الاثنين، 9 مارس 2015

العودة إلى تعاليم الإسلام


االحمد لله الذي لا تدركه الأبصار، ولا تحويه الأفكار،

ولا يكفيه الليل والنهار، ونشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه، ولا

مناوئ له في علو شانه، العزيز الذي لا يظلِم ولا يذل،

والقوي فكل ما سواه زائل مضمحل، يقبل تائباً، ويعطي

محروماً، ويغيث ملهوفاً، ويفقر غنياً، ويغني فقيراً،

ويقصم جباراً، ويهلك ظالماً، ويرفع أقواماً، ويهلك

آخرين.
ونشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا ومخرجنا من الظلمات

إلى النور محمد رسول الله، صلاة ربي وتسليماته عليك

أيها النبي الأمي، الذي إذا علّم فهو أستاذ المعلمين،

والذي بعث الأمل في قلوب البائسين، صلى الله عليه

وعلى آله وأصحابه وأحبابه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله، ما من يوم يمر إلا ويزداد الإسلام


عظمة على عظمة، ونوراً على نور، كيف لا وهو دين

الله تبارك وتعالى للناس أجمعين.
ولكن وللأسف الشديد ما نعانيه من الشقاء والمفاتن في

هذه الأيام هو بسبب بعدنا عن دين الله وأخلاق الإسلام.
حياتنا الزوجية مشاكلها كثيرة، فهل كان عندنا إيمان بالله

تعالى واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، أيحدث

مثل هذا في الحياة الزوجية؟
والجواب: لا، لماذا؟ لأن الزواج في الإسلام عبارة عن

شركة رأس مالها المودة والرحمة، والإسلام جعل

للزوجة حقوقاً، وعليها واجبات، وجعل للزوج حقوقاً،

وعليه واجبات، وعلى كل واحد منهما القيام بما عليه،

والإسلام يسوس الأمور على طاعة الله ورضوانه،

ويحيط الأسرة من جميع جوانبها بسياج منيع.
اسمع أيها المسلم إلى قول الله تبارك وتعالى عندما يريد

أن يعالج مشكلات المرأة، ولا يعالجها بعد وقوعها، إنما

يعالجها قبل أن تندلع المشكلات، قال الله تعالى: وَاللَّاتِى

تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ

وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ

كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً [النساء:34].
هذا هو العلاج الرباني، وبدلاً من الذهاب إلى المحاكم

ونشر أسرار البيوت ورفع الدعاوى ضد الأزواج والحكم

عليهم بالسجن، فبالله عليكم كيف سيعيش الرجل مع

زوجته بعد أن رفعت عليه قضية في المحاكم

؟ ثم سجنته سنة أو أكثر من ذلك؟ كيف

ستكون مصير الأسرة؟ كيف سيكون مصير الأولاد

والبنات؟
عباد الله، أمتنا تحتاج إلى تربية إسلامية تقوم على

تطبيق منهج الإسلام، وإذا حصل خلاف أو خصام أو

شجار يجب أن تحل المشكلات على أسس وأحكام

إسلامية فقط، ويجب أن يتدخل من يحكم بينهما لقول الله

تبارك وتعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مّنْ

أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا [النساء:35].
ولقد وقعت أيام عمر رضي الله عنه خلافات بين

زوجين، فأرسل حكمين، حكماً من أهل الزوج، وحكماً من

أهل الزوجة، وأمرهما أن يصلحا بين الزوجين، فعاد

الحكمان فسألهما عمر رضي الله عنه: هل أصلحتما؟

قالا: لم يصطلحا يا أمير المؤمنين، فضربهما عمر

بعصاه، فقال الحكمان: ما ذنبنا يا أمير المؤمنين؟ فقال

الفاروق: لو كان في نيتكما أن تصلحا بينهما، لأصلح الله

بينهما، أوما قرأتما قول الله تبارك وتعالى: إِن يُرِيدَا

إِصْلَاحاً يُوَفّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً [

النساء:35]، عليماً بنية الحكمين.
فهناك حكم إذا ذهب إلى الصلح دعا الله أن يوفقه على

