وجل وهو كفر وظلم وفسق.

وهذه الصفات الثلاث التي وردت في كتاب الله في آيات متتاليات يفسرها القرآن الكريم في آيات أخرى لأن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً ويعتبر ذلك أقوى دليل، ونحمد الله عز وجل على نعمه وآلائه المتعددة ومن أهمها تطبيق شرع الله في هذا البلد والحكم بالكتاب والسنة والتحاكم إليهما، والثناء لله وحده الذي وفق ولاة أمرنا لذلك، فهذه منة عظمى ونعمة كبرى أنعم الله بها علينا في هذه البلاد الطاهرة، قال تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]. وقال عز وجل: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]. وقال سبحانه: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47].

ولقد حرم الله عز وجل الحكم بغير ما أنزل كما حرم الكفر والظلم والفسوق والنفاق والعصيان، وجعل من لا يحكم بما أنزل الله كافراً وظالماً وفاسقاً، والظلم والفسق بمعنى الكفر كما ورد ذلك في آيات عديدة، فيكون فسق من لم يحكم بما أنزل الله وظلمه هو الكفر، ويكون من لم يحكم بما أنزل الله كافراً بنص القرآن على تفصيل في ذلك لبعض العلماء والمفسرين من جهة الاعتقاد والرضى وغيرها من القوانين الوضعية، ولكن علينا أولاً أن نتدبر الأدلة من الكتاب والسنة ونعلم أن الأمر خطير وليس بالأمر الهيّن. فالدليل على أن الظلم كفر قول الله عز وجل: إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. وقوله تعالى: والكافرون هم الظالمون [البقرة:254]. وقوله تعالى: وَمَا يَجْحَدُ بِايَاتِنَا إِلاَّ الْكَافِرونَ [العنكبوت:49]. وغير ذلك من الآيات.

أما الدليل في التعبير عن الكفر والظلم بالفسق فقول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ءايَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ [البقرة:99]. وقوله تعالى عن المنافقين: إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84]. وقوله سبحانه وتعالى: وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذالِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]. وقوله سبحانه وتعالى: فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [البقرة:59]. وقوله تعالى: وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [الأعراف:165]. وقال تعالى عن المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة:67].

وعقب على ذلك في الآية التي تليها من سورة التوبة بقوله عز وجل: وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِىَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [التوبة:68]. وقال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140]. وقال سبحانه: ياأَيُّهَا النَّبِىُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73]. وقال عز وجل: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الاْسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145].

وتبين هذه الأدلة وغيرها مما سيأتي أن الحكم بغير ما أنزل الله ظلم وفسق وأن ذلك كفر بالله عز وجل وعدم إيمان به تعالى، ولكنه يختلف كل بحسب حاله، فظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وكفر دون كفر، كما ورد ذلك في آيات أخرى من القرآن الكريم ولكن التعبير بالظلم والكفر لمن لم يحكم بما أنزل الله وأنهما بمعنى واحد تفسرها آيات أخرى كذلك، ولنتدبر ولنتأمل الآيات التالية من كلام الله عز وجل. قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاْمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ ذالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِى أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاءوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:59-65].

وذكر الله عز وجل في سورة المائدة في آيات متتاليات وجوب تحكيم ما أنزل الله عز وجل وترك ما سواه، ورد ذلك في أكثر من عشرين آية، وفي نهاية كل آية من الآيات الثلاث قول الله عز وجل: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]. وقال عز وجل: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]. وقال سبحانه: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]. وفي الآية التي تلي هذه الأخيرة قول الله عز وجل: فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقّ [المائدة:48]. وفي الآيتين التي بعدها قال عز وجل: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:49-50].

ولنتأمل الآيات التاليات التي تصف حال المنافقين في كل زمان ومكان كأنها نزلت علينا في هذه الأيام تصف حال الذين في قلوبهم مرض يخجلون ويتخوفون من الكفار من يهود ونصارى وغيرهم ويدسّون رؤوسهم في التراب ويتوارون منهم موالاة لهم وخوفاً منهم ولا يستطيعون تطبيق شرع الله ويقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فنحتاج إلى الكفار، مع أنه لا يتعارض تطبيق شرع الله مع التعامل معهم حسب ما ورد في القرآن الكريم وفي سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى بعد تلك الآيات مباشرة: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِى أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:51-52]. ثم عقّب سبحانه بعد آية من هذه بوصف للقوم الذين يأتي بهم الله سبحانه إن ارتد المؤمنون عن إسلامهم وخجلوا وتخوفوا من الكفار فقال سبحانه وتعالى: يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذالِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54].

ثم عقب عز وجل على ذلك بالآية التي تحصر وتقصر ولاء المؤمنين لله ورسوله والمؤمنين الذين وردت صفاتهم في الآية هذه وفي آيات أخرى فقال سبحانه: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصلاةَ وَيُؤْتُونَ الزكاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56]. ثم ينهى الله المؤمنين عن اتخاذ اليهود والنصارى الموصوفين بأهل الكتاب وعن الكفار عموماً عن اتخاذهم أولياء وهو ما يسمى بالبراء، والآية الأولى تدل على الولاء، وعلى المؤمنين أن يتقوا الله عز جل في ذلك إن كانوا مؤمنين حقاً، قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [المائدة:57].

-------------------------

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد والأمر كله وهو اللطيف الخبير وهو على كل شيء قدير القائل سبحانه: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ [الأعراف:54]. وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فقد قال الله عز وجل فيما أنزله على رسوله: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً [النساء:105]. وقال عز وجل: وَكَذالِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِىّ وَلاَ وَاقٍ [الرعد:37]. فمما تقدم من الأدلة في الآيات التي ذكرت ومما لم يتسع المقام لذكره يتبين لكل مسلم أن تحكيم شرع الله والتحاكم إليه مما أوجبه الله ورسوله وأنه من مقتضى العبودية لله والشهادة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الإعراض عن ذلك أو شيء منه موجب لعذاب الله وعقابه، وهذا الأمر سواء بالنسبة لما تُعامِل به أي دولة رعيتها أو ما ينبغي أن تدين به جماعة المسلمين في كل زمان ومكان، وفي حال الاختلاف والتنازع العام والخاص سواء كان بين دولة وأخرى أو بين جماعة وجماعة أو بين مسلم وآخر، فالحكم في ذلك كله سواء، فالله سبحانه له الخلق والأمر وهو أحكم الحاكمين، وهو الذي خلق الخلق وهو أعلم بمصالحهم وما يصلحهم، فالحكم لله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة، كما قال تعالى: وَهُوَ اللَّهُ لا اله إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِى الاْولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:70]. ولا إيمان لمن يعتقد أن أحكام الناس وآراءهم خير من حكم الله ورسوله، أو أنها تماثلهما وتشابههما، أو من تركها وأحل محلها الأحكام والقوانين الوضعية والأنظمة البشرية وإن كان معتقداً أن أحكام الله خير وأكمل وأعدل لما تقدم من الأدلة.

كما أنه لا يجوز الإيمان والعمل بما يهوى الإنسان ويترك ما لا يهواه، فهو بذلك يكفر ببعض الكتاب ويؤمن ببعضه ويناله الخزي في الدنيا والآخرة والعذاب الشديد كما قال تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذالِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْىٌ فِي الْحياةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدّ الّعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85]. وقال تعالى: قُلْ كُلٌّ مّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً [النساء:78]. وقال تعالى: لْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3]. وقال عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36]. فالواجب على عامة المسلمين وأمرائهم وحكامهم وأهل الحل والعقد فيهم أن يتقوا الله عز وجل ويحكّموا شريعته في بلدانهم ويقوا أنفسهم ومن تحت ولايتهم عذاب الله في الدنيا والآخرة، وعلى عامة المسلمين في كل بلاد العالم وطالب العلم والجاهل أن يطالبوا حكامهم بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وعليهم أن يعتبروا بما حلّ في بلادهم وغيرها من بلاد المسلمين التي أعرضت عن حكم الله وينظروا ما حصل فيها من الاختلاف والتفرق والفساد وضروب الفتن وقلة الخيرات وكون بعضهم يقتل بعضاً وينتهك حرمة وعرض غيره ولا يطبق بحقه شرع الله، ولا يزال الأمر في البلاد المعرضة عن تطبيق شرع الله في شدة،ولن تصلح أحوالهم ويرفع تسلط الأعداء عنهم سياسياً وفكرياً واقتصادياً إلا إذا عادوا إلى الله سبحانه وسلكوا سبيله المستقيم الذي رضيه الله لعباده وأمرهم به ووعدهم عليه جنات النعيم. قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذالِكَ أَتَتْكَ ايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذالِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى وَكَذالِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِئَايَاتِ رَبّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:124-127]. ونحن هنا في بلاد الحرمين الشريفين نحمد الله عز وجل على جميع آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، ومنها نعمة الأمن التي نتفيؤ ظلاله بسبب تطبيق شرع الله وإقامة الحدود على المجرمين والساعين في الأرض فساداً، نحمد الله عز وجل الذي هيأ لنا قضاة يحكمون بالكتاب والسنة وولاة أمر ينفّذون الأحكام الشرعية فاجتمع بذلك عدل القضاة والحكام وسيف السلطان وسوطه فارتدع كثير من أهل الشر والفساد والإجرام عن الإقدام على جرائمهم بسبب خوفهم من إقامة الحدود عليهم، وهذه نعمة عظيمة في هذه البلاد الواسعة المترامية الأطراف محسودون عليها من أمم وشعوب كثيرة في هذا العالم المعاصر لو لا الله الذي وفق قادة هذه الأرض المباركة إلى ذلك لرأينا وعشنا وذقنا ما يذوقه غيرنا في هذا العالم الذي يموج بالفتن والصراعات حتى لا تكاد تمر ساعة إلا وتسمع الأخبار المؤلمة التي تعيشها البشرية في ذلك العالم الذي يزعم ويدعي القيام بحقوق الإنسان وهو إلى عقوق الإنسان وظلمه أقرب، نعم العقوق بالعين وليس بالحاء. حيث سعوا إلى عقوق المعتدى عليهم وظلموهم، وادعوا حقوق المجرمين لأنهم يريدون السير في ركابهم باسم البريق الزائف من حقوق الإنسان.

