السبت، 21 مارس 2015

حق كل من الزوجين على صاحبه

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.


عباد الله، يقول الله جل وعلا مبيناً حق كل من الزوجين على صاحبه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، فبين تعالى أن على الزوج واجباً نحو امرأته, وأن على المرأة واجباً نحو زوجها.

عندما يتصور كل من الزوجين هذه الواجبات أو هذا الواجب حق التصور, ويؤدي كل منهما الواجب عليه نحو صاحبه, عند هذا تستقيم الحياة الزوجية, وينتظم البيت, وتعيش الأسرة هناء وطمأنينةً وسكينة, ويتفرغ كل منهما للقيام بالحق الواجب عليه.

فالرجل عندما يتصور حقاً أنه راعٍ على امرأته والله سائله عنها, أنها أمانة عنده والله سائله عن تلكم الأمانة, أن المرأة بمنزلة الأسير عنده, فهو مطالب بواجب النفقة سُكنى وكسوة وسائر النفقات, ومطلوب منه أن يعاشرها ويعاملها بالمعروف, حسن خلق ولين جانب وتعامل حسن.

المرأة أيضاً تتصور هذا الواقع فتعلم أن بعقد النكاح أصبحت تبعاً لزوجها, وأن الواجب عليها القيام بحقه, السمع والطاعة له بالمعروف, عدم المخالفة, القيام بالحياة الزوجية.

فإذا عرف كل واجبه, وأدى كل واجب عليه فإن الحياة الزوجية تكون حياة طيبة مطمئنة, تسودها المحبة والمودة والوئام, وينشأ النشئ في ظل ذلك التعاون المبارك, وإنما تصاب الحياة الزوجية بما تصاب به عندما يضعف أداء كل من الواجب عليه, فيقصر الرجل في حق المرأة, يقصر في كسوتها, في مسكنها, في النفقة عليها, يسيء عشرتها, يخاطبها بأسوأ خطاب, لا يتحمل خطأها, يعاقب عند كل زلة, ويعاقب عند كل هفوة، فهو لا يعرف جميلاً, ولا يحتفظ بأعمال طيبة, وعندما يكون ذلك من المرأة فتسيء الخلق, ولا تسمع, ولا تطيع أو غير ذلك, تدخل الأهلون من قبل الزوج أو قبل الزوجة, فإن تدخلهما وإشعالهما نار الفتنة بين الزوجين مما يقوض سلامة البيت وطمأنينته.

أيها المسلم، إن الإسلام حريص على انتظام الحياة الزوجية واستمراريتها، ولذا أرشد الزوج عندما يشعر من المرأة بتقصير لقوله: وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً [النساء:34].

فأمر بالموعظة, والذكرى تنفع المؤمنين, يعظها ويذكرها الله, ويخوفها من عصيان زوجها, فإن يكن فيها خير وإيمان ردعها إيمانها أن تستمر على الخطأ, وهجرها في الكلام, وهجرها في المضجع, فعسى الهجر أن يذكرها ويأدبها, وإما بأدب الضرب بضرب غير بمرح, وإنما أدب يكفي في ذلك. فإن تأزمت الأمور شرع حكمان يأتيان من قبل المرأة والزوج ليقوّما الوضع بين الزوجين وأسباب الخلاف وهل يمكن تلافي ذلك الخلاف أما لا؟ كل هذا حرص على استمرار النكاح وعلى انتظام الحياة الزوجية.

أيها المسلم، إن الطلاق في الإسلام لم يأت الحل الأول, وإنما جاء عندما تتعذر الحلول كلها, وتبذل الأسباب فلا تغني شيئاً, فعند ذلك شرع الله الطلاق، أي: أذن للزوج فيه.

والطلاق يهدم البيت, ويشتت الأسرة ويفرقها, فتبقى المرأة أيماً والأولاد من بنين وبنات ربما ضاعوا بين قسوة أب وعدم قدرة أم, وتلك البلية العظمى.

أيها المسلم, عندما أذن الله في الطلاق إنما أذن وشرع للحاجة الملحة إلى ذلك, لم يشرعه محبة له, ولكن لأن فيه مصلحة فشرع ذلك الطلاق, وهذا الطلاق من أبغض الحلال إلى الله كما قال : ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق))(1)[1].

