الثلاثاء، 17 مارس 2015

حقوق الجوار

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى:يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًمعاشر المؤمنين: يقول الله عز وجل:وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْالجار ذو القربى هو ما اقترب داره من دارك، والجار الجنب هو: الجار البعيد، والصاحب بالجنب هو: رفيقك في سفر أو عمل، فكل أولئك قد وصى الله جل وعلا بهم، وذكرهم صريحاً في كتابه، وما ذاك إلا لعظم شأن الجار ومكانته. معاشر المؤمنين: إن كثيراً من الناس يجهلون حقوق الجوار، إن كثيراً من الناس لا يعرفون من الحقوق إلا القليل، وما علموا أن حقوق المسلم على أخيه المسلم متعددة ومتنوعة ومختلفة المراتب، فإن كان جاراً مسلماً فله حقوق الإسلام وله حقوق الجوار، وإن كان جاراً ذا رحم فله حقوق الإسلام والرحم والجوار. إذاً فما بال بعض منا الذين لا يدركون هذه الحقوق، ولا يعرفون لها قيمة أيجهلون حقوق الجوار أم هم في غفلة من الآيات والأحاديث وما دام الجار مسلماً فله حقوق المسلم، ألا وهي التي جاءت في الحديث الصحيح الذي يرويه أبو هريرة أن النبي ص قال:(حق المسلم على المسلم ست: إذا استنصحك فانصحه) إذا طلب منك النصيحة فواجب عليك تنصحه. (وإذا لقيته فسلم عليه، وإذا عطس فحمد الله فشمته) وإذا دعاك إلى وليمة أو إلى عشاء أو غذاء، فواجبٌ عليك إجابة هذه الدعوة (وإذا دعاك فأجبه، وإذا مرض فعده). فذهب إلى زيارته تفقده، وكثيرٌ منا يفقد جاره أياماً وليالي وشهوراً عديدة، ثم إذا لقيه تذكر أن له جاراً، أين أنت منذ زمن، (وإذا مات فاتبع جنازته) هذا آخر حقٍ من حقوق المسلم على أخيه، إذا علم بوفاة جارٍ ولو بعيد، أن يبادر ما استطاع إلى إتباع جنازته، الصلاة عليه معاشر المؤمنين: هذه حقوق أي مسلم على مسلم، قد اعتنى بها جبريل عليه السلام، وما زال يوصي رسول الله ص بالجار حتى قال ص في الحديث الذي يرويه ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما، قال ص: (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه). وأي شيء أعظم من هذه الوصية، التي بلغت في نفس النبي ص. فأي شيء أعظم من هذا. إذاً فالجار له حق عظيم قد يقارب حقوق الأقارب، وحقوق ذوي الرحم، وحقوق غيرهم. جاء عن النبي ص أنه قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليسكت). فما بالكم بجارٍ يؤذي جاره، ولا يكف الكلام والأذى عنه، بل لا يسلم منه، وكثيراً ما يقع في عرضه وفي شتيمته وفي سبه، نسأل الله جل وعلا أن يعيذنا وإياكم من جار السوء. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ص: (خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره). فاعلموا يا معاشر الأحباب أن الفضيلة والكرامة والفضل والبر والمعروف، أن يقدم الإنسان الخير والفضل والإحسان إلى جاره وان يعينه على هم الدنيا وأن لا يقف بباب داره، وكان ص يستعيذ بالله من جار السوء، ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دارٍ مقامة) جار المقام والبقاء هو جار أمامك وفي وجهك، صباحاً ومساءً، وليلاً ونهاراً، أنت تخرج وهو بالقرب من زوجتك، وهو بالقرب من أطفالك، وهو بالقرب من أموالك، وهو بالقرب من أهل بيتك، فما حالك في جارٍ لا تأمنه على نفسك وذريتك وأهلك فما حالك في جارٍ تخشى على أهلك حين تغادر بيتك منه (جاء رجلٌ إلى رسول الله ص يشكو جاره، فقال له: اذهب فاصبر-وفي هذا حثٌ على الصبر على أذى الجار- فأتاه مرةً أخرى فقال: اذهب واصبر. حتى جاءه في الثالثة يشتكي أذى جاره، فقال ص: اذهب فاطرح متاعك في الطريق-القِ متاعك في قارعة الطريق- ففعل، فجعل الناس يمرون ويسألونه: ما بالك ما الذي أصابك لم تجعل متاعك في قارعة الطريق فيخبرهم خبر جاره يقول: إن جاري يؤذيني، فجعل الناس يلعنونه، وبعضهم يدعو عليه، فجاء جاره إليه، فقال: ارجع متاعك إلى بيتك، فإنك لن ترى شيئاً تكرهه مني أبداً). أراد بذلك ص أن يبين أن الناس تلعن وتبغض وتدعو على من يؤذي جاره،


 عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ ص، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، وألزموها، وأحسنوا الصحبة والجوار لجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: الآيات والأحاديث كثيرة في حقوق المسلم على أخيه، وحقوق الجار على جاره، ولا يسع المقام لذكرها تفصيلاً، ولكن حسبكم ما سمعتم من الطرف الذي ذكرناه في الخطبة الأولى، ولكن نواصل في ذكر بعض الآداب المتعلقة بالجار والجوار، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا طبخ لحماً في بيته قال لنافع: أكثر مرقه واهد إلى جيراننا أيها الأحبة لا ينبغي لجارٍ أن يدخل بطعامٍ ومتاع وجاره أو أبناء جاره ينظرون، إلا أن يعطيهم مما أدخل بيته، فان وجده لا يكفيه لعياله فيدخله في بيته سراً. فأين الناس في هذا الزمان من هذه الحقوق، ولقد جاء عنه ص أنه قال يوم أن طُبِخَ في بيته لحمٌ قال: (أهديتم لجارنا اليهودي) جارٌ يهودي، وفعله ص قد يكون من باب الدعوة، ولكنه ص مع ذلك لم يقصر هذه الحقوق، بل طمع في جاره اليهودي طمعاً في إسلامه. فالصبر على أذى الجار، والنصيحة له، وبذل المعروف والإحسان إليه، قد يكون سبباً لهدايته من الفسق والعصيان إلى الاستقامة والرشاد. نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين، وأن يمن علينا وعليكم بالاستقامة. معاشر المؤمنين: إن الجار الذي يؤدي المعروف والإحسان إلى جيرانه، ويكف الأذى عنهم لهو بمنزلةٍ عظيمة عند الله، وعند الملائكة والناس أجمعين، فكونوا من أولئك. وإن الناس لتبيع الدور والقصور بأبخس أثمانها فراراً من جار السوء، واعلموا أيها الأحبة أن من أنواع أذى الجار وهو أمرٌ منتشرٌ بيننا، أن تضع سيارتك دائماً أمام باب جارك، فتعيق سيارة جارك من الخروج، ولو فعله أمام بيتك فهل ترضى وما حاله لو كان في بيته مريض، وخرج مسرعاً، يريد أن يذهب بهذا المريض، فلا يجد طريقاً، فيدعو الله عليك ليلاً ونهاراً ومن الأذى أيضاً وهو الأذى بالملاهي والموسيقى وغيرها. بعض الناس لا يراعي حق الجوار، نسأل الله لنا وله التوبة والإقلاع، أما أن يجعل المنكر جهاراً نهاراً ويؤذي جاره عياناً بياناً، فأي خلق وأي دينٍ وأين بقية حياءٍ في وجه ذلك الجار فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً، ولا يؤذوا جيرانهم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليكم بالهداية. ومن أعظم البلاء والمصيبة من له جار لا يصلي، إذا كان لا يعرف حق الله، فكيف يعرف حقك إذا كان يضيع حق الله، فكيف يدرك حقوقك وإذا لم تأمنه في حقوق الله، فكيف تأمنه في غيبتك على أهلك وبيتك وأولادك ومالك اتقوا الله يا معاشر المسلمين أما الذين لا يصلون مع جماعة المسلمين فليتقوا الله، وليسمعها كل جارٍ من جاره الآن ألا يقول يوم القيامة: مررت بداري ولم تأمرني بالصلاة، ما الذي يمنعك من الصلاة، وأنت تسمع النداء خمس مرات معافى في سمعك، معتدياً في بصرك، باطشاً بيديك ورجلك، لا يمنعك إلا البطر والكبر، لا يمنعه إلا أن الشيطان قد عشعش وفرخ في أذنيه وقلبه. نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليكم بالهداية، اللهم أهد قلوبنا إلى ما تحبه وترضاه اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، اللهم اغفر لنا ما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، اللهم إنا ضعفاء فقونا، وفقراء فأغننا، وجهلاء فعلمنا، وانفعنا بما علمتنا.اللهم أهدنا إليك ووفقنا لطاعتك وارزقنا العمل صالح قبل الموت يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث ومن عذابك نستجير ولا حول ولا قوة إلا بك.اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك يا موالانا سميع قريب مجيب الدعوات.اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ولا مريضا إلا شفيته، ولا فقيرا إلا أغنيته، ولا ضالا إلا هديته، ولا تائبا إلا قبلته، ولا مكروبا إلا فرجت كربه. ولا مديونا إلا قضيت دينه، ولا غائبا إلا بالسلامة إلى أهله رددته. عباد الله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ

0 التعليقات:

إرسال تعليق