الجمعة، 13 فبراير 2015

الوردة الحمراء
كوميدية عصرية في فصل واحد

(صالون على الطراز الحديث. . نافذة عند صدر المنظر وباب على كل من جانبي المسرح. . . بعض خور عائلية وأسلحة تاريخية تزين جدران الحجرة. فوق مكتب صغير تتألق باقة من لورود الحمراء داخل آنية شافة. . عند رفع الستار يرى جاستون جالساً على ديوان وثير، مطرق الرأس، حزيناً وقد تناهبته هموم مبرحة. . بعد فترة وجيزة ينتصب فجأة ويتجه نحو النافذة. . . يمر في طريقه بالورود الحمراء فيقف متردداً. . يرنو إليها ثم ينشق في رفق عبيرها العاطر ويمضي إلى النافذة فيلقي منها نظرة سريعة وجلة بعود بعدها إلى باقة الورد يتأملها، مشتت الفكر. وما يلبث طويلاً حتى يقترب ثانية من النافذة ويظل يتردد هكذا بين الورود والنافذة إلى أن يسئمه الانتظار فيحاول إشعال سيجارة لكنه يخفق فيرمي بها إلى الأرض، حانقاً يضغط على زر الجرس فيبدو الخادم فرنسيس)
المشهد الأول
جاستون - فرنسيس
فرنسيس - سيدي. .؟
جاستون - ألم يجئ أحد؟
فرنسيس - كلا يا سيدي.
جاستون - ويريد الساعة الرابعة؟
فرنسيس - لم يصل بعد
جاستون - (مشعلاً سيجارة) والمسيو شنسيريل؟
فرنسيس - لو أنه جاء. . .
جاستون - (مقاطعاً وقد فهم) حسناً. . . (يلقي في حركة آلية بسيجارته إلى الأرض) ألم
ترد برقية؟
فرنسيس - لا ياسيدي
جاستون - والتلفون؟
فرنسيس - لو أن أحداً سأل عن سيدي بالتليفون لسمع سيدي رنين الجرس. .
جاستون - في الواقع. . . (وهو يشير حواليه، ضجراً) أعد عض النظام إلى الحجرة
(يحاول جاستون من جديد إشعال سيجارته في عصبية مضطردة بينما يرتب فرنسيس في صمت الأوراق المبعثرة المتراكمة على المكتب. عندما ينتهي الخادم من عمله يقترب من باقة الورود فيجمع أوراقها الذابلة المتناثرة على أرض الغرفة وحوالي الآنية الشفافة وإذ يحاول المضي بها.)
جاستون - ماذا تصنع؟
فرنسيس - (على أهبة الخروج) أمضي بهذه الورود. .
جاستون - (مستوقفاً إياه) لماذا؟
فرنسيس - لأنها. . . بدأت تذبل
جاستون - لكنك تعلم جيداً أنني لن أستبدل بها غيرها، بعد اليوم
فرنسيس - طبعاً لا. . بما أن سيدي. .
جاستون - (موقفاً سيل التوضيحات) إذن؟ (يعيد فرنسيس الورود إلى مكانها الأول)
جاستون - (مرهفاً سمعه فجأة) ألم يقرع الجرس؟
فرنسيس - ما أظن يا سيدي (يعود جاستون إلى النافذة. هنا يدوي رنين الجرس)
جاستون - (مرتعشاً) أما قلت لك؟
فرنسيس - (مبهوتاً) رن الجرس الآن فقط
جاستون - حسناً!. . اذهب وافتح (يخرج فرنسيس ويعود في الحال مصطحباً شنسيريل)
المشهد الثاني
جاستون - شنسيريل
جاستون - آه! يا صديقي. كاد ينفذ صبري في انتظارك!
شنسيريل - يبدو عليك في الواقع سيما الاضطراب الشديد
جاستون - أقابلت جانين؟
شنسيريل - نعم. ولو أنها لم تتوجه اليوم إلى محل عملها
جاستون -. و. . كيف وجدتها؟
شنسيريل - حزينة جداً
جاستون - يا للصغيرة المسكينة!
شنسيريل - (مشعلاً سيجارة) كلفتني عملاً شاقاً اصاحبي! صدقني لن أحمل نفسي بعد اليوم عناء استنطاق الفتيات التعيسات اللائي هجرهن عشاقهن. . . ساعة القطيعة. .! النهاية. . .
جاستون - عجل، قص علي ما حدث
شنسيريل - لم أمكث بجوارها أكثر من لحظة. لكن. . يالها من لحظة مشئومة!
جاستون - نعم، أقدر حالتها النفسية. . . كانت واجمة دون شك من هول الخبر، مضعضعة الحواس، يائسة. .! الواجب كان يحتم عليك أن تشجعها، أن تهون عليها. . . لكنك فضلت النكوص على عقبيك
شنسيريل - تسمح لي بالجلوس؟
جاستون - إن شئت. . . لكن حدثني. . . أوضح لي. . هل انتزع منك الكلمات انتزاعاً؟ ماذا قالت لك؟
شنسيريل - لا شيء في البدء. شاءت الحديث، لكنها لم تستطع. . شبهت على أولئك الأصدقاء الذين نواجههم بعد كارثة ألمت بهم. . نراهم صامتين، نحسبهم متماسكين صابرين. . نمد لهم يد العزاء. . فإذا بهم يجهشون بالبكاء. . ذكرت لها أني حضرت أتسقط أخبارها. . فاستفسرت عما إذا كنت قد جئت من قبلك. . .
جاستون - وأجبتها؟. .
شنسيريل - إجابة غامضة. .
جاستون - عندئذ؟
شنسيريل - شاهدت وجهها الصغير المعتم تتناهبه سمات التفكير والألم والعزم. . ثم قامت فخطت لك هذا الخطاب
جاستون - (يتناول الخطاب في لهفة وقد بدا عليه التأثر لكنه يقلبه بين يديه دون أن يجسر على فضه)
شنسيريل - يا صديقي لو تسمح لي نصحتك بإرجاء قراءة هذا الخطاب إلى غداة يوم زواجك (يجفل جاستون) لأنك صممت على الزواج
جاستون - بالتأكيد. بما أني قطعت كل علاقة لي بعشيقتي السابقة مع ذلك لكم أجبتها جانين!. . لقد كانت نعم الصديقة الحنون، النموذج الكامل لشريكة الحياة القانعة المحبة. الودود. .
شنسيريل (في ابتسامة) التي تغني بمحاسنها شعراء الشباب والربيع!
جاستون - نعم يا عزيزي روجيه، عشنا معاً قبل الحرب سنتين مترعتين بأجمل ذكريات حياتي!. .
شنسيريل - (ساخراً) أحمد الله على أنك الوحيد الذي يخرج من دنيا الغرام بذكريات سعيدة!
جاستون - غير أن هذه العاطفة الوهاجة. . لم تكن لتدوم إلى الأبد. . جانين التي تعرف دقة مركزي لم تكن لتجهل أن علاقتنا لابد آيلة إلى تلك النهاية المنطقية: الزواج، نعم الزواج الذي كان قد بات حتماً على، وقد أصبحت مضطراً أن أهجر مسكني هذا لألتجئ إلى برج العائلة، هناك في مقاطعة بريتانيا أعيش من أرضي دون إسراف. كان ذلك منذ ثلاث سنين. . إذ كنت أعتزم البعد عن باريس وعن جانين بالطبع، عندما وقعت الكارثة
شنسيريل - أية كارثة؟
جاستون - الحرب الكبرى!
شنسيريل - آه! عفواً! كدت أنسى أننا نصلاها! بالاختصار؟
جاستون - بالاختصار رغماً عن رتبة الضابط التي وصلت إليها ونياشيه الشرف الحربية التي أحملها وجراحي الباهرة التي حصدتها في المعارك لم يكن مركزي المادي قد تحسن عندما. . ساق إلي القدر العطوف. .
شنسيريل - اللؤلؤة النادرة. . . داخل علبتها الذهبية!
جاستون - لا تمزح. . . فالمدموازيل دي شاليني فتاة نبيلة جديرة بكل إخلاص ومحبة
وأقر أني أحببتها في الحال تقريباً. . .
شنسيريل - بهذه السرعة؟
جاستون - نعم في الحال. . . أحببتها. . . لا كما أحببت جانين التي عبدتها عبادة. . . بل كما أتصور أن يحب الإنسان المرأة التي اصطفاها ليجعل منها رفيقة العمر، الشريكة التي يعقد وإياها ضد الحياة وللأبد معاهدة هجومية دفاعية. . . فهذا الحب يختلف عن الآخر كل الاختلاف. . . ربما كان أقل مرحاً وظرفاً وتوثباً. . . لكنه أثبت وأعمق وأبقى!
شنسيريل - يا للجحود!
جاستون - تخطئ يا صاحبي! لم أنس شيئاً. صورة جانين مازالت مطبوعة في خاطري، ومازلت أشعر نحوها. . . بعطف ممزوج بعرفان الجميل وإني لمصمم على رعايتها وتهوين مصاعب حياتها المعيشية. . .
شنسيريل - (ساخراً) لا شك أنها تعتمد عليك في ذلك كل الاعتماد!
جاستون - أؤكد لك أنني معذب لعذابها! حاولت كثيراً تخفيف وقع الخبر عليها وتوطين قلبها لتلقى هذه الصدمة القاسية فلم أقطع صلتي بها إلا عندما أصبح الأمر محتماً. . . البارحة فقط بعد بضع ساعات من تبادلنا خاتم الخطوبة أنا ومرجريت. . . عندها وجدتني مضطراً أن أصارح جانين بحقيقة موقفي وأن أقطع كل علاقة لي بها خصوصاً وقد كاشفتني خطيبتي البارحة برغبتها الملحة في أن تراني داخل إطار مسكني. . عش العزوبة كما تسميه مداعبة. فتصورها يا صديقي وقد جاءتني صحبة مربيتها واتفق وجود. . . الأخرى! أية مأساة!
شنسيريل - فعلاً!
جاستون - تلقاء هذه الزيارة المهددة لم أتمالك من أن أبوح لجانين بكل شيء! هكذا ودعنا بعضنا وداعاً مؤثراً أظهرت خلاله رباطة جأش نادرة، حتى لقد استفهمت مني عما إذا كانت خطيبتي شقراء. . .
شنسيريل - (متشككاً) سيجارة!
جاستون - (رافضاً) شكراً (يفض خطاب جانين الذي كان يقلبه بعصبية بين يديه حتى هذه اللحظة)
شنسيريل - أما زلت مصراً على قراءة هذا الخطاب؟
المشهد الثالث
فرنسيس - فريسة اضطراب شديد) سيدي!
جاستون - ماذا تريد؟
فرنسيس - جاءت مدموازيل دي شاليني. . . مع مربيتها. . .
جاستون (إلى شنسيريل) وقع ما كنت أخشاه! (إلى فرنسيس) أدخلها (بعد خروج الخادم) لا مفر من استقبالها!
المشهد الرابع
جاستون - شنسيريل - مرجريت
جاستون - أنت مرجريت؟ (يقبل يدها)
مرجريت - (مبتهجة) نعم أنا. . . تذكر! أخطرتك أني سوف أزورك صحبة مربيتي. . . (تلمح شنسيريل) أوه! صباح الخير يا سيدي!
جستون - (مقدماً) أعز أصدقائي، روجيه شنسيريل، خطيبتي، مدموزيل دي شاليني
مرجريت - (في ظرف) نأمل أن نحظى برؤيتك قريباً في قصرنا يا مسيو شيسيريل. على شريطة ألا تبوح برؤيتك إياي هنا (تضحك) لأني أجد زيارتي هذه ولو بصحبة مربيتي الإنكليزية بعيدة عن كل لياقة.
شنسيريل - ثقي مدموازيل بتكتمي التام (منسحباً) يا صديقي العزيز. . .
جاستون - (متضايقاً) تنسحب؟
مرجريت - (لشنسيريل) بل ابق يا سيدي لن أطيل المكوث. . . مربيتي إنسانة ظريفة لكنها عصبية المزاج وأراهن أن معين صبرها قد فرغ. . .
جاستون - ما أظرف الخاطرة التي دفعت بك إلى هذه المفاجأة السارة. . . (يختلس نظرة قلقة إلى الساعة)
مرجريت - نعم الخاطرة التي جعلتني. . . أخاطر بسمعتي لأراك. . . بل نعم. . . لا تعترض. زيارتي اليوم شاذة ولا يبعد أن تثير تقولات عديدة. غير أن روح المخاطرة
تغلبت على العقل وتركتني عزلاء عن مقاومة رغبتي الحادة في رؤية خطيبي داخل مسكنه الخاص وسط الأشياء التي اعتادها في ساعة من ساعات حياته اليومية. . لكن. . . ما حل لك؟ أراك مأخوذاً مشرد الفكر. . حتى لقد سهوت عن تقديم مقعد لجلوسي. . .
جاستون - أرجو العفو يا مرجريت. . .
مرجريت - على أني في غير حاجة إلى مقعدك. فليس أمامي من الوقت متسع. . . أولى لك أن تضع جانباً هذه الورقة التي تجعدها أصابعك وتقف على خاطرك الحائر. . (يجفل جاستون لقولها، يتردد لحظة ثم يخفي الخطاب في جيبه. تلقي مرجريت نظرة جائلة حواليها) ما أبدع مجموعة السلاح التي تملكها! (تجلس في خفة على ذراع مقعد)
جاستون - هذه أسلحة أسرتي يا مرجريت
مرجريت - (في اهتمام) ويرجع تاريخها إلى أي العهود؟
جاستون - إلى عهود مختلفة، فهذا الحسام الثقيل. قاتل في سبيل الملك لويس الثالث عشر وقضى في مبارزة على أحد أعوان الكردينال الأحمر: ريشيليو، فتسبب موته في ترحيل جدي الأكبر إلى غيابة الباستيل، أما هذا الرمح فقد كافح في معركة رينان ليحمي زمار الملك. الشمس ويبقي على العرش مجد ذريته. وقد وجد بعد المعركة على ما يظهر بجوار جثة صاحبه!
مرجريت - يروقني أن أضم إلى صدري هذه الذخيرة المقدسة!
جاستون - أما هذا السيف الرقيق الناعم، سيف البلاط المزركش فلكم تخطر على ساق صاحبه وسط حفلات الملكة غير المتوجة مدام لابومبادور في رحبات القصر الملكي! (لا يتمالك نفسه عن اختلاس نظرة عجل إلى الساعة)
مرجريت - والأسلحة الأخرى؟
جاستون - هذا الصارم البتار ناضل تحت أمره القائد روشامبو في سبيل استقلال الأميريكيين، ثم دافع عن الملك التعس (لويس السادس عشر) لكنه رفض المهاجرة إلى خارج فرنسا وقاد الصفوف في معركة واترلو. أما هذا الرمح الدقيق الصنع فقد قاتل أبهر قتال في حروب أفريقيا
مرجريت - (أثناء الحوار الأخير تقدمت من المكتب، وعبثت ببعض ما عليه من الكتب.
تلمح الورود الحمراء فتنحني عليها) يا للأزهار الجميلة!
جاستون - (جافلاً) مرجريت!
مرجريت - (تهم بقطف) تسمح؟ (يشير جاستون بالنفي) لا؟
جاستون - لا
مرجريت - لمه؟
جاستون - (بالغ التأثر) لأن هذه الزهور. . . قاربت الذبول ولم تعد تصلح للزينة. . .
مرجريت - ليكن. أتخلي لك عن زهورك، لكن ما الذي دهاك فجأة؟ أأكون قد أغضبتك، عفو الخاطر؟
جاستون - مرجريت. . لا تعتقدي. . .