وتوعد المرأة المسلمة حينما تطلب الطلاق من زوجها بلا سبب يقتضيه, فيروى أنه قال: ((أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة))(2)[2].

ثم هذا الطلاق أيها المسلم لم يأت فوضوي, ولم يجعل أمره لشهوة الرجل أو المرأة, بل جاء بنظام دقيق مؤثر نافع, فهو دواء, والدواء إنما يستعمل بقدره فقط، ألا ترى الطبيب لو وصف لك أنواعاً من العلاج مأكولاً أو مشروباً، هل تتناولها جرعة واحدة، وتقول: يكفي؟! لا، لا بد له من أوقات مناسبة، إذن فالطلاق دواء إنما يستعمل في الحاجة إليه.

ولقد كانوا في الجاهلية قبل الإسلام يطلقون طلاقاً فوضوياً، فيطلق الرجل المرأة في أي وقت شاء، فإذا قاربت العدة راجعها، وربما جمع لها مئات من الطلقات، فجاء الإسلام وحد من هذه الجاهلية, جعل للطلاق عدداً، وجعل له زمناً, كل ذلك للتأمل والتفكر والتذكر فعسى الأمر يعود إلى مجاريه.

فأولاً: الشارع جعل للطلاق وقتاً فلم يأذن للمسلم أن يطلق متى شاء، لكي يمنع أهل الحماقة من حماقاتهم والذين لا يتفكرون في الأمور أن يوقفهم عند حدهم.

فالطلاق في الشريعة إنما هو في وقت مخصص، وهو أن يطلقها في طهر عقب الحيض، أي في طهرٍ ما جامعها فيه، فإن طلقها في طهر وطئها فيه صار بذلك عاصياً لله؛ لأنه يحتمل أنها حامل، فتطول المدة عليها، وهو أيضاً قد لا يرغبها، لطول المدة عليها، فيكون في ذلك ضرر عليه وعليها، فحرم عليه أن يطلقها في طهر وطئها فيه.

وحرم عليه أن يطلقها وهي حائض؛ لأن الحيض يمنعه من الاستمتاع، فربما انصرفت نفسه عنها، وفيه أيضاً تطويل المدة عليها.

وحرم عليه أن يجمع ألفاظ الطلاق بلفظ واحد، بأن يقول لها هي طالق بالثلاث, سمع النبي رجلاً يقول لامرأته: أنت طالق بالثلاث, فغضب وقال: ((أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم)) حتى قام رجل فقال: أأقتله يا رسول الله؟(3)[3] دل على أنه ارتكب إثماً عظيماً.

ثم إن النبي منع المسلم من أن يتساهل ويتلاعب بالطلاق, وجعل الطلاق نافذاً سواء أكان هازلاً في أدائه, أو كان جاداً في أدائه.

فيقول : ((ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة))(4)[4].

فلا يحل لك أن تطلق من باب المزاح واللعب، فإن هذا حكم شرعي، والله يقول: وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [البقرة:231].

ثم شرع له إذا طلقها الطلقة الواحدة أن يتركها حتى تنقضي عدتها, ولا يجمع لها في الطهر بين طلقتين، فإنه لا ينفعه ذلك، بل إذا طلقها وليس له فيها رغبة فبانقضاء عدتها تكون أجنبية عنه، لا تعود إليه إلا بعقد جديد برضاها؛ لأنها طلقة واحدة انقضت عدتها, كل هذا حتى لا يستغرق المسلم ألفاظ الطلاق, ولا يقع في المشاكل, فإنه إن طلقها الطلقة الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره, نكاح رغبة لا نكاح تحليل, كل هذه أمور محافظة على البيت أن ينهدم على أيدي سفيه.

أيها المسلم، إن عدو الله إبليس يفرح بك في حال غضبك وحماقتك فيجعل الطلاق نصب عينيه ويلقيه على مسامعك, فإن اتقيت الله وتبصرت بالأمور لم تطع عدو الله في مراده, جاء في الحديث: ((أن الشيطان ينصب عرشه على الماء, ويبث جنوده فيأتيه الواحد ويقول: ما زلت بفلان حتى فرقت بينه وبين أبيه أو بينه وبين أمه وأخيه, يقول: ما فعلت, يوشك أن يصالحه. ويأتيه آت ويقول: ما زلت بفلان حتى فرقت بينه وبين امرأته, قال: فيدنيه ويضمه إليه ويقول: أنت وأنت وأنت))(5)[5]. فعدو الله يفرح بالتفريق بين الزوجين يفرح بتشتيت الأسرة وتفرقها.

