الخميس، 26 مارس 2015

المنافقون في فترات ضعف الأمة لتحقيق أهداف أعداء الأمة


الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اقتدى واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أيها المسلمون، أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، الناس في هذه الدنيا طوائف ثلاثة: طائفة المؤمنين، وهم الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وطائفة الكافرين وهم من أنكروا واحداً من أركان الإيمان، وطائفة المنافقين، وهم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر.

تواجد هؤلاء المنافقون في فترات ضعف الأمة لتحقيق أهداف أعداء الأمة والوصول إلى غاياتهم من إيقاع المسلمين وتمزيق صفوفهم وتفكيك وحدتهم وإيقاع الفتن بينهم، خدمة للكفر الذي يتقربون إليه لتحقيق عرض زائل أو متاع رخيص.

وقد كشف الله تعالى خفاياهم وفضح نواياهم، وحذر من أفعالهم ورد عليهم دعواهم، حتى يتبين المسلمون مكائدهم، ويكونوا في مأمن من غدرهم وخداعهم، فقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الأْخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:8، 9]، ويقول في موضع آخر من السورة: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الارْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَاكِن لاَّ يَشْعُرُونَ [البقرة:11، 12].

وحتى لا يغتر المسلمون بمعسول كلامهم أو توثيق أيمانهم، دعا الله المؤمنين للوقوف على عواقب أفعالهم فقال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:204، 205].

أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، لقد سعت طائفة النفاق مع أعداء الإسلام منذ اليوم الأول لقيام المجتمع الإسلامي في مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، سعت هذه الفئة لتقويض هذا الدين والقضاء على دعوته ودولته التي أقامها النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام، وكان ذلك من خلال محاولات المنافقين إثارة الفتن بين الأنصار والمهاجرين أو بين قبائل الأنصار من الأوس والخزرج الذين وحّدهم الإسلام واستل من قلوبهم الفرقة والضغناء.

وها هو رأس النفاق عبد الله أبن أُبي ينسحب على مرأى من كفار قريش يوم أحد بثلث جيش المسلمين من أعوانه، ليفتّ في عزيمة المسلمين ويفتّ في عضدهم ويضعف قلوبهم في مواجهة أعدائهم.

وهذا شأن المنافقين قديماً وحديثاً، كما أخبر الله عنهم بقوله: الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ اللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مّنَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:141].

يا مسلمون، لقد كان المنافقون وما يزالون شر فتنة نزلت في الأمة، فقد تولت زمرة المنافقين إشاعة حديث الإفك بحق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل الوحي بذلك فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلّ امْرِىء مّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11].

ألم يكن على رأس كل فرقة ضلت طريق جماعة المسلمين منافقٌ مرد على النفاق لزعزة العقيدة وزرع قوانين الكفر في نفوس المؤمنين كما فعلت الرافضة والمشبهة والفاطميين والجهمية والقرامطة الذين انتزعوا الحجر الأسود من الكعبة المشرفة لطرد الناس عنها.

ويقال لهذه الفرق في زماننا هذا، المنافقون، المستغربون، الذين يبثون أفكار الكفر ويروجون لها في السياسة والحكم والصحافة والتعليم لإبعاد الأمة عن شريعتها الغراء وعقيدتها السمحاء، وهم بذلك يسعون لاستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.

ألم يسمِ المنافقون والكافرون احتلال العراق تحريراً، ومقاومة الاحتلال في فلسطين إرهاباً؟ والله يقول: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة:47]، ألم يكن المنافقون الذين ادعوا إصلاح الحكم في نهاية الخلافة الإسلامية على رأس الساعين لهدم هذه الخلافة وتنحية الإسلام عن سدة الحكم، وهذه أكبر مصيبة حلت بالأمة إلى يومنا الحاضر، وعلى الأمة أن تبادر إلى إعادة الحكم الإسلامي، وهذا من أولى الواجبات على جميع الدول لإقامة الدين ورعاية شؤون المسلمين.