مرجريت - كأني بك مللت رؤيتي! أأكون تمطفلة؟ (ينظر جاستون إلى الساعة) والبرهان أنك تخالس الساعة النظر. . . (في حزن) الوداع إذن. أخطأت في مجيئي، أعذروني أيها السادة. سألحق بمربيتي (تخرج)
المشهد الخامس
جاستون - (يتنفس الصعداء) أوف! هذا الخطاب كان يلهب أصابعي!
شنسيريل - لا تتردد إذن. . . وأقرأه (يقرأ جاستون الخطاب واضطرابه يزداد فقرة بعد فقرة ثم يناوله لصديقه)
شنسيريل - (بعد قراءته) فهمت الآن سبب اضطرابك! يا للمخبولة! تريد أن تراك للمرة الأخير، وإذا لم تلمح الساعة الخامسة الإشارة المعتادة، هذه الباقة من الورود الحمراء التي اعتدت أن تضعها عند النافذة أيام كنت تنتظرها. . .
جاستون - سوف تطيع وساوس اليأس!
شنسيريل - وعلام عولت؟
جاستون - لو أنك مكاني ما الذي كنت تفعل، أنت؟
شنسيريل - أنا لا أؤمن بالانتحار العاطفي على أني لو خيرت بين أهون الشرين لفضلت أن أستقبلها. . .
جاستون - أخشى أن تكون هذه المواجهة مشئومة العاقبة. لا أذكر لنا (أنا وجانين) إساءة
تبادلناها طوال مدة علاقتنا ويحضرني أني أبكيتها يوماً. فإذا شاء القدر أن يرينيها تتألم هنا بين سمعي وبصري. . فما يدريني إذا ظللت وقتها متمالكاً نفسي؟. . .
شنسيريل - إذاً لا تستقبلها
جاستون - وإن كانت قد صممت حقيقة على الانتحار. . . (فزعاً) أوه! عندها يلازمني تقريع ضميري مدى الحياة!
شنسيريل - إذاً استقبلها وعجل فالوقت يمر (يخف جاستون إلى باقة الورود لكن ما إن يتناولها حتى يسمع نقراً خفيفاً على الباب ثم تدخل مرجريت فجأة متبوعة بفرنسيس)
المشهد السادس
مرجريت - معذرة أيها السادة أرجوكم. . . نسيت قفازي! يالي من طائشة! يا عزيزي جاستون أخشى أن تكون في نفسك فككرة سيئة عن امرأتك المقبلة! (تنظر يمنة ويسرة وفجأة وقد وجدت ما تبحث عنه) هاهو! (تلاحظ مظهر القلق البادي على جاستون) أوه! جاستون - ما بك؟ أراك تخفي عني شجناً ما.
شنسيريل - هذه المرة انسحب. تسمحين يا آنسة؟
مرجريت - تفضل يا سيدي
جاستون - (لشانسيريل وقد أوشك على الخروج) أيها الخائن أتتخلى عني وأنا في أشد المواقف حاجة إليك؟
شنسيريل - يا صديقي سوف أعود (يخرج)
مردجريت - والآن. . حدثني لا تنكر. أراك في حالة اضطراب شديد ومن غير المعقول أن يكون وجودي هو الذي يصعب عليك إلى هذا الحد
جاستون - أوه!
مرجريت - (ملحة) خبرني. إني أكاد أكون زوجتك. . إن كنت تعاني ألماً أو تقوم في نفسك رهبة مرتقبة فلي الحق أن أطالبك بنصيبي
جاستون (متأثراً) مرجريت!
مرجريت - يخيل لي أن شيئاً تبدل في عينيك وفي قلبك
جاستون - فضلت أنك لم تجيئيني اليوم!
مرجريت - إذاً لأدعك لنفسك
جاستون (في لهفة) تحسنين صنعاً
مرجريت - ألا تقتضيني أكثر من ذلك، لتستعيد صفاء نفسك لا تكذبني الحقيقة. جاستون. عهدي بك أجهر صراحة وأخلص نية. (لا يجيب) صدقني. تشرف حبنا لو أنك تفضي إلي بما يعذب قلبك
جاستون - أنت على حق. . لكن يساورني وسواس أسود إذ أعتزم أن أفتح بين يديك مغاليق روحي الحائر. مع ذلك أقسم لك أني ما تصورت يوماً موقفاً مثل هذا ممكناً وأن تتزاحم الظروف أو تترى. . . دافعة بي إلى موقف التردد بين واجبين
مرجريت - واجبين؟ ماذا تعني يا صديقي؟
جاستون - لا تحمليني على أكثر مما قلت
مرجريت - قلت أكثر مما يجب كي لا تتم. . . إن القلق الذي يساورك خف إلى قلبي وليس من مصلحة مستقبلنا أن تدعني أتخبط فيه. تكلم!
جاستون - (تعد أن يلقي نظرة محمومة إلى الساعة يخرج من جيبه الخطاب ويدفعه إليها بعد تردد قصير) إذن، إقرأي!. .
مرجريت - (تقرأ مرتعشة وقد تهالك جاستون على مقعد ثم تقول في صوت أبح) هذا هو السر!
جاستون - (متأثراً) عفواً (تكاد مرجريت تهوي إعياء فيحاول أن يسندها) مرجريت
مرجريت - (تدفعها عنها في رفق) لم يصبني أذى. . أرجو العفو. . . لكني أحس ألماً ممضاً. . .
جاستون -! مرجريت أخطت إذ بحت لك. . .
مرجريت - (مقاطعة) بالمرة، جاستون. لي سؤال واحد: هذه الإنسانة، مدموازيل. . . (تعود إلى الخطاب) جانين له هي جديرة حقاً بالـ. . . بالاهتمام الذي حملته لها مدى عامين؟
جاستون - نعم يا مرجريت
مرجريت - آه! (تندفع إلى باقة الورود وتضعها على منضدة أمام النافذة.)
جاستون - (في لهفة) ماذا تصنعين؟
مرجريت - أعطي الإشارة
جاستون - كيف؟ تجيزين لي استقبالها؟
مرجريت - أنت؟ لا. . بل أستقبلها أنا
جاستون - أنت؟ لكن هذا محال. .
مرجريت - لم؟ أتخشى على حياتي؟
جاستون - كلا، أخاف عليك مما ينتظرك من عميق التأثيرات. . .
مرجريت - أعنف التأثرات شعرت بها وأنا أقرأ هذا. . (تشير إلى الخطاب) والآن دعني أعم ما يتراءى لي
جاستون - لكن. .
مرجريت - لا تعاند (يسمع رنين الجرس ويدخل فرنسيس على الأثر) أدخل السيدة، فرنسيس (يدهش الخادم لكنه ينحني ويختفي) إن مقاديرنا الساعة في كفتي ميزان. صدقني جاستون. يجب أن أواجه الآن هذه الفتاة. . أحس حاجة ملحة في أن أستوضح أشياء. . دعنا أرجوك، سوف أرجوك، سوف أدعوك في الوقت المناسب
جاستون - (يحاول إقناعها وهي تقوده إلى الباب) مرجريت. . لا أحتمل أن أتصورك أنت خطيبتي. . زوجتي. .
مرجريت - خطيبتك نعم!. . أما زوجتك، فلم أصرها بعد. ينسحب جاستون منهزماً (تبقى مرجريت وحيدة فريسة اضطراب بالغ وقد لفت وجهها تجاه الباب متكئة بيد إلى المكتب)
المشهد السابع
مرجريت - جانين
جانين - (تدخل مندفعة) آه! عفواً. مدام. . أبحث عن جاستون (مستدركة) لكن. . . من أنت؟ آه!. . . حزرت من تكونين!. . . ووجدت من نفسك الشجاعة على اقتحام باب عشيقي؟! (تندفع نحو الباب فتهزه في عنف جنوني)
مرجريت - (صارخة) ابقي!. . (تلتفت جانين إليها، دهشة فتقول لها في لهجة أرق) أتوسل إليك!. . .
جانين - (دهشة) تتوسلين إلي؟
مرجريت - نعم، إن دعى الحال. . . لأستبقيك.
جانين - والداعي؟
مرجريت - لأعلم إذا كان الخطاب الذي وجهته إلى. . . المسيو كيرولون.
جانين - (ثائرة) وأطلعك عليه؟. . .
مرجريت - لم يطلعني عليه بدافع عاطفة الزهو التي تتصورين.
جانين - قبل أن نخوض غمار هذا الحديث الشاذ، خبريني. . ماذا تصنعين في هذا البيت، أنت ما من ليس مكانك هنا؟
مرجريت - أتعرفينني؟
جانين - حدثني عنك بما فيه الكفاية!
مرجريت - إلى هذا الحد؟
جانين - لقد تابعت خيالك الممقوت في نظراته الشاردة، في فترات صمته الحالم بل وفي كل همسة وحركة. . . . آه! لكم عذب قلبي وأضناه (تلتفت حواليها) ألهذا السبب بات الآن يخشى مقابلتي؟
مرجريت - تخطئين، مدموازيل. . لك أن تقابليه إن رغبت. . . على أني شئت قبلها أن أحادثك وبما أن الصدف الأليمة تسوق بين يدي هذه الفرصة السانحة
جانين - لا أطمع في شفقتك، مدموازيل!
مرجريت - وأنا لا أسمح لنفسي بها. . ولكن ألا يمكنني أن أحاول تهوين وقع. . .
جانين - مصابي؟ وكيف؟ أتعشم أن لا يكون ذلك بتقديم. . ما في مكنة الوارثات السريات أمثالك أن تقدميه من مال. . . ما أهون الثمن!
مرجريت - أسفاه
جانين - لا تشتكي، فلولا مهرك لما فزت بالزواج من جاستون
مرجريت - هل ألقى جاستون في روعك أنه يقترن بي طمعاً في ثروتي؟
جانين - (هازة كتفيها) لو أنه صارحني بذلك لما صدقته. .
مرجريت - إذن؟. . . آه!. . فهمت ما يجول بخاطرك وهو أسمى مما نطقت به؛
تتصورين أن مالي سيساعد بلاستول في جهوده المقبلة، لكنك تتناسين، أنه في مقابل ذلك يحمل إلي كنزاً لا يقوم بثمن من التقاليد المجيدة والأفكار المبتكرة التي تفوق في قيمتها جميع أموال العالمين. واتفقت معي من برهة على أن جاستون يشعر نحوي بعض العطف وأنا، من جهتي. . لا لا. عفواً:
جانين - أنت تحبينه، حزرت ذلك
مرجريت - إذن. . ألا تجدين ارتياطنا طبيعياً؟
جانينن - لو أنني أملك ثروتك لفكرت مثلك، على أنك محقة في النهاية، خذي إذن جاستون، امضي، وثقي أنه أسعد منك حظاً: سوف تكونين ملكاً له بكليتك. أما هو فلن ينالك منه أكثر مما تركت لك من فضلات. .
مرجريت - لم توجهين إلي هذه العبارات القاسية؟
جانين - إنني أحمل في قلبي سنتين من أجمل سني شبابه بما فيهما من فتوة حارة. . . ونشوة فياضة. . .
مرجريت - أوه! صمتي!
جانين - (متهالكة على المقعد) أضحي بالحزن يعميني حتى ليدفع بي إلى الشر والأذى
مرجريت - مدموازيل. . .
جانين - دعيني وشأني.
مرجريت - جانين، هل لك أن تجيبيني على سؤال أخير يجمع تذكاراتك الحية، يجمع قلبك المعذب في صراحة تامة؟
جانين - وهل أملك من الجهد ما أجيبك به على سؤالك؟
مرجريت - قد يبدل ردك حظوظنا نحن الثلاثة. أتفهمين؟ إذن أجيبي. هل وعدك جاستون يوماً ما. . بالزواج؟
جانين - وعدني بالزواج؟. . كلا لم يعدني بشيء!
مرجريت - (تتنفس) و. . سامحيني إن كنت لح، لكني في أشد الحاجة إلى استيضاح الحقيقة كاملة. . ألم يحاول جاستون أن يعللك بيوم مقبل تصبحين فيه زوجته دون أن يقطع على نفسه عهداً صريحاً بالزواج؟ أقسم لك بأعز من أحب لو أنه بذر في قلبك مثل هذه
الفكرة لأكونن على استعداد تما للابتعاد عنه إلى الأبد دون أمل في الرجوع. . (ترفع جانين رأسها في بطء) وتطيل النظر لحظة إلى مرجريت ثم تطرق من جديد) لم لا تجيبين؟
جانين - وما الفائدة؟. . ألا تحسين أني ما عدت آمل شيئاً؟
كلا لم أحب جاستون إلا حباً خالصاً لا يداخله وعد ولا أمل. . إني لم أكن اجسر على المجيء إلى هنا إلا عندما كنت المح من الشارع قرب النافذة هذه الباقة من الورود الحمراء. . . فهل كان في مكنتي أن أحلم بمشاركته يوماً في حياته النبيلة، أن أحيا بقرب هذه المجموعة من الأسلحة الأثرية , , أمام هذه الصور العائلية التي يطالعني منها الأشراف والقواد العظام، أنا ابنة الشعب البائسة؟ صدقيني يا مدموازيل. . مثل هذا الحلم الباهر لم يقم بخاطري. . على أني لا أملك نفسي عن الشعور بأن كل شيء قد انتهى. . (تنكي)
مرجريت - (في تأثر بالغ) وهل أنا التي أهجت في قلبك هذا الألم الممزق؟. . آه عفواً! يا صغيرتي جانين
جانين - ليس في مقدورنا الآن أن نبدل شيئاً!
مرجريت - من يدري؟
جانين - لو أنك شئت إعادة جاستون إلي لما استطعت. . لن يعود بعد اليوم. . . انتهى. . . على أني أفضل الآن وقد عرفتك أن تكوني أنت التي تمضين به لا امرأة أخرى. . . لكن عفوا!. . . عيوني مازالت تغص بالدموع. . . مدموازيل! اغفري لي أقوالي الطائشة التي فهمت بها منذ لحظة. . . كنت مجنونة. . . لم أك أتوقع رؤيتك هنا. . . أسأت إليك، فعفواً! والآن، وداعاً!
مرجريت - ألا تفضلين رؤيته قبل الرحيل؟
جانين - (بسرعة) كلا.
مرجريت - إذن، قبيل أن نفترق، يا جانين، عديني بأن ما ورد في خطابك قد تبخر. . . أتسمحين لي أن تكوني جد شجاعة؟ (تسير جانين) مهما تصورتني بعيدة عنك فثقي أن لك في صديقة حبيبة. . .
جانين - الوداع يا مدموازيل (تجيل بصرها في أنحاء الججرة) أبحث عن تذكار. . . هذه الورود. . . (تنزع الزهور في لهفة من الآنية) إنها ملكي هذه الورود! كل ما أملك من متاع العالم! (في يأس دامع) على أن الزمن العاتي سينويها عن قريب! (تضم باقة الورد إلى قلبها وتختفي) (تتابعها مرجريت في نظرة أليمة ثم تسقط باكية على مقعد أمام المكتب)
المشهد الثامن
مرجريت - جاستون
جاستون - (مقبلاً) أأنت وحدك؟
مرجريت - (ترفع رأسها دون أن تنظر إليه) فضلت ألا تراك، على أنها وعدني ألا تستسلم إلى اليأس
جاستون - مرجريت
مرجريت - يا للصغيرة المسكينة لن تبرح خاطري صورتها وهي تمضي إلى حال سبيلها، وحيدة، باكية
وقد ضمت إلى صدرها تلك الباقة من الورود الحمراء. . التي تشبه قلبها الدامي.
جاستون - مرجريت! كأني بك لم تعودي تحبينني. أتجدينني مذنباً
مرجريت - لا يا جستون. إني لا أتهمك. لقد دفعت عنك جانين لم تكن تلك خطيئتك، بل خطيئة المقادير، خطيئة الحياة، الحياة التي تجعلنا بالرغم منا قساة إلى هذا الحد