أيها المسلم، كن حريصاً على استمرار الحياة الزوجية.

أيها الرجل، أنت أقوى وأشد ثباتاًً فإياك وإياك أن تعصف بك الريح فتطلق بلا سبب يقتضيه, إياك والضجر وقلة الصبر ونفاذ الحلم، تأمل في كلامك قبل أن تقوله, وتدبر عواقب الأمور, وإذا غلب الغضب عليك فاقعد من قيام, واضطجع من قعود, وتوضأ وتعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، واخرج عن المنزل فعسى الغضب أن يزول وتنقشع سحائبه.

أيها الرجل، أيها الرجل العاقل المسلم، أيها الرجل المسلم العاقل، ليس لائقاً بك أن يكون الطلاق دائماً بك على لسانك, لا تجعله حل المشاكل, فالمشاكل يمكن حلها بكل سبب, لا تجعل خصومتك مع الناس وغلطك مع الآخرين أن تكب غضبك على امرأتك, عندما ينجم منها تقصير في واجب أو عدم قيام بواجب فما أمكن أن تتلافاه فتلافاه, وما أمكن أن تتجاوزه فتجاوزه, ما دام الدين سليماً والعرض نزيهاً والشرف محافظ عليه, فبقية الأمور يمكن الصبر عليها, ويمكن تداركها, ويمكن إصلاحها, أما العجلة في أمر الطلاق على أتفه الأسباب وأحقر الأسباب فهذا غير لائق بالرجل العاقل ذي العقل الرزين والرأي السليم.

أيها المسلم، لا بد من صبر ولا بد من تحمل ولا بد من تصور للمعاني بعد الطلاق, أما إذا كان الإنسان لا يبالي, ضعف في الإيمان, قلة في الصبر، نفاذ في الحلم, فإن يهدم بيته في لحظة من اللحظات.

أيها المسلم، إن الطلاق شرع لتخليص الرجل من عدم ملائمة المرأة أو تخليص المرأة من عدم ملائمة الرجل, لكن ما أمكن تداركه والصبر عليه فالمطلوب من الزوجين السعي في لم الشعث وتدارك الأخطاء.

ثم أهل الرجل وأهل المرأة عليهم أيضاً واجب أن يبذلاه حتى لا تقع المشاكل, فينصح أهل المرأة المرأة, ويوصوها بالصبر وعدم الضجر, وينصح أهل الرجل الرجل فيوصونه بالصبر والثبات, فإذا تعاون الجميع على الخير أمكن استمرار الحياة الزوجية على أطيب الأحوال.

أيها المسلم، بعض الرجال يمارس ضغوطاً على المرأة حتى يحصل الطلاق لينتقم منها, فيتخذ من الضغوط, الأولاد أولاً, ربما لا يمكنهم من رؤية أمهم, وربما يتركهم فلا يراعاهم ولا ينفق عليهم فيضيعوا, إما أن يأخذهم عنده فيعاملون غير معاملة الرفق واللين, وإما أن يتركهم عند أمهم فلا يرعاهم ولا ينفق عليهم, وقد تتأثم الأم على زوجها فتنتقم منه فتمنع أولاده من الذهاب إلى أبيهم، كل هذه الأغلاط والأخطاء ينبغي تلافيها وتداركها، وأن لا نتخذ من الطلاق وسيلة انتقام وضغط للآخرين, وإلحاق الضرر بالآخرين.

فلنتفق الله في أنفسنا, ربنا جل وعلا أمر الزوج إذا طلق أن يترك المرأة في المنزل مدة العدة لعل الله أن يحدث بعد ذلك أمراً، لعله أن يندم ولعلها أن تندم، جعل الطلاق مراحل: أولى ثم ثانية ثم ثالثة.

أولى فإن يكن من المرأة الخطأ ندمت أو من الرجل، ثم الثانية, فإذا طلقها الثالثة علم أن الحياة الزوجية لا يمكن استمرارها واستقرارها.