فعلينا أن نشكر الله عز وجل قولاً وعملاً واعتقاداً على ما أولانا من النعم ونتعاون على البر والتقوى وكل ما فيه صلاح ديننا ودنيانا وآخرتنا، ونحكم بشرع الله ونحب ذلك من سويداء قلوبنا وندعو الله لمن ولاه الله أمرنا بالثبات على ذلك والسداد والتوفيق، وإن كانوا قد أعلنوا ذلك ولا زالوا بين كل حين وآخر بأن هذه الدولة قامت على كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وستظل بإذن الله عز وجل، ولم يمنعها تطبيق تعاليم الإسلام من الأخذ بأسباب الرقي والتقدم في جميع المجالات المعيشية التي تحتاج إليها حيث أكسبها ذلك عزة ورفعة ومهابة بين الدول وفي نفوس جميع الحاقدين والمفسدين أفراداً وجماعات، وليس في ذلك أي تأخر بل هو التقدم بعينه، أي الحكم بما أنزل الله، والعكس هو الصحيح، أي أن من لم يحكم بدين الإسلام فهو في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء وإن كانوا يعيشون في القرن الخامس عشر الهجري الموافق القرن الواحد والعشرين الميلادي، كما قال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]. وقوله عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى [طه:124]. فلله الحمد والمنة، وله الثناء كله، قال تعالى: وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53]. وقال عز وجل: أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السَّمَاواتِ وَمَا فِى الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان:20].

إن الواجب على علماء المسلمين اليوم كبير، ومن بعدهم طلبة العلم حول بيان وشرح أحكام الإسلام ونشرها بين المسلمين، إن واجبهم أن يرفعوا رؤوسهم ولا يدسّوها في التراب. إن واجبهم أن يقولوا كلمة الحق ولا يخافوا في الله لومة لائم، وما تكاد تمر بالأمة الإسلامية حادثة أو سحابة صيف إلا وتنكشف أمور تخشى عواقبها وما وراءها على كثير من المسلمين، والسبب الأول والأساسي في ذلك هو التخاذل وعدم الصراحة والأنانية وحب النجاة كل بمفرده أو السكوت وتكميم الأفواه وإخراس الألسن وتحطيم الأقلام التي تقول الحق وتنير الطريق للعباد في دياجير الظلم والفساد، وليس أدل على ذلك من واقع المسلمين اليوم وفي شتى بقاع الأرض و خلال السنوات الماضية وما مر بهم وما يعيشونه اليوم من الحروب الحقيقية القتالية والكلامية الساقطة، وعندها تتجلى الحقائق وينكشف المخبوء ويظهر الغثاء والزبد على الساحة، وعندها يعرف المسلمون عامة ومنهم العلماء وطلبة العلم ماذا تم تقديمه لهذه الأمة اللاهثة التي لا تفقه كثيراً من أحكام دين الإسلام ومن أوجب الواجبات عليهم ويعلمون مدى تقصيرهم في إبلاغ رسالة ربهم. حتى آل أمر المسلمين إلى جهل أبناء المسلمين بإسلامهم وتخاذل علمائهم وظلم حكامهم.

إن سبب جهل المسلمين بإسلامهم هو كتمان العلم وعدم البيان من قبل العلماء والرضا بالحياة الدنيا ومتعها الزائلة وطلب رضا الناس بسخط الله عز وجل حتى اتخذ الناس رؤوساً ورؤساء جهالاً بدين الله فضلوا وأضلوا وأحلوا كثيراً مما حرم الله مثل الربا والغناء والحكم بغير ما أنزل الله وإيجاد المبررات لذلك في مجتمعات المسلمين، وغير ذلك كثير حتى استساغ المسلمون تلك الأوضاع وعاشوا في الأوحال، وعندما يطبق شرع الله أو يطالب أحد بتطبيق شرع الله أو حد من الحدود عندها يتضح انتساب المسلمين إلى الإسلام فقط، ولا ينفعهم الانتساب، خاصة الذين يستنكرون تطبيق أي حد من حدود الشرع، أو يندّدون بمن يفعل ذلك أو يستهزئون بالإسلام وتعاليمه أو ينطقون بعبارات الشرك والكفر من حيث يشعرون أولا يشعرون، وعلى المسلمين جميعاً أن يتأملوا ويتدبروا وأن يعملوا بهذه الآية التالية المحكمة وبغيرها ولكونها كافية شافية لمن أراد النجاة لنفسه في الدنيا والآخرة حيث أقسم رب العزة والجلال بربوبيته تبارك وتعالى بنفي الإيمان عن أي مدّعٍ لذلك حتى يستوفي ثلاثة شروط متضمنة لتحكيم الكتاب والسنة في أي خلاف واختلاف ومشاجرة وعدم وجود الحرج والرضا بذلك بعد الحكم والتسليم والاستسلام لأحكام الله عز وجل. قال تعالى: فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65].

نوح عليه الصلاة والسلام


نوح عليه الصلاة والسلام

-----------------------

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

فإن على الداعية المسلم أن يقرأ دعوة الرسل إلى أقوامهم، وما لاقاه كل رسول من جراء هذه الدعوة ليقف على الشيء الكثير من أخلاق البشر في بداوتهم وتحضرهم وطباعهم وعاداتهم، من أجل أن يسير في إصلاحه على هدى، لأن نفوس المفسدين في كل زمان متقاربة، ووسائلهم في محاربة الحق متشابهة، ومن أجل أن يجد المصلح ما يشد عزمه وينير قلبه، ويجد أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على اتفاقهم في الأصول يعنون عناية خاصة بالأمراض التي تحيق بأقوامهم.

ونحن اليوم مع أول رسول، مع نوح عليه الصلاة والسلام، فحياته حياة شاقة مريرة، ومحنته مع قومه محنة شديدة أليمة، فقد أقام بينهم قروناً طويلة فلم ير إلا آذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وعقولاً متحجرة، لقد كانت نفوسهم أيبس من الصخر، وأفئدتهم أقسى من الحديد، لم ينفعهم نصح أو تذكير، ولم يزجرهم وعيد أو تحذير، كلما ازداد لهم نصحاً ازدادوا له عناداً، وكلما ذكرهم بالله زادوا ضلالاً وفساداً، وظلوا في طريق الضلال سائرين، لا يلتفتون إلى دعوة نوح ولا يبالون بتحذيره وإنذاره.

وقد مكث تسعمائة وخمسين عاماً داعياً مذكراً ناصحاً مع أن عمره أطول من ذلك، أما تلك المدة فهي مدة دعوته، وسلك جميع الطرق الحكيمة معهم لإنقاذهم من الضلال وإبعادهم عن عبادة الأصنام والأوثان، وكانت دعوته لهم ليلاً ونهاراً وسراً وجهاراً، ومع ذلك لم تلن قلوبهم، فلما يئس نوح عليه السلام من إيمان قومه بعد هذه الفترة الطويلة من الزمان وأوحى الله سبحانه تعالى إلى نوح بأنه لن يؤمن من قومه أحد بعد القليل من المؤمنين الذين آمنوا به كما قال تعالى: وَأُوحِىَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءامَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [هود:36]. عند ذلك التجأ نوح عليه السلام إلى الله بالدعاء على قومه بالهلاك والدمار، فاستجاب الله دعاءه وأعلمه بأنه سيهلكهم بالطوفان فلا يبقى منهم أحد، وأوحى إليه بأن يصنع السفينة ليركب فيها هو وجماعته المؤمنون، ولم يكن لنوح عليه السلام ولا لغيره معرفة بصنع الفلك، ولذلك أوحى الله إليه صنعها، وعلمه كيف ينبغي أن تكون عليه السفينة كما قال تعالى: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ [هود:37].