عدل وخير ومحبة ووفاق، وهناك حكم ـ والعياذ بالله ـ

يزيد المشاكل ويعقدها.
عباد الله، إن من أسباب المشاكل الزوجية أن لا تلتزم

المرأة المسلمة بواجبها، قد لا تصلي، وقد تخرج

متبرجة، اسمعوا أيها المؤمنون قول رسول الله صلى الله

عليه وسلم: ((إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها،

وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها يوم القيامة:

ادخلي الجنة من أي أبوابها الثمانية شئت))(1)[1].
وأنتم أيها الرجال، اتقوا الله في النساء، واستمعوا لقول

رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء

خيراً، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع

أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل

أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً))(2)[2].
عباد الله، إذا التزمنا منهج الله واتبعنا سنة المصطفى،

ترى هل يحل بنا هذا الشقاء الذي نحن فيه الآن؟
والجواب: لا، وألف لا، لماذا نخالف سنّة الرسول صلى

الله عليه وسلم في أقوالنا وأعمالنا ورسولنا الأكرم صلى

الله عليه وسلم يقول: ((ومن أحيا سنتي عند فساد أمتي

فله أجر مائة شهيد))(3)[3].
تعالوا ـ أيها المؤمنون ـ لنعيش وإياكم مع امرأة مؤمنة

صادقة عارفة بالله، كانت لا تفوتها صلاة الجمعة في

المسجد، وكرست حياتها لله تعالى، كان أخوها من

الأولياء وكتب من ماله لها الشيء الكثير، كتبت وصيتها

قبل أن تموت.
اسمعوا ـ أيها المؤمنون ـ هذه الوصية: لا تقيموا مأتماً،

ولا تصرخوا علي، ولا تولولوا، وتقيموا خريفاً ولا

أربعين، ولا سنة، فإذا أنا متُّ ودخلت قبري، فلا تسمحوا

لأحد أن يدخل معي قبري حتى لا يمسني، ولا يطلع علي،

إنما الذي يقوم بدفني رجل محرم علي.
عباد الله، كيف ماتت هذه الفتاة المسلمة، حكمة بالغة في

اليوم الذي دعي فيه الناس، ليحضروا عقد قرانها، وقبل

أن يحضر المأذون بقليل، دخلت لتتوضأ، وتصلي لله

تعالى ركعتي شكر، فماتت بعد كمال وضوئها، وتحول

المهنئون إلى معزين، سبحان الله.
أيها المسلم:
تزود من التقوى فإنك لا تدري …إذا جن ليل هل تعيش

إلى الفجر
وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا …وقد نسجت أكفانه

وهو لا يدري
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم …وقد أدخلت

أجسادهم ظلمة القبر
وكم من عروس زينوها لزوجها …وقد قبضت أرواحهم

ليلة القدر
وبدلاً من أن تلبس الفتاة ثياب زفافها لبست أكفانها، وبدلاً

من أن تدخل الحمام لتغسل نفسها بنفسها، حُملت على

خشبة عرجاء، وبدلاً من أن تخلع ثيابها بيديها، نامت

على خشبة الغسل لتخلع ثيابها، أقسمت المغسلة التي

غسلتها، أنها وهي تقعدها لتوضئها ـ فمن سنة غسل

الميت الوضوء ـ أقسمت المغّسلة وهي تغسلها، ابتسمت

كأنها على قيد الحياة، كأنها تقول لها: لماذا توضئونني،

وقد توضأت قبل الموت، وقد مت على الوضوء.
فلو كان النساء كمثل هذه …لفضلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيب …ولا التذكير فخر للهلال
وحملت على أعناق الرجال، وذهب بها إلى قبرها مدرجة

