الأحد، 29 مارس 2015

شرح حديث أبي ذر القدسي

 

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 إنَّ من فضل الله علينا وكرمه وجوده ما أخبرنا به نبيّنا في ذلكم الحديث القدسي الذي رواه نبيُّنا عن ربّنا جلَّ جلاله. حديث عظيمٌ ابتُدئ بتنزيه الله عن الظلم، وخُتم بكمال عدلِ الله الذي يستبين للخلائق في أعظم موقفٍ عظيم يومَ وقوفِهم بين يدَي ربّهم. حديثٌ إذا تأمَّله المؤمن وجد أنّه حديث يملأ قلبَ المؤمن يقينًا بالله وثِقة بالله واعتمادًا على الله، ويعلِّق رجاءَه وأملَه بالله وحدَه. حديثٌ يبيِّن الله فيه كمالَ غِناه عن خلقه وكمالَ افتقار الخلق إليه، يبيِّن فيه ربّنا جلّ وعلا أنّ طاعاتِ العباد منفعتُها لأنفسهم، وأنّ ضررَ المعاصي يعود عليهم، فلا تزيد طاعاتهم في ملك الله، ولا تنقص معاصيهم من ملك الله. حديثٌ فيه بشرى للتائبين وتحذير للمعرضين، فسبحان الحكيم العليم.

روى مسلم في صحيحه عن أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه، عن رسول الله فيما يرويه عن ربّه تعالى أنّه قال: ((يا عبادي، إنّي حرّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم محرّمًا، فلا تظالموا. يا عبادي، كلّكم ضالّ إلا مَن هديتُه، فاستهدوني أهدِكم. يا عبادي، كلّكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعِمكم. يا عبادي، كلّكم عارٍ إلا مَن كسوتُه، فاستكسوني أكسُكم. يا عبادي، إنّكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوبَ جميعًا، فاستغفروني أغفرْ لكم. يا عبادي، إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخرَكم وإنسكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم كانوا على أفجر قلبِ رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا. يا عبادي، لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسَكم وجنَّكم قاموا في صعيد واحدٍ فسألوني فأعطيتُ كلاًّ مسألتَه ما نقصَ ذلك مِن ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخِل البحر. يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصِيها لكم، ثمّ أوفِّيكم إيّاها، فمَن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجَد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه))(1)[1].

 ما أعظمَها من جُمل، وما أعظمَ فوائدَها، فالظلمُ الذي هو وَضع الشيء في غير موضعِه نقصٌ في حقّ البشر، والله جلّ وعلا منزَّه عن العيوب والنقائص، مع قدرتِه على ذلك لكنّه جلّ وعلا حرَّمه على نفسه، وأوجب على نفسِه العدلَ: ((إنّي حرمتُ الظلمَ على نفسي))، والله يقول لنا: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَاكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44]، ويقول جلّ جلاله: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا [النساء:40]، ويقول: وَمَا ظَلَمُونَا وَلَاكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [الأعراف:160]، ويقول: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46]. فحاشاه ظلمَ العباد، ويقول: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا وَلاَ هَضْمًا [طه:112]. فهو جلّ وعلا أعدلُ العادلين، والظلم غيرُ لائق به، كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54]، وفي الكتاب الذي كتبه ربّنا فوقَ العرش: ((إنّ رحمتي سبقت غضبي))(2)[2].

وحرّم الظلمَ بين العباد، وجعله بينهم محرّمًا، والظلمُ أعظمه الشرك بالله بعبادةِ غيره، فإنّ هذا أعظمُ الظلم إذ وُضِعت العبادة لغير مستحقِّها، وظلمُ العبد لنفسِه بانتهاكِه ما حرَّم الله عليه أو ترك ما أوجب الله عليه، فإنّ هذا مِن ظلم العبد لنفسه بتركِ واجب أو بفعل محرم، فهذا ظلمٌ منه لنفسه، وظلم العباد فيما بينهم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وفي الحديث: ((اتّقوا الظلمَ، فإنّ الظلمَ ظلمات يوم القيامة))(3)[3]، وفيه: ((إنّ الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلِته))، ثم تلا قوله تعالى: وَكَذالِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَالِمَةٌ [هود:102](4)[4].

ومظالمُ العباد يومَ القيامة يُقتصّ من الظالمِ لمن ظلمه، حتّى إذا لم يبقَ من حسناتِه شيء أخذَ مِن سيّئات مَن ظلمهم فحُملت عليه ثمّ طرِح في النار، يقول : ((أتدرون من المفلس فيكم؟)) قالوا: المفلسُ فينا من لا دينارَ له ولا متاع، قال: ((ولكنّ المفلس من يأتي يوم القيامة بأعمالٍ أمثال الجبال، يأتي وقد ضرَب هذا وشتمَ هذا وسفك دمَ هذا وأكلَ مالَ هذا، فيأخذ هذا من حسناتِه، ويأخذ هذا من حسناتِه، فإن قضي ما عليه وإلاّ أخِذ من سيّئاتهم فطُرحت عليه ثمّ طرح في النّار))(5)[5]. ونهانا ربّنا بقوله: ((فلا تظالموا)) لا يظلِم بعضكم بعضًا في دم أو مالٍ أو عِرض، وفي الحديث: ((من اقتطَع قيدَ شِبر من أرضٍ طُوِّقه يومَ القيامة من سَبع أرضين))(6)[6].

وأخبرنا تعالى أنّ هداية قلوبنا بيده جلّ وعلا، يهدي من يشاء بفضله، ويضلّ من يشاء بعدله، لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ [الأنبياء:23]، قال تعالى: مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِى وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:178]، فهو يهدي من يشاء فضلا وكرمًا، وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلا [النساء:83]، فاسألِ الله الهداية، فهو القادر عليها، يهدي قلبَ من يشاء فيحبّ الخيرَ ويألفه، ويحول بين قلبِ من يشاء، فينصرف عن الخير فلا يقبَله.

وكلُّ ما بِنا من خير فمن الله فضلا وكرمًا وجودًا، وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78]، وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ [هود:6]، وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت:60]. فطعامنا وكسوتنا كلّها من الله فضلا علينا، فإن شاءَ تفضّل، ولو أراد غيرَ ذلك لم يمكنكَ الحصولُ على أيِّ شيء، اللهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطيَ لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ.

الرسلُ وأتباعهم وظيفتُهم هداية التوضيح والبيان، وأمّا قبول الحقّ من عدمِه فالأمرُ بيد الله، يقول الله لنبيّه في شأن عمّه أبي طالب لمّا لم يقبل الهدى: إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء [القصص:56].