الوردة الحمراء

الوردة الحمراء
كوميدية عصرية في فصل واحد

(صالون على الطراز الحديث. . نافذة عند صدر المنظر وباب على كل من جانبي المسرح. . . بعض خور عائلية وأسلحة تاريخية تزين جدران الحجرة. فوق مكتب صغير تتألق باقة من لورود الحمراء داخل آنية شافة. . عند رفع الستار يرى جاستون جالساً على ديوان وثير، مطرق الرأس، حزيناً وقد تناهبته هموم مبرحة. . بعد فترة وجيزة ينتصب فجأة ويتجه نحو النافذة. . . يمر في طريقه بالورود الحمراء فيقف متردداً. . يرنو إليها ثم ينشق في رفق عبيرها العاطر ويمضي إلى النافذة فيلقي منها نظرة سريعة وجلة بعود بعدها إلى باقة الورد يتأملها، مشتت الفكر. وما يلبث طويلاً حتى يقترب ثانية من النافذة ويظل يتردد هكذا بين الورود والنافذة إلى أن يسئمه الانتظار فيحاول إشعال سيجارة لكنه يخفق فيرمي بها إلى الأرض، حانقاً يضغط على زر الجرس فيبدو الخادم فرنسيس)
المشهد الأول
جاستون - فرنسيس
فرنسيس - سيدي. .؟
جاستون - ألم يجئ أحد؟
فرنسيس - كلا يا سيدي.
جاستون - ويريد الساعة الرابعة؟
فرنسيس - لم يصل بعد
جاستون - (مشعلاً سيجارة) والمسيو شنسيريل؟
فرنسيس - لو أنه جاء. . .
جاستون - (مقاطعاً وقد فهم) حسناً. . . (يلقي في حركة آلية بسيجارته إلى الأرض) ألم
ترد برقية؟
فرنسيس - لا ياسيدي
جاستون - والتلفون؟
فرنسيس - لو أن أحداً سأل عن سيدي بالتليفون لسمع سيدي رنين الجرس. .
جاستون - في الواقع. . . (وهو يشير حواليه، ضجراً) أعد عض النظام إلى الحجرة
(يحاول جاستون من جديد إشعال سيجارته في عصبية مضطردة بينما يرتب فرنسيس في صمت الأوراق المبعثرة المتراكمة على المكتب. عندما ينتهي الخادم من عمله يقترب من باقة الورود فيجمع أوراقها الذابلة المتناثرة على أرض الغرفة وحوالي الآنية الشفافة وإذ يحاول المضي بها.)
جاستون - ماذا تصنع؟
فرنسيس - (على أهبة الخروج) أمضي بهذه الورود. .
جاستون - (مستوقفاً إياه) لماذا؟
فرنسيس - لأنها. . . بدأت تذبل
جاستون - لكنك تعلم جيداً أنني لن أستبدل بها غيرها، بعد اليوم
فرنسيس - طبعاً لا. . بما أن سيدي. .
جاستون - (موقفاً سيل التوضيحات) إذن؟ (يعيد فرنسيس الورود إلى مكانها الأول)
جاستون - (مرهفاً سمعه فجأة) ألم يقرع الجرس؟
فرنسيس - ما أظن يا سيدي (يعود جاستون إلى النافذة. هنا يدوي رنين الجرس)
جاستون - (مرتعشاً) أما قلت لك؟
فرنسيس - (مبهوتاً) رن الجرس الآن فقط
جاستون - حسناً!. . اذهب وافتح (يخرج فرنسيس ويعود في الحال مصطحباً شنسيريل)
المشهد الثاني
جاستون - شنسيريل
جاستون - آه! يا صديقي. كاد ينفذ صبري في انتظارك!
شنسيريل - يبدو عليك في الواقع سيما الاضطراب الشديد
جاستون - أقابلت جانين؟
شنسيريل - نعم. ولو أنها لم تتوجه اليوم إلى محل عملها
جاستون -. و. . كيف وجدتها؟
شنسيريل - حزينة جداً
جاستون - يا للصغيرة المسكينة!
شنسيريل - (مشعلاً سيجارة) كلفتني عملاً شاقاً اصاحبي! صدقني لن أحمل نفسي بعد اليوم عناء استنطاق الفتيات التعيسات اللائي هجرهن عشاقهن. . . ساعة القطيعة. .! النهاية. . .
جاستون - عجل، قص علي ما حدث
شنسيريل - لم أمكث بجوارها أكثر من لحظة. لكن. . يالها من لحظة مشئومة!
جاستون - نعم، أقدر حالتها النفسية. . . كانت واجمة دون شك من هول الخبر، مضعضعة الحواس، يائسة. .! الواجب كان يحتم عليك أن تشجعها، أن تهون عليها. . . لكنك فضلت النكوص على عقبيك
شنسيريل - تسمح لي بالجلوس؟
جاستون - إن شئت. . . لكن حدثني. . . أوضح لي. . هل انتزع منك الكلمات انتزاعاً؟ ماذا قالت لك؟
شنسيريل - لا شيء في البدء. شاءت الحديث، لكنها لم تستطع. . شبهت على أولئك الأصدقاء الذين نواجههم بعد كارثة ألمت بهم. . نراهم صامتين، نحسبهم متماسكين صابرين. . نمد لهم يد العزاء. . فإذا بهم يجهشون بالبكاء. . ذكرت لها أني حضرت أتسقط أخبارها. . فاستفسرت عما إذا كنت قد جئت من قبلك. . .
جاستون - وأجبتها؟. .
شنسيريل - إجابة غامضة. .
جاستون - عندئذ؟
شنسيريل - شاهدت وجهها الصغير المعتم تتناهبه سمات التفكير والألم والعزم. . ثم قامت فخطت لك هذا الخطاب
جاستون - (يتناول الخطاب في لهفة وقد بدا عليه التأثر لكنه يقلبه بين يديه دون أن يجسر على فضه)
شنسيريل - يا صديقي لو تسمح لي نصحتك بإرجاء قراءة هذا الخطاب إلى غداة يوم زواجك (يجفل جاستون) لأنك صممت على الزواج
جاستون - بالتأكيد. بما أني قطعت كل علاقة لي بعشيقتي السابقة مع ذلك لكم أجبتها جانين!. . لقد كانت نعم الصديقة الحنون، النموذج الكامل لشريكة الحياة القانعة المحبة. الودود. .
شنسيريل (في ابتسامة) التي تغني بمحاسنها شعراء الشباب والربيع!
جاستون - نعم يا عزيزي روجيه، عشنا معاً قبل الحرب سنتين مترعتين بأجمل ذكريات حياتي!. .
شنسيريل - (ساخراً) أحمد الله على أنك الوحيد الذي يخرج من دنيا الغرام بذكريات سعيدة!
جاستون - غير أن هذه العاطفة الوهاجة. . لم تكن لتدوم إلى الأبد. . جانين التي تعرف دقة مركزي لم تكن لتجهل أن علاقتنا لابد آيلة إلى تلك النهاية المنطقية: الزواج، نعم الزواج الذي كان قد بات حتماً على، وقد أصبحت مضطراً أن أهجر مسكني هذا لألتجئ إلى برج العائلة، هناك في مقاطعة بريتانيا أعيش من أرضي دون إسراف. كان ذلك منذ ثلاث سنين. . إذ كنت أعتزم البعد عن باريس وعن جانين بالطبع، عندما وقعت الكارثة
شنسيريل - أية كارثة؟
جاستون - الحرب الكبرى!
شنسيريل - آه! عفواً! كدت أنسى أننا نصلاها! بالاختصار؟
جاستون - بالاختصار رغماً عن رتبة الضابط التي وصلت إليها ونياشيه الشرف الحربية التي أحملها وجراحي الباهرة التي حصدتها في المعارك لم يكن مركزي المادي قد تحسن عندما. . ساق إلي القدر العطوف. .
شنسيريل - اللؤلؤة النادرة. . . داخل علبتها الذهبية!
جاستون - لا تمزح. . . فالمدموازيل دي شاليني فتاة نبيلة جديرة بكل إخلاص ومحبة
وأقر أني أحببتها في الحال تقريباً. . .
شنسيريل - بهذه السرعة؟
جاستون - نعم في الحال. . . أحببتها. . . لا كما أحببت جانين التي عبدتها عبادة. . . بل كما أتصور أن يحب الإنسان المرأة التي اصطفاها ليجعل منها رفيقة العمر، الشريكة التي يعقد وإياها ضد الحياة وللأبد معاهدة هجومية دفاعية. . . فهذا الحب يختلف عن الآخر كل الاختلاف. . . ربما كان أقل مرحاً وظرفاً وتوثباً. . . لكنه أثبت وأعمق وأبقى!
شنسيريل - يا للجحود!
جاستون - تخطئ يا صاحبي! لم أنس شيئاً. صورة جانين مازالت مطبوعة في خاطري، ومازلت أشعر نحوها. . . بعطف ممزوج بعرفان الجميل وإني لمصمم على رعايتها وتهوين مصاعب حياتها المعيشية. . .
شنسيريل - (ساخراً) لا شك أنها تعتمد عليك في ذلك كل الاعتماد!
جاستون - أؤكد لك أنني معذب لعذابها! حاولت كثيراً تخفيف وقع الخبر عليها وتوطين قلبها لتلقى هذه الصدمة القاسية فلم أقطع صلتي بها إلا عندما أصبح الأمر محتماً. . . البارحة فقط بعد بضع ساعات من تبادلنا خاتم الخطوبة أنا ومرجريت. . . عندها وجدتني مضطراً أن أصارح جانين بحقيقة موقفي وأن أقطع كل علاقة لي بها خصوصاً وقد كاشفتني خطيبتي البارحة برغبتها الملحة في أن تراني داخل إطار مسكني. . عش العزوبة كما تسميه مداعبة. فتصورها يا صديقي وقد جاءتني صحبة مربيتها واتفق وجود. . . الأخرى! أية مأساة!
شنسيريل - فعلاً!
جاستون - تلقاء هذه الزيارة المهددة لم أتمالك من أن أبوح لجانين بكل شيء! هكذا ودعنا بعضنا وداعاً مؤثراً أظهرت خلاله رباطة جأش نادرة، حتى لقد استفهمت مني عما إذا كانت خطيبتي شقراء. . .
شنسيريل - (متشككاً) سيجارة!
جاستون - (رافضاً) شكراً (يفض خطاب جانين الذي كان يقلبه بعصبية بين يديه حتى هذه اللحظة)
شنسيريل - أما زلت مصراً على قراءة هذا الخطاب؟
المشهد الثالث
فرنسيس - فريسة اضطراب شديد) سيدي!
جاستون - ماذا تريد؟
فرنسيس - جاءت مدموازيل دي شاليني. . . مع مربيتها. . .
جاستون (إلى شنسيريل) وقع ما كنت أخشاه! (إلى فرنسيس) أدخلها (بعد خروج الخادم) لا مفر من استقبالها!
المشهد الرابع
جاستون - شنسيريل - مرجريت
جاستون - أنت مرجريت؟ (يقبل يدها)
مرجريت - (مبتهجة) نعم أنا. . . تذكر! أخطرتك أني سوف أزورك صحبة مربيتي. . . (تلمح شنسيريل) أوه! صباح الخير يا سيدي!
جستون - (مقدماً) أعز أصدقائي، روجيه شنسيريل، خطيبتي، مدموزيل دي شاليني
مرجريت - (في ظرف) نأمل أن نحظى برؤيتك قريباً في قصرنا يا مسيو شيسيريل. على شريطة ألا تبوح برؤيتك إياي هنا (تضحك) لأني أجد زيارتي هذه ولو بصحبة مربيتي الإنكليزية بعيدة عن كل لياقة.
شنسيريل - ثقي مدموازيل بتكتمي التام (منسحباً) يا صديقي العزيز. . .
جاستون - (متضايقاً) تنسحب؟
مرجريت - (لشنسيريل) بل ابق يا سيدي لن أطيل المكوث. . . مربيتي إنسانة ظريفة لكنها عصبية المزاج وأراهن أن معين صبرها قد فرغ. . .
جاستون - ما أظرف الخاطرة التي دفعت بك إلى هذه المفاجأة السارة. . . (يختلس نظرة قلقة إلى الساعة)
مرجريت - نعم الخاطرة التي جعلتني. . . أخاطر بسمعتي لأراك. . . بل نعم. . . لا تعترض. زيارتي اليوم شاذة ولا يبعد أن تثير تقولات عديدة. غير أن روح المخاطرة
تغلبت على العقل وتركتني عزلاء عن مقاومة رغبتي الحادة في رؤية خطيبي داخل مسكنه الخاص وسط الأشياء التي اعتادها في ساعة من ساعات حياته اليومية. . لكن. . . ما حل لك؟ أراك مأخوذاً مشرد الفكر. . حتى لقد سهوت عن تقديم مقعد لجلوسي. . .
جاستون - أرجو العفو يا مرجريت. . .
مرجريت - على أني في غير حاجة إلى مقعدك. فليس أمامي من الوقت متسع. . . أولى لك أن تضع جانباً هذه الورقة التي تجعدها أصابعك وتقف على خاطرك الحائر. . (يجفل جاستون لقولها، يتردد لحظة ثم يخفي الخطاب في جيبه. تلقي مرجريت نظرة جائلة حواليها) ما أبدع مجموعة السلاح التي تملكها! (تجلس في خفة على ذراع مقعد)
جاستون - هذه أسلحة أسرتي يا مرجريت
مرجريت - (في اهتمام) ويرجع تاريخها إلى أي العهود؟
جاستون - إلى عهود مختلفة، فهذا الحسام الثقيل. قاتل في سبيل الملك لويس الثالث عشر وقضى في مبارزة على أحد أعوان الكردينال الأحمر: ريشيليو، فتسبب موته في ترحيل جدي الأكبر إلى غيابة الباستيل، أما هذا الرمح فقد كافح في معركة رينان ليحمي زمار الملك. الشمس ويبقي على العرش مجد ذريته. وقد وجد بعد المعركة على ما يظهر بجوار جثة صاحبه!
مرجريت - يروقني أن أضم إلى صدري هذه الذخيرة المقدسة!
جاستون - أما هذا السيف الرقيق الناعم، سيف البلاط المزركش فلكم تخطر على ساق صاحبه وسط حفلات الملكة غير المتوجة مدام لابومبادور في رحبات القصر الملكي! (لا يتمالك نفسه عن اختلاس نظرة عجل إلى الساعة)
مرجريت - والأسلحة الأخرى؟
جاستون - هذا الصارم البتار ناضل تحت أمره القائد روشامبو في سبيل استقلال الأميريكيين، ثم دافع عن الملك التعس (لويس السادس عشر) لكنه رفض المهاجرة إلى خارج فرنسا وقاد الصفوف في معركة واترلو. أما هذا الرمح الدقيق الصنع فقد قاتل أبهر قتال في حروب أفريقيا
مرجريت - (أثناء الحوار الأخير تقدمت من المكتب، وعبثت ببعض ما عليه من الكتب.
تلمح الورود الحمراء فتنحني عليها) يا للأزهار الجميلة!
جاستون - (جافلاً) مرجريت!
مرجريت - (تهم بقطف) تسمح؟ (يشير جاستون بالنفي) لا؟
جاستون - لا
مرجريت - لمه؟
جاستون - (بالغ التأثر) لأن هذه الزهور. . . قاربت الذبول ولم تعد تصلح للزينة. . .
مرجريت - ليكن. أتخلي لك عن زهورك، لكن ما الذي دهاك فجأة؟ أأكون قد أغضبتك، عفو الخاطر؟
جاستون - مرجريت. . لا تعتقدي. . .
مرجريت - كأني بك مللت رؤيتي! أأكون تمطفلة؟ (ينظر جاستون إلى الساعة) والبرهان أنك تخالس الساعة النظر. . . (في حزن) الوداع إذن. أخطأت في مجيئي، أعذروني أيها السادة. سألحق بمربيتي (تخرج)
المشهد الخامس
جاستون - (يتنفس الصعداء) أوف! هذا الخطاب كان يلهب أصابعي!
شنسيريل - لا تتردد إذن. . . وأقرأه (يقرأ جاستون الخطاب واضطرابه يزداد فقرة بعد فقرة ثم يناوله لصديقه)
شنسيريل - (بعد قراءته) فهمت الآن سبب اضطرابك! يا للمخبولة! تريد أن تراك للمرة الأخير، وإذا لم تلمح الساعة الخامسة الإشارة المعتادة، هذه الباقة من الورود الحمراء التي اعتدت أن تضعها عند النافذة أيام كنت تنتظرها. . .
جاستون - سوف تطيع وساوس اليأس!
شنسيريل - وعلام عولت؟
جاستون - لو أنك مكاني ما الذي كنت تفعل، أنت؟
شنسيريل - أنا لا أؤمن بالانتحار العاطفي على أني لو خيرت بين أهون الشرين لفضلت أن أستقبلها. . .
جاستون - أخشى أن تكون هذه المواجهة مشئومة العاقبة. لا أذكر لنا (أنا وجانين) إساءة
تبادلناها طوال مدة علاقتنا ويحضرني أني أبكيتها يوماً. فإذا شاء القدر أن يرينيها تتألم هنا بين سمعي وبصري. . فما يدريني إذا ظللت وقتها متمالكاً نفسي؟. . .
شنسيريل - إذاً لا تستقبلها
جاستون - وإن كانت قد صممت حقيقة على الانتحار. . . (فزعاً) أوه! عندها يلازمني تقريع ضميري مدى الحياة!
شنسيريل - إذاً استقبلها وعجل فالوقت يمر (يخف جاستون إلى باقة الورود لكن ما إن يتناولها حتى يسمع نقراً خفيفاً على الباب ثم تدخل مرجريت فجأة متبوعة بفرنسيس)
المشهد السادس
مرجريت - معذرة أيها السادة أرجوكم. . . نسيت قفازي! يالي من طائشة! يا عزيزي جاستون أخشى أن تكون في نفسك فككرة سيئة عن امرأتك المقبلة! (تنظر يمنة ويسرة وفجأة وقد وجدت ما تبحث عنه) هاهو! (تلاحظ مظهر القلق البادي على جاستون) أوه! جاستون - ما بك؟ أراك تخفي عني شجناً ما.
شنسيريل - هذه المرة انسحب. تسمحين يا آنسة؟
مرجريت - تفضل يا سيدي
جاستون - (لشانسيريل وقد أوشك على الخروج) أيها الخائن أتتخلى عني وأنا في أشد المواقف حاجة إليك؟
شنسيريل - يا صديقي سوف أعود (يخرج)
مردجريت - والآن. . حدثني لا تنكر. أراك في حالة اضطراب شديد ومن غير المعقول أن يكون وجودي هو الذي يصعب عليك إلى هذا الحد
جاستون - أوه!
مرجريت - (ملحة) خبرني. إني أكاد أكون زوجتك. . إن كنت تعاني ألماً أو تقوم في نفسك رهبة مرتقبة فلي الحق أن أطالبك بنصيبي
جاستون (متأثراً) مرجريت!
مرجريت - يخيل لي أن شيئاً تبدل في عينيك وفي قلبك
جاستون - فضلت أنك لم تجيئيني اليوم!
مرجريت - إذاً لأدعك لنفسك
جاستون (في لهفة) تحسنين صنعاً
مرجريت - ألا تقتضيني أكثر من ذلك، لتستعيد صفاء نفسك لا تكذبني الحقيقة. جاستون. عهدي بك أجهر صراحة وأخلص نية. (لا يجيب) صدقني. تشرف حبنا لو أنك تفضي إلي بما يعذب قلبك
جاستون - أنت على حق. . لكن يساورني وسواس أسود إذ أعتزم أن أفتح بين يديك مغاليق روحي الحائر. مع ذلك أقسم لك أني ما تصورت يوماً موقفاً مثل هذا ممكناً وأن تتزاحم الظروف أو تترى. . . دافعة بي إلى موقف التردد بين واجبين
مرجريت - واجبين؟ ماذا تعني يا صديقي؟
جاستون - لا تحمليني على أكثر مما قلت
مرجريت - قلت أكثر مما يجب كي لا تتم. . . إن القلق الذي يساورك خف إلى قلبي وليس من مصلحة مستقبلنا أن تدعني أتخبط فيه. تكلم!
جاستون - (تعد أن يلقي نظرة محمومة إلى الساعة يخرج من جيبه الخطاب ويدفعه إليها بعد تردد قصير) إذن، إقرأي!. .
مرجريت - (تقرأ مرتعشة وقد تهالك جاستون على مقعد ثم تقول في صوت أبح) هذا هو السر!
جاستون - (متأثراً) عفواً (تكاد مرجريت تهوي إعياء فيحاول أن يسندها) مرجريت
مرجريت - (تدفعها عنها في رفق) لم يصبني أذى. . أرجو العفو. . . لكني أحس ألماً ممضاً. . .
جاستون -! مرجريت أخطت إذ بحت لك. . .
مرجريت - (مقاطعة) بالمرة، جاستون. لي سؤال واحد: هذه الإنسانة، مدموازيل. . . (تعود إلى الخطاب) جانين له هي جديرة حقاً بالـ. . . بالاهتمام الذي حملته لها مدى عامين؟
جاستون - نعم يا مرجريت
مرجريت - آه! (تندفع إلى باقة الورود وتضعها على منضدة أمام النافذة.)
جاستون - (في لهفة) ماذا تصنعين؟
مرجريت - أعطي الإشارة
جاستون - كيف؟ تجيزين لي استقبالها؟
مرجريت - أنت؟ لا. . بل أستقبلها أنا
جاستون - أنت؟ لكن هذا محال. .
مرجريت - لم؟ أتخشى على حياتي؟
جاستون - كلا، أخاف عليك مما ينتظرك من عميق التأثيرات. . .
مرجريت - أعنف التأثرات شعرت بها وأنا أقرأ هذا. . (تشير إلى الخطاب) والآن دعني أعم ما يتراءى لي
جاستون - لكن. .
مرجريت - لا تعاند (يسمع رنين الجرس ويدخل فرنسيس على الأثر) أدخل السيدة، فرنسيس (يدهش الخادم لكنه ينحني ويختفي) إن مقاديرنا الساعة في كفتي ميزان. صدقني جاستون. يجب أن أواجه الآن هذه الفتاة. . أحس حاجة ملحة في أن أستوضح أشياء. . دعنا أرجوك، سوف أرجوك، سوف أدعوك في الوقت المناسب
جاستون - (يحاول إقناعها وهي تقوده إلى الباب) مرجريت. . لا أحتمل أن أتصورك أنت خطيبتي. . زوجتي. .
مرجريت - خطيبتك نعم!. . أما زوجتك، فلم أصرها بعد. ينسحب جاستون منهزماً (تبقى مرجريت وحيدة فريسة اضطراب بالغ وقد لفت وجهها تجاه الباب متكئة بيد إلى المكتب)
المشهد السابع
مرجريت - جانين
جانين - (تدخل مندفعة) آه! عفواً. مدام. . أبحث عن جاستون (مستدركة) لكن. . . من أنت؟ آه!. . . حزرت من تكونين!. . . ووجدت من نفسك الشجاعة على اقتحام باب عشيقي؟! (تندفع نحو الباب فتهزه في عنف جنوني)
مرجريت - (صارخة) ابقي!. . (تلتفت جانين إليها، دهشة فتقول لها في لهجة أرق) أتوسل إليك!. . .
جانين - (دهشة) تتوسلين إلي؟
مرجريت - نعم، إن دعى الحال. . . لأستبقيك.
جانين - والداعي؟
مرجريت - لأعلم إذا كان الخطاب الذي وجهته إلى. . . المسيو كيرولون.
جانين - (ثائرة) وأطلعك عليه؟. . .
مرجريت - لم يطلعني عليه بدافع عاطفة الزهو التي تتصورين.
جانين - قبل أن نخوض غمار هذا الحديث الشاذ، خبريني. . ماذا تصنعين في هذا البيت، أنت ما من ليس مكانك هنا؟
مرجريت - أتعرفينني؟
جانين - حدثني عنك بما فيه الكفاية!
مرجريت - إلى هذا الحد؟
جانين - لقد تابعت خيالك الممقوت في نظراته الشاردة، في فترات صمته الحالم بل وفي كل همسة وحركة. . . . آه! لكم عذب قلبي وأضناه (تلتفت حواليها) ألهذا السبب بات الآن يخشى مقابلتي؟
مرجريت - تخطئين، مدموازيل. . لك أن تقابليه إن رغبت. . . على أني شئت قبلها أن أحادثك وبما أن الصدف الأليمة تسوق بين يدي هذه الفرصة السانحة
جانين - لا أطمع في شفقتك، مدموازيل!
مرجريت - وأنا لا أسمح لنفسي بها. . ولكن ألا يمكنني أن أحاول تهوين وقع. . .
جانين - مصابي؟ وكيف؟ أتعشم أن لا يكون ذلك بتقديم. . ما في مكنة الوارثات السريات أمثالك أن تقدميه من مال. . . ما أهون الثمن!
مرجريت - أسفاه
جانين - لا تشتكي، فلولا مهرك لما فزت بالزواج من جاستون
مرجريت - هل ألقى جاستون في روعك أنه يقترن بي طمعاً في ثروتي؟
جانين - (هازة كتفيها) لو أنه صارحني بذلك لما صدقته. .
مرجريت - إذن؟. . . آه!. . فهمت ما يجول بخاطرك وهو أسمى مما نطقت به؛
تتصورين أن مالي سيساعد بلاستول في جهوده المقبلة، لكنك تتناسين، أنه في مقابل ذلك يحمل إلي كنزاً لا يقوم بثمن من التقاليد المجيدة والأفكار المبتكرة التي تفوق في قيمتها جميع أموال العالمين. واتفقت معي من برهة على أن جاستون يشعر نحوي بعض العطف وأنا، من جهتي. . لا لا. عفواً:
جانين - أنت تحبينه، حزرت ذلك
مرجريت - إذن. . ألا تجدين ارتياطنا طبيعياً؟
جانينن - لو أنني أملك ثروتك لفكرت مثلك، على أنك محقة في النهاية، خذي إذن جاستون، امضي، وثقي أنه أسعد منك حظاً: سوف تكونين ملكاً له بكليتك. أما هو فلن ينالك منه أكثر مما تركت لك من فضلات. .
مرجريت - لم توجهين إلي هذه العبارات القاسية؟
جانين - إنني أحمل في قلبي سنتين من أجمل سني شبابه بما فيهما من فتوة حارة. . . ونشوة فياضة. . .
مرجريت - أوه! صمتي!
جانين - (متهالكة على المقعد) أضحي بالحزن يعميني حتى ليدفع بي إلى الشر والأذى
مرجريت - مدموازيل. . .
جانين - دعيني وشأني.
مرجريت - جانين، هل لك أن تجيبيني على سؤال أخير يجمع تذكاراتك الحية، يجمع قلبك المعذب في صراحة تامة؟
جانين - وهل أملك من الجهد ما أجيبك به على سؤالك؟
مرجريت - قد يبدل ردك حظوظنا نحن الثلاثة. أتفهمين؟ إذن أجيبي. هل وعدك جاستون يوماً ما. . بالزواج؟
جانين - وعدني بالزواج؟. . كلا لم يعدني بشيء!
مرجريت - (تتنفس) و. . سامحيني إن كنت لح، لكني في أشد الحاجة إلى استيضاح الحقيقة كاملة. . ألم يحاول جاستون أن يعللك بيوم مقبل تصبحين فيه زوجته دون أن يقطع على نفسه عهداً صريحاً بالزواج؟ أقسم لك بأعز من أحب لو أنه بذر في قلبك مثل هذه
الفكرة لأكونن على استعداد تما للابتعاد عنه إلى الأبد دون أمل في الرجوع. . (ترفع جانين رأسها في بطء) وتطيل النظر لحظة إلى مرجريت ثم تطرق من جديد) لم لا تجيبين؟
جانين - وما الفائدة؟. . ألا تحسين أني ما عدت آمل شيئاً؟
كلا لم أحب جاستون إلا حباً خالصاً لا يداخله وعد ولا أمل. . إني لم أكن اجسر على المجيء إلى هنا إلا عندما كنت المح من الشارع قرب النافذة هذه الباقة من الورود الحمراء. . . فهل كان في مكنتي أن أحلم بمشاركته يوماً في حياته النبيلة، أن أحيا بقرب هذه المجموعة من الأسلحة الأثرية , , أمام هذه الصور العائلية التي يطالعني منها الأشراف والقواد العظام، أنا ابنة الشعب البائسة؟ صدقيني يا مدموازيل. . مثل هذا الحلم الباهر لم يقم بخاطري. . على أني لا أملك نفسي عن الشعور بأن كل شيء قد انتهى. . (تنكي)
مرجريت - (في تأثر بالغ) وهل أنا التي أهجت في قلبك هذا الألم الممزق؟. . آه عفواً! يا صغيرتي جانين
جانين - ليس في مقدورنا الآن أن نبدل شيئاً!
مرجريت - من يدري؟
جانين - لو أنك شئت إعادة جاستون إلي لما استطعت. . لن يعود بعد اليوم. . . انتهى. . . على أني أفضل الآن وقد عرفتك أن تكوني أنت التي تمضين به لا امرأة أخرى. . . لكن عفوا!. . . عيوني مازالت تغص بالدموع. . . مدموازيل! اغفري لي أقوالي الطائشة التي فهمت بها منذ لحظة. . . كنت مجنونة. . . لم أك أتوقع رؤيتك هنا. . . أسأت إليك، فعفواً! والآن، وداعاً!
مرجريت - ألا تفضلين رؤيته قبل الرحيل؟
جانين - (بسرعة) كلا.
مرجريت - إذن، قبيل أن نفترق، يا جانين، عديني بأن ما ورد في خطابك قد تبخر. . . أتسمحين لي أن تكوني جد شجاعة؟ (تسير جانين) مهما تصورتني بعيدة عنك فثقي أن لك في صديقة حبيبة. . .
جانين - الوداع يا مدموازيل (تجيل بصرها في أنحاء الججرة) أبحث عن تذكار. . . هذه الورود. . . (تنزع الزهور في لهفة من الآنية) إنها ملكي هذه الورود! كل ما أملك من متاع العالم! (في يأس دامع) على أن الزمن العاتي سينويها عن قريب! (تضم باقة الورد إلى قلبها وتختفي) (تتابعها مرجريت في نظرة أليمة ثم تسقط باكية على مقعد أمام المكتب)
المشهد الثامن
مرجريت - جاستون
جاستون - (مقبلاً) أأنت وحدك؟
مرجريت - (ترفع رأسها دون أن تنظر إليه) فضلت ألا تراك، على أنها وعدني ألا تستسلم إلى اليأس
جاستون - مرجريت
مرجريت - يا للصغيرة المسكينة لن تبرح خاطري صورتها وهي تمضي إلى حال سبيلها، وحيدة، باكية
وقد ضمت إلى صدرها تلك الباقة من الورود الحمراء. . التي تشبه قلبها الدامي.
جاستون - مرجريت! كأني بك لم تعودي تحبينني. أتجدينني مذنباً
مرجريت - لا يا جستون. إني لا أتهمك. لقد دفعت عنك جانين لم تكن تلك خطيئتك، بل خطيئة المقادير، خطيئة الحياة، الحياة التي تجعلنا بالرغم منا قساة إلى هذا الحد

