الجمعة، 1 مايو 2015

حبيب الطائعين وملاذ الهاربين وملجأ الملتجيئن وأمان الخائفين


 

 

 

حبيب الطائعين وملاذ الهاربين وملجأ الملتجيئن وأمان الخائفين

-----------------------

الله … كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ [الرحمن:29]. يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين، ويحيي ميتاً، ويميت حياً، ويجيب داعياً، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويجبر كسيراً، ويغني فقيراً، ويعلم جاهلاً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيران، ويغيث لهفان، ويفك عانياً، ويشبع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتلى، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً، ويقصم جباراً، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويؤمن روعة.

الله … الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى. السماء بناها، والجبال أرساها، والأرض دحاها. أخرج منها ماءها ومرعاها. يبسط الرزق ويغدق العطاء ويرسل النعم.

رب السماوات والأرض، ورب العرش العظيم، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والفرقان. هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، ينفس الكرب، ويفرج الهم، ويذهب الغم، ويقضي الدين ويغني من الفقر.


إذا حل الهم وخيم الغم. واشتد الكرب وعظم الخطب وضاقت السبل وبارت الحيل نادى المنادي: يا الله ((لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم)). فيفرج الهم وينفس الكرب ويزيل الصعب فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمّ وَكَذالِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88]. وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ [النحل:53].

إذا اشتد المرض بالمريض، وضعف جسمه وشحب لونه وقلّت حيلته، وضعفت وسيلته. وعجز الطبيب، وحار المداوي. وجزعت النفس. ورجفت اليد. ووجف القلب انطرح المريض واتجه العليل إلى العلي الجليل ونادى: يا الله … يا الله، سمع الدعاء فزال الداء ودبّ الشفاء وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَءاتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء:83-84].

إذا إنطلقت السفينة بعيداً في البحر اللجي، وهبت الزوابع، وتسابقت الرياح، وتلبد الفضاء بالسحب، واكفهر وجه السماء، وأبرق البرق، وأرعد الرعد، وكانت ظلمات بعضها فوق بعض، ولعبت الأمواج بالسفينة، وبلغت القلوب الحناجر، وأشرفت على الغرق، وتربص الموت بالركاب، اتجهت الأفئدة وجاءت الأصوات: يا الله … يا الله، فجاء عطفه، وأشرق ضياؤه في الظلام الحالك فأزال المهالك.

هُوَ الَّذِى يُسَيّرُكُمْ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ الْحياةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. [يونس:22-23]. قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ [الأنعام:63-64].

إذا حلقت الطائرة في الأفق البعيد، وكانت معلقة بين السماء والأرض، فأشر مؤشر الخلل، وظهرت دلائل العطل، فذعر القائد، وارتبك الركاب، وضجت الأصوات فبكى الرجال، وصاح النساء، وفجع الأطفال، وعم الرعب، وخيم الهلع. وعظم الفزع، ألحوا في النداء وعظم الدعاء: يا الله … يا الله … يا الله، فأتى لطفه، وتنزلت رحمته، وعظمت منته، فهدأت القلوب، وسكنت النفوس وهبطت الطائرة بسلام.

إذا اعترض الجنين في بطن أمه، وعسرت ولادته وصعبت وفادته، وأوشكت الأم على الهلاك، وأيقنت بالممات، لجأت إلى منفّس الكربات وقاضي الحاجات ونادت: يا الله … يا الله، فزال أنينها، وخرج جنينها.

إذا حل بالعالِم معضلة، وأشكلت عليه مسألة، فتاه عنه الصواب، وعز عليه الجواب، مرغ أنفه بالتراب ونادى: يا الله … يا الله، يا معلم إبراهيم علمني ـ يامفهم سليمان فهمني ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)) فيأتي التوفيق وتحل المغاليق.

إذا ضاقت بالدعاة الدروب، وأدلهمت بهم الخطوب ورموا بالعظائم ـ وطال الطريق، وقلّ الناصر ـ واتهموا بماهم منه براء، لجأؤوا إلى ركن شديد وإلى سميع قريب مجيب، ونادوا يا الله … يا الله … يا الله …

فجاء الفرج ونفس الكرب وفرج الهم حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجّىَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [يوسف:110].

وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ [الأنعام:34]. فهو تعالى الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة، وكفى بربك هادياً ونصيراً.

