الخميس، 5 مارس 2015

فكيف لا نحبه أوذي وصبر لأجل من لولا صبره


الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.أما بعد: أيها الإخوة الكرام

حديثي إليكم هو من صلب الدين والإيمان، ومن صميم العقيدة، بل لا يتم إيمان العبد إلا بهذا الحديث الذي سوف أتكلم عنه، وتطبيق هذه المسألة من أصول الدين، فأعيروني قلوبكم وأسماعكم ألا وهي علاقتنا بالنبي محمد ص. يقول الرب جل وعلا:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيكُمْ}.أيها الأحبة هل بقي شيء من الدنيا ما بقي شيء الأولاد والأزواج والأقرباء والعشيرة والأموال والتجارات والمساكن كل شيء من الدنيا لو كانت هذه الدنيا{أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}ثلاث مَن كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان-بعض الناس يتساءل: أنا لا أشعر بلذة في الدين لا أشعر بلذة في الطاعات لا أشعر بلذة في الإيمان اعلم أيها الحبيب أنه: ثلاث مَن كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أول الثلاث: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ).يأتي رجل من الأنصار فيقول:(يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر فتخيل: الرجل يتذكر النبي في البيت فما يتحمل وما يصبر أيُّ حب وأيُّ تعلق بالنبي هذا يقول: لا أتحمل حتى آتي فأنظر إليك وأجلس عندك يقول: فإذا ذكرت الموت الذي سوف يفرق بيني وبينك فإني لا أطيق ولا أتحمل أبكي ولا أصبر على فراقك فيقول له النبي: قال الله جل وعلا:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ} هذا هو الشرط أيها الأحبة لإتباع النبي{فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ}يا من تسمعني: ألا تتمنى لقاء النبي عليه الصلاة والسلام ألا تتمنى الجلوس بقربه ألا تتمنى معانقته ومصافحته ألا تتمنى أن تجلس فتستمع إليه فلا بد لنا إتباع هديه ص وقبله الإخلاص لله قال ص: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: ومن يأبى يا رسول الله قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)يأتي رجل فيقول(يا رسول الله متى الساعة فيقول له النبي وما أعددت لها قال لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله أعمالي قليلة لكني أحب الله ورسوله قال ص: إنك مع من أحببت) والمرء يحشر يوم القيامة مع من أحب.يا عباد الله والله إنه النبي رحمة للعالمين نحبه إي والله نحبه لِمَ نحبه لأن الله عز وجل بعثه ليخرج الناس من عبادة العباد ومن عبادة الأصنام والأوثان إلى عبادة رب الأرض والسماء.تَعِب عليه الصلاة والسلام، وتحمل في سبيل الدعوة إلى الله ليخرج الناس من الضلال إلى الهدى ومن الظلام إلى النور حتى بدأ المشركون يعادونه: هاهو يأتي يوماً من الأيام فيسجد عند الكعبة فيأتي أشقى القوم ويلقي على ظهره سلى ولا تأتي إلا ابنته فاطمة رضي الله عنها فتزيل عن ظهر أبيها سلى وهي تبكي فيتم صلاته عليه الصلاة والسلام ثم يستقبل القوم فيدعو عليهم واحداً واحداً. يأتي يوماً من الأيام يطوف بالبيت وحول البيت الأصنام والأوثان، فيغمزه المشركون ويستهزئون به. يأتي أشقى القوم يوماً من الأيام فيخنقه حتى كاد يقتله عليه الصلاة والسلام ولا يدفعه عنه إلا أبو بكر رضي الله عنه يدفع الفاسق المشرك وهو يقول:{أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} فاستقبل المشركون أبا بكر فضربوه حتى لم يعرف رأسه من قفاه من شدة الدم وظن الناس أن أبا بكر قد مات غمزوه ولمزوه وسخروا به، بل وضربوه، وخنقوه، وكادوا يقتلونه{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً}أوذي وخُنِق ومُنع من الدعوة إلى الله حتى قال فيه أبو لهب لما دعاهم على الصفا: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا يستقبل الناس في الحج فيغلقون آذانهم، ويغطون رءوسهم، يدخل عليهم خيامهم خيمة خيمة عليه الصلاة والسلام يقول:(قولوا:لا إله إلا الله تفلحوا) فيدخل بعده رجلٌ أحول وضيع الوجه إنه عمه أبو لهب يدخل خلفه فيقول: لا عليكم منه إنه ابن أخي إنه مجنون إنه كذاب إنه ساحر هاجر إلى الطائف يدعوهم إلى الله، فردوه، وتبعه العبيد والسفهاء بالحجارة هل دعا عليهم هل طلب من ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين أو دعا على قريش لا وربي. رفع يديه إلى الله وقال:(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي لكن عافيتك أوسع لي).خرج إلى الدنيا يتيماً لم يرَ أباه، ماتت أمه وهو صغير لم يبلغ الحلم، تربى عند جده، فلما مات جده تربى عند عمه، فلما شب واستقام، دعا إلى الله ونصره أبو طالب الذي مات ولم يُسلم، احترق قلب النبي ص، استغفر له اللهَ، فمنعه اللهُ جل وعلا.