خطــــة البحث


خطــــة البحث

تمهيـــد:
الفصل الأول

المبحث الأول : حياة تشومسكي ومؤلفاته
أ‌-حياة تشومسكي العلمية

ب- أهم مؤلفاتـــــه

المبحث الثاني: نظرية النحو التوليدي التحويلي

المبحث الثالث: المراحل التي مرت بها نظرية النحو التوليدي التحويلي


الفصل الثاني

المبحث الأول :مفهوم اللغة عند التوليديين

المبحث الثاني: دراسة القواعد النحوية عند التوليديين وخطوات منهجهم

المبحث الثالث : اللسانيات التوليدية والتوزيعية
خــــــاتــمـة
بسم الله الرحمان الرحيم








تمهيـــد:

الحمد لله على إتمام هذا العرض الذي قد يوجه الطالب إلى أهم العناصر التي تطرق إليها تشومسكي في نظريته التوليدية التحويلية في جزئها الأول( البنى التركيبية الأولى ) حيث مهدنا له بمقدمة وعقبنا عليها بعرض احتوى على مبحثين عرفنا من خلالهما على اللغوي تشومسكي والقواعد التي بنيت عليها البنى الأولى ثم عقبنا على هذين المبحثين بخاتمة هادفة معتمدين على الأمانة العلمية على مراجع المدارس اللسانية المعاصرة وهذا راجع لغموض الموضوع نوعا ما في باقي لمصادر أو المراجع وتشابه المعلومات فيها، وبذلنا جهدا معتبرا استفدنا من خلال تطلعنا على هذا المبحث الهام في الدراسة اللغوية اللسانية.