وإنما أمره تعالى بعدم مراجعته في شأنهم لأن عذابه عز وجل إذا جاء لا يرد عن القوم المجرمين، ولعله عليه السلام تدركه رقة عند معاينة العذاب النازل بهم.

وأخذ نوح عليه الصلاة والسلام يصنع السفينة بأمر الله ووحيه، وجعل قومه يمرون عليه فيهزؤون ويسخرون ويقولون له: صرت نجاراً يا نوح بعد أن كنت نبياً، ويقولون: ماذا تقصد يا نوح بهذه السفينة؟ وأين الماء الذي سيحملها وهي في البر بعيدة عن البحر؟ وجابههم عليه السلام بكلمة قوية كشفت عما ينتظرهم من ذلة وهوان بما كسبت أيديهم في الدنيا، وما ينتظرون في الآخرة من عذاب مقيم كما ورد في القرآن الكريم: قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [هود:38-39]. والمعنى إنا واثقون من مصيركم المحزن ونهايتكم الأليمة، ولسوف ترون بأعينكم وتلمسون بأيديكم من منا الذي سيلحقه الخزي والعار والعذاب والدمار في الدنيا، ثم يحل عليه بعد ذلك عذاب الآخرة وهو العذاب الدائم الأليم.

ثم جاء أمر الله بإحقاق الحق وإبطال الباطل، ففار التنور، ولعل كلمة التنور وإطلاقها على الأرض من باب التشبيه لها بالفرن على أساس ما يوجد في باطنها من الكتل النارية الملتهبة، والتي نشاهدها عند تصاعد النيران من البراكين، والله أعلم، وكان للناس عجباً أن يتفجر ماء الطوفان من موقد النيران، ولكنها كانت هي العلامة التي أوحى الله بها إلى نوح ليعلم أن ساعة القصاص قد حانت، وأن أمر الله قد نفذ في أعداء دينه، فلما ظهرت العلامة ركبوا في السفينة وأرسل الله من السماء مطراً لم تعهد الأرض قبله ولا بعده، كأنّهُ أفواه القرب، وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها وسائر أرجائها كما قال تعالى: فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى المَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ [القمر:10-14].

وركب نوح في السفينة ومن آمن معه وكانوا عدداً قليلاً، في حدود الأربعين كما ورد في بعض الروايات، وأمره الله بأن يحمل معه في السفينة من كل حيوان - وطير ووحش وغيره - زوجين اثنين كما قال تعالى: قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ ءامَنَ وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ [هود:40].

وفي هذا الجو الرهيب والوقت العصيب يتطلع نوح إلى ابنه الذي لم يركب معه فيراه قد فرّ إلى جهة لم يكن قد وصلها الماء، فيناديه بعاطفة الأبوة وقلبه الرحيم: يابُنَىَّ ارْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ [هود:42]. ولكن الابن الجاحد المعاند لا يلبي دعوة الرحمة والحنان، ولا يجيب داعي الإيمان بل يركب رأسه ويمضي في ركاب الشيطان قائلاً: قَالَ سَاوِى إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الْمَاء [هود:43]. ناسياً أن هذا ليس سيلاً عادياً تصده التلال وتعصم منه الجبال والمرتفعات، إنما هو أمر الله وقدره النافذ الذي لا عاصم منه إلا رحمته لمن يشاء من عباده. قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [هود:43]. وهكذا يمضي الولد العاق سادراً في غيه وضلاله مع الكفار الجاحدين حيث حلت عليهم النقمة وأدركهم الموت وَقِيلَ بُعْدًا لّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [هود:44].

وكان نوح عليه السلام مطمئناً إلى وعد الله له بالنجاة، له ولأهله وللمؤمنين معه، وواثقاً أيضاً بمصير الظالمين ونهايتهم الأليمة، وأيقن حق اليقين أن الله قد استجاب دعاءه: وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:26-27]. وحينئذ تذكر نوح ابنه وتذكر قول الله له: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ فظن أن ابنه ممن كتبت لهم النجاة لأنه من أهله ونسي الشرط الأساسي للنجاة، وهو الإيمان بالله، فلجأ إلى الله قائلاً: رَبّ إِنَّ ابُنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ [هود:45]. فعاتبه الله عز وجل حيث قال سبحانه: قَالَ يانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:46]. وعند ذلك تذكر وأناب وطلب من الله المغفرة والرحمة. قَالَ رَبّ إِنّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِى أَكُن مّنَ الْخَاسِرِينَ [هود:47].

فلقد انتهى الطوفان بعد أن غرق أهل الأرض في زمن نوح عليه السلام ولم يبق إلا من آمن وركب السفينة، وكان انتهاء الطوفان بعد أن أمر الله السماء أن تكف المطر، والأرض أن تبتلع الماء الذي غمرها، وأن تعود الحياة كما كانت على ظهر الأرض وحيث كانت قد وصلت إلى جبل يسمى الجودي، وهو والله أعلم أنه إلى جانب دجلة عند الموصل في العراق، قال تعالى: وَقِيلَ ياأَرْضُ ابْلَعِى مَاءكِ وَياسَمَاء أَقْلِعِى وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِىَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِىّ وَقِيلَ بُعْدًا لّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [هود:44]. وحين استقرت السفينة على الجودي وغاض الماء أمر الله نوحاً ومن معه أن ينزلوا منها بسلام وأمان وبركات من العزيز الرحيم بعد أن مكثوا وبقوا فيها على الماء تطوف بهم مائة وخمسين يوماً كما ورد في بعض الروايات. وهكذا كانت حياة نوح عليه السلام مع قومه بعد أن مكث وعاش زمناً وقروناً طويلة وهو يدعوهم إلى الله وهي كما قيل أطول حياة عاشها إنسان، والله أعلم، ويروى عنه أنه سئل حين حضرته الوفاة: كيف رأيت الدنيا؟ قال: رأيتها كبيتٍ له بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر. وهكذا ينبغي أن تكون نظرة المؤمنين المخلصين إلى الدنيا الفانية ومتاعها الزائل: وَإِنَّ الدَّارَ الاْخِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64].

وما أجمله وأروعه من تعقيب إلهي في نهاية قصة نوح عليه السلام مع قومه لتذكير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه إلى يوم الدين بحقائق ثابتة وسنن لا تتغير ولا تتبدل، وما عليهم إلا أن يصبروا على ما يلاقونه من إعراض وعناد وكفر يتكرر في كل زمان ومكان، وعليهم أن يحتسبوا الأجر ويطلبوه من الله لأن العاقبة للمتقين، قال تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنْبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَاذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49]. تلك حقيقة حتمية وسنة ثابتة لمن تذَرّعَ وتجمّل بالصبر وكان من عباد الله المتقين فإن العاقبة والنتائج الطيبة في الدنيا والآخرة هي للمتقين فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49].

Ashampoo Snap 8 Business v8.0.3 Multilingual





Ashampoo® أداة إضافية لرجال الأعمال ومصممة خصيصا لتناسب بسهولة في محيط أعمالك. أضفنا تصميم، والشعار والعلامة المائية اشعار + حقوق الطبع والنشر لحماية الهوية الخاصة بك والملكية الفكرية. لأكثر صرامة الاندماج الشبكة، وسوف نضيف أيضا القدرة على تحميل الصور وملفات الفيديو على عناوين الشبكة محدد مسبقا، إذا رغبت في ذلك.

مع Ashampoo® المفاجئة التجارية ... ...

يتحول Ashampoo® لأداة إضافية من لالتقاط لقطات ومقاطع الفيديو إلى تجربة أكثر سلاسة من أي وقت مضى. أقل تعقيد، والعمل أكثر ذكاء، وأكثر من الحرية الخلاقة وقدرات تقاسم المحسنة.

 التقاط الصور ومقاطع الفيديو مباشرة من شاشتك في ثوان وبدقة بكسل، توضيح sceenshots مع النصوص والملاحظات والتلميحات، والسهام، والأشكال والطوابع وتبادل عملك مع الآخرين في نقرة زر واحدة.

 Ashampoo® هو الحل المثالي لالتقاط الصور، وتبادل ومشاركة العرض الذي يناسبك..

 

Ashampoo Snap 8 Business v8.0.3 Multilingual



Ashampoo® Snap Business is tailored to fit seamlessly into your business environment. We add your design, logo and watermark + copyright notice to protect your corporate identity and intellectual property. For tighter network integration, we will also add the ability to upload screenshots and videos to a predefined network address, if desired.