يتجه إليه المريض الذي استعصى مرضه على الأطباء ويدعوه آملاً في الشفاء. ويتجه إلى المكروب يسأله الصبر والرضا، والخلف من كل فائت، والعوض من كل مفقود الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعونَ [البقرة:156]. ويتجه إليه المظلوم آملاً يوماً قريباً ينتصر فيه على ظالمه، فليس بين دعوة المظلوم وبين الله حجاب.

يتجه إليه المحروم من الأولاد سائلاً إياه أن يرزقه ذرية طيبة قَالَ رَبّ إِنّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِن وَرَائِى وَكَانَتِ امْرَأَتِى عَاقِرًا فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً يازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً [مريم:4-7].

وكل واحد من هؤلاء آمل في أن يجاب إلى ما طلب. ويحقق له ما ارتجى، فما ذلك على قدرة الله ببعيد وما ذلك على الله بعزيز. أي سكينة يشعر بها المؤمن حين يلجأ إلى ربه في ساعة العسرة ويوم الشدة فيدعوه بما دعا محمد صلى الله عليه وسلم من قبل: ((اللهم رب السماوات السبع. ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء. فالق الحب والنوى. منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغنني من الفقر))، فهو سلوة الطائعين وملاذ الهاربين. وملجأ الخائفين.

قد يعطى الإنسان أموالاً. وقد يمنح عقاراً، وقد يرزق عيالاً. وقد يوهب جاهاً، وقد ينال منصباً عظيماً أو مركزاً كريماً. قد يحف به الخدم ويحيط به الجند وتحرسه الجيوش وترضخ له الناس. وتذل له الرؤوس ولكنه مع ذلك كله فقير إلى الله، محتاج إلى مولاه ياأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].

إن لذة الحياة، ومتعة الدنيا، وحلاوة العمر، وجمال العيش وروعة الأنس، وراحة النفس هي في شعور الإنسان بفقره إلى الديان. ومتى غرس في القلب هذا الشعور، ونقش في الفؤاد هذا المبدأ فهو بداية الغنى، وانطلاقة الرضا، وإطلالة الهناء، وإشراقة الصفاء، وحضور السرور ومواسم الحبور.

حقيقة غنى المرء في الحياة أن يعيش فقيراً إلى الله، وهذه هي حقيقة العبودية وخلاصة التقوى، فالمرء في صلاته، في ركوعه، في سجوده، في دعائه، في كل عباداته يعلن الخضوع لله والاستسلام له والتذلل بين يديه والافتقار إليه، إن الفقر أن يكون المرء بأ حاسيسه ومشاعره ووجدانه مفتفراً إلى الله تعالى، ولا يعني ذلك أن يعيش المرء فقيراً من أمر الدنيا فيترك السعي فيها ويرفض اكتساب الرزق وجمع المال وعمارة الحياة، ويظن أن ذلك هو الافتقار الحقيقي، فقد يكون المرء من أكثر الناس مالاً وأوفرهم عيالاً وأعظمهم ثروة، ومع ذلك هو شديد الافتقار إلى العزيز الجبار. فالفقر الحقيقي هو دوام الافتقار إلى الباري في كل شيء.

وأن يشهد الإنسان في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وفقراً ملحّاً إلى الله تعالى وإلى لطفه وكرمه وعنايته وحفظه وتيسيره وتدبيره، وأن هذا الفقر إلى الله تعالى هو حقيقة الغنى وأصل العزة في الدنيا والآخرة. لا يزداد به المرء إلا رفعة ـ ولا ينال به إلا عزاً ـ ولا يجني منه إلا فضلاً. فهل يكون فقيراً من استغنى بالله جل وعلا ؟ وهل يكون فقيراً من كان الله معه والله ناصره والله معينه والله حافظه.

لقد تجرأ اليهود كعاداتهم في قلة الحياة، وسوء الأدب وشناعة الأعمال ووقاحة الأقوال، فقالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، قالوها ومضوا لشأنهم غير مبالين بفظاعتها ولا مهتمين لشناعتها ـ ولا مكترثين لهولها ـ ولكنها مرصودة لهم ـ مسجلة عليهم ـ مسطورة في سجل قبائحهم.

لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الاْنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181]. ولم يحفل القرآن بالرد على هذه المقولة ولم يستعرض الأدلة في دحضها وإبداء زيفها وكشف عوارها فهي أقل من ذلك.

وليس يصح في الأذهان شيء……إذا إحتاج النهار إلى دليل

بل جاء بعدها الحديث عن عدد من مساوئ اليهود وبعض من قبائلهم، وطرف من نقائصهم وخياناتهم.

