الأحد، 22 مارس 2015

نعمة أنعم الله بها على أهل الأرض عامة وعلى المسلمين خاصة نعمة الإسلام


نعمة أنعم الله بها على أهل الأرض عامة وعلى المسلمين خاصة نعمة الإسلام

الحمد لله كثيراً كما ينعم كثيراً، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله شهادة تامة نرجو بها النجاة يوم لقاه.

 ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102]، اتقوا الله وتمسكوا بما شرع لكم من الدين القويم، واشكروه على ما منّ به عليكم من ملة أبيكم إبراهيم حين ضل عن الحق من الأمة سواد عظيم، وتمسكوا بطاعة الله على منهاج رسوله ، فإن في ذلك السلامة والنجاة والعز والرفعة والجاه، وإياكم ومعاصيه فإنها توجب أليم العقاب, ووبيل العذاب.

فاتقوا الله, وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البقرة:281].

وبعد أيها المسلمون، إن أجل نعمة أنعم الله بها على أهل الأرض عامة وعلى المسلمين خاصة نعمة الإسلام، وبعثة نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام، لقد كان أهل الأرض قبل مجيء الإسلام في ظلام دامس، وضلال طامس، عدا غُبّر من أهل الكتاب وبقايا ممن على الحنيفية ملة إبراهيم. أما من سواهم من ورثة الأديان السماوية، وصانع المعتقدات الوثنية الأرضية، فقد اغتالوا زكى النفوس وسليم الفطر فذبحوها على عتبات الوثنية, وغمسوها في لجج الجاهلية، فاستزرعوا الأصنام في جنبات الحرم, وغيبوا العقول في متاهات الظلم.

وهكذا انطمست أنوار الرسالة السماوية، وتلاعب الشيطان ببني آدم، فاشتدت حاجة أهل الأرض إلى بعثة نبي رسول من عند الله، يخرجهم من الظلمات إلى النور، وأدركتهم رحمة أرحم الراحمين، فكانت بعثة محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين، فأشرقت به الأرض بعد ظلماتها، واجتمعت عليه الأمة بعد شتاتها، وجاء الإسلام العظيم يحمل للبشرية كل خير، ويزيح عنها كل شر.

إنه الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل, يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر, ويحل لهم الطيبات, ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.

واختار الله له أنصاراً وأعواناً، هم صحابة رسول الله , أبر الناس قلوباً، وأغزرهم علماً، وأقلهم تكلفاً، فجاهدوا في الله حق جهاده، وحفظوا لنا الدين، ونقلوا إلينا الشريعة، ونشروا الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، بالعدل والرحمة حتى أظهره الله على الدين كله، وأخمد به نار المجوس، ودمّر كبرياء اليهود، وكشف ضلال النصارى، وحطّم أصنام الوثنية، وملأ الأرض عدلاً, والقلوب فقهاً وخشية وإيماناً، وصنع قادة وسادة وأحباراً، فتحوا البلاد بالجهاد، والقلوب بالعلم والحكمة والقدوة والرحمة، وأخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، وفجروا ينابيع العلم حتى ملؤوا مدارس العالم ومكاتب الدنيا بعلومهم ومؤلفاتهم, مما لم يعرف العالم له نظيراً من سائر الملل.

هذا هو دين الإسلام الذي شهد الله تعالى به بالكمال فقال سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3].

أيها المسلمون، ولقد وقف الشيطان وحزبه من هذا الدين ولا زالوا يقفون موقف العدو اللدود، واستخدموا كل ما يملكون من الوسائل للقضاء عليه, أو للصد عنه، أو تشويهه, حاربوه فانتصر عليهم، حاولوا محاصرته في بلده ومنع انتشاره فاكتسح كل الحواجز والحدود، وامتد نوره ساطعاً في أرجاء المعمورة فاعتنقته القلوب السليمة والفطر المستقيمة؛ لأنه دين الله، دين الفطرة، الذي يلائم كل زمان ومكان, حاولوا الدس فيه وإلقاء الشبه على تشريعاته وأحكامه، فارتدت سهامهم في نحورهم, وبقي هذا الدين غضاً طرياً كما أنزل.