With Ashampoo® Snap Business...

Ashampoo® Snap Business turns capturing screenshots and videos into a smoother experience than ever before. Less complexity, a smarter workflow, more creative freedom and enhanced sharing capabilities. Capture images and videos right from your screen in seconds and with pixel precision, illustrate your sceenshots with texts, notes, hints, arrows, shapes and stamps and share your work with others at the click of a button. Ashampoo® Snap Business is the ideal solution to capture, illustrate and share your viewing experience.

- Capture rectangular regions
- Use free form capture for maximum flexibility
- Use timers for interval capturing

... you have the tools to express yourself visually

- Get your message across with texts, hints and notes
- Command attention with arrows, shapes and stamps
- Use the pencil tool to draw freely

... sharing becomes a breeze

- Save your screenshots to common image formats
- Create PDFs without extra tools
- Upload with ease

Accurate text recognition
Instantly obtain editable text from images or PDFs! Ashampoo Snap Business converts image based text into computer-editable text. Access contents from fax messages and scanned or photographed documents. Also ideal for foreign-language documents (German, English, French, Spanish, Turkish and Russian)!

Smoother workflow

Ashampoo Snap Business has all the tools you know and love and improves them. Apply gradients to almost any object, use the new outline style for visual accents, work with curved lines and arrows or 1-click clone objects for simple reuse. Not sure which application window you will later need? Simply use the new "Capture all visible desktop windows as objects" and capture all of them at once. The windows will then be captured into a single project but remain movable and resizable right from within Snap.

Smarter work environment

Ashampoo Snap Business employs smart background versioning so your original image is never lost and all modifications remain editable. Want to start over? Revert to the original at the click of a button.

Languages (36):
German, English, Dutch, French, Hungarian, Russian, Polish, Italian, Portuguese, Spanish, Swedish, Turkish, Slovenian, Czech, Chinese (simplified), Japanese, British English, Bulgarian, Ukrainian, Serbian, Portuguese (Brazilian), Chinese (traditional), Korean, Arabic, Dansk, Croatian, Greek, Rumanian, Catalan, Slovakian, Finnish, Serbian, Spanish (Argentina), Belorussian, Persian, Norwegian Nynorsk


Operating System:
Windows® 7, Windows® 8, Windows® 8.1

Homepage:
https://www.ashampoo.com/en/usd/pin/1624/business/Ashampoo-Snap-Business 

 

 


لتحميل البرنامج

http://www.gulfup.com/?PRmXZB

 

Advanced SystemCare PRO v8.2.0.797 multilingue


متقدمة للمحترفين v8.2.0.797 متعدد اللغات

برنامج Advanced SystemCare يوفر الآلي والكل في واحد خدمة العناية PC مع إزالة البرامج الضارة، سجل فيكس، حماية الخصوصية، الأداء بقيمة متابعة، وقدرات نظام التنظيف.

 كما أنها متميزة وتجربة أكثر أمانا عبر الإنترنت مع أحدث حماية تصفح وتكنولوجيا بوست الانترنت، وتضمن لك أعلى حماية على شبكة الإنترنت والحد الأقصى لأداء جهاز الكمبيوتر.

ما هو الجديد في SystemCare متقدمة 8:

V8.2

+ عملية التثبيت أبسط وأسهل.

+ محدث برامج- تدعم تحديث البرنامج تلقائيا.

+ مراقبة الأداء- يدعم تخصيص مفاتيح الاختصار


+  برامج أداة دعم للقارئ [win8]،

عرض صو رويندوز   [win8]، اكس بوكس الموسيقى [win8]، صور [win8]، كوريل برو، ميديامونكي، اشامبو الصور، وSumatraPDF.

+  تحسين في إدارة بدء التشغيل لتسريع وقت النظام التمهيدي.

+ محسن دعم لشاشة 4K.

+ قرص الأمثل يؤيد تصحيح نوع محرك الأقراص يدويا.

+ إزالة البرامج الضارة أيد تنظيف للسوبر.

+ محسن العملية مسح الخصوصية للكروم 41.0، 37.0 فايرفوكس، أوبرا 28.0، 15.0 بووررشفر، مشغل فلاش 17.0، أدوبي إير 17.0، أفيرا مكافحة الفيروسات الحرة 15.0، WildTangent الألعاب التطبيقات، برنامج CyberLink YouCam 6.0، برنامج CyberLink Power2Go 10.0، أصل 9.5، الخ

+ تحديث وتوسيع قاعدة البيانات لمدير بدء التشغيل، سجل فيكس، تحريك حماية المعلومات الشخصية، وحماية تصفح.

+ تحديث الترجمات المختلفة.

+ محسن الثابتة في الإصدار السابق.

 نظام التشغيل:


 



Advanced SystemCare PRO v8.2.0.797 multilingue

Advanced SystemCare offre automatisé et le service de soins de PC tout-en-un avec Malware Removal, Registry Fix, protection des renseignements personnels, Performance Tune-up, et les capacités de nettoyage système. Il crée également de qualité supérieure et plus sûrs expérience en ligne avec la dernière protection Surf et de la technologie Boost Internet, vous assurant la sécurité en ligne supérieure et des performances maximales de PC.

Quoi de neuf dans Advanced SystemCare 8:

v8.2
+ Processus d'installation plus simple et plus facile.
+ Software Updater soutenu la mise à jour logiciel automatiquement.
+ Analyseur de performances soutenu la personnalisation des raccourcis clavier pour capture d'écran.
+ Programmes par défaut Outil ajouté le support pour Reader [win8], Windows Photo Vue [win8], Xbox Music [win8], Photos [win8], Corel PaintShop Pro, MediaMonkey, Ashampoo Photo et SumatraPDF.
Optimisé + 1-cliquez sur l'optimisation dans le Gestionnaire de démarrage pour accélérer le temps de démarrage du système.
+ Optimisé pour le soutien 4K écran.
+ Optimisation de disque pris en charge corriger manuellement le type de lecteur.
+ Malware Removal soutenu la propre pour Fish.
+ Amélioration du balayage de la vie privée pour Chrome 41.0, 37.0 Firefox, Opera 28.0, 15.0 PowerArchiver, Flash Player 17.0, Adobe Air 17,0, Avira Antivirus gratuit 15,0, WildTangent Games App, CyberLink YouCam 6.0, CyberLink Power2Go 10,0, l'origine 9.5, etc.
+ Mise à jour et base de données élargie pour Startup Manager, Registry Fix, confidentialité balayage, et de la protection Surf.
+ Mise à jour diverses traductions.
+ Correction de bugs dans la version précédente.




 

   


لتحميل البرنامج

http://www.gulfup.com/?PRmXZB

المخالفات الشرعية نكاح الشغار




المخالفات الشرعية نكاح الشغار

-----------------------

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد و على آله.

فلا يزال الحديث موصولاً بسابقه بما نراه مناسباً للوقت وإن كان لا يراه آخرون، ولكن نظراً لما نقرأ ونسمع من خلال الإذاعة والصحافة ولما يعيشه الناس في مثل هذا الوقت من كل سنة لبنيهم وبناتهم وإخوانهم وأخواتهم وأقاربهم وعشيرتهم من حيث مناسبات الزواج، ولما لهذا الموضوع من أهمية فيكثر الكلام سنوياً في المجالس قلّت أو كثرت وعبر الوسائل الإعلامية على اختلافها إما لغرض الإثارة، أو لقصد المعالجة الفعلية لما يفعله كثير من الناس من مخالفات للشريعة الإسلامية.

والحق أنه لا يمكن أن يعالج هذا الموضوع ولا غيره إلا وفق كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يزال المجتمع يصلى جحيم هذه المخالفات وغيرها حتى يستقيموا على شريعة الإسلام ويطبقوها ويعوا المقاصد الشرعية ويرضوا ويسلموا تسليماً لجميع أحكام الله تعالى، وفوق ذلك تصفو نفوسهم وتطهّر قلوبهم من أدنى ريب وشك في صلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان ولا يجدوا أدنى حرج في نفوسهم متى قضى الله ورسوله أي أمر من الأمور. قال تعالى: فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً [النساء:65]. وقال عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36].