وأخبرنا ربّنا أنّنا نخطئ في ليلنا ونهارنا، فالعبادُ مهما يكن حالهم فالأخطاءُ صادرة منّا، قوليّة أو فعليّة، والمعصوم من عصَم الله، نخطئ في ليلنا ونهارنا، فكم أخطاء منّا ننساها ونتجاهلها، والله محيط بها وعالمٌ بها، ولكنّه تعالى جعل لنا ملجأً في محوِ الذنوب والخطايا أن نستغفرَه ونتوبَ إليه: ((يا عبادي، إنّكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوبَ جميعًا، فاستغفروني أغفرْ لكم))، قال تعالى: قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. مهما عظُم الذنب، ومهما كثرت الخطايا وتجاوز الحدود، إذا تُبتَ إلى الله منها بإقلاعِك عن الخطأ وعزمك أن لا تعودَ وندمِك على الماضي فستجدُ الله توّابًا رحيمًا، يبسط يدَه بالليل ليتوبَ مسيء النهار، ويبسط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيء الليل، وهو يحبّ من عبده أن يتوبَ إليه، وهو يفرَح بتوبة عبده وإنابتِه، أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221].

ويبيّن لنا تعالى أنَّ العبادَ لن يستطيعوا أن يلحِقوا به ضررًا، ولا أن يوصِلوا نفعًا، فهو غنيّ عنهم، وإنّما ضرر الأمر إليهم، فالله غنيّ حميد، لا يستطيع العباد أن يوصِلوا إليه ضررًا أو يجلبوا نفعًا، فهو الغنيّ الحميد، والكلُّ عبيدٌ له وخاضعون لقدرته.

وأخبرنا تعالى أنَّ العبادَ كلَّهم لو أطاعوه وكانوا على قلب رجلٍ واحد في الطاعة والاستقامة فإنّ ذلك لا يزيد في ملك الله شيئًا، ولو اتّفقوا على المعصية ما نقص ذلك من ملكه شيئًا، فلا تنفعه طاعة المطيع، ولا تضرّه معصية العاصي، إنّما ضرر المعاصي على أهلها، ومنفعة الطائعين لأنفسهم، مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].

وأخبرنا تعالى عن كمال جودِه وسعةِ عطائه وإحسانه، وأنَّ الخلق كلَّهم لو اجتمعوا في صعيد واحد وكلٌّ سأل مسألةً غير مسألة الآخر أعطي كلاًّ مرادَه، فإنّ ملك الله لا ينقصه ذلك، ((يمين الله ملأى، لا يغيضها نفقة، سحّاء الليل والنهار، ألم تروا إلى ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟!))(7)[7]، يَسْأَلُهُ مَن فِى السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ [الرحمن:29]، بل هو جلّ وعلا يحبّ من عباده أن يسألوه، يحبّ منهم أن يطلبوه ويلتجئوا إليه، وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]. كلّما دعوتَ ربَّك وكلّما سألته حاجة وكلّما اضطررتَ إليه أدناك وقرَّبك وأعطاك وحقَّق لك آمالَك، وكلّما تكبّرت عن دعائِه وأعرضتَ عن سؤاله أبغضَك وعاقبك، وابنُ آدم كلَّما احتجتَ إليه تكبّر عليك وبخل، وكلّما استغنيتَ عنه قرُب منك وأحبَّك، فلا إله إلا الله، لا إله إلا الله، الفضلُ فضله والعطاء عطاؤه، يحبّ من عباده أن يسألوه دائمًا، يحبّ من عباده أن يتوبوا إليه، يحبّ من عباده أن يستغفروه، يحبّ من عباده أن يلتجئوا إليه، يحبّ من عباده أن يفوِّضوا إليه أمرهم، ويشكوا إليه بثّهم وحزنَهم، فإنّه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين.

ثمّ يخبرنا تعالى أنَّ أعمالَنا كلَّها محصاة علينا، وأنّه جلّ وعلا محصٍ علينا كلَّ أعمالنا، قليلها وكثيرها، وسيجازي المحسنين بالإحسان، نسأله تعالى أن يمنَّ علينا بالتوبة النصوح، وأن يرزقَنا الالتجاء والاضطرارَ إليه، وأن يصلح قلوبَنا وأعمالنا، إنّه على كل شيء قدير.




يقول الله: ((يا عبادي، إنّما هي أعمالكم، أحصيها لكم، ثمّ أوفّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلاَّ نفسه)).

 ما خُلِقتَ عبثًا، خُلقتَ لعبادة الله، وما تركتَ سُدى، بل أُمرت ونُهيت، وأخبر الله جلّ وعلا عن كمال علمِه بأعمالنا دقيقها وجليلها، قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاواتِ وَمَا فِى الأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ [آل عمران:29]، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ [غافر:19].

علِم ما العباد الله عاملون قبلَ أن يخلقَهم، وكتب ذلك قبلَ خلق الخلائق بخمسين ألف سنة، وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:39].

 إنّنا محاطون أيضًا بأمور، أوّلا: أخبرنا الله أنّ هناك كرامًا كاتبين، يعلمون أعمالنا ويسجِّلون أفعالنا، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12]، مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة:6]، وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَئِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:13، 14]، وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ ياوَيْلَتَنَا مَا لِهَاذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47].

فيحاسب الله العبادَ يوم القيامة، ويوقَفون على حقائق أعمالهم، فإن أرادوا الإنكارَ والتكذيب فإنَّ الله يقول: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [يس:65]، ويقول الله عنهم: وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِى ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ الُخَاسِرِينَ [فصلت:21-23]. فأعمالنا في الدنيا محصاة علينا، وسنوقف عليها يومَ القيامة، وسوف تطير الكتب إمّا باليمين أو بالشّمال، فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:19، 20]، حتى الكافر يُجزَى في الدنيا عن حسناته ليلقى الله يومَ القيامة ولا حسنةَ له، ولا يدخل النارَ أحد إلا وهو موقِن بأنّ النار أولى بِه من الجنّة لكمال عدلِ الله، ولما يرى الخلائق من كمال عدل الله بخلقه وعِظم حسابِه لهم، مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [لقمان:28]، ((ما منّا أحد إلا سيكلّمه ربّه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، ينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النّار، فاتّقوا الله ولو بشقّ تمرة))(8)[1].

يومَ الحساب والجزاء يوم عظيم، يشهَد فيه الخلائق أعمالَهم خيرها وشرَّها، ذلك اليوم العظيم، يومَ تبلى السرائر، يومَ يُبعث ما في القبور ويحصَّل ما في الصدور، وتنشر صحائف الأعمال، والخزي العظيمُ خزي ذلك اليوم، حينما تبدو سرائر العباد، وتنشر أعمالهم، نسأل الله الثبات والاستقامة.

فعلى العبدِ أن يحاسبَ نفسَه، فعسى أن يوفَّق لتدارك الأخطاء في ظلمه لنفسِه، أو في ظلمه لعباد الله، ليلقى اللهَ يوم القيامة خفيفَ الحساب، وذلك يسير على من يسّره الله عليه. فلنأخذ حذرَنا، ولنستعدَّ للحساب يومَ القيامة، فذاك الحساب العظيم بينَ يدَي ربّ العالمين.



اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهمّ عن خلفائه الراشدين...

__________

(1) أخرجه مسلم في البر (2577).

(2) أخرجه البخاري في التوحيد (7422، 7453، 7554)، ومسلم في التوبة (2751) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3) أخرجه مسلم في البر (2578) من حديث جابر رضي الله عنه.