فعلى الجميع لزوم حدود الله، والوقوف عندها؛ لأن الله يقول: وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1].

فلنتق الله في طلاقنا, لا من حيث الزمن, ولا من حيث العدد, ولا من حيث الإقدام عليه إلا بعد تعذر كل وسيلة يمكن أن نستعملها حتى لا نلجأ إلى الطلاق ولانجعله الحل لمشاكلنا.


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يأيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاء فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ وَاتَّقُواْ اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً [الطلاق:1].

 أيها المسلمون، يقول الله جل وعلا: وَيَئَادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَاذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَاذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ [الأعراف:19-22].

أيها المسلم يبين لنا ربنا جل وعلا أنه أسكن أبانا آدم وزوجته الجنة, وأباح لهما كل شيء فيها إلا شجرة واحدة عينها لهما ونهاهما عن قربانها, ولا تأكلا من هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، هذه شجرة واحدة منع آدم وزوجته من الأكل منها وسائر ثمار الجنة أبيحت لآدم وزوجته, ماذا عمل عدو الله إبليس؟ وسوس لهما وقال لهما: إن ربكما ما نهاكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، فإذا أكلتما منها كنتما من الخالدين دائماً, وقاسمهما أقسم لهما أنه ناصح فدلاهما بغرور.

أيها الإخوة، هكذا الشيطان يعمل مع بني آدم يظهر لهم الشر والفساد والبلاء في قالب الإصلاح والمصلحة, يزين لهم الباطل حتى يظنوه خيراً, ويقبح لهم الخير حتى يظنوه باطلاً، وهكذا أعوان الشياطين من شياطين الإنس الذين يسعون في الأرض فساداً, يغوون الجهال ويغرونهم ويصدوهم عن طريق الله المستقيم, يرونهم الباطل في قالب الحق, والشر في قالب الخير, ليظن الجاهل أن أولئك محقون, والله يعلم أنهم مفسدون.

أيها المسلم، كم من عدو متربص بالأمة ساعٍ في الأرض فساداً، لكنه يلبس لبوساً لأجل أغراضه ومطامعه, فقد يكون في قلبه مرض ونفاق وحقد على الإسلام وأهله، لا يروي غليله, ولا يطفئ حقده إلا أن يرى بين المسلمين شراً, فهو والعياذ لله داعية ضلال وساعٍ في الأرض فساداً, يأتي لجاهل ولمراهق ولغمر لا يفهم, فيحسن له الباطل, يحسن له قتل الأبرياء وسفك الدماء وإخلال الأمن, يقول هذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, أقتل, ودمر, واختر من تقتله وأنت آمر بمعروف أوناهٍ عن منكر، وقد يأتيه يوم ويقول له: هذا من كراهية أعداء الله وموالاة أولياء الله, وقد يأتيه في صور شتى، لكن يعلم الله منه أن قصده الفساد والإثم، يقول لهم: افعلوا وأقدموا على إجرامكم فإنكم في الجنة؛ لأنكم قتلتم الكفار والمشركين, فأهل الإسلام المصلين الصائمين يراهم هذا الخبيث يراهم مجرمين يجب قتلهم واستئصالهم.

هكذا يحسن أعداء الإسلام لمن لا بصيرة عنده, ولا علم عنده يحسن له الشر كما حسن الشيطان لأبينا آدم الأكل من تلكم الشجرة حتى أهبطه الله إلى الأرض, لكن الله تدارك أبينا آدم فتاب عليه وعفا عنه.

أيها الشاب المسلم، فاحذر دعاة السوء، احذر دعاة السوء ومجالس السوء وأرباب السوء مهما أظهروا لك من الغيرة على الدين, ومهما قالوا لك من الدفاع عن الدين, إذا كانوا يأمرونك بقتل المسلمين وسفك دمائهم وترويعهم والإخلال بأمنهم فاعلم أنهم مجرمون ومفسدون, المصلح لا يدعو إلى فتنة, ولا يؤيد الفتنة, وإنما يدعو إلى الخير بالطرق الشرعية.