ولعل من المناسب أن يكون الاستدلال بالآية الأخيرة موافقاً لما نحن بصدده من أمر الزواج لأنها نزلت في زواج زينب بنت جحش رضي الله عنها بزيدٍ رضي الله عنه، وإن كان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكما سبق القول فإن مجتمعات المسلمين لا تزال تتنكب الطريق المستقيم ما لم تسر على هدي الكتاب والسنة في جميع شؤون الحياة، وإن كانت هناك بوادر خير نسمع ونقرأ عنها في بعض البلاد تعالج أمور الزواج التي كثرت المشاكل الزوجية بسببها وشغلت المحاكم بها وامتلأت البيوت بالمطلقات والعوانس بسبب المخالفات الشرعية بدءاً من الغش والخداع وعدم الصدق والصراحة ومروراً بالخِطبة وما بعدها نظراً لما يكذب به الوسيط أو لما يظهره الطرفان أو طرف دون آخر، ثم ما إن تمضي أيام قلائل حتى تشب نار الفتن في بيوت المسلمين لما كان من الغش والكذب ابتداء ثم لما كان من تكاليف على الزوج والتي أثقلت كاهله بالديون وأصبح أسيراً لدائنيه، وصار ضحية بين نارين إما البقاء مع تلك الزوجة التي يعيش معها حياة النكد والتعاسة وإما أن يطلق وبذلك يكون أسير الديون ولا زوجة له.

والمخالفات الشرعية كثيرة والعقبات كذلك،ولكن من المناسب في هذه الأيام الحديث عن مخالفة شرعية كانت منحصرة في بعض مجتمعات المسلمين، ولا يكاد يعرف صورتها كثير منهم ولكنها انتشرت بسبب غلاء المهور وارتفاع التكاليف الأخرى في الزواج وبسبب التعقيدات الأخرى الكثيرة، لذلك هان أمرها وأصبحت شيئاً عادياً كغيرها من المحرمات التي ألفها الناس واستساغوها بسبب تبريرهم حرمتها بأمور تظهر أمام العامة بأنها حلال محض لا شبهة فيه مع الحرمة الواضحة، وهذا ينطبق على أمور عدة في مجتمعات المسلمين اليوم خاصة في المعاملات، وأصبح الشبه باليهود موجوداً في بعض المسلمين حيث ارتكبوا ما ارتكبت اليهود من المحرمات بأدنى الحيل كما ورد بذلك الخبر عن سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم.

والمخالفة الشرعية المنتشرة الآن هي نكاح الشغار .

فنكاح الشغار: هو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له الولاية عليها على أن يزوجه الآخر أو يزوج ابنه أو ابن أخيه ابنته أو أخته أو بنت أخيه أو نحو ذلك ممن له الولاية عليها، وهذا العقد على هذا الوجه فاسد سواء ذكر فيه مهر أم لم يذكر فيه المهر، وينبغي التنبه لهذا حيث دخل الشر على مجتمعات المسلمين من هذا الباب حيث اتخذوا التسمية حيلة أو دفع المهر نفسه أو الزيادة اليسيرة للتفريق بين المهرين، ولكنهم غفلوا ونسوا وتناسوا النية والقصد عند الطرفين كليهما أو أحدهما وهي المبادلة التي لولاها لما تم هذا الزواج، سواء تفاضلت المهور أو تساوت، وهذه النية الباطنة المتخذة حيلة ظاهرة أمام الناس لا تخفى على الله، وبسببها وقعت الفتن والشرور والخصومات والمشاكل بسبب هذه الزيجات الفاسدة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وحذر منها، وقد أمرنا الله عز وجل باتباعه والانتهاء عما نهانا عنه في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: وَمَا ءاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7]. وقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].

وكما ورد في الآيتين السابقتين في أول الخطبة وفي غيرهما من كتاب الله عز وجل. ورد في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله علي وسلم نهى عن الشغار)). وروى الإمام مسلم رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار)) قال: ((والشغار أن يقول الرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا شغار في الإسلام)).

فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على تحريم نكاح الشغار وفساده وأنه مخالف لشرع الله، ولم يفرق الرسول صلى الله عليه وسلم بين ما سمي فيه مهر وما لم يسمّ فيه شيء، وأما ما ورد في حديث ابن عمر من تفسير الشغار بأن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق، فهذا التفسير قد ذكر أهل العلم أنه من كلام نافع الراوي مولى ابن عمر، وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد فسره الرسول صلى الله عليه وسلم بما تقدم في حديث أبي هريرة السابق إيضاحه وبيانه. وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته، ولم يقل وليس بينهما صداق، فدل هذا على أن تسمية الصداق أو عدمها لا أثر له في ذلك.

وإنما المقتضي للفساد هو اشتراط المبادلة وفي ذلك فساد كبير لأنه يفضي إلى إجبار النساء على نكاح من لا يرغبن فيه إيثاراً لمصلحة الأولياء وتحقيقاً لمصالحهم الشخصية دون النظر في مصلحة النساء، وذلك منكر وظلم للنساء، وهو أيضاً يفضي إلى حرمان النساء من مهور أمثالهن كما هو الواقع بين الناس المتعاطين لهذا العقد المنكر حيث جعلوه امرأة بامرأة وفرجاً بفرج، وكثيراً ما يفضي هذا العمل إلى النزاع بعد الزواج، وذلك من العقوبات العاجلة لمن خالف الشرع، والواقع الذي عاشه ويعيشه أولئك الأزواج من الرجال والنساء واقع مؤلم وحياة تعيسة ومشاكل لا نهاية لها، وقد أدت إلى سفك دماء وإلى قطيعة أرحام، وإلى بغضاء وشحناء وحقد وعداوات متناهية بسبب الإقدام على نكاح الشغار الذي لم ينتبه ويتفكر ويمعن النظر في الحكمة من تحريمه كثير من المسلمين، ولم يفكروا في العواقب المؤلمة لكثير ممن أقدم عليه، فالحياة الزوجية عقدها يستمر مدى الحياة يجب التفكير فيها بكل أمانة وإخلاص والإقدام على بصيرة وتغليب مصلحة الزوجين.

روى الإمام أحمد وأبو داوود رحمهما الله تعالى بإسناد صحيح عن عبد الله بن هرمز أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وقد كانا جعلا صداقاً، فكتب أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إلى أمير المدينة مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهم، وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه الحادثة التي وقعت في عهد أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه توضّح معنى الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المتقدمة، وأن تسمية الصداق لا تصحح النكاح ولا تخرجه عن كونه شغاراً، لأن العباس بن عبد الله وعبد الرحمن بن الحكم قد سميا صداقاً، ولكن لم يلتفت معاوية رضي الله عنه إلى هذه التسمية بل أمر بالتفريق بين كل زوجين منهم، وقال: هذا هو الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعاوية رضي الله عنه أعلم باللغة العربية وبمعاني أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهم جميعاً.

وهذا الذي ينبغي التنبه إليه في مسألة الشغار الذي قد يخفى على كثير من المسلمين وضوح إشكاله من حيث القصد والنية فيه ومن حيث الحكمة في تحريمه أيضاً والتي هي خافية أيضاً على الغالبية العظمى.

فمن المسائل المنكرة في النكاح ما يفعله بعض الناس في إجبار ابنته أو أخته أو بنت أخيه أو من له ولاية عليها على الزواج ممن لا ترضى بنكاحه، وذلك منكر ظاهر وظلم للنساء، لا يجوز للأب ولا لغيره من الأولياء أن يفعله ويقدم عليه لما فيه من الظلم الواضح للنساء ومخالفة السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن تزويج النساء إلا بإذنهن، ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تنكح الأيِّم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن)). قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: ((أن تسكت)). وفي صحيح مسلم رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والبكر يستأذنها أبوها، وإذنها: صماتها)). والأحاديث في هذا المعنى متعددة، ويستثنى من هذا تزويج الأب فقط لابنته التي لم تبلغ تسع سنين بالكفء إذا رأى المصلحة لها في ذلك بغير إذنها لكونها لا تعرف مصالحها إذا كان ذلك فعلاً في مصلحتها، وليس ذلك لأحد ممن له ولاية عليها إلا للأب، مع أن بعض الآباء ممن لا يقدرون مصالح بناتهم ليس لهم تزويج بناتهم في هذه السن ولا في غيره بغير إذنهن حيث هم داخلون في عموم الأحاديث السابقة، أما الأب المقدِّرُ والمُحْتَرِمُ مصالحَ بناته فإن له ذلك بدليل تزويج الصديق رضي الله عنه ابنته عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم وهي دون تسع سنين - وقيل: سبع سنين - بغير إذنها ولم يدخل بها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد سنتين تقريباً من خطبتها.