(4) أخرجه البخاري في التفسير (4686)، ومسلم في البر (2583) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

(5) أخرجه ومسلم في البر (2581) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.

(6) أخرجه البخاري في المظالم (2453)، ومسلم في المساقاة (1612) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(7) أخرجه البخاري في التوحيد (7419)، ومسلم في الزكاة (993) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(8) أخرجه البخاري في التوحيد (7512)، ومسلم في الزكاة (1016) من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه بنحوه.

(1/2795)


الثباتَ الثباتَ أمام ملتطَم العاديات ومستنقَع المتغيّرات

 

الحمد لله ذي القوّة القادِرة والعزّة القاهرة، أسبَغ علينا نِعمَه باطنة وظاهِرة، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحدَه لا شريك له، وأشهَد أنَّ محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والعِترة الطّاهرة.

  اتّقوا الله تعالى حقَّ التّقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعروة الوُثقى، واعلَموا أنّ أجسادَكم على حرِّ النّار لا تقوى، ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَءامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْء مّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:28، 29]. وتذكَّروا ـ غفر الله لي ولكم ـ أنّكم في دار عملٍ تُختَبرون، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فأروا اللهَ مِن أنفسكم خيرًا بِه تُجزَون، ففي غدٍ حسابٌ وجزاء وجنّة أو نار. فارحمِ اللهمَّ قلوبًا لك قصدَت، وأنفسًا لرحمتِك رجَب، وافتَح علينا مِن بركاتك ورحمتِك وفضلِك ورزقك، واغفر لنا ذنوبَنا كلَّها، دقَّها وجِلَّها، لا إله إلاّ أنت، سبحانك إنّا كنّا من الظالمين.

 في مسيرةِ السّائرين إلى الله والحاثِّين خطاهم على منهاجه وسبيل هداه والدّاعين إلى دينِه القويم والتمسُّك بصراطه المستقيم، في سَيرهم ومسيرهم عقباتٌ كأدَاء وخصومٌ ألدَّاء ولأواء وأدواء، لا يخلص منها إلاّ مَن أراد الله له الثّبات.

وإنّ المتأمِّل في التّاريخ يرى في فتراتٍ منه غلبةَ الإسلام وظهورَه وعزَّ المسلمين، وفي فترات أخرى يرَى انحسارَ مدّه وهيمنةَ غير المسلمين، ويرى ضَعفًا داخِليًّا وهوانًا خارجيًّا، وتداعيًا من الأمم، وتسلُّطًا من الكفّار، كما هو واقعُ هذه الحِقُبة من الزّمن، حتى إنّه يكاد يتسلَّل اليأس والإحباطُ إلى نفوس بعض المسلمين، ويتساءل الحائر: ألم يكتُبِ الله العزّة والنصرَ لهذه الأمّة، والصّغار والذّلّة على الكافرين؟! وينسَى هذا المتسائلُ قولَ الله عزّ وجلّ: الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا [الملك:2] وما يماثِلها من الآيات الكريمة التي تبيِّن أنَّ هذه الدار دارُ ابتلاء وامتحانٍ للمؤمنين، وليست دارَ جزاء وخلود، وأنَّ الأيّام دول والدّهر قُلَّب، وأنّ الفوزَ والفلاح ليس بتحصيل الرّخاء فحسب، وإنّما عملُك في الشدّة والرخاء والمنشَط والمكرَه، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31]، وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا [الفرقان:20]، وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَاكِن لّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4]، يقول ابن القيّم رحمه الله تعالى: "إنّ في تمكين أهلِ الكفر والفسوق إيصالَ أولياء الله إلى الكمال الذي يحصُل لهم بمعاداة هؤلاء وجهادِهم والإنكار عليهم والموالاةِ فيه والمعاداة فيه وبذلِ نفوسهم وقواهم له... إلى أن قال: فلولا خلقُ الأضداد وتسليط أعدائه وامتحان أوليائه لم يستخرِج خاصَّ العبوديّة من عبيده، ولم يحصل لهم عبوديّةُ الموالاة فيه والمعاداة فيه والحبِّ فيه والبغض فيه والعطاء له والمنع له" انتهى كلامه رحمه الله(1)[1].

 وإذا كان قدَّر الله لجيل من الأمّة أن يعيشوا في مرحلةٍ مِن ضعفها وفترة من فتورها وظهور غيرِها عليها فإنَّ المتعيِّن التعلّقُ بما يثبِّتها على دينها؛ لأنّ الإسلام في زمان قوَّته كفيلٌ بذاتِه في ثباتِ أهله، أمّا في زمن الانكسار وعهدِ الانحدار فهذا هو زمن الابتلاء الذي يميِّز الله فيه الخبيثَ من الطيِّب والصادِقَ من الكاذب والمؤمنَ من المنافق، وكلَّما زادَ الضّعف وكثرت الفِتن كلّما استطال عُنق النّفاق وظهر المنافقون، وربَّما جاهَروا بما في قلوبِهم وأظهروا خفَايا صدورِهم.

 إنّ من أسباب الثّبات على دين الله تجديدَ الإيمان بهذا الدين وملْءَ القلب منه باليقين، نعَم اليقينُ التّام بصدق وأحقّيّة ما نحن عليه، والإيمان الجازم بصواب ما نعتقِده، فمَن امتلأ قلبُه إيمانًا بعقيدتِه وقناعةً بصحّة منهجه لم تزعزِعه الخطوب ولم تُثنِه الكروب، وهذا هو موقِف النبيّ في دعوتِه حين حارَبه الأقارب قبل الأباعِد، وطورِد وشرِّد، وحوصِر وقوطِع، وطُلِب للقتل، واجتمَع عليه الأحزاب، لكن ذلك لم يثنِه عن مرادِه حتّى بلَّغ دينَ الله.

وكذلك كان أصحابُه رضوان الله عليهم، قُيِّدوا بالحديد، وقُطِّعت أجسادُ بعضهم، وصُلب آخرون، وأوذوا، ومسَّتهم البأساء والضرّاء وزلزِلوا، فلم يزِدهم ذلك إلاّ صلابةً في دينِهم وثباتًا على منهجهم وصِدقًا في سيرهم إلى الله، حتّى لقوا ربَّهم على ذلك، مّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلا [الأحزاب:23]، وهذا نتاج الإيمان واليقين والقناعة والتّصديق والثقة بما هم عليه.

وكذلك كان السّلف الصالح بعدَهم، ويكفيك مثالا ثباتُ الإمام أحمدَ رحمه الله عند الفتنة، وما ذاك إلاّ للعقيدة الرّاسخة بما يؤمن به مِن صواب، أمّا أهلُ الخَوَر والشكّ وضعفِ الإيمان فهُم الذين إذا أصابَتهم مصيبة رجَعوا على دينهم باللاّئمة، يقلِّبون بحَيرةٍ في ثوابته، ولو كانوا يعقلون لتفقّدوا أنفسَهم كيفَ يَدينون، ولعلِموا أنَّ دينَ الله كامل، وأن لا صلاحَ حقيقةً بغيرة في كلّ زمان ومكان وفي كلّ الظروف بلا استثناء ولا تجزئة، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِينًا [المائدة:3]، وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].