في أكفانها، وجاء وقت الدفن، وجيئ بالأمانة، وفتح باب

القبر، لا باب غرفة الزفاف، ونزل أبوها ـ تصوروا يا

عباد الله ـ الأب بنفسه ينزل ويفك الأربطة عن كفنها،

ووضع الخد على التراب، وأنامها على شقها الأيمن وقال

لها: سلام عليك، إلى اللقاء يوم يجمع الله الأولين

والآخرين.
هذه هي سُنة الدنيا ـ يا عباد الله ـ، ولما قرأوا وصيتها

وجدوها أوصت بثلث مالها للفقراء والمساكين، سألوا

عن مصاغها وجواهرها، فعلموا أنها تصدقت بها جميعاً

على زميلاتها الفقيرات، فسألوا عن مكتبتها كم تحوي من

الكتب، لم يجدوا فيها كتاباً تافهاً من الكتب التي يحملها

شباب اليوم، لم يجدوا فيها مجلة خليعة، لم يجدوا إلا

كتاب الله تبارك وتعالى، وجدوا فيها كتباً تفسيراً وسيرة

للرسول صلى الله عليه وسلم.
هذه فتاة مسلمة، عرفت ربها، فإلى رضوان الله ورحمته

وجنته سارت ـ كما نحسبها والله حسيبها ـ، خاطبتها

الملائكة بقوله تبارك وتعالى: يأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ

ارْجِعِى إِلَى رَبّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِى فِى عِبَادِى

وَادْخُلِى جَنَّتِى [الفجر:27-30].
هذه الفتاة، أوصت أن لا يكون هناك ذكرى للأربعين،

لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا عزاء

بعد ثلاثة أيام))، وكل ما يجري في موتنا وأفراحنا أو

أكثره بدع ما أنزل الله بها من سلطان، ذكرى الخميس

لماذا؟ لا أصل له، ذكرى الأربعين لماذا ؟ إذا سألتهم

لماذا تحتفلون بمرور أربعين يوماً على الميت فلا تجد

إجابة، إلا أن بعض الجهلة يقولون لك: إن الدود يبدأ بأكل

أنف الميت بعد أربعين يوماً، أتحتفلون بأكل أنفه؟ لماذا

لا تحتفلون بأكل لسانه المُر الذي كان يسيل أذى، لماذا؟

إنها ليست سُنّة من سنن الإسلام، إنها بدعة من بدع

الفراعنة القدامى، كانوا يحتفلون بذكرى الأربعين،

ويقولون بأن الروح بعد الموت تحاسب أربعين يوماً في

السماء، ثم تنزل إلى الجسد بعد الأربعين، هذا هو كلام

الفراعنة الوثنيين، وليس من كلام سيد المرسلين.
فاتقوا الله، ـ يا عباد الله ـ وحافظوا على فروجكم،

وحافظوا على نسائكم وبناتكم، علموهم أحكام الإسلام،

فهن بحاجة إلى العلم والمعرفة أكثر من الرجال، وذلك

لغلبة الهوى عليهن في الصِبى، فإن الصبية في الغالب

تنشئ في بيتها لا تلقن القرآن، ولا تعرف الطهارة من

الحيض، ولا تعلم أركان الصلاة، ولا تحدَث قبل الزواج

بحقوق الزوج، وربما رأت أمها تؤخر الغسل من الحيض

إلى حين غسل الثياب، وتدخل الحمام بغير مئزر، وتقول:

ما معي إلا أختي، وتأخذ من مال الزوج بغير إذنه، وربما

تعمل له عمل الشياطين، تبغي أن تعطفه عليها، وهذا كله

حرام شرعاً، وتصلي ـ ربما مع القدرة على القيام ـ

قاعدة، وتحتال في إخفاء الحمل إذا حملت، إلى غير ذلك

من الآثام.
وتذكروا ـ يا عباد الله ـ أن الزمان لا يخلو من

الصالحات، والله سبحانه وتعالى يقول: فَالصَّالِحَاتُ

قَانِتَاتٌ حَفِظَاتٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34].



 أيها المسلمون، إن تخبط العالم الإسلامي اليوم

وهوان الأمة وتفرقها وضعفها يعود أساساً إلى غياب

دولة الإسلام وغياب تطبيق منهج الله تبارك وتعالى

كدستور ونظام حياة.
وبدأت عوامل الهزيمة والفرقة تسرى بعد المؤامرة

الاستعمارية الحاقدة على دولة الخلافة وإسقاطها سنة

1924م، ومن المؤلم أن بعض العرب كانوا أول

المساهمين في القضاء عليها، في وقت كانت فيه الدول

الاستعمارية تتآمر فيما بينها لاقتسام عالمنا العربي، من

خلال معاهدة سايكس بيكو التي أطلقت كل من فرنسا

وبريطانيا يديها لاستعمار العالم العربي الإسلامي،

وأعقب ذلك وفي غياب دولة الإسلام البدأ في تنفيذ وعد

بلفور المشؤوم، الذي أعطى ـ من لا يملك ـ حق

التصرف في أرض المسلمين، لمن لا يستحق هذا الحق.
وبدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين لاستعمارها وإقامة