ومن الأمور والمسائل المنكرة ما يفعله بعض الناس في الحاضرة والبادية من حجر ابنة العم ومنعها من التزويج بغيره والتهديد والوعيد بفعل كذا وكذا، وكذلك إجبار بعض الأولياء للنساء على الزواج ممن لا يرضين به من القرابة أو من غيرهم، وكذلك ظلم بعض الناس لبناتهم ومولياتهم حيث يمنعونهن من الزواج ممن يتقدم لهن من الأكفاء في الدين ويرغبن هن في الزواج منهم، يمنعونهن حقهن في ذلك بحجة الطبقية الجاهلية الممقوتة في الإسلام، وكل ذلك ظلم للنساء واضح يأثم به من يقدم عليه ويقوم به، وبذلك تقع الفتن والمشاكل والشحناء والخصومات وقطيعة الرحم بل قد تصل إلى سفك الدماء وغير ذلك، فالواجب على المسلم أن يخاف الله تعالى ويحذر بطشه ونقمته، وعليه أن يحذر من الوقوع في ذلك ويحذِّر أقاربه وغيرهم من المسلمين من عواقب مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأن يستأذنوا النساء عند تزويجهن ولا يزوجوهن إلا برضاهن، ويجب عليهم أن ينظروا في مصالح النساء وليس في مصالحهم، وأن لا يزوجوهن إلا بالأكفاء ديناً وخلقاً بعد إذنهن حتى تبرأ ذممهم ويسلموا من عواقب ذلك في الدنيا والآخرة، ومما ينبغي التنبيه إليه في نكاح الشغار هو عن حال ممن لم يقدم عليه أو أقدم ولكن لم يتم الزواج حتى الآن أو وقع فيه؟ أما من لم يقدم عليه أو أقدم ولكنه في مراحله الأولى قبل الزواج فإن عليه الابتعاد عن ذلك لما سبق ذكره والكلام عنه، وأما من وقع في الشغار وخاصة مع وجود الأولاد منهما أو من أحدهما، فإن عليهم أن يجددوا العقدين إذا رضيت كل منهما بذلك أو أحدهما رضيت والأخرى لم ترض فإنه يجدد لمن رضيت، ولا حاجة للمأذون الرسمي أو إثبات ذلك رسمياً بل متى حصل الولي والشاهدان والإيجاب بعد القبول من الزوجين والزوجتين أو رضيت إحدى الزوجتين بزوجها ولم ترض الأخرى وكذلك دفع المهر لكل منهما أو لمن رضيت منهما فمتى حصل ذلك واتفقوا على إلغاء الشروط الأولى، فمن رضيت فإنها تبقى مع زوجها، والتي لم ترض وظهر أنها مكرهة في العقد الأول ولا ترغب الاستمرار مع زوجها فلها الانفصال عنه حيث أن العقد الأول لاغٍ، ويجدّد العقد للتي رضيت، أما الأولاد فهم أولاد رشد ينسبون إلى آبائهم لأنهم ولدوا في نكاح اعتقد صحته الآباء والأولياء والشهود.

فلسطين جراح تتجدد


فلسطين جراح تتجدد

-----------------------

ظل العالم الإسلامي بأسره مئات الأعوام وهو متجانسٌ متماسك، يشد بعضه أزر بعض، ويأرِز إلى عقيدته الجامعة كلما هدد كيانه خطر، أو أولهم عليه خطبٌ، منذ فقدان الأندلس، ومن ثَم ضعف وسقوط الخلافة العثمانية أخذت أرض الإسلام تنتقص من أطرافها، ففُقِدت أقطار وأمم، وانتهكت محارم ومقدساتها، ودارت رحى الحرب على المسلمين، وتداعت عليهم الأمم والشعوب، وصدق صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنت يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)) [أخرجه أحمد وأبو داود].

نعم إخوتي إنه الوهن!! إنه الوهن!! وهو سر الضعف الأصيل حين يعيش الناس عبيداً لدنياهمـ عشاقاً لأوضاعهم الرتيبة، تحركهم الشهوات وتموج بهم وتسيرهم الرغائب المادية، إنه الوهن حين يكره المسلمون الموت، ويؤثرون حياة ذليلة على موت كريم، ويؤثرون حياة يموتون معها كل يوم موتات، على موت يحيون بعده حياة سرمدية، جبن في النفوس والقلوب، وانفعالية في الإرادة والتصرفات، وغرامٌ بالمتع الرخيصة في أدق الساعات وأحلك الأيام، وافتتان بالملاهي والرياضة والمعازف، وجبن عن المغامرة والإقدام، وشرع الحكم الإسلامي بالتراجع ومرتكزاته العلمية بالتداعي، فحلت البدع محل الإبداع، والتقليد محل التجديد، وزاحمت ظلمات الخرافة بدور التوحيد، وقامت رايات القومية العربية أو الاشتراكية أو الناصرية أو البعثية، تلكم باختصار إخوتي وصف لحال أمتنا العربية الإسلامية التي تبلّد حسّها بالرغم من كثرة مصائبها التي طالت شعوبها وأراضيها، بل وحتى مقدساتها، وتغيّب الأمة عن قضاياها لتفقد الخلق والإرادة، وتباع الأمة وحقها بمنافع شخصية سلطوية، وتزعزع روح التدين والأخلاق، فكيف كانت النتيجة؟ نعم كيف كانت النتيجة؟ لقد أصبحت الشعوب العربية والإسلامية غثاءً وركاماً لا يملكون حولاً ولا طولاً ولا قوة في مواجهة أعدائه، هذا إن عرف عدوّه حق المعرفة، ترى ما أسباب تبلد الشعور العربي، أحداث مأساوية، ودماء وأشلاء، أطفال تقتل في مهدها، ونساءٌ تنتهك حرماتها، وبيوت تهدم ليلاً فوق أهلها، أشجار الزيتون تقتلع من أرضها، بل أعظم من كل ذلك مقدسات على وشك الهدم بل دُنست، وأما سبيل المقاومة أمام المدرعة والدبابة والجند المدججين فهو الحجر، نعم لم يملك المسلمون سوى الحجر، إنها فلسطين حيث صور الدمار والدماء والجثث التي لا تملك وأنت تطالعها أو تسمع عنها إلا أن تتساءل ترى أين غابت نخوة المسلمين؟! أو نخوة العرب؟! أين غابت الثروات؟! هل تبلد الشعور في نفوسنا؟! ترى هل أمتنا غير تلك الأمة التي نطالع مجدها ونقرأ تاريخها الحامل بالانتصارات؟! إنها أسئلة بلا إجابة.

أمتي هل لك بين الأمم…منبرٌ للسيف أو للقلم

أتلقاك وطره في مطرق …خجلا من أمسك المنصرم

كيف أغضيت على الذل ولم …تنفضي عنك غبار التهم

رب وامعتصماه انطلقت …ملئ أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعهم لكنها…لم تلامس نخوة المعتصم

أمتي كم صنم مجدته …لم يكن يعرف طهر الصنم

لا يُلام الذئب في عدوانه …إن يك الراعي عدو الغنم

إنها نكبة النكبات، إنها فلسطين في زمن التخاذلات، فلسطين، التي يدمى جرحها كل يوم فماذا فعلنا لها، ماذا قدمنا من تضحيات؟ وماذا فعلنا وحققنا بالتنازلات ؟ حتى عواطفنا تجاه إخواننا هناك ما لبثت أن انكمشت كنار سعفةٍ شبت ثم انطفأت، ثلاث وخمسون سنة من تاريخ صراعنا مع اليهود مع نكبة فلسطين، ثلاث وخمسون سنة وفلسطين ومقدساتها تحت نير احتلال الصهاينة اليهود، ثلاث وخمسون سنة وأمتنا العربية من نكبة إلى نكسة إلى تشرذم إلى خلافات، ثلاث وخمسون سنة وأمتنا الإسلامية تنهش من أطرافها وأوساطها ويستغيث بنا المسلمون ولا مجيب.

ثلاث وخمسون سنة وإعلامنا العربي منشغل عن قضاياه المصيرية بالفن والرياضة ومسلسلات العهر والفجور، والاستهزاء بمسلمات ديننا الإسلامي، ثلاث وخمسون سنة وكل راية رفعت إلا راية الإسلام والجهاد في سبيل الله، ثلاث وخمسون سنة وأبناء فلسطين في رباط دائم، ثلاثة وخمسون عاماً وبلدٌ إسلامي في الأرض المباركة [فلسطين] يعيش آلاماً وجراحاً، يعيش نكبات لم ينكب مثلها المسلمون منذ قرون، يعيش طرداً وحشياً لشعب آمن في أرضه وعمرانه، يعيش جريمة دولية تسمح لعصابات يهود أن تمارس القتل والتشريد بلا تمييز، ثلاث وخمسون سنة تعرت فيها الفدائيات المهترئة والمنظمات المتخاذلة وانكشفت فيها أكذوبة السلام وخداع أوسلو ومدريد، وكل اللقاءات والمؤتمرات واللجان والمبعوثين ورعاة السلام المزعومين، ثلاث وخمسون عاماً والحكاية ما تزال في بدايتها، غربٌ متآمر جوارٌ متخاذل، وأموال تتدفق على المعتدي الصهيوني.

ثلاثة وخمسون عاماً والبرابرة اليهود مع الخونة، والمتخاذلين من أعوانهم ينفذون نكبات جديدة من دير ياسين إلى دير البلح، وكفر قاسم وإحراق المسجد الأقصى ومذبحة صبرا وشاتيلا وعناقيد الغضب في كانا، إنه حاضرٌ يرتد إلى الماضي فكيف بدأت القصة؟!