إلاّ أنَّ النّقصَ يحصل من أحدِ أمرين، إمّا جهل وعجزٌ عن تطبيقه التطبيقَ الصّحيح، أو لأجل شهوةٍ وهوًى يمنعان إرادةَ التّطبيق في أيّ تفاصيل الحياة مهما صغُرت أو كبرت، وعلى هذين المركبين الجهلِ والهوى أسرج بعض المنافقين بِغالَهم، فشدّوا على الإسلامِ وأهله، وأظهروا مكنونَ صدورهم وما كانت تُخفي قلوبُهم، في وقتٍ أحوَج ما تكون فيه الأمّة إلى تثبيتِها على دينها والمحافظة على إسلامها وهويّتها وتماسكِها ووحدتِها. ومِن فضل الله تعالى على بلادِ الحرمين الشّريفين أن يُعلنَ قادتُها في كلّ نازلة وأزمَة تمسّكَهم بدين الإسلام الصّحيح ورفض المساومةِ عليه وعلى مبادئه وتقديم النّفس والنّفيس دونه.

 إنَّ المجتمعَ بجميع طبقاتِه بحاجةٍ إلى إعادة الاهتمام بتقرير أساسِ هذا الدّين مِن عقيدةٍ وتوحيد ودعوةٍ إلى تَبْصير الأمّة وتوحيدها بإرساد قضايا الإيمانِ بالله وشريعتِه، بعيدًا عن مظاهر الغلوّ والتطرّف أو التّساهل والتميُّع المفضي إلى الإرجاء أو بعضِ صورِ الإرجاء.

إنَّ ترسيخَ معاني الإيمان والاعتقاد واليقين والثّقة ينتجُ العملَ الصالح والولاء لهذا الدين والصبرَ عليه والثباتَ حتّى الممات مهما عصفت الفتنُ أو ادلهمّت الخطوب، ولقد مرّت بديار الإسلامِ أزمان شديدةٌ ونكبات عديدة، انتهت فيها الخلافة الرّاشدة وسقطت الدّولة الأمويّة والعباسيّة وغير ذلك، ومع كلِّ هذا فلم يورِث ذلك في نفوس المسلمين شكًّا في عقيدتِهم، ولم تدفعهم إلى التطلّع لما عند أعدائِهم من أفكارٍ ومبادئ وأساليبِ حياة وأنماط سلوك تُخالف شريعتَهم ويأباها دينُهم، ولم يرَوا الحقَّ إلاّ في دين الله عقيدةً وسلوكًا ونظامَ حياة، وهذا هو معنى الاستعلاء في قولِ الله عزّ وجلّ: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، أي: أنّ العزّة والعلوّ بالإيمان والثّبات عليه، لا بالغلبةِ والظّهور.

أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُتَّقِينَ [الجاثية:18، 19].



 ومِن عوامل الثّبات على دين الله الاعتصامُ بالكتاب والسنّة، والتمسّك بما فيهما، واتّباع هديِهما، وحسبُكم في ذلك قولُ النبيّ : ((تركتُ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا أبدًا: كتاب الله وسنّتي))(2)[1]، وقول الله عزّ وجلّ: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذالِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا [النساء:59]، أي: الاحتكام إلى الكتاب والسنّة.

ويتبع هذا الأصلَ الاقتداءُ بسلفِ الأمّة الصّالحين مِن الصّحابة ومَن سار على نهجهم، وفي طليعتِهم الخلفاءُ الرّاشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم أجمعين، ففي السّنن بسند صحيح: ((عليكُم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنّواجذ))(3)[2].

يتلو ذلك الالتفافُ حولَ العلماء الصالحين والدّعاة الصادقين الذين عُرفوا بنصحِهم وسلامة منهجهم، فإنّهم ورثةُ الأنبياء ومصابيحُ الدُّجى، أهدى النّاسِ طريقًا وأقربُهم من الله توفيقًا، فاجعَل العلماءَ الربانيّين لك صَحبا ورفاقًا.

ومِن عواملِ الثّبات لزومُ جماعةِ المسلمين وإمامهم واعتزالُ الفتنة، وهذه وصيّة النبيّ لحذيفةَ رضي الله عنه كما في الحديث المتّفق عليه(4)[3].

كما أنَّ التثبُّتَ في الأخبار والنّقل وتركَ الشائعات وهجرَ الخوضِ فيما لا يَعني مطلوب في كلّ وقت، وتعظم الحاجة لحفظِ اللّسان وصيانة السّمع والتثبّت في حالِ الفتنة، وكفى بالمرء إثمًا أن يحدّث بكلّ ما سمع.

وأخيرًا من أسباب الثّبات دعاءُ الله وسؤالُه والإلحاح عليه بطلبِ الثّبات، فلا غنَى للعبد عن ربِّه، وفي الحديث الصحيح: إنّ أكثرَ دعاء النبيّ : ((يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))، فقيل له في ذلك فقال: ((إنّه ليس آدميّ إلا وقلبُه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ))(5)[4].

ومِن ذلك أيضًا كثرةُ ذكر الله تعالى، فللذّكر أسرارٌ عجيبة، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45].

ثم صلّوا وسلِّموا على الهادي البشير والسراج المنير محمّد رسول الله، فقد أمركم الله تعالى بذلك في كتابه مبتدِئًا بنفسه العليّة، فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وعلى آله الطيّبين الطّاهرين، وعلى أزواجه أمّهات المؤمنين، وصحابته الكرام أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


__________

(1) طريق الهجرتين (ص202).

(2) أخرجه مالك في الموطأ (1619) بلاغا، ووصله الدارقطني (4/245)، والبيهقي (10/114)، والحاكم (1/172) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال ابن عبد البر في التمهيد (24/331): "وهذا محفوظ معروف مشهور عن النبي عند أهل العلم شهرة يكاد يستغنى بها عن الأسناد"، وقواه الألباني بشواهده في السلسلة الصحيحة (4/361).

(3) أخرجه أحمد (4/126-127)، وأبو داود في السنة (4607)، والترمذي في العلم (2676)، وابن ماجه في المقدمة (46)، والدارمي في مقدمة سننه (95) وغيرهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (1/179)، والحاكم (1/95-96)، ووافقه الذهبي، ونقل ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/109) عن أبي نعيم أنه قال: "هو حديث جيد من صحيح حديث الشاميين"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (37).

(4) أخرجه البخاري في الفتن (7084)، ومسلم في الإمارة (1847) عن حذيفة رضي الله عنه.

(5) أخرجه أبو داود الطيالسي (1/224)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (1/113)، والإمام أحمد (6/294)، والترمذي في الدعوات باب منه (3522) من حديث أم سلمة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وصححه الحاكم (1/706)، وله شواهد كثيرة، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (2091).

(1/2796)


تعظيمُ الرّغبةِ إلى الله في قضاءِ الحاجاتِ الدنيويّة والأخرويّة


الحمدُ لله ربِّ العالمين، الرّحمن الرّحيم، أحمده سبحانه وأشكره على فضلِه العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله القويّ المتين، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله الأمين، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولِك محمّد، وعلى آله وصحبِه أجمعين.