الفصل الأول:
المبحث الأول: حياة تشومسكي ومؤلفاته
أ‌-حياة تشومسكي العلمية:

ولد أفرام نعوم تشومسكى فى السابع من ديسمبر عام 1928 م فى مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية لوالد كان يدعى ويليام تشومسكى «1897 - 1976م»، هذا الأخير الذى كان قد هاجر من روسيا عام 1913م بغية التهرب من تجنيده فى صفوف الجيش القيصرى، ليصبح فيما بعد العالم البارز فى مجال اللغويات، تلقى تشومسكى تعليمه فى إحدى مدارس ديوايت التى كانت تشتهر بتقدمها فى أساليب التعليم، كان تشومسكى لا يزال صبيا غضا فى فترة الكساد الاقتصادى الكبير الذى اجتاح الولايات المتحدة الأمريكية بين عامى «1929 - 1939م»، حيث تأثر عظيم التأثير بما شاهدة من عمليات القمع التى مارستها السلطات الحكومية لإفساد الإضرابات التى قام بها العمال، فضلا عن الامتهان واليأس والقنوط الذى كان العمال يتجرعونه وطالما أفضى بهم إلى التهور.
تتلمذ تشومسكى فى جامعة بنسلفانيا على يد زيليج س هاريس أستاذ اللغويات، والذى كان من شأن آرائه التحررية التى كانت تصطبغ بصبغة شبه فوضوية أن تركت آثارها الواضحة على انتماءات تشومسكى السياسية، حيث نبتت أعمال تشومسكى الأولى فى حديقة هاريس.
تزوج من اللغوية كارول سكاتز عام 1949م، وكتب رسالة تخرجه التى كانت تحمل عنوان «دراسة التركيب الصوتى للوحدات الصرفية فى اللغة العبرية الحديثة» والتى كانت بمثابة محاولة أولى لبناء قواعد النحو التوليدى، وحصل على درجة دكتوراه الفلسفة فى اللغويات عام 1955م ، وتم تعيينه أستاذا جامعيا بقسم اللغويات واللغات الحديثة الذى أصبح اسمه الآن قسم اللغويات والفلسفة، بمعهد ماستشوس للتكنولوجيا عام 1961م فى عام 1965م نظم لجنة من المواطنيين الأمريكيين العاديين وأعلنوا رفضهم دفع الضرائب احتجاجا على الحرب فى فيتنام. ثم نشر أول كتاب سياسى له يحمل عنوان «القوة الأمريكية والمانداريون الجدد» طبقت شهرة تشومسكى الآفاق كناقد راسخ العزم للظلم الاجتماعى فى كافة مظاهره وأشكاله، ولكى نوجز القول فإن فلسفته الاجتماعية تسلط الضوء على الآتى :
1 - الكيفية التى تفرضها مؤسسات القوى تحكمها وسيطرتها على جماهير العامة
2 - الكيفية التى باع بها المثقفون ضمائرهم وخانوا مجتمعاتهم المحلية وآثروا أن يكونوا أذنابا تخدم سلطة الدولة.
وقد أحاطت الانتقادات الحادة التى وجهها تشومسكى ضد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية على وجه الخصوص اللثام عن :-
1 - العنف الضارب أطنابة فى كافة أنحاء العالم نتيجة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية الموصومة بالإمبريالية.
2 - مفهوم الذات الملفق والمختلق الذى روجت له الولايات المتحدة الأمريكية وأشاعته فى كل مكان وعلى كل لسان، باعتبارها دولة حسنة النية و «خيرة بالأساس».
3 - تزييف الواقع والتلاعب بمجرياته نتيجة لذلك المفهوم المعيب الذى تدعى الولايات المتحدة الأمريكية بموجبه الصلاح لنفسها، وبأنها دائما أقوم أخلاقا من أية دولة أخرى

ب- أهم مؤلفاتـــــه:
جسّد تشومسكي أفكاره وأبحاثه اللغوية في مقالات وكتب نشرها في أزمنة متقاربة ولقد أثرت وأفادت اللسانيين في مجالات عدة، نذكر منها:
•البنى التركيبية أو التراكيب النحوية 1957.
•البنية المنطقية للنظرية اللسانية1975 la structure logique de la théorie linguistique.
•ملامح النظرية التركيبية 1965 l'aspect de la structure
syntaxique

•اللساتيات الديكارتية 1966 La linguistique Cartésienne
•الأنماط الصوتية في اللغة الانجليزية les types phonologiques de la langue Anglaise 1968
•اللغة والفكر la langue et la pensée 1968
•مسائل المعرفة والحرية1971 problème de la connaissance et de la liberté
•دراسات الدلالة في القواعد 1972 Etude sémantique de la grammaire générative
• المعرفة اللغوية:طبيعتها، أصولها واستخدامها la connaissance linguistique: les origines,et les fonctions.

المبحث الثاني : المراحل التي مرت بها نظرية النحو التوليدي التحويلي:

لقد احدث تشومسكي ثورة عالمية في اللسانيات المعاصرة بحديثه عن " النظرية اللسانية التي يجب ان تحلل مقدرة المتكلم على ان ينتج الجمل التي لم يسمعها من قبل وعلى ان يتفهمها. وذلك انطلاقا من قواعد ضمنية تمكنه من توليد الجمل وتحويلها توليدا وتحويلا لا متناهيين .
- وقد مرت هذه اللسانيات الجديدة ( التوليدية التحويلية) ( Génératives et Transformationnelles)بعدة مراحل يمكن تلخيصها فيما يلي :
أ-مرحلة المباني التركيبية سنة 1957
ب-مرحلة وجوه النظرية النحوية سنة 1965
ج-مرحلة الاعمال التي أنجزها باحثون ذهنيون امثال كاتز Katz و فودور Fodor، والتي تندرج ضمن " علم الدلالة التوليدي" وإذا كان سوسور الأب الروحي للبنيوية، فإن تشومسكي يعد الأب الروحي للتوليدية.
د – مرحلة الاعمال والنماذج الحالية لتشومسكي والتي تميزت بمراجعة هذه الذات العارفة واعادة النظر في نماذجه الاولى ؛ وقد لمينا شخصيا نزوعه الى التصالح مع البنيوية والاتجاهات التكوينية والتجريبية من خلال المناقشات التي جمعت لسانيين ذوي شهرة عالمية ، وعلى راسهم جان بياجيه .كما ان امكانية الحديث عن الاثر المنهجي لغاليلي على نظرية تشومسكي امكانية واردة .

الفصل الثاني:

المبحث الأول:مفهوم اللغة عند التوليديين :

ترى المدرسة التوليدية ان اللغة هي مجموعة من الجمل . وهذه الجمل تصنف الى. فئة الجمل المنفية وفئة الجمل المبنية للمجهول وفئة الجمل المثبتة. ويرتبط بعض هذه الجمل بالبعض الآخر. يقول تشومسكي .
<< من الآن فصاعدا نعتبر ان اللغة كناية عن مجموعة ( متناهية وغير متناهية) من الجمل، كل جملة منها طولها محدود ومكونة من مجموعة متناهية من العناصر >> . فاللغة في رأيه " ظاهرة بالغة التعقيد، ودراستها تقتضي بناء نظرية بامكانها أن تفسر القضايا اللغوية. ان نقطة الاختلاف بين تشومسكي وسوسور هي ان الأول يحلل اللغة انطلاقا من مسلمة انها وسيلة للتواصل او التعبير بينما يحللها ويفسرها الثاني انطلاقا من مسلمة أنها مجموعة جمل كل جملة منها تحتوي على شكل صوتي وعلى تفسير دلالي ذاتي محايث لها. فالأول يتحدث عن اللغة باعتبارها شكلا قبل كل شيء بينما يعطي الثاني الأسبقية للجوهر والبنية العميقة دون ان يهمل البنية السطحية ، أي المعنى الظاهر للغة.فالمهم في اللغة حسب المنهج العقلي ليس هو جانبها المادي البنيوي ولكنه قدرتها على التوليد والانتاج الجملي. فقد تأثر التوليديون كثيرا بديكارت وغيره من العقلانيين وتبنوا مقولات الابداع اللغوي والسلوك الداخلي وما يعتمل من قدرة وطاقات داخل الدماغ او العقل البشري29. لقد الف تشومسكي كتاب : اللسانيات الديكارتية عام 1966 ، و فيه تاثر كثيرا بديكارت وفون همبولت Von Homboldt اللذين يظهر مفهوم الكفاية عندهما بوضوح .
ان اللغة عملية توليدية فعالة في الذهن البشري قادرة على الخلق والابداع من خلال قانون نحوي عام يشمل كافة اللغات البشرية.هذه العملية اللغوية تتكون من 3 عناصر بنيوية هي :
أ) العنصر النحوي : ودوره مزدوج : تنظيمي حيث ينتج معان نحوية منظمة ؛وتوليدي لانه يولد عددا من الجمل النحوية.
مثال : << يشرح الاستاذ الدرس، اليوم، بطريقة جيدة .>>
التنظيم : حيث لا نقول ك<< شرح الدرس اليوم الأستاذ بطريقة جيدة >>
التوليد :<< اليوم، يشرح الاستاذ الدرس بطريقة جيدة >> << يشرح الاستاذ اليوم الدرس بطريقة جيدة >> << الدرس يشرح من قبل الاستاذ بطريقة جيدة >> << ان شرح الاستاذ للدرس شرح جيد اليوم.>>
<< الدرس شرحه الاستاذ >>
ب)العنصر التحويلي : أي قدرتنا على تحويل الجملة الواحدة الى جملة شرطية او تعجبية او استفهامية او منطقية. مثلا : << شرح الاستاذ الدرس>> . << هل شرح الاستاذ الدرس ؟>> << اذا شرح الاستاذ الدرس فان التلاميذ يفهمون>> ...ونجد عند تشومسكي ما يسميه بالارتباط البنياني الذي يرتبط به اجراء التحويل مثلا : أ) << قرأ الرجل الكتاب>> نحولها الى ب) << الكتاب قرأه الرجل >>.فالجملة الثانية حولت من الجملة الاولى بواسطة اجراء تحويل نقل الركن الاسمي الى موقع الابتداء .وهذا التحويل يتناول الركن الاسمي الذي يقع على يسار الفعل فينقله الى موضع الابتداء تاركا ضميرا عائدا اليه في الموضع الذي كان يشغله الركن الاسمي .
ج) العنصر التركيبي : وظيفته هي انتاج جمل سليمة سواء أكانت منطوقة أم مكتوبة.
ويقدم مازن الوعر مثالا لصياغة رياضية وعملية توليدية للجملة التالية.
يمكن ان يكون الكتاب قد كتب من قبل تشومسكي

المبحث الثاني: دراسة القواعد النحوية عند التوليديين وخطوات منهجهم

قلنا بان البنيويين اهتموا بالجانب التواصلي في دراسة اللغة. الا أن التوليديين يركزون على البنية العميقة والجانب الضمني، والملاحظ أن تشومسكي مثلا يتحدث عن العمل والعامل والمعمول والرتبة أي عن الفاعل والمفعول والنظام ، ويقول بأن الجملة يمكن ان تكون سليمة من حيث النحوية او القواعدية grammaticalité التي تصف ، بطريقة ملائمة ،وضع ما هو مقبول في نحو ما وما هو غير مقبول . وهي غير صحيحة من الناحية المنطقية المقبوليةacceptabilité . ونلاحظ ان تشومسكي ، في نموذجه الاول 1957، يعطى الأسبقية للنحوية و يقرنها بالكفاية اللسانية على حساب المقبولية التي يقرنها بالانجاز ، لكنه عاد في نموذج 1965 ونماذج تالية فاهتم أيضا بالمقبولية.
يرى تشومسكي انه لا بد من نظرية لممارسة التحليل اللساني. وهذه النظرية تتكون من النحو التوليدي التحويلي الكلي اذ يعتبر النظرية النحوية نظرية علمية يمكن تطبيقها على جميع اللغات الطبيعية. فالنحو اذن " نظام من القواعد والمبادئ " والمبادئ المحددة لخصائص الجمل الشكلية والدلالية حيث يستعمل في تفاعله مع مجموعة من الميكانيزمات الذهنية من اجل فهم لغة ما والتحدث بها (...) فالنحو العالمي نظام من المبادئ والقواعد والشروط، أي انه عبارة عن عناصر وخصائص مشتركة بالنسبة لسائر لغات العالم.
و نظرا لتأثر تشومسكي بالنظريات الفيزيائية ( غاليلي) خاصة والعلمية عامة ،فإنه يقيم تشابها بين خطوات النظرية الفيزيائية وخطوات النظرية النحوية . ففي الفيزياء تبنى النظرية على ما يلي :
- عدد من الملاحظات سواء أكانت طبيعية ام موضوعية أم تتبعية أم تلقائية
- الربط والتركيب بين هذه الظاهرة الملحوظة.
- التنبؤ بظاهرة جديدة.
ويرى انه بإمكان الباحث اللساني ان يطبق في حقله هذه الخطوات كما يلي :
- ملاحظة عدد محدد من النطق الصوتي
- تمييز ما هو نحوي وما هو غير نحوي
- شرح الظاهرة اللغوية بطريقة مبسطة
ولتوضيح هذه الخطوات نقول بأن الباحث يميز بين ما هو نحوي وما هو غي نحوي انطلاقا من القانون العام الذي يحدد الطرائق السليمة لبنية الوحدات اللغوية وصياغتها. وهذا لا يعني ان تشومسكي يتجاهل الدور الذي تلعبه الدلالة والتداول.
خطوات المنهج التوليدي:
تنطلق اللسانيات التوليدية من مسلمة وهي ان تفسير الظاهرة اللغوية تفسيرا لسانيا يقتضي الانطلاق من نظرية مبنية بطريقة علمية ثم الانتقال الى الواقع الذي نقوم بشرحه وتفسيره وفق مبادئ هذه النظرية، خلافا للمنهج البنيوي المادي السلوكي الذي ينطلق من الواقع نحو النظرية كما أسلفنا . فلكي يحلل الباحث اللساني الظاهرة اللغوية فإنه ملزم – كما يرى تشومسكي – بالاقتراب من المتكلم واستكناه قدرته الكلامية التي تشتغل داخل الذهن البشري.


* وضع فرضية لغوية :
انطلاقا من البحث العلمي في مجال اللسانيات ، وانطلاقا من نظرية علمية واضحة المعالم والمحددات والعناصر حيث يقوم الباحث بوضع فرضية البحث والتحليل .
* تمحيص الفرضية :
في خطوة ثانية يقوم الباحث بتطبيق الفرضية اللغوية على بعض المواد اللغوية. لأنه ينطلق دائما من العام الى الخاص ومن الكل إلى الجزء خلافا لمن يعتمد المنهج الاستقرائي.
*إعادة صياغة الفرضية اللغوية :
عندما تدعو الحاجة إلى إعادة النظر في الفرضيات من اجل جعلها اكثر مطابقة وملاءمة للأهداف المتوخاة.
* تثبيت الفرضية اللغوية :
عندما نتأكد من ملاءمة الفرضية للمواد اللغوية نطرحها للتخصيص ونسحبها على جميع الحالات والظواهر اللغوية .

وفي هذا الإطار فإن تشومسكي يطرح النحو الكلي (grammaire universelle) ويرى ان الرتبة فاعل – فعل – ( مفعول) التي نجدها في اللغة الانجليزية صالحة للتطبيق على جميع لغات العالم الطبيعية.وينطلق في كلامه هذا من فرضية اننا ننحدر من نوع واحد،وبالتالي يوجد بيننا جميعا اتحاد وليس تغيرات.وهذا ما يشبه الحالة البدائية السابقة عن التجربة. ونفس الاتجاه والمنهج يطبقه الفاسي الفهري على اللغة العربية اذ يقول بأنها تملك رتبتين هما : أ ) فعل-فاعل-(مفعول) مثال:<< يشرح الاستاذ الدرس >>؛ ب) << الاستاذ يشرح الدرس>> او << الدرس شرحه الاستاذ>> او << الاستاذ طلبت منه شرح الدرس>> او<< المجتهد نوه به الاستاذ>> . وهناك من يرى ان اللغة العربية لا تملك الا رتبة واحدة هي : فعل – فاعل – ( مفعول) انها رتبة اصلية سائدة تحكم كل عربية تليدة .و في حالة رتبة ثانية مثل : فاعل – فعل – ( مفعول) ،او مفعول – فعل – ضمير عائد على المفعول – فاعل : الدرس شرحه الاستاذ فان هذا الفاعل " لا يتقدم ولا يصعد من داخل المركب الفعلي الى مكان متقدم على الفعل في مخصص التطابق "، واذا وجدنا اسما متقدما في الجملة الثانية : الدرس يشرحه الاستاذ ؛ كما نجد في القرآن الكريم رهبانية ابتدعوها – في حالة رتبة ثانية - ، يحتل الاسم المتقدم في المركب الفعلي موقع الموضع) ( Tوليس موقع الفاعل، مثله في ذلك مثل الاسم المتقدم . وهذا ما قال به الفاسي الفهري (1981 و 1985). ايضا نجد نفس الاختلاف بين مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة من حيث اعتبار الاسم المتقدم مبتدءا او فاعل . ولكن اذا كانت الجملة خالية من مفعول به وتقدم المركب الاسمي ،فان المتقدم يعد فاعلا لا موضعا في راي الفاسي 1993 ،وراي مدرسة الكوفة الذين يجيزون تقديم الفاعل خلافا لمدرسة البصرة .