أيها المسلمون: كان اليهود شراذم وأقليات في بقاعٍ شتى من العالم فعزموا على إعادة بناء أنفسهم بجدية، فأنشأو حركة صهيونية تعمل وفق خطة مدروسة واضحة المعالم بوصاية بريطانية وبدعم من قادتهم واجتمع هدف اليهود والنصارى اللذين لم ينسوا الأحزاب وخيبر وبلاط الشهداء وحطين [كهرتزل ونوردو ووايز مان]، استطاعوا في مفصل تاريخي أن يعقدوا مؤتمر بازل قبل حوالي مائة سنة الذي انبثقت عنه المنظمة الصهيونية التي نجحت بالتحالف من الغرب بعد أن سيطرت على غالب ثرواته وتحكمت في إعلامية بأن كثفت الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومن ثم استصدار وعد وزير خارجية بريطانيا بلفور عام سبعة عشر وتسعمائة وألف ميلادية بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين المستعمرة حينذاك من بريطانيا، هذا الوعد بأرض مستعمرة في فلسطين لتجمع شتات اليهود، وزادت المصيبة وعظمت حين أسقطت دولة الخلافة الإسلامية في عام أربعة وعشرين وتسعمائة وألف ميلادية.

وفي نهاية المطاف نجحت الصهيونية ليعلن بن غوريون إنشاء كيان دولة يهودية في فلسطين عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين ميلادية، تسيطر على ثمانية وسبعين بالمائة من أرض فلسطين، هذه الدولة النشاز التي سارع إلى الاعتراف بها عدد من دول العالم الكافرة بمنظماته وهيئاته، وفي الوقت نفسه الذي يجتمع فيه اليهود شُرّد من مسلمي فلسطين حينذاك حوالي سبعمائة وخمسين ألفاً الذين ما زال معظمهم يعيشون في مخيمات بائسة بعد أن أصبح تعدادهم ثلاثة ملايين ونصف لاجئ، وفي سنة سبع وستين وتسعمائة وألف ميلادية استكمل الصهاينة احتلال باقي فلسطين مع عدد من الأراضي العربية.

ثم أصبحت إسرائيل دولة اعترف بها حتى بعض دول العالم الإسلامي وتعاملوا معها وتبادلوا معها السفراء والمكاتب التجارية في نفس الوقت الذي يقتل فيه المسلمون داخل فلسطين، تلكم هي قصة ثلاثة وخمسين عاماً من الصراع مع يهود، كان عدد اليهود في بدايته قليلاً وكان مشروعهم صغيراً، بإمكان المسلمين حينذاك القضاء عليه في مهده لو انتبهوا له وما انشغلوا عنه، لكن المشروع توسّع ولعله من قدر الله جل وعلا أن يضع هذه المنطقة في أكون الصراع لتجاهد في سبيل الله وتخرج العدو من الأراض المباركة، لقد استنجد أهل فلسطين في بدايات صراعهم مع اليهود بإخوانهم العرب والمسلمين وقامت التجارب الجهادية لأمة لا زال فيها عرق ينبض ورجال لا يقبلون الضيم، واشترك علماء وشباب ضحوا بأنفسهم في سبيل الله لمقاومة دولة يهودية، ودفاعاً عن المقدسات لكنها أُجهضت وحوربت من القريب قبل البعيد، وكان مسلمو فلسطين يصرخون ويستغيثون ويبيِّنون المؤامرة تلو المؤامرة فعقدت المؤتمرات الكثيرة وناقشوا القضية فتمخّض الدعم بالمال فقط إن وُجِد، واستجاب العالم العربي بدوله ومنظماته للجانٍ تأتي وتذهب ولا تستطيع أن تفعل شيئاً، لجانٌ ومندوبون برعاية كافرة من هيئة الأمم أو مجلس الأمن، وكانوا يصدرون القرارات ويعدونه ويحاورون ويناورون، ويَعِدُون العرب ولا يفون، والعرب لا يزالون ينتظرون، واليهود يماطلون بل استفادوا تسليحاً وتدريباً ونحن في غفلة ضائعون، وفي الوقت ذاته الذي كان يزداد فيه العرب ضعفاً وتخاذلاً فإن اليهود الصهاينة يزدادون قوة وتمكيناً، وضعفت المقاومة تجاه اليهود بل أصبحت الشعوب العربية ممنوعة حتى من الهتاف ضد إسرائيل، وتقمع لذلك.

ذلكم هو تاريخ القضية التي ما زالت تتنقل من نكبةٍ إلى نكبة.

أيها الأخوة المؤمنون: إنها دعوة للتأمل ودراسة الحال بحثاً عن العلاج، فإن المتأمل في مسيرة هذا الصراع تصدمه حقائق كبيرة يراد تصغيرها، ومعالم خطيرة يراد تحقيرها، منها أن الكيان الصهيوني الذي جعل الدين ركيزتها تنطلق منها السياسة، ظل يتنقل خلال مراحل الصراع من إنجازٍ إلى إنجازٍ ومن قوةٍ وانتشار، إلى مزيد من القوة والانتشار، في الوقت الذي ظلت فيه أكثر الكيانات العلمانية التي تصدرت للمعركة تتخبط في سيرها متنقلة من فشلٍ إلى فشل، ومن تنازل وخسارة إلى مزيد من التنازل والخسارة.

إن اليهود رفعوا منذ بدأت معركتهم رايةً واحدة هي راية التوراة، واندفعوا وراء غاية واحدة، هي أرض الميعاد، فأسمحوا دولتهم باسم نبي هو يعقوب عليه السلام أو [إسرائيل]، وجعلوا دستور دولتهم التوراة، وخاضوا معاركهم خلف الأحبار والحاخامات، وجعلوا لدولتهم بكل توجهاتها شعاراً واحداً هو نجمة داود وقبلتهم هيكل سليمان الذي يريدون بناءه مكان المسجد الأقصى كما يزعمون، إنها ثلاثةٌ وخمسون عاماً على قيام دولة يهودية أثبتت كل الشواهد خلالها الفشل الذريع، والهزائم المنكرة، والتراجع المذهل للاتجاه العلماني بأثوابه المتعددة من اشتراكيةٍ وقومية وتقدمية أو بعثية أو رافضية، إنّ الذي هُزم وتراجع أمام اليهودية ليس هو الإسلام، بل مسميات أخرى بعيدة عنه مشوّهة له، والذي ألقى السلاح وطلب الاستسلام ليس هو الإسلام بل العلمانية، الإسلام الذي لم يمكّن حتى الآن من التصدي لتلك المعركة العقائدية مع اليهود.

أيها الأخوة المؤمنون: بعد كل ذلك هل نستفيد من التاريخ؟! هل نرجع إلى الماضي لنقوّم الحاضر؟! هل لليل فلسطين من آخر؟ وهل لفجرها من موعدٍ؟! إن اليهود بما يملكون من قوى سياسيةٍ أو عسكرية أو اقتصادية أو إعلامية أو نظام مؤسسات هم أضعف بكثير مما يتصورهم عدد من الناس، لكننا لا نستطيع مواجهتهم والوهن كامنٌ في نفوسنا، والمهابة منزوعة من صدور أعدائنا، وإعلامهم ونظامهم ينسج الحقيقة من وجهة نظرهم وحدهم.

إننا لا نستطيع مواجهتهم إلا بالإسلام، وبالإسلام وحده ننتصر بإذن الله، وبالإسلام يتصحّح الخلل وتستمد أسباب النصر، ومقومات الصمود، فليس الصراع مع اليهود صراعاً موسمياً، بل بدأ صراعنا معهم مذ نبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وجاهر بها أسلافهم بعد ذلك من بني قريظة وقينقاع وبني النضير وعبد الله بن سبأ وميمون بن ديصان القداح.

إن قضية فلسطين قضية إسلامية بالدرجة الأولى، وإن الصراع سيستمر، وهو صراع بين الإسلام والتحالف الغربي الصهيوني، والجهاد الذي بدأه الشيخ يوسف الجرار وعز الدين القسام وعبد القادر المظفر وفرحان السعدي سيستمر بإذن الله، ويجب أن يعلم المسلمون ألا ثقة بوعود الغرب وأمريكا راعية السلام المزعومة، وأنه من السذاجة وهزال الرؤية أن نستجدي الغرب ليساعدنا عند اليهود أو يوقفهم عن ارتكاب المجازر في حق شعب يعتبرونه [همجياً أو إرهابياً] وإن نكبة مثل فلسطين لا تسترد بالحلول السهلة أو بالمؤتمرات والخبط فقط أو بالجلوس مع يهود في مفاوضات سلامٍ لا تبحث إلا عن رضاء يهود ومصالح يهود، وإن البحث عن حل لهذا الواقع المتردّي هو أول الوسائل للنصر.