 اعلَموا أنّه لا يكون شيءٌ في الأرض ولا في السّماء إلا بقضاءٍ من الله وقدَر، ولا يحدُث أمرٌ محبوب أو مكروه إلا بمشيئةِ الله وخلقِه، قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر:49، 50].

فاللهُ هو الذي يدبِّر الأمور، وهو العليم بذاتِ الصّدور، قال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَاواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبّرُ الأَمْرَ يُفَصّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاء رَبّكُمْ تُوقِنُونَ [الرعد:2].

جعَل للسّعادةِ أسبابًا، وجعل للشّقاء أسبابًا، ورتّب المسبّبات على أسبابِها، فخلقَ الأسبابَ، وخلقَ آثارَ الأسباب، ولا يحكُم مشيئتَه وإرادتَه شيء، فلو شاء لخلَق وأوجدَ الشّيءَ بلا سبَب، قال تعالى: فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ [البروج:16]، وقال تعالى: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54].

والدّعاءُ أكرَم شيءٍ على الله، شرَعه الله لحصول الخَير ودفعِ الشر، فالدّعاءُ سببٌ عظيم للفوز بالخيرات والبركات، وسببٌ لدفعِ المكروهات والشرِّ والكربات، وفي الحديث: ((لا يُنجي حذرٌ من قدَر، والدّعاء ينفع ممَّا نزل وممَّا لم ينزل))(1)[1].

والدّعاءُ مِن القدَر والأسبابِ النّافعة الجالِبة لكلِّ خَير والدّافعة لكلّ شرّ، وقد أمَر الله عبادَه بالدّعاء في آياتٍ كثيرة، قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [غافر:60].

وحقيقةُ الدّعاءِ تعظيمُ الرّغبةِ إلى الله في قضاءِ الحاجاتِ الدنيويّة والأخرويّة، وكشفِ الكربات ودفعِ الشّرور والمكروهات الدنيويّة والأخرويّة.

والدّعاءُ تتحقَّق به عبادةُ ربِّ العالمين؛ لأنَّه يتضمَّن تعلّقَ القلبِ بالله تعالى، والإخلاصَ له، وعدمَ الالتفات إلى غَير الله عزّ وجلّ في جلبِ النّفع ودفع الضرّ، ويتضمَّن الدعاءُ اليقينَ بأنّ اللهَ قدير لا يُعجزه شيء، عليمٌ لا يخفى عليه شيء، رحمَن رحيم، حيّ قيّوم، جوَاد كريم، محسِن ذو المعروف أبدًا، لا يُحَدُّ جودُه وكرمُه، ولا ينتهي إحسانُه ومعروفه، ولا تنفَد خزائن بركاتِه. فلأجلِ هذه الصفات العظيمة ونحوها يُرجى سبحانه ويُدعَى، ويسأله من في السّموات والأرض حاجاتِهم باختلافِ لغاتِهم.

ويتضمَّن الدّعاءُ افتقارَ العبدِ وشدّةَ اضطرارِه إلى ربّه، وهذه المعَاني العظيمةُ هي حقيقةُ العِبادة.

فمَا أعظمَ شأنَ الدّعاء، وما أجَلَّ آثارَه، ولِهذا جاءَ في فضل الدّعاء ما رواه أبو داود والترمذيّ من حديث النّعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبيّ قال: ((الدّعاءُ هو العِبادة)) قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"(2)[2]، وعن أنس رضي الله عنه عن النبيّ قال: ((الدّعاء مخُّ العِبادة)) رواه الترمذيّ(3)[3]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ قال: ((ليسَ شيءٌ أكرَم على الله مِن الدّعاء)) رواه الترمذيّ وابن ماجه والحاكِم(4)[4].

ولمّا كان الدّعاءُ هو العِبادة فإنّه لا يكون إلا لله وحدَه، فلا يُدعَى من دون الله ملكٌ مقرَّب، ولا نبيّ مرسَل، ولا وليّ ولا جنّيّ، قال الله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ الها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ [الفرقان:68]، ومن دعَا مخلوقًا من دون الله نبيًّا أو ملكًا أو وليًّا أو جنّيًّا أو ضريحًا ونحوَه فقد وقَع في الشّرك الأكبر، قال الله تعالى: وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا ءاخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]، وقال تبارك وتعالى: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظَّالِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:106، 107]، وقال تَبارك وتعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ [سبأ:40، 41]، وقال تبارك وتعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْء إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَالٍ [الرعد:14].

 المسلمُ في كلِّ ساعةٍ وفي كلّ وقتٍ مضطرّ إلى الدّعاء لحصولِ خيرٍ ينفعُه في الدّنيا والآخرة، ولدفع شرّ ومكروه يضرّه في الدّنيا والآخرة، فمَن وُفّق للدّعاء فقد فتح الله له بابَ خيرٍ عظيم، فليلزمْه، وليسألِ المسلمُ ربَّه كلَّ حاجةٍ له، صغيرةً أو كبيرة، كما قال النبيّ : ((ليسألْ أحدُكم ربَّه حاجتَه حتّى شسعَ نعلِه))(5)[5].

ولو تفكَّر المسلمُ في كلّ نعمَة وحاجةٍ صغيرةٍ أو كبيرة لعلِمَ يقينًا أنّه لا قدرةَ له على إيجادها والانتفاعِ بها لولا أنَّ الله أوجدَها وساقها إليه بقدرتِه ومنِّه وكرمه، ومَن هوَّن شأنَ الدّعاء فقد بخَس نفسَه حظَّها من خيرٍ عظيم، وأصابَه من الشرّ بقدر ما زهد في هذه العبادة.

واعلَم ـ أيّها المسلم ـ أنَّ الإجابةَ مَع الدّعاء، سواء كانت عاجلةً أو آجِلة، قال عمر رضي الله عنه: (إنّي لا أحمل همَّ الإجابة، وإنّما أحمِل همّ الدّعاء، فإذا ألهِمتُ الدّعاءَ فالإجابة معه)(6)[6]، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله قال: ((مَا على الأرضِ مسلمٌ يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إيّاها، أو صرف عنه من السّوء مثلَها، ما لم يدعُ بإثم أو قطيعةِ رحِم))، فقال رجل من القوم: إذًا نكثِر، قال: ((الله أكثَر)) رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح"(7)[7]، ورواه الحاكم من رواية أبي سعيد وزاد فيه: ((أو يدَّخِر له من مثلِها))(8)[8] يعني في الآخرة.

واعلَم ـ أيّها المسلم ـ أنَّ الدّعاء عبادة عظيمَة.