المبحث الثالث: اللسانيات التوليديةوالتوزيعية
إذا كان هاريس قد سار باللسانيات التوزيعية إلى أقصى مداها فإن تلميذه ناعوم شومسكي بعد أن اهتم بصورنة (بالمعنى المنطقي الرياضي) المفاهيم الأساسية في النظرية التوزيعية قد طرح بعد ذلك مفهوما جديدا عرف بالتوليدية في اللسانيات. وهو مفهوم يتعارض مع أسس التوزيعية وسيطر على ميدان الدراسات اللسانية الأمريكية وغيرها ما بين 1960 و1985.
ولم يحتفظ ناعوم شومسكي من التوزيعية إلا بخاصتها التوضيحية المُفصِحة. فالتوزيعية هي مفصحة أي أنها لا تستعمل نتائج وصفها للغات ولا تستعمل أي مفهوم أساسي غير معرف وأن أية فكرة يتوجب أن تكون معرفة مسبقا في اللغة المدروسة والموصوفة أو في اللسان عموما؛ وفكرة المحيط هي محورية عنده (أية وحدة في ملفوظ محاطة بوحدات ما) و هي مفهومة لمن لا تجربة كلامية شخصية (وهذا كافتراض عبث.
وهنا يكمن حسب شومسكي تفوق التوزيعية على باقي النحويات التقليدية وأيضا على اللسانيات الوظيفية والتي اهتمت بمقولات الترابط (سلسلة مرتبطة بأخرى) أو التعارض بين مسند وخبر(سلسلة كلم ما تمثل قصد الحديث وأخرى ما نريد إبلاغه) وفهمها جزء من ملكة اللغة وبالتالي وخوفا من تحصيل الحاصل لا يمكن أن تتخذ منطلقا لتفسير هذه الملكة.
و شومسكي يرى أن التوزيعية جريا وراء الإفصاح تقدم تنازلات يستحيل تقبلها.
فأولا تحصر التوزيعية بشكل ضيق مجال موضوعها لأن اللغة أوسع وتختلف عن المتن.
وحيث أن المتن تعريفا هو مجموعة محصورة من الملفوظات، إن أن كل لغة تمكن من عدد غير محصور من الملفوظات: لأنه لا حد لعدد "التعابير" الممكن تضمينها في جملة عربية مثلا، إذ يمكن انطلاقا من أي ملفوظ عربي إنشاء ملفوظ آخر تام النحوية والتكوين بزيادة موصولة مثلا.
وبحكم منهجيتها فإن التوزيعية تتجاهل هذه القدرة الغير محصورة الموجودة في كل لغة ( وهو ما يسميه شومسكي بالابتكار الذي تمنحه اللغة للناطقين بها ويمكنهم من بناء وإنشاء ملفوظات جديدة عوض الاكتفاء بالاختيار من بين رصيد جملي سابق الوجود.
وأزيد من ذلك فاللغة ليست مجموعة ملفوظات محدودة أم لا ولكنها علم بهذه الملفوظات ذاتها. فلا يمكن الحديث عن معرفة شخص بلغة ما إذا لم يكن قادرا على التفريق بين الملفوظات الغامضة الملتبسة والملفوظات أحادية التفسير وإذا كان لا يرى بأن ملفوظات لها نفس البناء التركيبي وبأن الأخرى مختلفة التركيب أي أنه لا يفطن للفرق والتشابه بين التراكيب. ولكن التوزيعيين يجردون اغتباطا الناطقين من هذا العلم بلغتهم الخاصة، ويكتفون بوصف طريقة تآلف الوحدات فيما بينها داخل الملفوظات.
وحتى لو تقبلنا اختزال المجال الموصوف المدروس (إذ وصف الكلمحال فهناك تنازل وتجاهل آخر للتوزيعيين ينتقده شومسكي وهو الاكتفاء بالوصف دون التفسير.
وسيرا على هذه المنهجية يكون تلامذة بلومفيلد أوفياء لمنهج تجريبي يرى أن العلم يجب أن يكتفي بوصف الظواهر وترتيبها وبذلك تختزل مهمة الباحث إلى جور التصنيف، وهذا بالذات هو هم التوزيعية الأساسي. حيث يغدو النحو ترتيبا لا غير لأقسام الكلم، صواتم وصياغم وكلمات...) وحيث أن القصد هو جمع المتشابه من الأقسام والأجناس المتوزعة فإنه يمكن، كما قال هاريس، من أن تصبح التوزيعية نوعا من الوصفية الكتلية لمتن ومن خلال هذا الترتيب يصبح ممكنا إعادة صياغة كل ملفوظات المتن. وعلى العكس فبالنسبة لشومسكي فإن هدف أي علم متطور ومنها اللسانيات يتجاوز حدود الوصف والترتيب إلى تقديم أطروحات مفسرة.
ويجب أن لا تكتفي اللسانيات بتجديد ما هي الحالات والكتل الممكنة والمحالة والمستحيلة والملتبسة أو المتقاربة بل يجب ربط هذه الجزئيات بما هو أعم أي لغات البشرية وطبيعة قدرة البشر اللغوية. ولذلك طرح شومسكي تعريفا جديدا للنحو وللسانيات يجمع بين الشمولية والتفسيرية.
وبالنسبة لشومسكي فإن وصف التركيب:النحو التوليدي) للغة ما هو إلا مجموعة القواعد والتعليمات والتي بتطبيقها الآلي ينتج ملفوظ مقبول، أي نحوي، في هذه اللغة. وآلية هذه القواعد النحوية وتواترها تضمن وضوحها وفصاحتها وشموليتها وأي نحو ما هو إلا نظام شكلي رياضي ويكفي معرفة كيفية التعامل معه وبعناصره بكيفية تحددها القواعد(كالتعويض والحذف والزيادة.
وحيث أن هذه العمليات لا تتطلب سابق معرفة باللسانيات فإنه يمكن اعتبار النحو كوصف شامل للغة ما. ولكي يكون النحو بهذه الشمولية يجب أن يساير شرطين: قدرة هذا النحو على توليد كل ملفوظات لغة لا غيرها بلا استثناء. هذا الشرط هو شرط المعاينة وهي بالنسبة لشومسكي ضعيفة التأثير لأن أية لغة يمكن أن تتحمل أزيد من نحو وحيد، زد لذلك أن كثيرا من الملفوظات والتراكيب يصعب تحديد مقبوليتها أو استحالتها بوضوح، وعلينا في هذه الحالة القبول في ذات الوقت بالنحو الذي يقبلها والنحو الذي يرفضها. والشرط الآخر هو "الملائمة القوية" وهي ترتبط بعلم الناطق الحسي على تمييز ملفوظات اللغة. ويجب أن تكون هذه المعرفة معممة وآلية. فبالنسبة للملفوظات الملتبسة يجب الرجوع إلى أسباب تولد هذا اللبس وبالضرورة فإن هناك علة ونفس الشيء صحيح للملفوظات المتقاربة.
و بتبني شرط الملائمة المطلقة يبتعد شومسكي عن التوزيعية ومحاولتها وضع طرق آلية لاكتشاف النحو انطلاقا من المتن فإحساس الناطق لا يمكن تأليله مباشرة واستكشاف ذلك هو من عمل النحوي وقد يؤلل إنتاج الجمل بعد هذا الاكتشاف الأولي.
ورغم أن النحو التوليدي الشومسكي آلية مجردة فإن شومسكي لم يقل بأن الناطق يحاكي هذه الآلية حين يتلفظ في حياته العادية إذ أن نمط شومسكي ليس "نمط إنتاج" وهو ليس بنمط نفسي فهو لا يتعدى كونه وسيلة رياضية لمقاربة قدرات الناطق.
وفي الحقيقة فبعمومية توليدية شومسكي وخصوصيتها الطبيعية لا يمكن التهرب من ربط الوسائل التوليدية بالآليات الذهنية وبالتالي إقحام التفسير النفسي.
إن الملائمة المطلقة تترك جانبا حل مسألة تعدد النحو وتترك خيار النحو مفتوحا إذ أن هذه المسألة هي من شأن اللسانيات. ويمكننا ترتيب أصناف النحو حسب نوعية الآليات المستعملة لتوليد الجمل أي حسب شكل القواعد. ويسمى شومسكي النظرية اللسانية كل نمط نحوي ممكن أي ذلك القالب الذي يشكل النحو. ولو تمكنا من تحديد واختيار نظرية معينة سنحصر بالتالي عدد أصناف النحو الممكنة.



خــــــاتــمـة :

لقد حاولنا في هذه الدراسة ان نقارن بين مدرستين من حيث المنهج المعتمد في الدراسة اللغوية؛ وحصرنا المحاولة في اللسانيات المعاصرة . وفي نفس السياق نسجل الملاحظات التالية :
-إن الدراسات اللسانيات جد متشبعة ، وبالتالي يكون تصنيفنا لها الى بنيوية وتوزيعية ووظيفية وتوليدية تصنيفا إجرائيا نسعى من ورائه الى جعل المتلقي العادي يكتسب بعض المعارف في تخصص يتميز بقدرته الاختراقية ، فالنظريات اللسانية تفرض نفسها حاليا على جميع الباحثين وفي كل التخصصات والعلوم.
-إن الثنائية الحدية : استقراء / استنباط ، مادي/ عقلي، ذاتي/ موضوعي وخاص/ عام تعتبر في رأينا ثنائية زائفة. وذلك لأنه لا وجود لمعايير ثابتة ومحددة تمكن من رسم حدود انطولوجية وابستمولوجية بين الذات والموضوع فيما يخص انتاج المعرفة وبحث الظواهر والمواد اللغوية . وهذا ما نستشفه من كلام تشومسكي عندما اجاب عن سؤال حول المنهج قائلا : " إنه ليس لي مناهج اطلاقا، ومنهج البحث الوحيد الذي اتبعه هو أن أبذل طاقتي في النظر في مشكلة صعبة معينة ، وان احاول أن أجد بعض الأفكار عما يمكن ان يكون تفسيرا لها "
-إن ممارسة النقد على العديد من نظريات العلم المعاصرة. تكشف زيف الثنائية استقراء/ استنباط،وذلك لعدم امكانية فك التداخل الحاصل بين الذات العارفة الباحثة والمادة اللغوية موضوع المعرفة. ولذلك نجد تشومسكي يقول بالقدح الذي تمارسه التجربة على المعرفة الفطرية.كما أنه يوظف مناهج الفيزياء الغاليلية.وعموما ، هذه مجرد محاولة بيداغوجية لكنها مؤسسة على مرجعية.

خَلَصْت من زحمة الدنيا وضجتها ... إلى طرائق تحت الأرض تنسرب
جَرتْ مفاوزها في كل ناحية ... فلم تزل تتلاقى ثم تنشعُب
ظلماء جونٌ كأحجار الأراقم قد ... مدُّوا لها سببا في إثره سبب
تجري بها مركباتٌ ما يزال لها ... تحت الثرى والدياجي مسلك عجبُ
سَرَى بها دافع للكهرباء فلم ... تَقذفْ دخاناً ولم يزفر بها لهب
شتيمةَ الوجه إذ تنسل ساربة ... مثل الثعابين في أنيابها العطبُ
ترى على سَفَر طوّل المَدَى فإذا ... حُوَاتها صَفَروا سالت بها القضب
إن يبتغوا انطلقت أو يبتغوا وقفت ... لم تشكُ أنْياً ولم يعلق بها لغبُ
تظل ذاهبة منهم وآيبة ... تمضي مولولةً صْخبى وتنقلبُ
يرمي بها نفقٌ داج إلى نفق ... وينطوي سَرَبٌ من بعده سرب
كأنما هي سعلاة بها كلَبٌ ... أو أنها طالب قد شفَّه الطلبُ
تجري النهارَ وما تدري له وَضَحاً ... ودَاجَى الليل لا تبدُو له شهبُ
تظل تقطع أنحاء المدينة لم ... يشعر على الأرض من جاءوا ومن ذهبوا
وتنثني في الدياجي غير حافلة ... بمن مَشَوْا في ضياء الشمس أو ركبوا
فكلُّ نَهْجٍ لها أنى مَضَتْ جَدَدٌ ... وكل قاصٍ إذا رَامَتْهُ مقترب

الاضداد في كلام العرب

الاضداد في كلام العرب










المقــــدمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين . وبعدُ ، حين نكون طلبةً في الدراسات العليا / الدكتوراه  وفي سنتها التحضيرية يتحتم علينا أن نقدّم بحثا في  المادة التي نتعرّض لدراستها ومادةُ دراستنا هي ( المصادر اللغوية ) وهذه المادةُ تقتضي تتبع المؤلفات  التي اختصت بالظاهرة وصولا الى المؤلَّف الناضج . وكان نصيبي من البحوث في هذه المادة  هو ( ظاهرة الاضداد )  و لم يكن الحديثُ عنها حديثاً بكراً فقد أدلى فيه الكثير من علماء العربية دلوهم في الوقوف على هذه الظاهرة وشغلتهم كثرة كلماتها في اللغة فذهبوا الى  تلمسها في كلام العرب شعرا ونثرا ثم في القران الكريم لما لهذه المفردات من أهمية في توجيه المعنى المراد من الاية الكريمة أو الوقوف عند الحكم الشرعي فذهب الكثير من العلماء الى إحصاء هذه المفردات ومناقشتها وتلمس معانيها الاصلية وفق ما ورد في كلام من يوثق بفصاحته   فقمتُ بتتبع المولفات التي درست هذه الظاهرة  من أول مؤلّف الى الكتاب الناضج الذي وصل الينا وقد افدتُ من أجل بلوغ الهدف الننشود من الكتب سبقت أن كتبت في هذا الموضوع . وقد ابتدأت البحثَ بموقوف العلماء من وجود الاضداد في لغة العرب ووصولا الى عرض المؤلفات الى أن ختمتُ البحثَ بنماذج من ألفاظ الاضداد .
والضدُّ لغةً :
 ، فالضد إذن هو ضربٌ من التغاير بالنقيض أو الخلاف . ولذلك خُلِط بين الاختلاف والضد .
    إلا أن أبا الطيب اللغوي () فرّق بينهما ، وهم يطلقون على كل لفظين متغايرين صفة الضد ، فذكر الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175هـ) أن ((الشهيق ضدُّ الزفير)) ()، وأن ((القرب ضدّ البُعد)) () ، فوصف الخلاف هنا بصفة الضد . وهذا ضرب من الخلط .
    
    وهناك مَنْ أنكر ظاهرة التضاد من العلماء، وحجة بعضهم في ذلك أنهم يدافعون عن العربية، وهم مقرّون بوجود ظاهرة التضاد، إلا أن إنكارهم لهذه الظاهرة ظنّاً منهم أنها حمايةً للغة العربية فيه ما فيه من الوهم والبعد ، ظناً منهم أن التضاد يجعل العربية مبهمة، وغامضة وذلك لدلالة اللفظ الواحد على معنيين متضادين ، فحاولوا أن يبعدوا هذه الظاهرة عنها، بإنكارهم لها وإبطالها ، كما فعل ابن درستويه الذي ألف كتاباً في إبطال الاضداد() . إلا أن الدكتور كاصد الزيدي ردّ هذا الإنكار للتضاد، واستغربه ؛ وبرهن على وجوده في واقع اللغة ؛ لأن للتضاد مكانة لإيصال المعنى أكثر ،إذ قال () : (( والحق أن هذا الإنكار لغريب، إذ إن الضدية نوع من العلاقة بين المعاني، بل ربما تكون أقرب إلى الذهن من أية علاقة أخرى)) .