الوجود الصهيوني، وفي غياب دولة الإسلام أيضاً طرح

مشروع تقسيم دولة فلسطين، وكان طبيعياً أن يرفض

شعبنا هذا التقسيم الجائر الظالم، بل كان من الواجب

رفض هذا التقسيم باعتبار فلسطين أرضاً إسلامية غير

قابلة للتقسيم والتجزئة.
واستمرت المؤامرة من خلال الأنظمة العربية آنذاك،

والتي رفعت شعارات القومية العربية، وغلّفتها بغلاف

ديني لاستنهاض الهمم، ليس إلا، وقامت تحت ذرائع

تحرير فلسطين الثورات والانقلابات العسكرية في أكثر

من بلد عربي.
وتحت هذه الشعارات الرنانة والطنانة كانت الطامة

الكبرى في سنة سبع وستين، حيث احتلت كل فلسطين،

إضافة إلى أراضٍ عربية أخرى.
واستمر العجز العربي يتفاقم في ظل غياب دولة

الإسلام، وأمام هذا الضعف بدأ الإحساس الديني يتنامى

في الأمة الإسلامية، وبدأت الصحوة الإسلامية تدعو إلى

العودة إلى تعاليم الإسلام، بعد أن تأكد للجميع أن لا عزة

إلا بالإسلام وبقيام دولة الإسلام.
وتنبه المستعمرون والمحتلون لهذه الصحوة، وتنبه دعاة

العلمانية إلى أن عودة الأمة للإسلام هي الخطر الحقيقي

على مصالحهم ونفوذهم وسطوتهم، فكثف أعداء الأمة

نار حقدهم ضد الجماعات الإسلامية وألصقوا بهم تُهم

الإرهاب.
أيها المسلمون، إن المأساة الفلسطينية تندرج في إطار

هذا التصور، فها هو شعبنا الفلسطيني الذي وقف وحيداً،

يواجه أعتى وأقوى دولة، وأطول احتلال عرفه التاريخ

البشري، فقدم آلاف الشهداء، وتم اعتقال الآلاف من

خيرة أبنائه، وهدمت آلاف المنازل وصودرت، وجرِّفت

الأراضي، ولم يحرك أحد من قادة الأمة ساكناً، ولم تعد

قضيتنا قضية إسلامية، وما التغني بأمجاد الماضي إلا

للبرهنة على العجز القائم اليوم.
أيها المسلمون، وإذ نشهد اليوم هدنة مصطنعة

ومفروضة، فإن إسرائيل وعبر تاريخها الاستيطاني

وسياستها التوسعية تستغل هذه الهدنة لتكريس احتلالها

عبر تشكيل المستوطنات، حتى غدا سكان المستوطنات ـ

وحسب الإحصاءات الإسرائيلية ـ في الضفة وقطاع غزة

يشكلون ثلثي سكان إسرائيل.
وفي الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل بحث قضية القدس

وقضية اللاجئين نجد أنها تجُس نبض المسلمين من خلال

تسريب معلومات خاطئة، ومفادها أن ثمة اتفاقاً على ما

يسمونه حرية العبادة لسائر الأديان في المسجد الأقصى

المبارك، وهذا بحد ذاته توطئة لتقسيم المسجد والنيل من

قدسيته لا قدر الله.
أيها المسلمون، لقد أصبحت ـ وللأسف الشديد ـ قضية

فلسطين قضيةً جزئية، تتعلق بإزالة الحواجز العسكرية،

وأصبحت قضية فلسطين قضيةَ ما يسمى الجدار الآمن،

هل ستتوقف إسرائيل عن بنائه أم ستواصل البناء؟
واليوم أصبحت قضية الأسرى هي القضية الأكثر