لقد هانت هذه الأمة حين ظهر فيها تفرق الكلمة، واختلاف الأغراض، وتجاذب الأهواء، لقد برزت فيها الأحقاد، شُغل بعضهم ببعض، انقسموا إلى قوميات، وتفرقوا في دويلات، لهم في عالم السياسات مذاهب، ولهم في الاقتصاديات مشارب، استولت عليهم الفرقة ووقعت عليهم الهزيمة، بل نهش بعضهم بعضاً وسلب بعضهم حقوق بعض، حتى صيح بهم من كل جانب، فانصرفوا عن قضاياهم الكبرى، واستغل الأعداء الأجواء، وفي هذه الأجواء المظلمة، والأحوال القاتمة يزداد الصهاينة في مقدساتنا عتواً وفساداً وتقتيلاً وتخريباً، يريدون في زعمهم أن يبنوا هيكلهم المزعوم على أنقاض ثالث المسجدين الشريفين، أو أن يجهضوا انتفاضة الحجر لأطفال فلسطين ورجالها ونسائها، ألا ساء ما يزعمون، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والذلة والصغار والمسكنة لمن وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ [المائدة:60].

أيها المسلمون: والله ثم والله لا عز لهذه الأمة ولا جامع لكلمتها إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس بغير دين الله معتصم، به العز والمنعة، وعليه وحده تجتمع الكلمة، ولن يكون لهذه الأمة ذكرٌ ومجدٌ إلا به.

لقد تبين لكل ذي لب أن النزاع مع هؤلاء الصهاينة نزاع هوية ومصير، وعقيدة ودين، وإن حقوق الأمة لن تنال بمثل هذا الخور، لقد أوضحت الانتفاضة كما أوضحت أفغانستان والبوسنة والشيشان، أن الجهاد في سبيل الله هو السبيل الأقوم والطريق الأمثل لأخذ الحق والاعتراف به، وأيقن المسلمون أن راية الدين إذا ارتفعت تصاغرت أمامها كل راية.

بالجهاد ترد عاديات الطغيان، ويكون الدين كله لله، ويبقى دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم مصدقاً لما بين يديه من الحق ومهيمناً عليه.

إن حقاً على أهل الإسلام أن تربيهم التجارب والوقائع، وتصقلهم الابتلاءات والمحن، وإن بلوى نكبة فلسطين وتكرار ذكرها ينبغي أن يكون دافعاً لنا لا محبطاً محركاً للجهود لا جالباً لليأس من عدم النصر فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.

ومن الابتلاء ما جلب عزاً، وخلّد ذكراً، وكتب أجراً، وحفظ حقاً، كيف تحلوا الحياة لمن يضيّع دياره، وإذا ضاع الحِمى فهل بعد ذلك من خسارة؟! ولتعلموا أن الكفاح في طريق مملوء بالعقبات الكئود عند أصحاب الحق والكرامة والصرامة ألذ وأجمل من القعود والتخلف من أجل راحة ذليلة وحياة حقيرة، لا تليق بهمم الرجال، وإن صاحب الحق لابد له من المدافعة عن حقه وتهيئة كل أسباب القوة لانتزاع حقه من أيدي الغاصبين، والانتصار لا يتحقق للضعفاء فلا حل إلا بالجهاد ولابد من الإعداد، وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مّن قُوَّةٍ وَمِن رّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْء فِى سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [الأنفال:60].

واعلموا أن الشدائد والنوازل التي أصيب بها المسلمون خلال ثلاثة وخمسين عاماً بل أكثر في فلسطين تستجيش مكنون القوى وكوامن الطاقات، وعندما تدلهم الخطوب والأحداث يتميز الغبش من الصفاء، والهلع من الصبر، والثقة من القنوط، وإن التساؤلات التي تفرض نفسها في حال فلسطين ونكبتها لتبين لنا كيف جبنت الهمم، وضعفت العزائم، وخارت القوى عن تقديم أبسط وسائل النصرة لشعب فلسطين الذي يقصف صباح مساء على أيدي الصهاينة اليهود، والعرب لا يتكلمون بل علّقوا آمالهم على سلام مهترئ يسمى زوراً وبهتاناً سلام الشجعان، أو على مبادرات تؤخر ولا تقدم، وتَعِدُ ولا تنجز، فأي سلام هذا الذي يهدم البيوت ويزرع المستوطنات، ويشرد من الديار ويحاصر الشعوب، ويقتل الآلاف وينتهك المقدسات، سلامٌ يلغي الكرامة ويولي مجرمي الحرب رؤساء ومفاوضين، إنها صورٌ مأساوية للبغي على شعب فلسطين يراها العالم بكل فئاته فلا يحرك ساكناً، حتى الحس العربي تبلّد فما أصبح له أثر، "محمد الدرة" "أمل الخطيب" وغيرهم في فلسطين هل تعلمون من هم؟ إنهم الإرهابيون المتوحشون كما يزعم شارون حين يقصفهم وجنوده في منازلهم وفي طرقاتهم وعلى أسرتهم بدعوى مقاومة الإرهاب، وإنما هم أطفال لم يحركوا ساكناً، والعالم صامت..! إيمان حجو ذات الأربعة أشهر يقصفها اليهود بقذيفة تشق صدرها بدعوى مقاومة الإرهاب في فلسطين بأي ذنب قتلت.

وهي بطفولتها البريئة في مهد جنازتها إنما ترينا جبننا وخورنا عن نصرة قضية فلسطين ونحن صامتون، إنها أسماء أطفال لم تحارب، حتى الحجر لم تقذفه بل ماتت بالسلاح الصهيوني الذي لا زال حتى الآن يهدم البيوت ويقصف الآمنين ونحن عابثون لا هون عن نصرتهم.

إن الله سائلنا ولا شك عما قدمناه من نصرة لهؤلاء الضعفاء الذين خذلهم القريب قبل البعيد، أين أبسط أدوار المناصرة التي نقدمها إلى فلسطين؟! إنه ليس من عذرٍ لأحد اليوم يرى مقدساته تنتهك، ويرى أطفالاً أبرياء يقتلون في أسرتهم، ويهود متسلطون، ثم لا يدعم إخوانه هناك، ولا يتأثر لمصابهم، بل قد يتلهى عنهم بالنزهات والأباطيل فأين أخوة الإسلام؟! بل أين نخوة عرب مصر وعدنان؟ ألم ترووا جنائز الشهداء؟ وتسمعوا بكاء النساء؟ إنه لا عذر لأحد اليومّّ، إنه لا عذر لأحد اليوم.

وفي المحيا سؤال حائر قلق ……أين الفداء وأين الحب في الدين

أين الرجولة والأحداث دامية ……أين الفتوح على أيدي الميامين

ألا نفوس إلى العلياء نافرة ……تواقة لجنان الحور والعين

يا غيرتي أين أنت أين معذرتي ……ما بال صوت المآسي ليس تشجيني

إن أبسط أدوار المناصرة هي الدعم بالمال للمسلمين في فلسطين، هذا الدعم الذي بدأه قادة هذه البلاد وشجعوه في حملة نصرة انتفاضة الأقصى المباركة، ونحن نسينا هذا الدعم وتغافلنا عنه، كذلك الشعور الدائم بالقضية عبر مقاطعة بضائع اليهود والنصارى التي تحمس لها المسلمون زمناً ثم تغافلوا عنها بالرغم من أثرها الكبير عليهم، ومع ذلك فقد نسيتها أكثر المسلمين، إن أشد ما يواجهه إخواننا في فلسطين من قصف وقتل هو هذه الأيام فهم أشد ما يكونون حاجة إلى نصرة إخوانهم، حتى الدعاء في القنوت الذي أمر به ولاة أمر هذه البلاد. . بخل به بعض الأئمة في مساجدهم، وتثاقله بعض الناس من المصلين، فأين الشعور بالجسد الواحد؟ لقد طالعت قبل قليل بعض صور الدماء والقتلى فلم يستثنوا أحداً، لا طفلاً ولا امرأة ولا عجوزاً، ولا بيتاً، إنها صور مؤثرة تبكي، وعجز الإنسان عن النصرة يقتل أكثر من هذه الصور التي يناشدوننا فيها بالنصرة ولا من مجيب، إن أملنا بالله عظيم في نصرة إخواننا في فلسطين، وأن يهيئ لهم النصر على سواعد الأبطال التي تقذف الحجارة.

إذا البغي يوماً طغى وانتشر ……فلابد من قذفه بالحجر

ولابد للظلم أن ينجلي ……ولابد للقهر أن يندحر

أيرضيك يا مبعث الأنبياء ……ومسرى الرسول الرحيم الأبر

نطأطئ ذلاً من الظالمين ……فمن ذلنا لا نطيق النظر

يعيث اليهود بأقدارنا ……ومن يغدرون عدو أشر

.