أيّها المسلم، كُن دائمًا ملازمًا للدّعاء، متعلّقًا قلبك بالله تعالى، وارغَب إلى الله عزّ وجلّ لقضاءِ حاجاتِك كلّها؛ فإنّه على كلِّ شيء قدير، إذا أراد شيئًا خلقَ أسبابَه، أو أوجدَه بقدرتِه ومشيئتِه. وأشرِك ـ أيّها المسلم ـ في دعائك الإسلامَ والمسلمين بالدّعوة الصالحة، أئمّتَهم وعامَّتهم، بأن يعزَّ الله الإسلامَ وأهلَه في كلّ مكان، ويحفظَ الإسلامَ وأهلَه في كلّ مكان، ويخذلَ أعداءَ الإسلام، ويكفَّ شرَّهم، ويبطِل كيدَهم ومكرَهم، لا سيّما في هذا العصر الذي تعدّدت فيه مصائبُ المسلمين، وكثرَت همومهم وغُمومُهم، ووصلوا إلى حالةٍ لا يقدِر أن ينجيَهم إلا الله، اقتداءً برسولِ الله حيث أمره الله تعالى بقوله: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمّد:19]، وفي الحديث: ((من لم يهتمَّ بأمرِ المسلمين فليسَ منهم))(9)[9].

قال الله تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:55، 56].




 إنَّ دعاءَ المسلم بإخلاصٍ وتوجُّهِ قلبٍ أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ، والله يقول في كتابه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، وقال تعالى: فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14].

ويُستحَبّ للمسلم أن يتخَيَّر جوامعَ الدّعاء، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يستحِبّ الجوامعَ من الدّعاء، ويدَع ما سِوى ذلك. رواه أبو داود بإسناد جيّد(10)[1].

وليحرِصِ المسلم على حِفظ دعاءِ رسول الله بقدر استطاعتِه، فقد شرع عليه الصلاة والسلام لكلِّ حالٍ دعاءً وذكرًا.

ويستحَبّ أن يُقدِّم بين يدَي دعائه عملا صالحًا، ويُثني على الله ببعضِ ما أثنى به على نفسه، ويصلّي على نبيّه محمّدٍ ؛ لأنّ الدّعاءَ معلّقٌ بين السّماء والأرض حتّى يصلَّى عليه، فصلوات الله وسلامه عليه، ويتوسّل إلى الله بأسمائِه الحسنى، وبالاسم الذي يناسِب حاجتَه من أسماءِ الله الحسنى، كقوله تعالى: وَقُل رَّبّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ الرحِمِينَ [المؤمنون:118]، وكقولِه تعالى: وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [المائدة:114].

ويستحَبّ أن يتَحيّن أوقاتَ الإجابة مثل ثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول الغيث، وأدبار الصلوات، وعندَ رؤيةِ البيت العتيق، وآخر ساعة من الجمعة.

 إنَّ الله أمرَكم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد قال : ((مَن صلّى عليَّ صلاةً واحدةً صلّى الله عليه بِها عشرًا))(11)[2].

فصلّوا وسلِّموا على سيّد الأولين والآخرين وإمَام المرسلين.

اللهمَّ صلِّ على محمّد وعلى آله محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم...

__________

(1) أخرجه أحمد (5/234)، والطبراني في الكبير (20/201) من طريق إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن شهر بن حوشب، عن معاذ رضي الله عنه. قال الهيثمي في المجمع (10/146): "شهر بن حوشب لم يسمع من معاذ، ورواية إسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز ضعيفة"، وهذا منها. وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها عند البزار (2165- كشف الأستار)، والطبراني في الدعاء (133)، والحاكم (1/492)، قال الهيثمي في المجمع (10/146): "وفيه زكريا بن منظور، وثقه أحمد بن صالح المصري وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات"، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1014). وله شاهد ثان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند الترمذي في الدعوات (3548)، وفي إسناده عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، وهو متفق على ضعفه، قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، وهو ضعيف في الحديث، ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه". وله شواهد أخر في سند كلّ منها مقال.

(2) سنن أبي داود: كتاب الصلاة، باب: الدعاء (1479)، وسنن الترمذي: كتاب التفسير (2969)، وأخرجه أيضا أحمد (4/267)، وابن ماجه في الدعاء، باب: فضل الدعاء (3828)، قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وجوّد إسناده ابن حجر في الفتح (1/49)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1312).

(3) سنن الترمذي: كتاب الدعوات (3371)، وقال: "حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة"، وضعفه الألباني في أحكام الجنائز (ص247) ثم قال: "لكن معناه صحيح بدليل حديث النعمان".

(4) أخرجه أحمد (2/362)، والترمذي في الدعوات، باب: ما جاء في فضل الدعاء (3370)، وابن ماجه في الدعاء، باب: فضل الدعاء (3829)، والطبراني في الأوسط (2544، 3718)، قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عمران القطان"، وصححه ابن حبان (870)، والحاكم (1/490)، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3087).

(5) أخرجه الترمذي في آخر الدعوات (3612 – المستدرك في آخر الكتاب)، والطبراني في الدعاء (25)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/289) من طريق قطن بن نسير الصيرفي، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: حدثنا ثابت، عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وصححه ابن حبان (866)، وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، وروى غير واحد هذا الحديث عن جعفر بن سليمان، عن ثابت البناني، عن النبي ، ولم يذكروا فيه عن أنس". ثم أورده من طريق صالح بن عبد الله، عن جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن النبي ، وقال: "هذا أصح من حديث قطن، عن جعفر بن سليمان". ورواه البزار في مسنده (3135) عن سليمان بن عبد الله الفيلاني، عن سيار بن حاتم، عن جعفر، عن ثابت، عن أنس، عن النبي ثم قال: "لم يروه عن ثابت سوى جعفر". وذكره الهيثمي في المجمع (10/150) وقال: "رجاله رجال الصحيح، غير سيار بن حاتم وهو ثقة"، وحسنه الحافظ ابن حجر في زوائد البزار، وانظر: السلسلة الضعيفة (1362).

(6) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/706).

(7) أخرجه الترمذي في الدعوات، باب: انتظار الفرج وغير ذلك (3573)، والطبراني في الأوسط (147)، قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه"، وصححه المقدسي في المختارة (317)، وأورده الألباني في صحيح سنن الترمذي (2827).

(8) مستدرك الحاكم (1/493)، وأخرجها أيضا أحمد (3/18).

(9) أخرجه الحاكم (4/320) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفي سنده إسحاق بن بشر ومقاتل بن سليمان، قال الذهبي في التلخيص: "ليسا بثقتين ولا صادقين". وأخرجه البيهقي في الشعب (7/361) من حديث أنس رضي الله عنه وضعفه. وأخرجه الطبراني في الصغير (ص188) من حديث حذيفة رضي الله عنه، وفي سنده جعفر بن أبي عبد الله، هو وأبوه ضعيفان. وعزاه الهيثمي في المجمع (10/248) إلى الطبراني من حديث أبي ذر رضي الله عنه وقال: "فيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو متروك". وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (309، 310، 311، 312).

(10) أخرجه أحمد (6/148)، وأبو داود في الصلاة، باب: الدعاء (1482)، والطيالسي (1491)، والبيهقي في الدعوات (276). وصححه ابن حبان (867)، والحاكم (1/539)، والألباني في صحيح سنن أبي داود (1315).