احتداماً، لأن إسرائيل تريد أن تميز بينهم، ومن هنا نشدد

على أهمية ضرورة إطلاق سراح الأسرى جميعاً دون

تمييز، ودون مساومة، فذلك من حقهم.
ولكن إسرائيل تضرب عرض الحائط بكل المواثيق

والأعراف التي تحافظ على حق السجين في حياة

مطمئنة، فها هي تقوم بالتنكيل بالأسرى، بدلاً من إطلاق

سراحهم، وما جرى في سجن عسقلان أكبر دليل على

غطرستها وسياستها القمعية ضد شعبنا الفلسطيني داخل

السجون وخارجها.
 ومن هنا نكرر أيضاً مطالبتنا

بإطلاق سراحهم جميعاً دون قيد أو شرط.
اللهم أطلق سراح جميع الأسرى المسلمين، اللهم ارحم

ضعفهم، واجبر كسرهم، وتولَ أمرهم، وشُد أزرهم، وكن

معهم يا رب العالمين، اللهم أعدهم إلينا سالمين غانمين

آمنين مطمئنين.
عباد الله، متى يدرك المسلمون أن قضيتنا هي قضية

صراع عقدي بين الحق والباطل؟ وصدق الله تبارك

وتعالى وهو يقول: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن

دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ [البقرة:217].
ومِن هنا، فالواجب على أمتنا في كل مكان أن تعمل

لإقامة دولة الإسلام حتى تعود لها الكرمة والعزة

والمقدسات، وصدق الله تبارك وتعالى وهو يقول: وَقُلِ

اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [

التوبة:105].
وفقنا الله وإياكم للعمل بكتابه وتطبيق سنة نبيه صلى الله

على وسلم.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده برقم (1664)، وصححه

الألباني في صحيح الجامع برقم (661).
(2) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة في كتاب:

أحاديث الأنبياء، باب: خلق آدم صلوات الله عليه وذريته

(3331)، ومسلم في كتاب الرضاع، باب: الوصية بالنساء

(1468) واللفظ للبخاري.
(3) أخرجه البيهقي في الزهد الكبير برقم (207)، وقال

الألباني: ضعيف جداً، انظر: السلسلة الضعيفة (326).
(1/2828)

جماع الخير ومِلاك الأمر وسبب السعادة التوبة إلى الله


الحمد لله العزيز الوهاب الذي خلق الأسباب, وقدر

المقادير فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن, لا إله إلا

هو سريع الحساب, أحمد ربي وأشكره وأتوب إليه

واستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له

شهادة مبرّأة من النفاق والارتياب، وأشهد أن نبينا

وسيدنا محمداً عبده ورسوله المنعم عليه بأفضل كتاب،

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك والأصحاب.

أما بعد:

 فاتقوا الله ـ معشر المسلمين ـ حق التقوى،

فتقوى الله تبارك وتعالى, تقوى الله الجليل عدةٌ لكل شدة،

وحصن أمين لمن دخله، وجُنةٌ من عذاب الله.

واعلموا ـ عباد الله ـ أن ربكم خلق بني آدم معرّضاً

للخطيئات ومعرّضاً للتقصير في الواجبات، فضاعف له

الحسنات، ولم يضاعف عليه السيئات، قال الله تعالى: مَن

جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيّئَةِ فَلاَ

يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [الأنعام:160]، وعن ابن

عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إن الله

كتب الحسنات والسيئات فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها

الله عنده حسنة كاملة, فإن عملها كتبها الله عنده عشر

حسنات, إلى سبعمائة ضعف, إلى أضعاف كثيرة, فإن همّ

بسيئة فلم يعملها كتبها الله حسنة كاملة, فإن عملها كتبها

الله عنده سيئة واحدة)) رواه البخاري(1)[1].

وشرع الله لكسب الحسنات طرقاً للخيرات, وفرائض

مكفرات للسيئات, رافعة للدرجات، عن أبي هريرة رضي

الله عنه عن رسول الله قال: ((الصلوات الخمس والجمعة

إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفّرات لما بينهن إذا

اجتنبت الكبائر)) رواه مسلم(2)[2].

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:

قال رسول الله : ((أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز, ما

من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها, وتصديق

موعودها إلا أدخله الله بها الجنة)) رواه البخاري(3)[3].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((

الإيمان بضع وسبعون ـ أو بضع وستون ـ شعبة،

فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن

الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)) رواه البخاري

ومسلم(4)[4].