 
.
الأضداد :لغة :
قال الخليل (ت  175هـ): (( كلُّ شيء ضادّ شيئاً ليغلبه، والسّواد ضدُّ البياض والموت ضدُّ الحياة .. والليل ضدُّ النهار، إذا جاء هذا ذهب ذاكَ ، ويجمع على الاضداد))(). وقد بيّن أبو الطيب في كتابه (الأضداد) وقوع الناس في الخلط فيه ، فقال: (( ضد كلِّ شيء ما نافاه ، نحو البياض والسواد، والسخاء والبخل، والشجاعة والجبن، وليس كل ما خالف الشيء ضداً له، ألا ترى أن القوة والجهل مختلفان وليسا ضدّين ، وإنما ضد القوة الضعف ، وضدّ الجهل العلم . فالاختلاف أعم من التضاد، إذ كان كل متضادين مختلفين، وليس كل مختلفين ضدّين)) (.
أما الراغب فذكر أنه ((الضدان الشيئان اللذان تحت جنس واحدٍ، وينافي كل واحد منهما الآخر في أوصافه الخاصة ، وبينهما أبعدُ البُعد … كالشرّ والخيّر، وما لم يكونا تحت جنس واحدٍ لا يقال لهما ضدان، كالحلاوة والحركة … والضدُّ هو أحد المتقابلات فإن المتقابلين هما الشيئان المختلفان اللذان كل واحد قُبالة الآخر، ولا يجتمعان في شيء واحد في وقت واحد)) (). فكان هذا البيان أكثر دقة وتحديداً لمفهوم الاضداد .
الأضداد اصطلاحاً:    
عُرفت الاضداد تعريفاتٍ عدة الا أنَّ هذه التعريفات في مجملها تدلُّ على مفهوم واحدٍ ،هو : مجموعةٌ من الالفاظ التي تقع على الشيء الواحد وضده في المعنى ،وقد استعمل العرب هذه الالفاظ في لغتهم وأطلقوا على الشيئين المتضادين اسما واحدا؛ ليتسعوا في كلامهم  ويتظرّفوا فيه ،وبتعبير آخر هو انصرافُ اللفظة الواحدة الى معنيين متضادين.
من خلال هذا التعريف  يتبين لنا أنَّ التضاد نوعٌ من أنواع المشترك اللفظي وليس العكس ،أي : إنَّ كل تضاد هو مشترك لفظي وليس كل مشترك لفظي هو تضاد  وهذا ما ذهب إليه أكثرُ العلماء  القدامى والمحدثين  

موقفُ العلماءِ من وجود الأضداد
#####
لم يقف الدارسون من الاضداد موقفا واحدا فمنذ أن وجد الحديث عنها  وظهرت أوائل المصنفات التي تحاول جمع مادتها وُجد الى جانب ذلك اختلافٌ في وجودها وتفسيرها فانقسم العلماء الى مؤيد يدافع عن وجود الاضداد ويفسرها والى منكر لهذا الوجود يعيبُ على العربية هذا الاسلوب عادّا إياه من أنواع عدم دقّة الدلالة محاولين تأويل ما ورد من الفاظ الاضداد في كلام العرب . ومن أشهر العلماء القدامى الذين دافعوا عن وجود الاضداد ابنُ الانباري  (ت 271 هـ ) حيث قال: (  ويظن أهل البدع والزيغ والازراء بالعرب أن ذلك كان منهم لنقصان حكمتهم وقلة بلاغتهم وكثرة الالتباس في محاوراتهم فأجيبو عن هذا الذي ظنوه وسألوا عنه بضروب من الاجوبة : أحدهن  إن كلام العرب يصحح بعضه بعضاً، ويرتبط أولهُ بآخره ولا يُعرفُ معنى الخطاب منه إلا باستيفائهِ واستكمالِ جميعِ حروفه، فجازَ وقوعُ اللفظة على المعنيين المتضادين لأنها يتقدمها ويأتي بعدها ما يدل على خصوصية أحد المعنيين دون الآخر ، ولا يراد بها في حال التكلم والأخبار إلا معنى واحدفمن ذلك قول الشاعر :
كلُّ شيء ما خلا الموت جلَلْ       والفتى يسعى ويلهيه الامل  
فدلَّ ما تقدم  قبل ( جلل ) وتأخر بعده على أن معناه :كل شيء ما خلا الموت يسير ولايتوهم ذو عقلٍ وتمييز أنَّ (جلل) هاهنا معناها عظيم . ولم يكن ابنُ فارس الوحيد الذي دافع بقوة وحجج كثيرة عن وجود الاضداد في العربية بل تبعه الكثير من العلماء السابقين لعصره أو من المتأخرين عليه وقد أصّل ابنُ فارس الاضداد بانها من ظواهر كلام العرب الاوائل وهذا ما هو يتضح جليا من قوله :( إن الذين رووا أنَّ العرب تسمي السيف مهندا والفرس طرفا هم الذين رووا أنَّ العرب تسمي المتضادين باسم واحد) من هذا النص نتبن ان الاضداد هي نوع من انواع المشترك اللفظي فهما يدوران حول نقطة واحدة هي ضيق اللفظ وسعة في المعنى.أما الذين استشهد ابن فارس بهم فهم سيبويه وتلميذه قطرب وأبو حاتم السجستاني فهؤلاء من كان يرى أن العرب تسمي الشيء باسماء عدة
وقد ذكر السيوطي (ت911هـ) أنَّ الأضداد  تقع ضمن المشترك اللفظي وهذا يتضح جلياً من قوله :( المشتركُ يقعُ على شيئين ضدّين ، وعلى مختلفين غير ضدّين  فما يقعُ على الضدين كالجون ، وجلل ، وما يقع على مختلفين غير ضدين كالعين ) .
أما المنكرون للأضداد فيقف في مقدّمتهم ابنُ درستويه وذلك في كتابه إبطال الاضداد الذي لم يصل الينا سوى بعض النصوص التي نقلها عنه السيوطي في كتابه المزهر ومن تلك النصوص قوله :( فلو جاز وضع لفظ واحدٍ للدلالة على معنيين مختلفين ، أو أحدهما ضدُّ للاخر لما كان إبانة بل تعميةٌ وتغطيةٌ) . وزعم الجواليقي (ت 539 هـ) أن المحققين  من علماء العربية ينكرون الأضداد ويدفعونها وان ابا العباس بن احمد بن ثعلب 219هـ قال :(  ليس في الكلام ضد لانه  لو كان فيه ضد لكان الكلام محالا)  .
وقد اقتفى الامدي هذا الاثر مبطلا باستدلالات اللغوية وجود هذه الظاهرة أما المحدثون فلهم  جهدٌ كبير في هذا الموضوع ومن بينهم  الدكتور إبراهيم أنيس حيث استبعد طائفة من الكلمات التي عُدت من الاضداد في العربية حيث طغى عليها طابع التكلف في اختيارها وفي رأيه لم يبقَ منها بالمعنى الدقيق إلا نحو عشرين كلمة من عامة اللغة، حيث قال (المقدار الضئيل من كلمات اللغة لا يستحق عناية أكثر من هذا لا سيما وأن مصير كلمات التضاد إلى الأنقراض من اللغة وذلك بأن تشتهر بمعنى واحد من المعنيين مع مرور الزمن).

وكان د. إبراهيم السامرائي أقل حذفا من سابقه حيث استبعد ما يقرب من مئه وخمسين مادة احتوت عليها كتب الأضداد وهذه المادة لا يكون فيها أي نوع من أنواع الضدية إلا بتكلف وتعسف وقال : (فكرة التضاد تكون نتيجة في الاستعمال ونتيجة الجديد في الدلالة) ().  

أسباب نشوء الاضداد:

1/الوضع الاول للغة : ان اصل الاضداد جرى بالوضع الاول للدلالة على معنيين متضادين وهذا أضعف الاراء التي قيلت في نشأة الاضداد إذ لم يرضَ به أغلب اللغويين ؛ لأنه لا يتفق  وقوانين تطور الدلالة .
2/اختلاف اللهجات والاقتراض اللغوي  من العوامل الاساسية التي تؤدي الى نشوء الاضداد ، الا أن هذا الرأي قد تم رفضه من قبل الكثير من المهتمين في الأضداد محتجين بعدم جواز  الحكم على الالفاظ بالضدية الا إذا كانت من لغة أو لهجة واحدة وبهذا يقول ابن دريد :( الشِّعبُ : الافتراق ، والشِّعبُ : الاجتماع ، وليس من الأضداد ؛ وانما هي لغةُ لقوم . والى مثل هذا ذهب السيوطي مشترطا وقوع الاضداد في اللغة الواحدة حيث قال :( إن شرط الاضداد أن يكون استعمال اللفظ في المعنيين في لغة واحدة ). أما ما يخصُّ  تباين  اللهجات العربية فاختلافها ادى الى اختلاف المعاني و فيما بعد اصبحت تللك الالفاظ  اضدادا  وبهذا يقول الدكتور إبراهيم أنيس :[ الكلمة يتختصُّ معناها في لهجة من اللهجات بشكل خاص يُضادُّ فيه المعنى الذي اتخذته الكلمة في لهجة أُخرى ).   ومن ذلك كلمة وثبَ التي تعني في العربية الشمالية (طَفَرَ) أي: قَفَزَ، على حين تعني في لهجة حمير : (جَلَسَ) وهذا ما سماه العلماء ب (الاضداد) . أما الاقتراض اللغوي فمنه:  (بسْل) التي اخذت من العبرية والارامية  وتدل في هاتين اللغتين على العمل غير الجائز أما في العربية فقد دلّت على الحلال  .
3/التطور  الصوتي والصرفي فضلا عن سبل التطور الدلالي ، ومن ذلك ان اتحاد كلمتين في صيغة من الصيغ يثير دلالة الضدية ، ومثال ذلك ضاعَ : اختفى وظهرَ، وضاع في الاصل جاءت من أصلين هما :ضيعَ: اختفى ، وضوعَ : ظهرَ ، وكلاهما انقلبت فيه الياء والواو ألفا فأصبح : ضاعَ فحدث اتفاق الصيغة على الرغم  من اختلاف الاصل والمعنى . ومن ذلك ما يتعلق بالقلب المكاني كقولهم (تلحلحَ ): بمعنى: اقام ، وذهب، فان المعنى الثاني  كان في الاصل لكلمة اخرى هي (تحلحلَ ) ثم حدث قلبٌ مكاني فقدمت اللام واخرت الحاء   . يضاف الى ذلك وجود صيغ صرفية متعددة تستعمل للدلالة على الفاعل والمفعول نحو صيغة ( فعيل )التي ترد بمعنى فاعل ، كسميع وعليم كما تأتي بمعنى مفعول كجريح وطريد ، وقد ورد هذا النحو من الأضداد كلفظ ( الغريم )حيث اُستعمل للدائن والمدين ، ومثلها أيضا صيغة (تفعّل) كقولهم :تأثّم ،إذا أتى الاثم وإذا اجتنبه ، وتحنث إذا أتى الحنث وإذا تركه .
4/المجاز والتأدب ومنه اطلاق كلمة (المولى )على السيد  والعبد وهي في وضعها للسيد. وهذا ما درسه المحدثون تحت عنوان [ التابو ]  ) ويضم التلطف في التعبير تجنبا لذكر كل ما هو ملعون أو مقدس او مخيف ، كما يضم حسن التعبير عن امور محرجة او مخجلة ففي هذه المواضع يُعمدُ الى استعمال الفاظ تحمل المعنى المضاد لما هو مطلوب ، ومن ذلك اطلاق كلمة ( بلهاء ) على المرأة الكاملة العقل ، مع أنَّ البله نقصان العقل ، وقد يدخل ضمن هذه المعاني التهكم كما ورد في قوله تعالى  :{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ال عمران21   .ونحن نلاحظ قوله عز وجل (بشرْ) والتبشير مختصٌّ بالخير ولكنه ورد في سياق الشر على سبيل الاستعارة التهكمية
انواع الاضداد :
لم تكن الاسماء وحدها هي التي تقع ضمن مفهوم الاضداد بل تعدى هذا المفهوم ليشمل أنواعا أخرى من كلام العرب يمكن لنا أن ندرج ذلك ضمن النقاط الاتية :
أضداد في الاعلام مثل : أيوب ،اسحق ، يعقوب . يكون أعجميا مجهول الاشتقاق ، ويكون عربيا مُجرى في حال التعريف والتنكير .
أضداد في الاسماء مثل :(الحزور) لليافع القوي ،والشيخ الضعيف .
الأضداد في المصادر (البين )للفراق والوصال .
أضداد في المشتقات : اسم الفاعل ، اسم المفعول ، الصفة المشبهة ، اسم التفضيل ، المبالغة ،وغيرها :( المسجور ) للمملوء والفارغ.الاعور للاعور والصحيح .
أضداد في الظروف مثل: (فوق) للاعظم والاحقر ،(دون) للاكثر والاقل ،(وراء) للامام والخلف .
أضداد في الضمائر . (نحن) للجمع والمفرد .
أضداد في الافعال مثل:(تأثم) إذا أتى الاثم وإذا اجتنبه .(ظن) : للشك ،واليقين .
أضداد في الحروف والادوات مثل :(لا) للجحد والاثبات ،و(إن )للنفي والشرط .
أضداد في المتعلقات مثل : (راغ على) و (راغ عن) . إذا أقبل وإذا أدبر ، (رغب في ) و(رغب عن) ،إذا أراد وإذا ترك .
أضداد في التعابير والتراكيب : نسوا الله فنساهم ، وهمت به وهم بها .

    
        الكتب التي أُلّفت في الاضداد
منذ أن عُرفت الاضداد  قام العلماء بالبحث فيها والتأليف عنها مفسرين لمعانيها وجامعين رواياتها من كلام العرب شعرا ونثرا حتى حظيت مؤلفاتها من العناية في النشر والتحقيق  الشيء الكثير ،ولم تقتصر هذه العناية على العلماء العرب بل تعدّتهم  الى المستشرقين ومن بينهم الدكتور أوغست هفنر فقد نشر كتب الاضداد للاصمعي ، والسجستاني ،وابن السكيت ، والصغاني سنة 1931. كما نشر الاستاذ هانس كوفلر كتاب أبي علي محمد بن المستنير المعروف بـ (قطرب ) في مجلة إسلاميكا سنة 1931. وسأعرض كتب الاضداد إبتداء من أول مؤلَّف فيها وانتهاءً بالعصور المتقدمة وأذكرها وفق سني وفات مؤلفيها.