(11) أخرجه مسلم في الصلاة، باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (408) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(1/2797)


السبت، 28 مارس 2015

SUPERAntiSpyware Professional 6.0.1186 + Crack




الوصف:

SUPERAntiSpyware كشف وإزالة آلاف من برامج التجسس، ادواري، برامج ضارة، أحصنة طروادة، كيلوغرز، والمسجلون، -Jackers، والديدان. ويضم العديد من تقنيات فريدة وقوية ويزيل تهديدات برامج التجسس التي تفشل التطبيقات الأخرى إزالتها.

فإن الماسح ضوئي متعدد الأبعاد وتكنولوجيا الاستجواب تمكن من الكشف عن برامج التجسس يغيب غيرها من المنتجات.

بسهولة إزالة الآفات مثل WinFixer، SpyAxe، SpyFalcon، وآلاف .

كما يتضمن ميزة إصلاح واستعادة الإعدادات المختلفة والتي غالبا ما يتم تغييرها من قبل البرامج الخبيثة،.

إصلاح كسر إنترنت، أجهزة الكمبيوتر المكتبية، وأكثر مع شركائنا في إصلاح نظام فريد من نوعه.

ما هو الجديد في هذا الإصدار؟

* العديد من التحسينات على نظام التحديث في المنتج

المتطلبات:

نظام التشغيل: ويندوز 2000، XP، خادم 2003، فيستا، وسيرفر 2008، ويندوز 7، خادم 2012، ويندوز 8.

الصفحة الرئيسية - 

http://www.superantispyware.com

 

 

 

SUPERAntiSpyware Professional 6.0.1186 with Crack + LifeTime Key

Description:

SUPERAntiSpyware will detect and remove thousands of Spyware, Adware, Malware, Trojans, KeyLoggers, Dialers, Hi-Jackers, and Worms. It features many unique and powerful technologies and removes spyware threats that other applications fail to remove. The Multi-Dimensional Scanning and Process Interrogation Technology will detect spyware other products miss. Easily remove pests such as WinFixer, SpyAxe, SpyFalcon, and thousands more. SUPERAntiSpyware Professional includes Real-Time Blocking of threats, Scheduled Scanning, and Free Unlimited Customer Service via e-mail. Also includes a Repair feature that allows you to restore various settings which are often changed by malware programs, but usually not corrected by simply removing the parasite. Repair broken Internet Connections, Desktops, Registry Editing and more with our unique Repair System.

Dedicated Threat Research Team scours the web for new threats and provides daily definition updates.

SUPERAntiSpyware features many unique technologies including:

• Quick, Complete and Custom Scanning of Hard Drives, Removable Drives, Memory, Registry, Individual Folders and More! Includes Trusting Items and Excluding Folders for complete customization of scanning!

• Detect and Remove Spyware, Adware, Malware, Trojans, Dialers, Worms, KeyLoggers, HiJackers and many other types of threats.

• Light on System Resources and won’t slow down your computer like many other anti-spyware products. Won’t conflict with your existing anti-spyware or anti-virus solution!

• Repair broken Internet Connections, Desktops, Registry Editing and more with our unique Repair System!

• Real-Time Blocking of threats! Prevent potentially harmful software from installing or re-installing!

• Multi-Dimensional Scanning detects existing threats as well as threats of the future by analyzing threat characteristics in addition to code patterns.

• First Chance Prevention examines over 50 critical points of your system each time your system starts up and shuts down to eliminate threats before they have a chance to infect and infiltrate your system.

• Process Interrogation Technology allows threats to be detected no matter where they are hiding on your system.

• Schedule either Quick, Complete or Custom Scans Daily or Weekly to ensure your computer is free from harmful software.

• Dedicated Threat Research Team scours the web for new threats and provides daily definition updates.

Features:

SUPERAntiSpyware 6.0 Features a more efficient and effective scanning engine that helps detect threats other products may not see on your system!

• Light. Powerful. Effective. FAST. – an all new scanning engine provides fast scanning while being able to detect even the most stubborn threats!

• All New Interface provides easy access to all important tools and features while presenting itself in an easy-to-use layout!

• Enhanced Real-Time Protection helps detect threats before they enter your system – so light on system resources you won’t know it’s running!

• Smaller/Faster Definition Updates reduce the load on your system while updates are being downloaded and applied!

• Power Scheduling of definition updates, quick, complete and custom scans – uses the Windows Task Scheduler for maximum flexibility!

NEW! SUPERAntiSpyware Version 6.0

• New User Interface – Simplified interface for easier navigation to the most commonly used features, and touch screen capable.

• Faster scan speeds, smaller foot print, enhanced program stability and an expanded Help Menu to improve ease of use.

• Receive scheduled scan results through the new e-mail alert system.

• System Investigator – Shows what’s running on your PC in a new and exciting way. Customers and technicians can use this tool to quickly determine if a file on the system is potentially malware.

What's New in This Release?

* Service release

* Numerous enhancements to the in-product update system

Requirements:

OS: Windows 2000, XP, Server 2003, Vista, Server 2008, Windows 7, Server 2012, Windows 8.

HomePage - http://www.superantispyware.com

Install Notes:

==> Install Program (Trial Mode)

==> Connect Internet

==> Use the given KEY to Activate

==> Close Application "Tray Icon" From Taskbar

==> Disable/Push Your "Antivirus Protection"

==> Unpack 'Crack-KaranPC.RaR

==> Run Crack

==> Then UpDate Database

==> Enjoy ...



 

   


لتحميل البرنامج

http://www.gulfup.com/?PRmXZB

uTorrent PRO v3.4.3 build 39773 Beta Multilingual + Crack



uTorrent PRO v3.4.3 build 39773 Beta Multilingual + Crack

 MultilingualuTorrent PRO هي واحدة من الحلول الأكثر شعبية بالنسبة للتورنت. برنامج يجمع بين الأداء الوظيفي الأمثل مع كمية صغيرة. تدعم عمل بغض النظر عن المتنزهين، يتيح لك تحميل ملفات متعددة في وقت واحد، لديه عرض النطاق الترددي للتخصيص، واستعادة سريعة لانقطاع التحميل، وأكثر من ذلك.أصبحت واحدة من أفضل أوتورنت مريحة، مدروسة، واجهة جميلة جدا واستجابة سريعة لإجراءات المستخدم. وهو يدعم جميع الوظائف اللازمة للعمل في تورنت P2P شبكة.هناك بعض الميزات:أوتورنت يدعم تحميل الموازي.الاستخدام الرشيد للعرض النطاق الترددي ويسمح لك لتخصيصه.أوتورنت تدير المهام المدمجة في المجدول ؛أوتورنت لديه القدرة على تعيين أولوية المرور وضبط السرعة؛لديها ميزات وقف  واستئناف التحميل.أوتورنت تدعم UPnP و NAT-PMP، وكذلك ملحقات بروتوكول شعبية.لديها انخفاض استهلاك الذاكرة وصغر حجم البرنامج؛يدعم قراءة RSS--إعلانات.يتفاعل مع زبائن آخرين دون الحاجة لتعقب الرئيسي (DHT)؛أوتورنت يدعم التشفير البروتوكول؛واجهة أوتورنت دعمت أمر التغيير وإمكانية الترجمة إلى لغات أخرى. أوتورنت متكاملة للتحكم عن بعد عبر HTTP-البروتوكول، وذلك باستخدام شبكة الإنترنت واجهة (WebUI)؛أوتورنت يعمل في كافة إصدارات نظام التشغيل ويندوز؛ومن الممكن أيضا استخدام أوتورنت في لينكس .أوتورنت تدير المهام هو واحد من عملاء تورنت الأكثر شعبية، مع الكثير من الميزات مثل تحديد الأولويات عرض النطاق الترددي، RSS  في تحميل والجدولة والخطوط الرئيسية  (والذي يتوافق مع التورنت الاخرة المعروفة).
ملامح السيل:- التنزيلات
متعددة في وقت واحد - عرض النطاق الترددي
- سريعة.. يستأنف توقف التحويلات- RSS تحميل- دعم Trackerless (الخطوط الرئيسية DHT)
uTorrent PRO- تيار الفور
 