أما سفك الدماء وقتل الأبرياء، سفك الدماء تدمير الأمة, ارباكها، فليس هذا من الدين أبداً، هذا كله من تزيين الشيطان, لا تطع أولئك, ولا تنقد لهم, ولا تطعهم فيما يقولون وما يبغضون, إنهم أعداؤك وأعداء دينك وإن تظاهروا بما يتظاهرون به, فلو كان في القلب إيمان وإسلام لاحترموا الدماء والأموال والأعراض، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، وروى في الحديث: ((لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً))(6)[1].

فيا أخي المسلم، كيف يستبيح إنسان قتل رجل أمن مثلاً, هذا رجل يدافع عن دين ثم عن أمته فلماذا تسفك دمه؟ لماذا؟ لأن هذا الذي خطط لهذا يرى أولئك كفاراً دماؤهم حلال, وقتلهم واجب, كل هذه من المغالطات كل هذه من دعاة الفتن, من دعاة الضلال, من أقوام امتلأت قلوبهم مرضاً وحقداً على الإسلام وأهله.

فاتقوا الله يا شباب الإسلام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وإلى دينه أمر مطلوب شرعاً, لكن بالطرق الشرعية المأذون بها, بالأمر بالمعروف في حدوده, والدعوة إلى الله بوسائلها, إما أن نتخذ من سفك الدماء وترويع الآمنين أن نتخذها وسيلة وندعي أن هذا دعوة وأن هذا إصلاح هذا ليس بالإصلاح أبداً, وهذا مناف للإصلاح, وبعيد كل البعد عنه.

فلنتق الله في أنفسنا، ولنتق الله في أمننا وأمن مجتمعنا ولنحرص على التناصح والتعاون فيما بيننا في سبيل ما يقلص هذه الجريمة, ويقطع دابرها, فكل منا مسؤول عن واجبه نحو أمته, والنبي يقول لنا: ((لعن الله من آوى محدثاً))(7)[2]. فالمحدث الفاجر الظالم لا يجوز إيواؤه ولا يجوز التستر عليه؛ لأنه والعياذ بالله إذا ترك واستمر على إجرامه وفساده فضرره ليس على فئة معينة, ضرره عليك وعلى فلان وعلى أهلك وعلى مجتمعك.

فلنتق الله في أنفسنا ولا نطع أعداءنا ولا نطع من في قلبه مرض على الإسلام وأهله فأمننا نحن جميعاً مسؤولون عنه, نرجوا الله أن يحفظنا من كل سوء, وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن ذنوبنا أن لا تكون جنداً علينا, نسأل الله السلامة والثبات, ولا شك أن ما أصاب العباد فبذنوبهم وما ربك بظلام للعبيد.

__________

(1) أخرجه أبو داود في الطلاق، باب: في كراهية الطلاق (2178)، وابن ماجه في الطلاق، باب: حدثنا سويد بن سعيد (2018) من حديث ابن عمر، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (472).

(2) أخرجه الإمام أحمد (21874)، وأبو داود في الطلاق، باب: في الخلع (2226)، والترمذي في الطلاق، باب: ما جاء في المختلعات (1187)، وقال: حديث حسن، وابن ماجه في الطلاق، باب: كراهية الخلع للمرأة (2055)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1672).

(3) أخرجه النسائي في الطلاق، باب: الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ (3401) من حديث محمود بن لبيد. قال ابن حجر: "رجاله ثقات لكن محمود بن لبيد ولد في عهد النبي ولم يثبت له من سماع وإن ذكره بعضهم من الصحابة فلأجل الرؤية، فتح الباري (9/362).

(4) أخرجه أبو داود في الطلاق، باب: في الطلاق على الهزل (2194)، والترمذي في الطلاق، باب: ما جاء في الجد والهزل في الطلاق (1184)، وقال: حسن غريب والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم، وابن ماجه في الطلاق، باب: من طلق أو نكح... (2039).

(5) أخرجه مسلم في صفة القيامة والجنة والنار، باب: تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس (2813) من حديث جابر.

(6) أخرجه البخاري في الديات، باب: قول الله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً (6862) من حديث ابن عمر.

(7) أخرجه مسلم في الأضاحي، باب: تحريم الذبح لغير الله... (1978) من حديث علي بن أبي طالب.

(1/2838)


هناك تعليق واحد:

  1. بارك الله فيك وجزاك الله عنا كل خير ااااااااااا

    ردحذف