وكذا ينبغي تبيين النفاق والمنافقين الذين لا زالوا يبثون سمومهم في جسم الأمة، ويتسللون إلى كل شبر من حقول عزتها وكرامتها لهدمه، وإلى كل مظهر من مظاهر قوتها لإضعافه وتدميره، لتكون لقمة سائغة يسهل ابتلاعها من قبل المنافقين ومن وراءهم من الكافرين.

فاحرصوا أيها المسلمون على تنقية نفوسكم من النفاق وأهله، وقد كشف الله أوصافهم وأخرج أضغانهم، فكونوا عباد الله كما أمركم، خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتأمنون بالله.

واحترسوا من النفاق تأسياً بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عن عمر الفاروق رضى الله عنه أنه سأل حذيفة رضي الله عنهما إن كان هو من المنافقين، ـ وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر حذيفة بأسماء المنافقين ـ فقال له حذيفة رضي الله عنه: (لا، ولا أزكي بعدك أحداً).

لقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم محترزين كل الحرز من النفاق والرياء حتى يكون إيمانهم خالصاً، جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربعُ من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر))(1)[1].



 يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، لقد تنوعت وتعددت نشاطات المنافقين والمرائين للنيل من صبركم ونضالكم وصمودكم، فلم تكتف فئة النفاق ومرضى القلوب من وصولهم إلى مأربهم باحتلال الوطن، بل يسارعون في السعي إلى إشعال الاقتتال بين أبناء شعبكم، دون تمييز بين طفل و إمرأة وشيخ و رجل، من خلال الحرب المعلنة عليكم، وعلى مكونات صمودكم، فاستهدفوا الأرض والزرع والنسل من خلال الحصار والإغلاق والاغتيال وهدم البيوت واعتقال الأبناء، بل راحت فئة النفاق من العملاء والمرتزقة التي تنكرت لدينها ولأبناء شعبها تدل القتلة والمجرمين بتتبعها لعورات أبنائكم، لتصفيتهم واغتيالهم بدم بارد، بأقبح مظهر من مظاهر النفاق الذي يستوجب غضب الله وسخط المؤمنين.

وتمادت فئة النفاق والعملاء في تسليم الأرض والعقارات للمستوطنين من خلال أسلوب البيع الذي تقوم على التزوير والتغرير، زد على ذلك ما تقوم به هذه الفئة الضالة من نشر الرذيلة بين أبناء الشعب من خلال المخدرات والإتجار بها وترويجها، مما يهدم أخلاق المسلمين ويصرفهم عن واجبهم تجاه دينهم وشعبهم وقدسهم ومقدساتهم.

القدس، التي يقصد التهويد أحياءَها وحواريها، وبات يهدد مقدساتها من خلال الحفريات من أجل تدمير هذه المقدسات ومنع المصلين من الوصول إلى مسجدهم المبارك، واتخاذ الإجراءات التعسفية بحق الموظفين القائمين على حراسة المقدسات ورعايتها، في خطوات تهدف إلى خلق واقع جديد في هذه المقدسات، بعد فشل كل المحاولات السابقة للنيل منها، وذلك بفضل صمودكم والتفافكم حول مقدساتكم، مسرى نبيكم ومعراجه إلى السماوات العلى.

يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، مازلتم علم الأمة في هذه الأرض المباركة والمكلفون بصيانة مقدساتها، التي تمثل كرامة الأمة وهويتها في هذه الديار المقدسة، فمزيداً من الصبر والثبات والرباط ووحدة الصف والكلمة، وحذار من فتن النفاق والمنافقين، واعلموا أن العاقبة للصابرين المخلصين، والله يقول: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].

__________

(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب: علامة المنافق (33)، ومسلم في الإيمان، باب: بيان خصال المنافق (88) واللفظ للبخاري.

(1/2808)

0 التعليقات:

إرسال تعليق