مشاهدة أو  المعاينة لأنهاء تنزيل، دون انتظار لملف الانتهاء.- تحويل، تحميل واللعب في العديد من الأشكال
 
ويشمل
uTorrent برو وسائل الإعلام  HD أو تحويل للعب على أي جهاز محمول.- ملامح جديدة فاخرة
 
uTorrent برو  إضافة ميزات جديدة. التمتع بها دون أي تكلفة اضافية.- الحماية من الفيروسات
 
الحفاظ على جهاز الكمبيوتر الخاص بك آمنة عن طريق المسح الضوئي تلقائيا بتحميل بحثا عن الفيروسات والبرامج الخبيثة.- الوصول المبكر
 
الحصول على التحديثات والميزات المتطورة قبل أي شخص آخر.- لا إعلانات
 
كمستخدم برو ومؤيد من
uTorrent، يمكنك التمتع بتجربة خالية من الاعلانات.Langpacks: الألبانية، العربية، الأذربيجانية، الباسك، البيلاروسية، البوسنية، البلغارية، الكاتالانية، الصينية (المبسطة) والصينية (التقليدية)، الكرواتية، التشيكية، الدانمركية، الهولندية، الإستونية، الفنلندية، الفرنسية، الفريزية، الجاليكية، الألمانية، اليونانية، العبرية، الهنغارية، الآيسلندية، الإيطالية، اليابانية، الكورية، اللاتفية، الليتوانية، المقدونية، الملايو، النرويجية، الفارسية، البولندية، البرتغالية (البرازيل)، البرتغالية (البرتغال)، الرومانية، الروسية، الصربية (السيريلية)، الصربية (اللاتينية)، السلوفاكية، السلوفينية، الإسبانية، السويدية، تايوان، التايلاندية، التركية، الأوكرانية، بلنسية، الفيتنامية.




uTorrent PRO v3.4.3 build 39773 Beta Multilingual + Crack



Torrent - un simple, rapide et compact torrent Klent. Client uTorrent, aujourd'hui, est l'une des solutions les plus populaires pour BitTorrent réseau. Le programme combine une fonctionnalité optimale avec une petite quantité. Prend en charge le travail indépendamment des randonneurs, vous permet de télécharger plusieurs fichiers à la fois, a une bande passante personnalisable, la restauration rapide des téléchargements interrompus, et plus encore.Un des meilleurs uTorrent est devenu une pratique, bien pensé, très belle interface et une réponse rapide aux actions des utilisateurs. Il prend en charge toutes les fonctions nécessaires pour un fonctionnement BitTorrent P2P-réseau.Il ya quelques caractéristiques:uTorrent supporte le chargement parallèle;Utilisation rationnelle de la bande passante et vous permet de personnaliser;Programmateur intégré uTorrent gère les tâches;uTorrent a la capacité de définir la priorité du trafic et régler la vitesse;Il a dispose d'un arrêt rapide et reprendre les téléchargements;uTorrent prend en charge UPnP et NAT-PMP, ainsi que des extensions de protocoles populaires;Il a une faible consommation de mémoire et la petite taille du programme;Prend en charge la lecture de flux RSS et télécharger Torrent-annonces;Interagit avec d'autres clients sans avoir besoin de le tracker principale (DHT);uTorrent soutient le cryptage du protocole;Interface uTorrent a soutenu l'ordre de modification et la possibilité de traduction dans d'autres langues;Dans uTorrent intégré contrôle à distance via protocole HTTP, en utilisant l'interface web (interface Web);uTorrent fonctionne dans toutes les versions de système d'exploitation Windows;Il est également possible d'utiliser uTorrent sous Linux en utilisant Wine.uTorrent est l'un des clients BitTorrent les plus populaires, avec beaucoup de fonctionnalités telles que la bande passante priorités, auto-RSS téléchargement, l'ordonnancement et Mainline DHT (qui est compatible avec BitComet, un autre client BitTorrent bien connu), le cryptage du protocole spécification commune (également utilisé Azureus 4.7.0.0 et par-dessus, BitComet 1.30 +) et l'échange de pairs.uTorrent a été écrit avec efficacité à l'esprit. Contrairement à de nombreux clients torrent, il ne monopolise pas les ressources précieuses du système - typiquement en utilisant moins de 6 Mo de mémoire, vous permettant d'utiliser l'ordinateur comme se il ne était pas là du tout. En outre, le programme lui-même est contenu dans un seul exécutable de moins de 750 Ko.Caractéristiques de uTorrent:- téléchargements simultanés multiples- Configurable bande passante ordonnanceur- Global et par-torrent vitesse limite- Quick-reprend transferts interrompus- RSS Downloader- Le soutien de traqueur (Mainline DHT)uTorrent PRO- Diffusent instantanément
 
Regarder ou aperçu torrents comme ils téléchargent, sans attendre le dossier complet.- Convertir, télécharger et jouer dans de nombreux formats
 
uTorrent Pro inclut un lecteur multimédia HD ou convertir à jouer sur ne importe quel appareil mobile.- Prime Nouvelles fonctionnalités
 
uTorrent Pro est toujours ajouter de nouvelles fonctionnalités. Profitez-en sans frais supplémentaires.- Protection Anti-Virus
 
Gardez votre PC en toute sécurité en analysant automatiquement les téléchargements de virus et de logiciels malveillants.- Early Access
 
Accédez aux mises à jour et fonctionnalités de pointe avant tout le monde.- Pas de publicités
 
Comme un utilisateur Pro et un partisan de uTorrent, vous pouvez profiter d'une expérience sans publicité.Langpacks: albanais, arabe, azerbaïdjanais, basques, biélorusses, bosniaque, bulgare, catalan, chinois (simplifié), chinois (traditionnel), croate, tchèque, danois, néerlandais, estonien, finnois, français, frison, galicien, allemand, grec, hébreu, hongrois, islandais, italien, japonais, coréen, letton, lituanien, macédonien, le malais, norvégien, persan, polonais, portugais (Brésil), portugais (Portugal), roumain, russe, serbe (cyrillique), serbe (latin), slovaque, slovène, espagnol, suédois, Taiwan, thaï, turc, ukrainien, Valence, vietnamien.


 

   


لتحميل البرنامج

http://www.gulfup.com/?PRmXZB