كما دخل على المسلمين منافقون خادعون فكشف الله سريرتهم, وأظهر للمسلمين علاماتهم، ليحذروهم إلى يوم الدين, ولتعرفنهم في لحن القول.

كما دخل أعداء الدين للفرقة بين المسلمين، لإلقاء العداوة بينهم وتمزيقهم, فخرجت فرق شتى فكان ذلك مصداق ما أخبر به النبي من افتراق أمته على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهذه الفرقة الواحدة هي الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، من كان على مثل ما كان عليه النبي وأصحابه(1)[1].

ولا تزال بإذن الله موجودة إلى قيام الساعة، يقول النبي : ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)) رواه مسلم(2)[2].

وبهذا يبقى دين الإسلام منتصراً، ويبقى من تمسك به منصوراً، ومن خالف ذلك فلا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئاً.

أمة الإسلام، ومع اختلاف الناس وتشعبهم في دينهم وانتشار الجهل والهوى في بعض الأعصار أو الأمصار إلا أن الله تعالى رحيم بأمته، قد جعل في هذه الأمة الخير إلى قيام الساعة، فلم ينقطع من العلماء الربانيين من يدعو الأمة ويرشدها إلى العودة إلى دينها الصحيح الصافي من الشوائب والعوائق، ويردها إلى المورد العذب الأصيل، الكتاب والسنة، ليكون المجتمع على مثل ما كان عليه النبي وأصحابه، وهذه سنة الله الماضية.

ومع هذا فلا يزال أيضاً أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين والعملاء والمدسوسين يواصلون حربهم ضد الإسلام الصحيح بكل ما يستطيعون من مكائد ودسائس وافتعال مواقف وتذليق منافقين إلا أن دين الله واضح وسنة المصطفى بينة, والمحجة بيضاء ناصعة, ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وتعود السهام إلى صدور أصحابها خاسئة ذليلة, ويبقى الإسلام طوداً شامخاً, وحصناً منيعاً محفوظاً بحفظ الله، يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ f هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:32,31].



 أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

أمة القرآن، أمة التوحيد والإيمان، إنه لا يشك مسلم في نصر الله لأوليائه، ودفاعه عنهم إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءامَنُواْ [الحج:38]، كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21].

وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141].

ولكن هذا لا يكون لمن تخاذل وبدل دينه الصحيح, وحارب التوحيد والسنة، وحكم غير شرع الله، وولغ في المعاصي وعادى أولياء الله، إنما الدفاع والنصر والتمكين لمن قبض على دينه، وعض بالنواجذ على ما جاء في الوحيين, واطرح الهوى, واتبع الهدى, وأخلص قصده وعمله لربه، عند ذلك يتحقق له وعد الكمال: ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد:7، 8]، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ [الحج:40].

وأما الناعقون والمعتدون فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم، ولا يجوز لمسلم أن يتنازل عن دينه ومعتقده, أو يساوم على مبادئه وثوابته, كما لا يجوز أن تكون أخطاء بعض المسلمين, أو المتحمسين لدينهم, أو المتهورين في تصرفاتهم سبباً في ترك الحق الواجب علينا اتباعه. وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ ءايَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [القصص:87].

اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، ولا تشمت بنا الحاسدين والأعداء.

__________

(1) أخرجه الإمام أحمد (27510)، والترمذي في الإيمان، باب: ما جاء في افتراق هذه الأمة (2640) وقال: حسن صحيح، وأبو داود في السنة، باب: شرح السنة (4596)، وابن ماجه في الفتن، باب: افتراق الأمم (3991)، وأخرجه بزيادة ((من كان على مثل...)) الترمذي في الإيمان، باب: ما جاء في افتراق هذه الأمة (2641) من حديث عبد الله بن عمرو، وقال: هذا حديث حسن غريب مُفسَّر لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه.

(2) في الإمارة، باب: قوله : ((لا تزال طائفة...)) (1920) من حديث ثوبان، وأخرجه أيضاً من حديث جابر بن عبد الله ومعاوية. وأخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: قول النبي : ((لا تزال طائفة..)) (7311) من حديث المغيرة بن شعبة.

(1/2835)


0 التعليقات:

إرسال تعليق