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أي

العمل أفضل؟ قال: ((الإيمان بالله، والجهاد في سبيله))

قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: ((أنفسها عند أهلها وأكثرها

ثمناً)) قلت: فإن لم أفعل؟ قال: ((تعين صانعًا، أو تصنع

لأخرق)) قلت: يا رسول الله، أرأيت أن ضعُفت عن بعض

العمل؟ قال: ((تكفّ شرّك عن الناس، فإنها صدقة منك

على نفسك)) رواه البخاري ومسلم(5)[5].

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تحقرن من

المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق)) رواه

مسلم(6)[6].

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن الله

ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها, أو يشرب

الشربة فيحمده عليها)) رواه مسلم(7)[7].

وكما شرع الله كثرة أبواب الخير وأسباب الحسنات سدّ

أبواب الشر والمحرمات، وحرم وسائل المعاصي

والسيئات, ليثقل ميزان البر والخير، ويخف ميزان الإثم

والشر، فيكون العبد من الفائزين المفلحين، قال الله

تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ

وَالإِثْمَ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ

سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله

يقول: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه

ما استطعتم)) رواه البخاري ومسلم(8)[8].

وجماع الخير ومِلاك الأمر وسبب السعادة التوبة إلى

الله، قال عز وجل: وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ

لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، ومعنى التوبة: هي الرجوع إلى

الله والإنابة إليه من فعل المحرم والإثم, أو من ترك

واجب أو تقصير فيه, بصدق قلب, وندم على ما كان.

والتوبة النصوح يحفظ الله بها الأعمال الصالحة التي

فعلها العبد, ويكفّر الله تبارك وتعالى بها المعاصي التي

وقعت, ويدفع الله بها العقوبات النازلة والآتية، قال الله

تعالى: فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ

يُونُسَ لَمَّا ءامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْىِ فِى الْحياةَ

الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ. روى ابن جرير رحمه الله في

تفسير هذه الآية عن قتادة قال: "لم ينفع قرية كفرت ثم

آمنت حين حضرها العذاب فتُرِكت إلا قوم يونس لما

فقدوا نبيهم وظنوا أن العذاب قد دنى منهم قذف الله في

قلوبهم التوبة, ولبسوا المسوح, وألهوا بين كل بهيمة

وولدها ـ أي فرقوا بينهما ـ ثم عجّوا إلى الله أربعين ليلة،

فلما عرف الله الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على

ما مضى منهم كشف الله عنهم العذاب, بعد أن تدلى

عليهم"اهـ.

وقال تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتّعْكُمْ

مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ

وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود:3].

والتوبة واجبة على كل أحد من المسلمين, فالواقع في

كبيرة تجب عليه التوبة لئلا يبغته الموت وهو على

المعصية, فيندم حين لا ينفع الندم, والواقع في الصغيرة

تجب عليه التوبة؛ لأن الإصرار على الصغائر يكون من

كبائر الذنوب, والمؤدي للواجبات التارك للمحرمات تجب

عليه التوبة أيضاً, لما يلحق العمل من الشرور وانتفاء

موانع قبوله, وما يخشى على العمل من الشوائب المحذر

منها كالرياء. عن الأغر بن يسار المزني قال: قال رسول

الله : ((يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه, فإني أتوب

إليه في اليوم مائة مرة)) رواه مسلم(9)[9].

والتوبة باب عظيم تتحقق به الحسنات الكثيرة التي يحبها

الله, لأن العبد إذا أحدث لكل ذنب يقع فيه توبة كثرت

حسناته ونقصت سيئاته، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ

مَعَ اللَّهِ الها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ

بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ

الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ

وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ

وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الفرقان:68-70].

أيها المسرفون، تذكروا سعة رحمة الله وعظيم فضله

وحلمه وجوده وكرمه حيث قبل توبة التائبين, وأقال عثرة

المذنبين, ورحم ضعف هذا الإنسان المسكين, وأثابه على

التوبة, وفتح له أبواب الطهارة والخيرات، عن أبي

موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((

إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار,

ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل)) رواه مسلم(10)

[10].

والتوبة من أعظم العبادات وأحبها إلى الله تعالى, من

اتصف بها تحقق فلاحه, وظهر في الأمور نجاحه, قال

تعالى: فَأَمَّا مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ

مِنَ الْمُفْلِحِينَ [القصص:67].