تزوج من خديجة فإذا به يحبها حبا شديدا، ولكنها غادرت الدنيا وفارقته، وتُرك في هذه الدنيا بين مستهزئ وساخر، وشاتم وضارب، انظروا كيف صبر، فكيف لا نحبه أوذي وصبر لأجل من لولا صبره، لولا تحمله، لولا جهاده عليه الصلاة والسلام لكان الواحد منا الآن يتبع أي دين ماذا يكون مصيرنا كان أصحابه رضوان الله عليهم كانوا يحبونه حباً جماً، هذا طلحة رضي الله عنه، في غزوة أحد يقاتل دون النبي عليه الصلاة والسلام وكلما أراد أن يتقدم يؤخره النبي ص ويقدم غيره قال: (أنا يا رسول الله فيقول له النبي: اجلس فيقاتل أحد الصحابة فيقتل حتى جاء دور طلحة رضي الله عنه فيقاتل حتى قُطِعَت أصابعه فإذا به يقول: حسبي قال ص: إذا قلت: باسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون)سعد بن الربيع يقول النبي: (أين سعد أين سعد ابحثوا عن سعد وائتوني بخبره فيذهب الصحابة يبحثون عنه فيأتيه رجل وإذا بسعد يحتضر في الرمق الأخير فيقول له: يا سعد إن رسول الله يقرؤك السلام ويقول: كيف تجدك فيقول سعد: أبلغه مني السلام وأخبره أني أجد ريح الجنة الله أكبر وهو في الدنيا يشم رائحة الجنة ثم أخبر قومي الأنصار وقل لهم: لا عذر لكم أن يُخْلَص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف).هذا أنس بن النضر لما رأى بعض الصحابة جالسين، قال لهم: ما الذي أجلسكم قالوا: مات رسول الله، قال لهم: فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله فأخذ أنس يخترق صفوف المشركين، فيقاتل في سبيل الله، فيصاب بأكثر من ثمانين ضربة وطعنة، فيخر على الأرض صريعاً{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} هكذا وتمر الأيام ويأتي اليوم الموعود مرت الأيام، اشتد المرض على النبي ص حتى ارتفعت به الحمى، واشتدت به الحرارة، حتى جاء ذلك اليوم الذي استأذنه بلال بالصلاة، فقال النبي لعائشة: (مري بلالاً يقرئ أبا بكر السلام، ويقول له أن يصلي بالناس، قالت عائشة: إن أبا بكر رجل أسيف يا رسول الله مُرْ غيره، قال: مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس) خليفته من بعده، إنها الخلافة الشرعية التي سوف تكون هي الخلافة فإذا ببلال يؤذن أبا بكر أن يصلي بالناس، فأقام بلال الصلاة، فكبر أبو بكر بالصلاة وأخذ الصحابة يبكون لأن الإمام وإن كان أبو بكر، لكنه ليس حبيبهم رسول الله ص يوم ويومان ويشتد بالنبي المرض، كان يسكب عليه الماء الكثير بالقرب، حتى يقوم في الناس ليصلي، ولكنه لم يستطع عليه الصلاة والسلام دخلت عليه فاطمة فبكت لما رأت حاله وقالت: (واكرب أبتاه واكرب أبتاه قال: يا فاطمة لا كرب على أبيك بعد اليوم لا كرب على أبيك بعد اليوم جاءت إليه فأسرَّها بِسِرٍّ فبكت فاطمة ثم بِسِرٍّ آخر فضحكت فاطمة رضي الله عنها).فقالت عائشة بعد زمن:ماذا كان ذلك الذي أخبرك به قالت: أخبرني بأنه سوف يفارق الدنيا فبكيت ثم أخبرني بأنني أول الناس لحوقاً به فضحكت واستبشرت بهذا.مر اليومان ثم في اليوم الثالث اشتد بالنبي عليه الصلاة والسلام المرض، وكان عند عائشة فدخل عبد الرحمن أخوها، وكان بيده سواك، فنظر النبي إلى السواك، فرطَّبته عائشة بريقها، وسوَّكت به النبي عليه الصلاة والسلام، ورأسه بين حجر عائشة ونحرها، وبل ريقه ريقها، ثم بعد قليل قال النبي-بعد أن وصَّى الأمة بما وصَّاها بها-: ( لا إله إلا الله لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، إن للموت لسكرات، ثم قال: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى) ثم غُمِّضت عيناه، وفارقت تلك الروح الطاهرة ذلك الجسد الطيب، فأظلم في المدينة كل شيء دمعت أعين الصحابة، وبكى مَن بكى.أما علي فلم يقدر على الكلام.وأما عثمان فلم يقوَ على القيام.وأما عمر فقال:من زعم أن رسول الله قد مات لأضربنه بالسيف إنه لم يمت بل ذهب إلى ربه وسيعود كما ذهب موسى.حتى جاء أبو بكر إلى بيت ابنته عائشة فدخل على النبي ص وقد غطوه بالغطاء فأزال الغطاء عن وجهه فدمعت عيناه ثم قبله بين عينيه وقال:طبت حياً وميتاً يا رسول الله والله لا يذيقنك الله الموت مرة أخر.ثم خرج إلى الناس فنظر إلى عمر قال: يا عمر اجلس.فما جلس يا عمر اجلس فما جلس.فقام أبو بكر خطيباً في الناس،وقال قولته الشهيرة: أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم قرأ قول الله:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} يقول عمر:كأنني أسمع الآية لأول مرة فرددها الصحابة في الطرق والشوارع والكل يردد هذه الآية.ثم غسل النبي عليه الصلاة والسلام، ثم أدخل جسده الطاهر ذلك القبر الشريف في المكان الذي توفي فيه.تقول فاطمة وقد بكت بعد أن دفن: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله. أما علي رضي الله عنه وهو يغسله يقول وهو يبكي: ما أطيبك حياً وميتاً يا رسول الله.


0 التعليقات:

إرسال تعليق