ثم ماذا في ختام الحديث عن ذلك جاءت إشارة عابرة، وآية موجزة فيها الرد على كل الباطل، والجواب أحسن الجواب فقال تعالى: الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَىْء شَهِيدٌ [البروج:9]. فمن يملك السماوات والأرض وما فيهن ومن فيهن وهو على كل شيء قدير هل يكون فقيراً؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

أين هؤلاء السفلة من عظمة نبيهم موسى عليه السلام حينما خرج خائفاً يترقب فلما ورد ماء مدين وسقى للمرأتين ثم تولى إلى الظل الظليل. لم ينسه ذلك الظل ظلاً أعظم ومأوى أكرم. ولطفاً أشمل، ورعاية أكمل، فلبس ثوب الفقر، وارتدى جلباب الفاقة وأعلن حالة المسكنة ورسم لوحة الذل. في عبارات حانية وكلمات هادئة ومناجاة صادقة فَقَالَ رَبّ إِنّى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:24]. فقير إلى كرمك فقير إلى جودك، فقير إلى أحسن عطائك في الدنيا والآخرة.

لقد لجأ الفقير إلى الغني الحميد والركن الركين. والظل الظليل، فسمعت الدعوة وأجيب النداء، وأغدق العطاء في طرفة عين ولمحة بصر: فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [القصص:25].

إن دعوة هذا الشيخ الكبير جاءت استجابة من السماء لدعاء موسى الفقير، فنال من خير الدنيا وحسن ثواب الآخرة.

يا من يرى ما في الضمير ويسمع……أنت المعد لكل ما يتوقع

يا من يرجى للشدائد كلها……يا من إليه المشتكى والمفزع

يا من خزائن رزقه في قول كن……امنن فإن الخير عندك أجمع

ما لي سوى فقري إليك وسيلة……فبالإفقار إليك فقري أدفع

ما لي سوى قرعي لبابك حيلة………فلئن رددت فأي باب أقرع

من ذا الذي أدعو وأهتف با سمه………إن كان فضلك عن فقير يمنع

حاشا لجودك أن تقنط عاصياً……الفضل أجزل والمواهب أوسع

قال تعالى: مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ [السجدة:4]. أين الولي من دونه جل وعلا؟ وأين الشفيع؟ وأين النصير؟ وهو سبحانه المسيطر على العرش والسماوات والأرض وما بينهما، وهو فالق السماوات والأرض وما بينهما، فأين الولي أو الشفيع الخارج على سلطانه؟ أفلا تذكرون.

إن تذكر هذه الحقيقة يرد القلب إلى الافتفار إلى الله. واللجوء إليه وحده دون سواه.

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن افتقاره إلى الله وشدة حاجته إليه وعدم غناه عن فضله أو لطفه ولو لطرفة عين. ويدعوه أن لا يكله إلى نفسه، يلجأ إليه في السراء والضراء وينطرح بين يديه في النعماء والبأساء.

وما أحسن ما قاله ابن القيم رحمه الله مصوراً هذا الافتقار فقال: "لما كمل للرسول صلى الله عليه وسلم مقام الافتقار إلى الله سبحانه أحوج الخلائق كلهم إليه في الدنيا والآخرة … أما حاجتهم إليه في الدنيا فأشد من حاجاتهم إلى الطعام والشراب والنفس الذي به حياة أبدانهم. وأما حاجاتهم إليه في الآخرة فإنهم يستشفعون بالرسل إلى الله حتى يريحوهم من ضيق مقامهم. فكلهم يتأخر عن الشفاعة فيشفع لهم، وهو الذي يستفتح باب الجنة".

كان شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله على جلالة قدرة ووفرة علمه إذا مدح أو أثني عليه يتأثر تأثراً بالغاً ويقول: "ما لي شيء، ولا مني شيء، وليس عندي شيء"، ومن أبياته رحمه الله:

أنا الفقير إلى رب البريات…أنا المسكين في مجموع حالاتي

لا أستطيع لنفسي جلب منفعة…ولا عن النفس لي دفع المضرات

وليس لي من دونه مولاً يدبرني…ولا شفيع إذ حاطت خطيئاتي

ولست أملك شيئا دونه أبداً……ولا شريك أنا في بعض ذرات

والفقر لي وصف ذات لازم أبداً……كما الغنى أبداً وصف له ذاتي

والحديث موصول بإذن الله حول الافتقار إليه وعظمته جل جلاله وأسمائه وصفاته سبحانه وبحمده.


0 التعليقات:

إرسال تعليق