وكفى بفضل التوبة شرفاً فرح الرب بها فرحاً شديداً, عن

أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لله أشد فرحاً

بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في

أرض فلاة)) رواه البخاري ومسلم(11)[11].

والتوبة من صفات النبيين عليهم الصلاة والسلام ومن

صفات المؤمنين, قال الله تعالى: لَقَدْ تَابَ الله عَلَى النَّبِىّ

وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاْنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن

بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ

رَءوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة:117]، وقال تعالى عن موسى عليه

الصلاة والسلام: سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [

الأعراف:143]، وقال عن داود عليه السلام: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا

دَاوُودَ ذَا الاْيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:17]، وقال عز وجل:

التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الركِعُونَ

السَّاجِدونَ الاْمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ

وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:112].

ألا ما أجل صفة التوبة التي بدأ الله بها هذه الصفات

المثلى من صفات الإيمان.

والتوبة عبادة لله بالجوارح والقلب, واليوم الذي يتوب

الله فيه على العبد خير أيام العمر، والساعة التي يفتح

الله فيها لعبده باب التوبة, ويرحمه بها هي أفضل ساعات

الدهر؛ لأنه قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، عن كعب

بن مالك رضي الله عنه في قصة توبة الله عليه حين

تخلفه عن غزوة تبوك أنه قال: فلما سلمت على رسول

الله قال وهو يبرق وجهه من السرور: ((أبشر بخير يوم

مرّ عليك منذ ولدتك أمك)) رواه البخاري ومسلم(12)[12].

معشر المسلمين، إنها تحيط بكم أخطار عظيمة, وتنذركم

خطوب جسيمة, وقد نزل من أعداء الإسلام بالمسلمين

نوازل وزلازل, وأصابتهم الفتن والمحن, وإنه لا مخرج

لهم من هذه المضائق وهذه الكربات إلا بالتوبة إلى الله

والإنابة إليه.

فالتوبة واجبة على كل مسلم على وجه الأرض من

الذنوب صغارها وكبارها ليرحمنا الله في الدنيا والآخرة،

ويكشف الشرور والكربات ويقينا عذابه الأليم، وبطشه

الشديد.

قال أهل العلم: إذا كانت المعصية بين العبد وبين ربه لا

حق لآدمي فيها, فشروطها أن يقلع عن المعصية, وأن يندم

على فعلها، وأن يعزم أن لا يعود إليها أبداً, وإن كانت

المعصية تتعلق بحق آدمي فلا بد مع هذه الشروط أن

يؤدي إليه حقه، أو يستحلّها منه بالعفو.

والتوبة من جميع الذنوب واجبة، وإن تاب من بعض

الذنوب صحت توبته من ذلك الذنب, وبقي عليه ما لم يتب

منه.

فتوبوا إلى الله أيها المسلمون، وأقبِلوا إلى رب كريم

أسبغ عليكم نعمه الظاهرة والباطنة, وآتاكم من كل ما

سألتموه، ومدّ في آجالكم، وتذكروا قصص التائبين

المنيبين الذين منّ الله عليهم بالتوبة النصوح بعد أن

غرقوا في بحور الشهوات والشبهات, فانجلت غشاوة

بصائرهم وحييت قلوبهم, واستنارت نفوسهم, وأيقظهم الله

من موت الغفلة, وبصرهم من عمل الغي وشقاوة

المعاصي, وأسعدهم من شقاء الموبقات، فصاروا

مولودين من جديد، مستبشرين بنعمة من الله وفضل, لم

يمسسهم سوء, واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضل

عظيم.

بسم الله الرحمن الرحيم: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى

اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ

وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللَّهُ

النَّبِىَّ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ

وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى

كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [التحريم:8].

 فاتقوا الله تعالى وأطيعوه, فإن طاعته أقوم

وأقوى, وتزودوا بهذه التقوى لداركم الأخرى، فإنها دار

القرار، نعيمها أبدي, وعذابها سرمدي, واشكروا نعم الله

عليكم بطلب رضوانه وملازمة طاعته والبعد عن

معصيته.