أبو علي محمد بن المستنير (ت 206 )
يحيى بن زياد الفراء 207 ، وقد ذكر في أضداد ابن الدهان ( ولم يصل الينا هذا الكتاب .
ابو عبيدة معمر بن المثنى ت 210هـ ( لم يصل ).
عبد الملك بن قريب الاصمعي ت 216  ( نشره محققا المستشرق الدكتور اوغست هنفر ضمن ثلاثة كتب في الاضداد ، المطبعة الكاثوليكية بيروت عام 1913م .
ابو عبيدالقاسم بن سلام ت 224هـ ،ذكره  السيوطي و بروكلمان ( ولم يصل الينا).
أبو محمد عبد الله بن محمد التوزي ت 233 ( لم يصل )
أبو يوسف يعقوب بن السكيت ت 244.
أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني ت 248هـ ،وقد نشره محققا المستشرق الدكتور اوغست هنفر ضمن ثلاثة كتب في الاضداد ، المطبعة الكاثوليكية بيروت عام 1913م .
عبد الله بن مسلم بن قتيبة ت 276هـ ، وذكر في مجلة الاقلام ، السنة الاولى 4/98.
 عبيد (أوعسل ) بن ذكوان عاصر المبرد ولم يعرف سنة وفاته ولم يصل الكتاب
أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب ت 291هـ ، وذكره ابن الدهان ( ولم يصل الينا هذا الكتاب)
أبو بكر محمد بن القاسم الانباري (ت 328هـ) ،ححقه المستشرق هوتسما في ليدن سنة 1881هـ ، والشيخ محمد عبد القادر سعيد الرافعي بمشاركة الشيخ أحمد الشنقيطي في المطبعة الحسينية ،مصر 1325هـ .
عبد الله بن جعفر بن درستويه ت 347هـ ( لم يصل )
أبو الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي (351هـ)
الحسن بن بشر الامدي ت370هـ ( لم يصل )
ابو الحسن أحمد بن فارس بن زكريا الرازي ت315هـ، وذكره الصاحبي ولم يصل الينا .
أبو منصور عبد الملك بن محمد بن اسماعيل الثعالبي ت 340هـ،ذكر في مجلة الاقلام ، السنة الاولى 4/98.
سعيد بن لمبارك بن الدهان ت 569هـ
أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الانباري 577هـ( لم يصل )
أبو الفضائل الحسن بن محمد الصغاني ت (560) نشر محققا أوغست هفنر على شكل ذيل .
عبد الرحمن بن محمد بن اباهيم العتائقي عا 790هـ ( لم يصل )
محمد بن أحمد بن شرف الدين المدني ت 904هـ  ( مخطوط )
تقي الدين عبد القادر التميمي المصري ت 1005هـ ( لم يصل )
ملا حسن بن تقي الدين عبد القادر التتميمي المصري لم يعرف سنة وفاته .
عبد الهادي نجا بن رضوان نجا المصري الابياري ت 1305هـ
عبد  الهادي الابياري السابق ذكره ( لم يصل )
احمد بن احمد بن اسماعيل الحلواني الخليجي ت 1308هـ
 محمد بن سليمان بن محمد التنكابني ت قبل عام 1320هـ( لم يصل )
عبد اللهبن محمد لم تعرف سنة وفاته ( مخطوط )
مؤلف مجهول ( منبه الرقاد في ذكر جملة من الاضداد ) مخطوط .
مؤلف مجهولاسمه :إضداد آي القران ( مخطوط ).
ولم يقتصر التأليف في الاضداد على ما سبق بل تعدّاه الى وجود المباحث في بطون الكتب حيث تعرّض المؤلفون القدامى والمحدثون لها أثناء تناولهم لقضايا العربية ، ومن بين ههؤء ابن دريد حيث كتب عنها مبحثا في كتابه الجمهرة وكذا الحال في الغريب المصنف لأبي عبيد والمخصص لابن سيدة ، وفقه اللغة للثعالبي وديوان العرب للفارابي . وحين كان منهج مادة المصادر اللغوية يقتضي الوقوف عند المؤَلف الناضج الاول الذي يمثل المادة المعقود عليها البحث لذا سأقف لبيان هذا الغرض وأعرضُ لكتاب ابن الانباري.
يعد كتاب الاضداد لابي بكر محمد بن القاسم الانباري (ت327هـ) من أوسع الكتب وأحفلها بالشواهد وأشملها للعلل فإن مؤلفه أتى على جميع المفردات التي جاء بها سابقوه ثم أضاف عليها ألفاظاً عدّها من الاضداد مستدلاً لذلك بجملة من الشواهد النثرية والشعرية أبان فيها المعنى الدقيق كاشفا النقاب عن المعاني الغريبة  مقدّماً لكتابه بمقدمةٍ انتصر فيها للعرب بما ورد على ألسنتهم من ألفاظ الاضداد مبيناً عن حكمتهم فيما أرادوا بقوله :[ هذا كتاب ذكر الحروف التي توقعها العرب على المعاني المتضادة فيكون الحرف منها مؤديا عن معنيين مختلفين .ويظن أهل البدع والزيغ ،والازراء بالعرب أن ذلك كان منهم لنقصان حكمتهم ، وقلة بلاغتهم ،وكثرة الالتباس في محاوراتهم ... فأجيبوا عن هذا الذي ظنوه وسألوا عنه بضروب من الأجوبة،أحدهن :إن كلام العرب يصحح بعضه بعضا ويرتبط أوله بآخره ولا يُعرف معنى الخطاب منه الا باستيفائه واستكمال جميع حروفه فجاز وقوع اللفظة على المعنيين المتضادين لأنها يتقدمها ويأتي بعدها مايدل على خصوصية أحد المعنيين دون الاخر ، ولا يراد بها في حال التكلم والاخبار الامعنى واحد]
مصادر ابن الانباري في حديثه عن الاضداد :
من الملاحظ في هذا الكتاب الكثرة  الوافرة من المصادر التي ينقل عنها ويأتي بها ليدعم قوله مما يجعله أقوى حجة أكثر قبولا لدى المحتجين وأذكر المصادر في النقاط الاتية :
القران الكريم : ويعد المصدر الاول والاهم في هذا الكتاب حيث يأتي المؤلف بايات من الذكر الحكيم مستشهدا بها لما يريد ولا تكاد تخلو صفحةٌ واحدةٌ من صفحات الكتاب الا وقد استشهد فيها باية واحدة على الاقل .
الحديث الشريف : وغالبا ما يأتي ابن الانباري بالأحاديث مع ذكر سندها وما هذا الا لتدعيم قوله بصحة الحديث الذي يعتمده في استدلاله .ومن تلك المواضع قوله :[ حدثنا أبو جعفر بن أحمد بن عاصم الدمشقي ، قال :حدثنا هشام بن عمار ،قال:حدثنا أبو عبدالرحمن عثمان بن عبد الرحمن الجزري ، قال :حدثنا عبدالله بن أبي العباس عن جويبر عن الضحاك ،قال :قال :نافع بن الازرق لعبد الله بن العباس : أرأيت قيل  الله جل وعز : والليل إذا عسعس ما معناه ؟ فقال ابن عباس : عسعس :أقبلت ظلمته  ،فقال له نافع : فهل كانت العرب تعرف هذا ؟قال: نعم ، أما سمعت إمرىء القيس          عسعس حتى لو يشاء إدّنى           كان له من ناره مقبسُ
                  
كتب التفسير : وكثيرا ما نلاحظه يقول : قال المفسرون ،وذلك في حال الاجماع ،وتارة نجده يقول: قال بعض المفسرين ،وقال البعض الاخر . ومثلُ هذا ما ذكره في حديثه عن [عسى] بقوله :[ عسى في جميع كتاب الله جل وعزَّ واجبة . وقال غيره [ عسى في القران واجبة الا في موضعين ....]
 القراءات القرآنية وفي كثير من الاحيان كان يرجّح بعض الاراء فيها على البعض الاخر .
الرواية عن العرب الموثوق بفصاحتهم : روى ابن الانباري عن العرب الذين يعتدُّ بكلامهم الذين لم يعترِ  ألسنتهم الفساد اللغوي بل انتقى  ما يريده من الافواه التي عرفت بقوة البيان وفصيح العبارة ومن بين الرجال الذي روى عنهم : أبو العباس : وهذا هو الاوفر ذكرا في كتاب ابن الانباري بحيث نكاد لانستطيع ان نقف على صفحة واحدة لم يُذكر فيها أبو العباس ثم يتبعه لبيد ، والفراء ،وأبو ذؤيب ،أُبي بن تميم . وأحيانا نجد الرواية دون ذكر راويها حيث يقول : [قال أهل اللغة ] ويكتفي بهذا دون الاشارة الى أحد .
إن المتتبع لمنهج ابن الانباري في الاستشهاد يلاحظ أنه يبدأ بالقران الكريم دائما فالتفسير وقول الرسول (ص) ثم الشعر أو النثر من كلام العرب ،وهذا هو النهج العام الذي إختطه لنفسه في كتابه. أما بخصوص اختياره للالفاظ ومعالجتها فلم تخصع لطريقة معينة في ترتيب الكلمات في الكتاب بل وضعها وضعا مرتبكا يشقُّ على الباحث إيجاد ضالته فيه إذا أراد الرجوع الى لفظ معين ، فقد اعتمد الباحث ترقيم الالفاظ وإعطاء كلِّ حرف رقما معيناً وقد بلغت المفردات التي تم التطرق اليها في هذا الكتاب (357) مفردة مبتدءاً بلفظ ( الظن).

الأًضداد في كلام العرب: تأليف عبد الواحد بن علي اللغوي الحلبي  (ت 351هـ ) تحقيق الدكتور عزة حسين ، مطبوعات المجمع العلمي العربي ، بدمشق 1382هـ /1963م . و يتألف من جزأين .
منهج الكتاب :
أكثرَ الباحثُ فيه من الشواهد كالايات القرانية وأحاديث الرسول  @ ولم يشر المؤلف الى كتاب ابن الانباري السابق ذكره .
رتّب أبو الطيب اللغوي كتابه على حروف المعجم وكان كتابه أول كتب الاضداد التي تُؤلف وفق هذا المنهج حيث كان المولفون الذين سبقوه لم يلتزموا بهذه الطريقة الا أن الملاحظ في هذا الترتيب قد يعتريه الارتباك أحيانا فيقدّم لفظا حقه التأخير ويؤخر لفظاً حقه التقديم


c  نماذجٌ من الاضداد في القرآن الكريمc
TTTT
 لايبَ أنَّ الذكر الحكيم هو المحفّز الأساس في الكثير من العلوم على اختلاف توجهاتها ، وما يهمنا في هذا الموضع ورود بعض الألفاظ الدالّة على المعاني المتضادّة في القران الكريم مما جعل المفسرين واللغويين تتبع هذه المفردات وإعطائها مساحة واسعة من مؤلفاتهم  من أجل تفسيرها  وبيان معانيها ، وسأعرضُ في هذا المحل الى بعض النماذج لتصبح الصورة جليةً للقارئ .

أولا/    السَّجْر.
نص الكثيرُ من علماء اللغة والتفسير على  أن هذه اللفظة من الأضداد ، وإذا تتبعنا الذكر الكريم نجد تطبيقا لِما أوردوه من المعنيين  المتناقضين ،  حيثُ وردت في موضعين تدل على الامتلاء ، ونقيضهُ الفراغُ  كما في قوله تعالى باسلوب القسم   :] وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ [ الطور/6 . قال ابن الانباري ت351هـ:( ومن الاضداد المسجور : المملوء ، والمسجور الفارغ .قال وفي التنزيل ( والبحر المسجور) ،أي :المملوء وفيه ( واذا البحار سجّرت) ،أي ذهب ماؤها. وحُكِيَ عن جارية من أهل مكة :إنَّ حوضكم لمسجورٌ، أي: فراغٌ ليس فيه ماء). ولم ينأ الزمخشري عن هذا المعنى بقوله :(المسجور : المملوء). والى مثله ذهب صاحبُ البحر المحيط ذاكرا المعنى ذاته وضده وهذا مايتضح لنا من قوله : (البحر المسجور المملوء ،وهذا معروفٌ  . وقال ابنُ عباس : المسجورُ الذي ذهب ماؤه فيكون من الاضداد ) . وقد بين الزمخشري في موضعٍ ثانٍ أنَّ السجرَ بمعنى الفراغ أو الامتلاء وذلك حين تعرّض لقوله تعالى : {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَت} حيثُ قال :(سجر من سجّرَ التنور إذا ملأه بالحطب ، أي مُلئت نيراناً. وعن الحسن :يذهب ماؤها فلا تبقى فيها قطرةٌ ). فنلحظ مما سبق أن لفظة (السجر) وردت في التعبير القرآني بمعنيين متضادين تماما .  

ثانياً/ السَبْح :
    ذُكرت لفظة ( السبح) من الاضداد ؛ لأنها تعني : (( النوم والسكون ، والتقلب والانتشار في الأرض )) () ، وهو ما ذهب اليه فريق من علماء اللغة والتفسير القدامى () .
    وقد وردت هذه اللفظة في التعبير القرآني بالمعنيين المتضادين ، في قوله تعالى : ] إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً[ (المزمل: 7) .
    ففسر (السبح) بكونه : ((تصرفاً وتغلباً في مهماتك وشواغلك () … وقيل فراغاً وسعة لنومك وتصرفك في حوائجك)) () ، وذُكر لها قراءة بـ(الخاء)، أي (سَبْخاً) وهي قراءة يحيى بن يعمر والضحاك () ، فلو قرئت بـ ( الخاء) ، فإنها تؤكد وتحدد معنى الانتشار والتوسعة ؛ لأنها جاءت في أصل معناها اللغوي من ندف القطن () ، وهو يدل على التوسعة والانتشار .
    أما إذا قرئت (بالحاء) ، أي (السبح) ، فيكون لها معنيان متناقضان ، وتدخل في الاضداد، والمعنيان هما: السكون والانتشار، والمعنى يكون: ((إنّ لك في النهار فراغاً لنومك وتدبير أمر معاشك والتصرف في حوائجك ، فتهجّد في الليل)) () ،
 

3)الظنّ : يعد الظنّ من الألفاظ المتضادة ، فهو يحمل معنيين متناقضين ، هما: الشك واليقين () ، وهو ما اثبتته طائفةٌ من كتب اللغة والتفسير ()، إلا أن هناك من أنكر ضدّية هذه اللفظة من المحدثين ، بحجة أن معنى اللفظة يتغير بتغير السياق ؛ لذلك عدّوه من المشترك اللفظي، وأنه مأخوذ من افتراض عقيدي(). والظنّ اسم (( لما يحصل عن أمارةٍ ، ومتى قويت أدّت إلى العلمِ ، ومتى ضعفت جداً لم يتجاوز حدّ التوهّم )) () . والضعف والقوة يحددهما مطابقته للواقع أو عدم مطابقته، فإن كان مطابقاً للواقع وتحقق ذلك كان الظن يقيناً وعلماً ، وإن كان غير مطابقٍ للواقع اصبح شكاً وتوهماً، وهذا ما تحدده القرائن الدلالية
-السياقية والحالية والعقلية - في النص.
    وإذن فإن الذي يحدد معناها هو السياق نفسه،  وإذا رجعنا الى الذين ألّفوا في الأضداد نلاحظ أنهم يحددون قرائن السياق هي السبيل في تحديد معان الكلمات المتضادة
(4)    الرجاء :
    تُعدّ لفظة (الرجاء) من الأضداد في اللغة ؛ لأنها ترد بمعنيين متضادين ، هما: (الطمع ، والخوف) ، وهذا ما أكده أغلب علماء اللغة والتفسير () .
    ونلحظ التقابل بالضد لهذه اللفظة في التعبير القرآني ، في قوله تعالى:
] مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً [ (نوح:13) ، ففًسّر (الرجاء) هنا بالخوف ()، وقيل: عن ابن عباس أن معناه : ((ما لكم لا تخافون لله عذاباً ولا ترجون منه ثواباً)) () ،أي أن معنى الرجاء هنا، هو: الخوف والطمع معاً،    وذكر الراغب المعنيين معاً من دون الاشارة إلى أنها من الأضداد ، فذكر أن: (( الرّجاءُ ظنٌّ يقتضي حصول ما فيه مسرّةٌ ، وقوله تعالى: ] مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً [ ()، قيل: ما لكم لا تخافون)) ، فكان هناك شيءٌ من التناقض في قوله ؛ إذ الخوف لا يمكن أن يكون فيه مسرّة .
    فنلحظ مما سبق أن لفظة (الرجاء) وردت متناقضة في الآية السابقة نفسها، فهي تحمل المعنيين المتضادين معاً ، مع بعض الترجيح لمعنىً دون الآخر بقرينة السياق الذي يحدد أحدهما .
    وتقابل هذه اللفظة في الآية السابقة ، لفظة (الرجاء) في قوله تعالى: ]أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ[ (الزمر:9).
    ورد (الرجاء) في هذه الآية بمعنى (الطمع) و(الخوف) عند أغلب المفسرين() ، ولا يفصلون بينهما،
5)    الأجَل :
    وردت هذه اللفظة في التعبير القرآني بمعنيين متغايرين في أكثر من نص، ففي قوله تعالى : ] وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنّ [ (البقرة: 231) ، ففُسّر (الأجل) هنا ، بأنه ((آخر عدتهن ، والاجل يُطلق للمدة ، ولمنتهاها ، فيقال لعمر الإنسان وللموت الذي به ينتهي )) () .
    والدليل على أن المراد به ، الاشراف على انتهاء العدّة ، هي القرينة اللفظية المتأخره