وأعظم النعم نعمة الإسلام والإيمان, وما أجل نعمة الأمن

والأمان، الأمن تنتظم به مصالح الدنيا والدين، وتصلح به

الحياة في جميع جوانبها, وتندفع بوجوده الشرور

والمخاوف عن الناس، وتدر معه الخيرات، وقد امتن الله

به على أهل بيته العتيق بقوله: أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَماً ءامِناً

يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شيء رّزْقاً مّن لَّدُنَّا وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ

يَعْلَمُونَ [القصص:57].

وبين النبي قدر نعمة الأمن وفضلها بقوله: ((من أصبح

منكم ءامناً في سربه, معافاً في جسده, عنده قوت يومه,

فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)) رواه الترمذي وقال:

حديث حسن، من حديث عبيد الله بن محصن الأنصاري

الخزرجي رضي الله عنه(13)[1].

وشكر هذه النعمة بالمحافظة على أسبابها والحذر من

أسباب اختلالها، ومن أسباب المحافظة على الأمن الأخذ

على يد العابثين بالأمن والاستقرار, من السفهاء والفساق

والمجرمين الذين يهدمون ولا يبنون, ويفسدون ولا

يصلحون، ويفارقون جماعة المسلمين وإمامهم، قد زين

لهم الشيطان صنيعهم, ودفعهم إلى مزالق الشر أعداء

بلادهم, الذين شوهوا صورة الإسلام, وحققوا مكاسب

لأعداء الإسلام بهذه الأعمال التخريبية الإجرامية

الإرهابية, التي تظهر بين آونة وأخرى.

وإن أمن بلدكم مسئولية الجميع، فمن علم منه التوجه لهذا

المسلك الخبيث والإعداد للإفساد في الأرض، فيجب رفع

أمره للسلطة, قبل أن يحدث شيء من الحدث الذي يحقق

أهداف أعداء الأمة، ويحقق أهداف أعداء البلاد.

وعلى الشباب الذين غرر بهم أن يبصروا مواقع أقدامهم،

وأن يحذروا من كل فكر يخالف كتاب الله وسنة رسوله ،

وألا ينخدعوا لمن يدعو إلى هذا الفكر المنحرف، وإن

زعم لنفسه ما زعم، أو ادعى له أحد ما ادعى.

معشر الشباب، خذوا العلم من كتاب الله ومن سنة

رسوله على فهم السلف الصالح الذين جعلهم الله وسطاً

بين الأمم على يد الراسخين في العلم.

__________

(1) أخرجه البخاري في الرقاق، باب: من همّ بحسنة أو

بسيئة (6491)، ومسلم في الإيمان، باب: إذا هم العبد

بحسنة (131).

(2) أخرجه مسلم في الطهارة، باب: الصلوات الخمس..

(233).

(3) أخرجه البخاري في الجنة وفضلها، باب: فضل

المنيحة (2631).

(4) أخرجه البخاري في الإيمان، باب: أمور الإيمان (9)،

ومسلم في الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان (35)

واللفظ له.

(5) أخرجه البخاري في العتق، باب: أي الرقاب أفضل

(2518)، ومسلم في الإيمان، باب: بيان كون الإيمان بالله

أفضل الأعمال (84).

(6) أخرجه مسلم في البر والصلة، باب: استحباب طلاقة

الوجه عند اللقاء (2626)،

(7) أخرجه مسلم في الذكر والدعاء، باب: استحباب حمد

الله تعالى بعد الأكل والشرب (2734).

(8) أخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب:

الاقتداء بسنن رسول الله (7288)، ومسلم في الحج، باب:

فرض الحج مرة في العمر (1337).

(9) أخرجه مسلم في الذكر والدعاء، باب: استحباب

الاستغفار (2702).

(10) 10] أخرجه مسلم في التوبة، باب: قبول التوبة من

الذنوب (2759).

(11) 11] أخرجه البخاري في الدعوات، باب: التوبة

(6309) واللفظ له، ومسلم في التوبة، باب: من الحض

على التوبة... (2747).

(12) 12] أخرجه بتمامه البخاري في المغازي، باب:

حديث كعب بن مالك (4418)، ومسلم في التوبة، باب:

حديث توبة كعب بن مالك (2769).

(13) أخرجه الترمذي في الزهد، باب في التوكل على الله

(2346)، وقال: حسن غريب، وابن ماجه في الزهد، باب:

القناعة (4141)، وصححه ابن حبان (الإحسان 671).

(1/2827)